كتاب الأم/كتاب الجزية/تحريم الفرار من الزحف

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ملاحظات: تحريم الفرار من الزحف



قال: الله تبارك وتعالى {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} وقال عز وجل: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} الآية أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: لما نزلت {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} فكتب عليهم أن لا يفر العشرون من المائتين فأنزل الله عز وجل: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} فخفف عنهم وكتب عليهم أن لا يفر مائة من المائتين.

[قال الشافعي]: وهذا كما قال ابن عباس إن شاء الله تعالى مستغنى فيه بالتنزيل عن التأويل وقال: الله تعالى: {إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار} الآية، فإذا غزا المسلمون أو غزوا فتهيئوا للقتال فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم أن يولوا عنهم إلا متحرفين إلى فئة فإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحب لهم أن يولوا عنهم، ولا يستوجب السخط عندي من الله عز وعلا لو ولوا عنهم إلى غير التحرف للقتال والتحيز إلى فئة؛ لأنا بينا أن الله عز وجل إنما يوجب سخطه على من ترك فرضه وأن فرض الله عز وجل في الجهاد إنما هو على أن يجاهد المسلمون ضعفهم من العدو، ويأثم المسلمون لو أطل عدو على أحد من المسلمين وهم يقدرون على الخروج إليه بلا تضييع لما خلفهم من ثغرهم إذا كان العدو ضعفهم وأقل.

قال: وإذا لقي المسلمون العدو فكثرهم العدو أو قووا عليهم، وإن لم يكثروهم بمكيدة، أو غيرها فولى المسلمون غير متحرفين لقتال، أو متحيزين إلى فئة رجوت أن لا يأثموا، ولا يخرجون والله تعالى أعلم من المأثم إلا بأن لا يولوا العدو دبرا إلا وهم ينوون أحد الأمرين من التحرف إلى القتال أو التحيز إلى فئة فإن ولوا على غير نية واحد من الأمرين خشيت أن يأثموا وأن يحدثوا بعد نية خير لهم ومن فعل هذا منهم تقرب إلى الله عز وجل بما استطاع من خير بلا كفارة معلومة فيه. قال: ولو ولوا يريدون التحرف للقتال أو التحيز إلى الفئة ثم أحدثوا بعد نية في المقام على الفرار بلا واحدة من النيتين كانوا غير آثمين بالتولية مع النية لأحد الأمرين وخفت أن يأثموا بالنية الحادثة أن يثبتوا على الفرار لا لواحد من المعنيين، وإن بعض أهل الفيء نوى أن يجاهد عدوا بلا عذر خفت عليه المأثم، ولو نوى المجاهد أن يفر عنه لا لواحد من المعنيين كان خوفي عليه من المأثم أعظم، ولو شهد القتال من له عذر في ترك القتال من الضعفاء والمرضى الأحرار خفت أن يضيق على أهل القتال؛ لأنهم إنما عذروا بتركه، فإذا تكلفوه فهم من أهله كما يعذر الفقير الزمن بترك الحج، فإذا حج لزمه فيه ما لزم من لا يعذر بتركه من عمل ومأثم وفدية. قال: وإن شهد القتال عبد أذن له سيده كان كالأحرار ما كان في إذن سيده يضيق عليه التولية؛ لأن كل من سميت من أهل الفرائض الذين يجري عليهم المأثم ويصلحون للقتال قال: ولو شهد القتال عبد بغير إذن سيده لم يأثم بالفرار على غير نية واحد من الأمرين؛ لأنه لم يكن القتال، ولو شهد القتال مغلوب على عقله بلا سكر لم يأثم بأن يولي، ولو شهده مغلوب على عقله بسكر من خمر فولى كان كتولية الصحيح المطيق للقتال، ولو شهد القتال من لم يبلغ لم يأثم بالتولية؛ لأنه ممن لا حد عليه، ولم تكمل الفرائض عليه، ولو شهد النساء القتال فولين رجوت أن لا يأثمن بالتولية؛ لأنهن لسن ممن عليه الجهاد كيف كانت حالهن. قال: وإذا حضر العدو القتال فأصاب المسلمون غنيمة، ولم تقسم حتى ولت منهم طائفة، فإن قالوا ولينا متحرفين لقتال، أو متحيزين إلى فئة كانت لهم سهمانهم فيما غنم بعد، وإن لم يكونوا مقاتلين، ولا ردءا، ولو غنم المسلمون غنيمة ثم لم تقسم خمست، أو لم تخمس حتى ولوا وأقروا أنهم ولوا بغير نية واحد من الأمرين وادعوا أنهم بعد التولية أحدثوا نية أحد الأمرين والرجعة ورجعوا لم يكن لهم غنيمة؛ لأنها لم تصر إليهم حتى صاروا ممن عصى بالفرار وترك الدفع عنها وكانوا آثمين بالترك.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا ولى القوم غير متحرفين إلى فئة ثم غزوا غزاة أخرى وعادوا إلى ترك الغزاة فما كان فيها من غنيمة شهدوها، ولم يولوا بعدها فلهم حقهم منها، وإذا رجع القوم القهقرى بلا نية لأحد الأمرين كانوا كالمولين؛ لأنه إنما أريد بالتحريم الهزيمة عن المشركين.

وإذا غزا القوم فذهبت دوابهم لم يكن لهم عذر بأن يولوا، وإن ذهب السلاح والدواب وكانوا يجدون شيئا يدفعون به من حجارة، أو خشب، أو غيرها، وكذلك إن لم يجدوا من هذا شيئا فأحب إلي أن يولوا فإن فعلوا أحببت أن يجمعوا مع الفعل على أن يكونوا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة، ولا يبين أن يأثموا؛ لأنهم ممن لا يقدر في هذه الحالة على شيء يدفع به عن نفسه، وأحب في هذا كله أن لا يولي أحد بحال إلا متحرفا لقتال، أو متحيزا إلى فئة.

ولو غزا المشركون بلاد المسلمين كان تولية المسلمين عنهم كتوليتهم لو غزاهم المسلمون إذا كانوا نازلين لهم عليهم أن يبرزوا إليهم.

قال: ولا يضيق على المسلمين أن يتحصنوا من العدو في بلاد العدو وبلاد الإسلام، وإن كانوا قاهرين للعدو فيما يرون إذا ظنوا ذلك أزيد في قوتهم ما لم يكن العدو يتناول من المسلمين، أو أموالهم شيئا في تحصنهم عنهم، فإذا كان واحد من المعنيين ضررا على المسلمين ضاق عليهم إن أمكنهم الخروج أن يتخلفوا عنهم، فأما إذا كان العدو قاهرين فلا بأس أن يتحصنوا إلى أن يأتيهم مدد أو تحدث لهم قوة، وإن ونى عليهم فلا بأس أن يولوا عن العدو ما لم يلتقوا هم والعدو؛ لأن النهي إنما هو في التولية بعد اللقاء.

[قال الشافعي]: رحمه الله والتحرف للقتال الاستطراد إلى أن يمكن المستطرد الكرة في أي حال ما كان الإمكان والتحيز إلى الفئة أين كانت الفئة ببلاد العدو، أو ببلاد الإسلام بعد ذلك أقرب إنما يأثم في التولية من لم ينو واحدا من المعنيين أخبرنا ابن عيينة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن عمر قال (بعثنا رسول الله في سرية فلقوا العدو فحاص الناس حيصة فأتينا المدينة وفتحنا بابها فقلنا يا رسول الله: نحن الفرارون قال: أنتم العكارون وأنا فئتكم) أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أنا فئة كل مسلم.


كتاب الأم - كتاب الجزية
مبتدأ التنزيل والفرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم على الناس | الإذن بالهجرة | مبتدأ الإذن بالقتال | فرض الهجرة | أصل فرض الجهاد | من لا يجب عليه الجهاد | من له عذر بالضعف والمرض والزمانة في ترك الجهاد | العذر بغير العارض في البدن | العذر الحادث | تحويل حال من لا جهاد عليه | شهود من لا فرض عليه القتال | من ليس للإمام أن يغزو به بحال | كيف تفضل فرض الجهاد | تفريع فرض الجهاد | تحريم الفرار من الزحف | في إظهار دين النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأديان | الأصل فيمن تؤخذ الجزية منه ومن لا تؤخذ | من يلحق بأهل الكتاب | تفريع من تؤخذ منه الجزية من أهل الأوثان | من ترفع عنه الجزية | الصغار مع الجزية | مسألة إعطاء الجزية بعدما يؤسرون | مسألة إعطاء الجزية على سكنى بلد ودخوله | كم الجزية ؟ | بلاد العنوة | بلاد أهل الصلح | الفرق بين نكاح من تؤخذ منه الجزية وتؤكل ذبائحهم | تبديل أهل الجزية دينهم | جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه | جماع نقض العهد بلا خيانة | نقض العهد | ما أحدث الذين نقضوا العهد | ما أحدث أهل الذمة الموادعون مما لا يكون نقضا | المهادنة | المهادنة على النظر للمسلمين | مهادنة من يقوى على قتاله | جماع الهدنة على أن يرد الإمام من جاء بلده مسلما أو مشركا | أصل نقض الصلح فيما لا يجوز | جماع الصلح في المؤمنات | تفريع أمر نساء المهادنين | إذا أراد الإمام أن يكتب كتاب صلح على الجزية كتب: بسم الله الرحمن الرحيم | الصلح على أموال أهل الذمة | كتاب الجزية على شيء من أموالهم | الضيافة مع الجزية | الضيافة في الصلح | الصلح على الاختلاف في بلاد المسلمين | ذكر ما أخذ عمر رضي الله تعالى عنه من أهل الذمة | تحديد الإمام ما يأخذ من أهل الذمة في الأمصار | ما يعطيهم الإمام من المنع من العدو | تفريع ما يمنع من أهل الذمة | الحكم بين أهل الذمة | الحكم بين أهل الجزية