عشائر العراق/1

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

عشائر العراق
الجزء الاول
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
على رسوله محمد وآله وصحبه أجمعين
- المقدمة -
كانت الاقوام ولا تزال النفرة بينها قائمة على قدم وساق من أمد بعيد، وكذا التمايز سائراً على وتيرة، وان شيوع الحضارة، والتعارف العلمي، وسهولة وسائط النقل المؤدي للأختلاط والالفة... كل هذه لم تؤلف بين الشعوب، ولا دعت إلى التقريب بينهم، ولم تزل الفروق باقية، والبغضاء سائدة فلم ترتفع الشحناء مما ولدته العصبية الباطلة، والنعرات المذمومة بحيث صارت لا ترتكز على ارادة خير الانسانية، والعمل لصلاحها، أو تعاونها على هذه الحياة بتذليل صعابها...
وهذه الفكرة يتخلل صفوفها مجموعات تدعو إلى الفة أخرى هي الاخوة المبدئية، والقوة الحزبية، ونرى أساسها الاشتراك في الآراء للتعاون، والوحدة في السلوك، وحب التآخي... وان اختلفت القوميات وتناءت الاقطار... وهذه أيضاً في تكاتف شديد، واتصال مكين وان كان الموضوع لا يراد به إلا تطلب الاصلاح في ناحية معينة وتعديل السلوك فيها خاصة... ولا تزال الامم في خطر من هذا العداء؛ والمبادي ضعيفة، وتقوية ناحيتها من الامور المشهودة؛ وان الفروق والميزات مما نفر بين الاقوام بعضها من بعض...
والعرب لم يخرجوا من نطاق هذا بل كان فيهم ما يزيد، ووسائل العداء فيما بينهم كثيرة، يدعو اليها وضعهم وما هم فيه.. من غزو وغارة وقتال مستمر... يتكوّن بينهم غالباً لادنى حادث أو لأقل سبب... والذي يتأهب لمثل هذه الامور يختلق، أو يوجد ما يدعو لتنفيذ رغبته والقيام بعمليته...
هذه الحالة نراها في كافة اوضاعهم الجاهلية، ووقائعهم المعروفة في ازمانهم الغابرة وامثلتها كثيرة جداً... بل التاريخ طافح بها من هذا النوع... فكان من نصيب الاسلامية ان غيرت هذه الحالة وجعلت اساسها احترام الشعوب والقبائل، وجعلتها واسطة التعارف، ووقفتها عند حدودها، ودعت إلى الاسلام والتآلف، وحثت على الوفاء بالعهود، ولم تبرر نقض العهد بوجه، ومنعت من المفاجآت الحربية بلا سبب صحيح... فسيرت هؤلاء نحو الطريقة المثلى، والاخوة العامة، وازالة البغضاء من البين... أصلحت الحالة الاجتماعية، وسيرت القوم نحو السيرة اللائقة...
ولما كان العرب أول من بدأت الدعوة فيهم بسبب تغلب البداوة عليهم لزم تسييرهم بمقتضى تلك الشريعة فقامت اولا باصلاح البيت وأركانه، ثم امرت بالتقريب بين القبائل ومجاوريها، ومنعت مما يضر بالفتها كالتنابز، وذكرالمعايب والمثالب... وحرمت النفوس والاموال بل جعلتهما محترمين... فمشى الكل من بدو وحضر على مرسومها باخلاص في مراعاة سياسة موحدة مبناها المبدأ القويم والاخوة المبدئية، ورفعت الحواجز الرديئة من نعرة جاهلية، وعصبية باطلة...
ومن ثم كان لتعاليمه وقع قبول واذعان بين العرب، لما فيهم من الاوصاف الفاضلة، النبيلة فزال العداء وذهب الخصام، وبقي الوضع القبائلي مداراً للتعارف والتآلف فصاروا اخواناً بعد ان كانوا اعداء مما لم تر البشرية مثله في عصورها السالفة والحاضرة معاً... الغاية شريفة، والوحدة صحيحة والغرض سام لا شائبة فيه للتحكم والاستعباد، والعقيدة خالصة، والطريقة مثلى، والادارة قويمة، ذلك ما مكنهم في الارض، وجعلهم الوارثين...
هذه الروحية مضت على سيرتها تلك مدة، وسيّرت الامم الأخرى بمقتضى نهجها، ولكن لم تستمر على حالتها هذه طويلا... وانما أصابها ركود، واعتراها فتور في نشاطها الذي ولدته في حينه وحصل من الأسباب ما دعا للخمول والعودة إلى الأوضاع السابقة، ومراعاة العرف الجاهلي، والنفرة القبائلية... فتأسست البغضاء ثانية، وبشكل آخر، ورجعنا إلى ما كنا عليه في جاهليتنا، من التنابز، ونسينا التوحيد والوحدة فحلت الشحناء، وتمكن العداء. وأسباب التخريب على قلتها وتفاهة شأنها - كما يتراءى للناظر - أودت بالأمة، وأثرت في الأمم الأخرى المجاورة، وللأثر السيئ حكمه...

(1/1)


وعلى كل تظهر هذه الأوضاع في العشائر أكثر وأوضح، وهي أيضاً صفحة من موضوع حياة العرب في إدارتهم، وثقافتهم، واجتماعهم ولها أثرها في مقدراتهم، وهم مجموعة كبرى... فمن الضروري دراسة أوضاع قبائل العرب قبل دخول الاسلامية وبعدها في حاضرها وماضيها البعيد والقريب.. وبهذا نقف على احوالها في مختلف الازمان ونحصل على فكرة نأمل ان تكون صحيحة... ولا نوسع الموضوع بل نقصر البحث على قبائل العراق حباً في التوغل في دقائقه ليكون مستوفى... ونترك للاقطار الاخرى نصيبها من البحث...
وهذا من أعوص المواضيع الاجتماعية عندنا، وهو أحق بالاهتمام، واولى بالبحث، وأن أهميته لا تقتصر على المعرفة، او الوقوف على الحالة الحاضرة، وان كانت هذه من لوازم البحث وأركانه ولكن تسيير الجماعة، وتوجيه استقامتها مما يحتاج إلى افتكارات عميقة، وقدرة علمية بل خبرة كاملة للتمكن من معرفة نواحي النقص، والوقوف على محط الفائدة تحقيقاً للغرض الاجتماعي الذي لا يصح اهماله، أو التهاون به، وفوات المدة في التلوّم، او التردد مما يؤخر في التقدم والاخذ منه بنصيب...
وليس الامر من نوع المباحث اللاذة أو السمر فحسب، أو المواضيع الادبية البحتة وان كانت لا تخلو منها... وانما يهم القائمين بأمر القبائل واصلاح شؤونهم وملاحظة نواحي ادارتهم، وتربيتهم، ورفاه حالتهم، وخصوماتهم، وآدابهم، وتطوراتها وتقلباتها... بقصد تأسيس ثقافة سليمة، وآداب نافعة، وادارة صالحة... مما يجب ان يراعيه الاجتماعي، أو من يعنيه صلاح هذه المجموعة الكبرى بان ينظر إلى كافة شؤونها، ووسائل اصلاحها، وتنظيم جماعاتها، والطرق التي ترفع مستواها إلى آخر ما يتحتم الالتفات اليه باستطلاع الآراء من كل ناحية وصوب حتى تتكامل المعرفة ومن ثم يعرف ما يستقر حسن الادارة عليه، وهناك تتأسس الحضارة...
ومن المؤسف اننا لم يسبق لنا اشتغال بسعة في هذه المباحث،أو الافتكار بها وعرضها للنقد والتمحيص،ولا استطلعنا الآراء في موضوعها،او الالتفاف اليه بعناية زائدة إلا من نفر قليل لا تتناسب مباحثهم وأهمية هذا الموضوع... ومشارب الناس،ومناحي آرائهم في تلقي موضوع العشائر مختلفة : 1) البدوي. يتطلع إلى ان يعرف مكانته من القبائل الاخرى ليعين القربى ودرجتها، والعداء ومبلغه... ويرغب في التقرب إلى من يمتّ اليه بصلة تبعاً لمقتضيات الغزو وما ماثل، أو لمن يصلح لمن يكون له كفواً، أو لمن هو أعلى منه باعتباره أصل نسبه إلى غير ذلك من الاعتبارات، أو ركونه إلى ناحية الثأر وما يولد الخصام والانتقام...
2) - الحضري. يحاول الانتساب والقربى مجردة لمعرفة قومه الذين تشعب منهم، ولا يلتفت إلى ما كان ينظر إليه البدوي من تقوية تلك الأواصر، والاستفادة منها للحروب والغزو، واثارة العداء، أو تأسيس الولاء وهكذا...
3) - الأجنبي. وهو بعيد عن هذا كله لا يلتفت إلى ما كان يهم أولئك، وإنما يتطلع إلى ما يعين ناحية القوة والقدرة، والعصبية، والبيوت وعددها، ومقدار البنادق، وبيت الرياسة ليتفاهم معه، ويحاول أن يتبصر بالموالي والمعادي...
اختلفت وجهة النظر، وتباعدت نزعة البحث، وزال التقارب، وتناكرت المطالب في تمثيل الرغبات. وإذا كان هناك ما يدعو للاستفادة من ناحية الاشتراك فهو قليل جداً وهذا لا يخلو - إذا تناولته اليد الغريبة - من وقوع في غلط، وسقوط في هوة لا قرار لها، وقد ينال الوضع الحقيقي منها مسخاً وتشويهاً فيؤدي إلى شيوع الخطأ، أو يتولد من تكراره والأخذ به أن يعود الصحيح مغلوطاً فتعكس القضية أو تشوه...
وشتان بين هذه النظرات وبين النظرة الحقيقية المؤسسة على بيان الوضع الصحيح، ولا يتيسر هذا الا بعد مراجعة نصوص كثيرة، وتفكر عميق في الحالة، وتثبيت ما عليه العشائر في الماضي والحاضر... لنعدّ المادة للباحث الاجتماعي، أو المربي فنسأل أنفسنا بعد أن يتم العمل وتنتهي المباحث بقولنا: إذا كانت العشائر بهذه الروحية، وتلك النزعة، وعلى هذا النمط من الحياة الاجتماعية والأدبية... فما الذي يجب أن نراعيه في صلاحها ووحدتها، أو تسييرها؟ وما هي النواقص الطارئة؟ وما العمل المثمر للوصول إلى الاصلاح.؟

(1/2)


ومن ثم تبدأ وظيفة الاجتماعي أو المربي فتستدعي حلَّه، أو تسترعي نظره...! وفي موضوعنا هذا تسهيل لمهمته، وتعيين صحيح للوضع حذراً من أن يغلط المتتبع فيقع في سلسلة نتائج كلها أو أكثرها عثرات... ولا أريد بالاجتماعي الفرد واختباراته الخاصة...! ولما كانت هذه تجربة ولأول مرة، فمن الملحوظ أن تعرض لها أخطاء كثيرة من ناحية الغفلة وعدم الالتفات، أو التقصير في الاستقصاء، أو وجود بعض الحالات في جهة، وما يعارضها في أخرى، وهكذا مما لا يحصى أو لا يحاط به وطبعاً نظرتنا فردية وجهودنا قليلة ولكنها بذرة للمتتبعين، والأمل أن تكون نافعة وقد قيل لا يترك الميسور بالمعسور. ومن الله التوفيق
المراجع التاريخية
غالب من بحث عن القبائل من كتاب العرب القدماء ذكروا تاريخهم القديم ولم يتعرضوا في الأكثر إلى حالاتهم الحاضرة في أيامهم... فكأن القدماء هم المقصودون أصلاً وأساساً، أو من ناحية العلاقة بالاسلامية ورجال حديثها وحملته أو كان اغفال ذلك مبتنياً على معلوميته... فجاءت المباحث ناقصة، أو مبتورة غير موصولة، ومقصورة على عهد معين هو العهد السابق للإسلامية... وكذا معاصرونا فاتتهم أشياء كثيرة، ومواضيعهم تتعلق بأمور لا تخص النواحي المذكورة...
ذلك كله أدى أن يسلم أكثرنا المقاليد إلى الأجانب في بحوثهم، ويأخذوا عنهم ما كتبوه دون تمحيص ولا تروٍ فوقعوا في أغلاطهم... فكانت مشيتنا لحد الآن غير مثمرة لأنها لم تكن ناشئة عن تتبعنا ولا عن ثمرة جهودنا... مما جعلنا نحترز ونراعي التروي في النقل، وأن نشير إلى هذه الأغلاط التي شاعت على أيدي مؤلفينا ومن طريقهم، ليزول ما علق في الأذهان من صحتها والجزم بها...
رأينا الجم الغفير ممن زاولوا البحث ونقلوا أو عربوا حرصوا على السهولة فاستغنوا بهذه المراجع، وبكثرة المباحث وشيوعها فاستهوتهم بسعتها والتفاتها إلى مطالب اجتماعية، أخذوها عفواً وبلا تعب... ثم وقعوا بما وقع فيه أولئك، وجاءت كتاباتهم على الرغم من الجهود المبذولة لا تستحق الاطراء بل يتحتم نبذها. لأنها زادت في الطين بلّة، وأوقعت في أوهام فاضحة على ما سيوضح عند ذكر القبائل وما لحق بعضها أو فروعها من أغلاط...
والنصوص العربية هي معوّلنا في الغالب. وهذه نالها أيضاً من أيدي النساخ والكتاب ما شوه بعض ألفاظها... فصارت تضارع كتب بعض الأجانب. وذلك أنهم في عصورهم المنحطة عادوا لا يبالون بالعناية... والمقابلات بين النصوص المختلفة أو الرجوع إلى المخطوطات القديمة لمعرفة الفرق، ومراجعة الكتب العديدة في اللغة وفي الأنساب خاصة مما يسهل تلافي النقص وإصلاح الغلط بقدر المستطاع...
وأقل الأخطاء ما نراه في كتاب (العقد الفريد) بين (المنتفق) و (المشتق)(1) مثلاً فإنه غلط ناسخ قطعاً. وفي بعض الكتب الحديثة بين (الضفير) القبيلة المعروفة وبين (الدفير) الواصل من طريق الأجانب، وعنزة القبيلة المشهورة و (عينيزة)(2) ومثل هذه يقال ما قيل في غلط الأفكار.. أو في كتابات يراد بها أن يلتذ السامع...
راعينا الأخذ عن القبائل مباشرة، ونبهنا إلى ما وقع من غلط، وجل ما في الموضوع أن جعلنا نهجنا الترصد والاسترابة حتى نستبين طريق الصواب بقدر الاستطاعة، والتوقي حسب الامكان من الاعتماد على كتب الأجانب، ومن كتب أصحابنا إلا بعد التمحيص والتدقيق الزائد على ما في ذلك من صعوبة..
ولا يفوتنا أن نشير إلى أن الغرض ليس هو النقد المجرد، أو التنديد بالمؤلفين السابقين أو المعاصرين، ولا الوقيعة بالأجانب والاسترابة منهم فيما يكتبونه بلا قيد أو شرط، فلا أعتقد أن غالبهم يتعمد الغلط، أو يكتب الباطل، أو ينقل السخيف. وإنما همهم العلم الصحيح، وقد تكبدوا المشاق في هذا السبيل وأفادوا كثيراً... إلا أن الغلط وصل اليهم على أيدي جهال، أو أنهم لم يتمكنوا من النطق بوجه الصحة فكتبوا كما لفظوا، أو كما وصل اليهم... وجل قصدنا مصروف إلى البيان الصحيح، وتعيين وجه الاستفادة من هذه الآثار للوصول إلى ما نحاول بلوغه مع التنبيه إلى ما وقعوا فيه للتجنب منه...

(1/3)


وغاية ما نقوله هنا أن المراجع التاريخية - وإن كانت كثيرة - قليلة المادة ولا نكتفي بواحد منها إذ لم نجد فيها من قصر موضوعه على البحث عن القبائل خاصة، وتكلّم عليها بسعة وتفصيل. وهذه لا مجال لوصغها وإنما أقصر القول على المهم منها مما يتعلق بالعراق خاصة ولكن قبل الكلام على المراجع أقول أننا لم نجد مؤلفات عديدة عن القبائل في مختلف العصور وبصورة متوالية لنعلم العلاقات المستمرة بين عشائرنا الحاضرة والماضية، ولنقف على الاشتقاق والتفرع في الأنساب ولنقطع في معرفة التجولات والتفرعات، فالأسماء تغيرت، وما شاهدناه من القبائل في موطن لمدة قد لا نجد له أثراً في الحاضر، أو أن قسما منه هاجر إلى موطن آخر ولكن لا يعرف تاريخ هجرته وهكذا مما صعب المهمة... فخفي علينا شيء كثير من أحوال العشائر تاريخياً لعدم الالتفات إلى تدوين وقائع مثل هذه إلا أن هذا يجب ألا يثبط العزم بل يدعو إلى البحث، والتدوين بقدر الإمكان في مواصلة المراجع، والآثار بلا كلل ولا ملل، فيزيد المتأخر ما فات سابقه...
أما كتب التاريخ فإنها كتبت لتدوين الحضارة الاسلامية وأثرها في النفوس والخلافة وما قامت به، والملوك ووقائعهم... وأما الحالة القبائلية فلم تتعرض لها إلا أحياناً، وبصورة ضئيلة جداً لا تكشف عن حقيقة الوضع، ولا هي وافية بالغرض وكل ما بحثت عنه أنها دوّنت أعمال الرجال الرسميين والوقائع الشاذة والغرائب فلم تبال بالمألوف المعتاد ولا اهتمت به بل قد نراها عديمة الفائدة فيما يتعلق بالعشائر كأن يقال تحارب فلان مع أمير العرب ولم يسمه(1) أو كما جاء في تاريخ المغول من أن الخليفة جهز أعراب البوادي(2)... ولم يذكر أسماء قبائلهم... والملحوظ أن كتب الأنساب لم تعرّف بالصلة في القبائل المعاصرة إلا قليلا ومع هذا نرى العصور التالية لم تستمر في البيان، ولم تدوّن التبدلات، ولا عينت الأفخاذ دائماً ونجد العناء كل العناء في تعيين وقائع القبائل باستنطاق مؤرخين كثيرين وتقريب النصوص التاريخية مع بعضها ليتيسر الإيضاح، وفي الغالب يمتنع..
وخير معين لمعرفة العشائر كتب الأنساب وكتب الأدب وكتاب الأغاني، والعقد الفريد، وأكثر الدواوين لمشاهير الشعراء، وكتب التاريخ فإنها تذكر بعض المباحث عن قبيلة بقصد أو بدون قصد فيستفيد الباحث منها. ومن أهم المراجع ابن خلدون فإنه كان ذا علاقة بالقبائل واتصال بها، يبحث عنها أحياناً فيوفي الموضوع حقه في نظرات صادقة، وإيضاح نافع يصلح للاستفادة. ومثله كتب ابن حجر سواء الدرر الكامنة أو أنباء الغمر في أبناء العمر فإنه كاد يضارع ابن خلدون في طريقته...
ومن هذه المراجع وغيرها ظهر لنا ان التاريخ لم يدوّن كافة هجرات القبائل إلى الانحاء ولا عرّف بتجولاتها، أو ما أحدثوه من حركة أو سير تاريخي لا لكل قبيلة ولا بصورة عامة... ذلك ما دعانا أن نفتش عما فيها من شعلة - ولو ضئيلة - لنسير على نورها.. ولما كان عملنا فردياً فلا يؤمل منه الكمال وإنما يتم بإضافة جهود الآخرين وتأملاتهم وتتبعاتهم في الموضوع وابداء ملاحظاتهم الوافية فيضاف ما فات، أو أهمل...
أما الكتب الحديثة عن العشائر فإن فائدتها محدودة وقليلة. ومهما يكن فمراجعنا مؤلفات كثيرة نكتفي بوصف بعضها مما يخص القبائل، والباقي يتعين بالنقل عنه في محله...
وهذه أشهر المراجع الخاصة بعشائر العراق أو بالقبائل بصورة عامة:
1 - سبائك الذهب
كنا نظن - لأول وهلة - إننا عثرنا على ضالتنا المنشودة في كتاب سبائك الذهب وهي معرفة الصلة بين القبائل ودرجة الارتباط بين القديمة منها والحديثة... ولكن لم يلبث أن خاب الظن، رأينا الكتاب قد مثل عصراً قديماً، وراعى أصلا يرجع إلى عهد بعيد، وهو تأليف الشيخ أبي الفوز محمد أمين بن أبي السعود محمد سعيد بن أبي البركات عبد الله الشهير بالسويدي وكان المؤلف قد توفى سنة 1246ه - 1831م أثناء رجوعه من مكة المكرمة في القصيم من ديار نجد(1) والكتاب مرتب بصورة مشجر على نحو الشجرة وتفرع أغصانها كأن يذكر الأصل ويفرع عنه ما حدث من فروع أو أغصان كالشجرة.. أوله:

(1/4)


الحمد لله الذي خلق الخلق فاختار منهم العرب الخ. وهو مفيد من جهات عديدة ونافع في موضوعه، ويؤخذ على مؤلفه أنه حوّل كتاب القلقشندي المسمى (نهاية الأرب في أنساب العرب) إلى مشجر فهدم وضعه، وغيّر شكله مما أدى إلى نسبة كل قبيلة إلى مشاركتها باللفظ من القبائل القديمة التي لا تعرف لها هذه الصلة والقرابة وإنما كان لمجرد الموافقة بالاسم، وفاتته عشائر كثيرة قديمة السكنى في العراق، أو حديثة النزوح إليه... لمجرد أنه لم يتمكن من إيجاد علاقة لها بالقبائل القديمة... وقد سبقه كثيرون في ترتيبه هذا، وكان الأولى أن يرجع إلى المشجرات من نوعه... وفيها ما يفي بالغرض... ولعله لم يعثر على بغيته، أو ما يوافق رغبته.. وهنا نراه راعي أنساب القلقشندي مع أنه مصري بعيد عن عشائر العراق وأصولها لضعف علاقة عشائر العراق بمن هناك. اعتمده وطبقه على العشائر العراقية فذكر ما ذكره، وأهمل ما أهمله... وبهذا تغير الوضع التاريخي.
قال المؤلف: " أحببت أن أجعله - نهاية الأرب - على ترتيب مخالف لترتيبه، وأسلوب مغاير لاسلوبه، وذلك بأن أوصل آخر القبائل بأوائلها، بخطوط تمتد من الآباء إلى أبناءها... وزدت عليه كلاماً كثيراً... " اه.
والمؤلف لم يستطع القيام بما رسمه، ولم يطق وصل العلاقة بين العشائر في الماضي والحاضر، وكثير مما بينه غير صحيح، أو مفقود الصلة ومقطوع ببطلانه كما نرى عن طيء في صحيفة 58 و59 منه فإنه أوصلها بصلة غير صحيحة، والمدونات التاريخية ومحفوظات القبائل لأنسابها تخالفه في كثير منها، ولم يبين علاقة خزاعة بالموجودين اليوم، وهكذا في حرب وقبائل أخرى. ولما رأى الحمداني لم يذكر شيئاً عن أصلها عدها من المتحيرة.
ومن هذا الكتاب نسخة خطية من مكتبة المرحوم نعمان خير الدين الآلوسي من مكتبة الأوقاف العامة برقم 2717 ليس فيها تاريخ ولكنها متقنة. طبع على الحجر في بغداد في أواخر شهر رمضان لسنة 1280ه - 1864م.
والمؤلف من آل السويدي في بغداد الأسرة التي لها مكانتها العلمية في الماضي من أيام الشيخ عبدالله السويدي المتوفي سنة 1170ه - 1757م والسياسية والحقوقية في الوقت الحاضر، ورجالها المعروفون اليوم الأساتذة ناجي السويدي، وعارف، وتوفيق، والطبيب شاكر أولاد يوسف السويدي، وترجمة أسرته في المسك الأذفر للآلوسي... وللكلام على هذه الأسرة الشهيرة موطن غير هذا.
2 - عنوان المجد في تاريخ بغداد والبصرة ونجد
هذا التاريخ لابراهيم فصيح الحيدري المتوفي في 5صفر سنة 1300ه - 1883م فلم يخرج به عمن سبقه، وإنما راعى عين الطريقة تقريباً، وأساساً كان اعتماده على كتابين لا ثالث لهما وهما السبائك ونهاية الأرب للقلقشندي بإضافة بعض الاختبارات الشخصية إلا أنه يلام في أنه عدّ بعض القبائل وبطونها معاً باعتبارها قبائل، أو عشائر لقبيلة واحدة كما أنه راعى اللفظ فنسب الحديث من القبائل لمن له لفظ شبيه به عند القدماء كالسويدي فقد قال عن العبيد أنهم من قضاعة وهم الذين قال فيهم الأعشى حاكياً: ولست من الكرام بني العبيد والغلط ظاهر ومنشأوه ما جاء عنهم في التواريخ من أن آثارهم باقية في برية سنجار من الجزيرة الفراتية آخرهم الضيزن وهم من أهل الحضر فظن أن المراد من العبيد قبيلة العبيد المعروفة اليوم بعامل المكان والمشابهة بالاسم، وأمثال ذلك كثير. وغاية ما يقال فيه انه لم يعين في الغالب الصلات، أو أنه لم يتمكن من ذلك، وكذا ما بين الافخاذ وفروعها، أو الطوائف ودرجة قرابتها... نعم ان بعض القبائل وإن كانت لا تزال تعتبر من (القبائل المتحيرة) لا تستطيع أن تعد نفسها من أحد الجذمين القحطاني والعدناني بسبب اشتهارها باسمها الحديث ونسيانها علاقتها القديمة، لكنها قليلة جداً فالكتاب كسابقه لم يكن علمياً وإن كانت الاستفادة منها غير محجودة على ما سيبين عند الكلام على القبائل.
أما مواضيعه الأخرى من بغداد والبصرة ونجد من عمارة جسور وأنهار وبيوت قديمة، ومشاهير رجال، فهي مهمة وتتعلق بالقطر العراقي فلا تكاد توجد في غيره وكان ختام تأليفه سنة 1286ه - 1875م.
3 - نهاية الارب في معرفة انساب العرب

(1/5)


هذا الكتاب مرجع المؤلفين السابقين أو أصلهما وعليه عوّلا، مرتب على حروف الهجاء وهو بمثابة دائرة معارف لقبائل العرب، ومبناه القبائل القديمة ولم يتعرض للحاضرة إلى زمانه إلا قليلا، وغالبها يعود لمصر وما والاها ذلك ما دعا إلى ارتكاب الغلط من جراء الاعتماد عليه في البحث عن قبائل العراق إلا من نقطة الاشتراك، وقد وصفه صاحب كشف الظنون... الفه أبو العباس الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبدالله(1) القلقشندي النسابة المصري المتوفى سنة 821ه - 1419م وله كتاب (صبح الأعشى) ومختصره (ضوء الصبح المسفر) وفي صبح الأعشى مباحث في الأنساب مهمة كشفت عن غوامض كثيرة(2)طبع كتاب النهاية ببغداد قبل الاحتلال، والظاهر من مراجعة المخطوطة ان الكتاب فيه نقص وطبع على نقصه...
وجاء في مقدمته: " لما كان العلم بقبائل العرب وأنسابهم... قد درس بترك مدارسة معالمه، وانقرض بانقراض علمائه من العصر الاول... مع مسيس الحاجة اليه في كثير من المهمات، ودعاء الضرورة إلى معرفته في الجليل من الوقائع والملمات... أحببت أن أخدم... بتأليف كتاب في قبائل العرب والعلم بانسابها يجدد بعد الدرس رسومها... فشرعت في ذلك... وأصلاً كل قبيلة من القبائل بقبيلة، وملحقاً كل فرع من الفروع الحادثة باصوله، مرتباً له على حرف المعجم. (الى ان قال) ثم ان هذا الكتاب وان كان جمع فاوعى وطمع في الاستكثار فلم يكن بالقليل قنوعا، فانه لم يأت على قبائل العرب باسرها، ولم يتكفل على كثرة الجمع بحصرها، فان ذلك يتعذر الاتيان عليه، ويعز على المتطلب الوصول اليه.. " اه.
وفي هذا ما يعين ان المؤلف انصف في مقاله وأؤيد قوله ان العشائر لا تحصى وأقول ان العراقية منها بعيدة عنه فلا يعوّل عليه في البيان، وان كان يعد كمرجع للاستسقاء من معينه... وترجمة المؤلف مبسوطة في مقالة مذكورة في أول الجلد الرابع من صبح الأعشى.
4 - القبائل العراقية
للعلامة السيد مهدي القزويني(1) المتوفى سنة 1300ه - 1883م. أوله: الحمدلله الذي أنشأ الانسان من نفس واحدة.. الخ عندي نسخة خطية منه. وهذا لا يعدّ تاريخاً للعشائر فانه سمى بعض القبائل ووقف عند ذلك، أو ذكر بعض البطون للعشائر القريبة من سكناه والمتصل بها غالباً واكتفى بنسبتها إلى قبيلتها، ولم يحلل اسماء القبائل وارجاعها إلى اصولها الأولى إلا قليلا جداً.. فهو في الحقيقة فهرس للقبائل، وله الفضل في انه حفظ بعض أسماء القبائل الصغرى وفرّع بعض البطون عن الأصل ولكن يصعب الحصول عليها بلا كلفة مراجعة الكل فكان الأولى أن يذكرها عند الكلام على القبيلة... وليس فيه مباحث خاصة بعادات القبائل وأوضاعها المختلفة ولا يحتوي بيانات عن نفسياتها. وعلى كل لا يخلو من فوائد مهمة ومباحث قيمة..
5 - عشائر الآلوسي
للاستاذ السيد محمود شكري الآلوسي المتوفى في 4 شوال سنة 1342ه - 1924م فانه لم يدوّن تاريخاً خاصاً بالعشائر العراقية وانما ذكر في مسودّة تاريخه بعض القبائل المهمة ونسبها إلى أصولها. ويظهر من كتابته في هذا الموضوع انه كان عازماً على تأليف واسع في موضوعه إلا انه لم تساعده الأيام على ابرازه بصورة كاملة أو لم يتمكن من الاتصال بالعشائر والتجوال بينها والاختلاط معها. لذا يؤسف لعدم اتمامه ومع هذا لا يخلو من فائدة زيادة عما جاء في الحيدري والسبائك. فان أهم ما يدعو للانتباه نسبة القبائل إلى اصولها بقدر الامكان. وكتابه (تاريخ نجد) تعرض فيه للقبائل في نجد وهذه ذات صلة قريبة بالقبائل العراقية وبعضها لم تفقد تسميتها ولم يعدم اتصالها كما ان قسماً من هذه القبائل قد يكون في نجد والقسم الآخر في العراق وسورية ولكنه مع هذا لم يتجاوز تعداد القبائل فلم يبحث بحوثاً خاصة عنها..
وكتابه (تاريخ بغداد) في حالة مسودّة(1). وقد كتب فيه كثيراً من القبائل وعرّف ببعضها ولكنه لا يقال انه اكمل بحثه أو أتم تعقيبه ما زال لم يخرج عن المسودّة وما زال قد اكتفى بالتعداد..
وكان رحمه الله تعالى يشكو من قلة الوسائل ونقصان المصادر وهو الذي نشكو منه أيضاً. ولكن هذا لا يثبط عزمنا عن البحث ولا يمنع من تدقيق مؤلفه ووضعه موضع المناقشة... ليظهر المخفي وينجلي المبهم...

(1/6)


وأما أثره الخالد (كتاب بلوغ الارب في احوال العرب) فقد تكلم فيه على ما كان معروفاً من اخبارهم قبل الاسلام وأيامهم ومشاهيرهم وأديانهم... وكان كلامه عن العرب عامة وعن اوضاعهم قبل الاسلام بما وصل اليه ولم يتعقب الموضوع إلى اليوم ولم يختص بحثه في عشائر العراق ولكنه مرجع مهم لمن يريد ان يتعقب الأوضاع العربية في كافة مواطنها فهو كتاب جليل في موضوعه... وهو أحد مراجعنا...
نبذة من تاريخ عرب العراق
رسالة في عشائر العراق المتفرقين في الجزيرة ما بين اورقة وبغداد وأطراف الشامية كتبها السيد جرجس حمدي إلى نائب القنصل الفرنسي في اللاذقية، كان طلب اليه أن يؤلف رسالة في هذا الموضوع. وبقيت في يد المسيو كويس قنصل فرنسة في دمشق وهذا أعارها إلى (م.هوار كليمان) فترجمها إلى اللغة الفرنسية وطبعها في باريس عام 1879م وهذا نص كتاب مؤلفها الاصلي السيد جرجيس حمدي المؤرخ 21 شوال 1281ه و19 مارت سنة 1865م قال: " كنت أمرتني بتحرير نبذة عن تاريخ العرب المتفرقين الآن في الجزيرة ما بين أورفة وبغداد وأطراف الشامية وان اوجاعي واسقامي واشتغال افكاري كانت قد منعتني عن ذلك. وبهذا الحين قد منّ الله عليّ بالشفاء من الأسقام فاخليت فكري مما فيه وطلبت المساعدة على ذلك من بعض الاخوان وحررت هذه النبذة على قدر الامكان باللغة العربية الدارجة ليسهل فهمها على أي من كان. فالمرجو العفو عن التأخير. فالعبد لا زال عند خضم كرمكم غارقاً في بحار التقصير... " اه.
إن مترجم هذه الرسالة لم يتصرف بالاعلام وإنما أوردها بلفظها العربي فادى واجب الصحة والتثبت كما أنه أشار إلى مراجع عن الموضوع وأقوال الأوربيين عنه في مظانهم فخدم أبناء قومه خدمة جُلىّ. ونظراً لاختصار هذه الرسالة لا تفيد العرب إلا من ناحية ذكرى الماضي لبعض رؤساء القبائل ببيان اسمائهم... وانهم كانوا احياء حين تحرير الرسالة وكانت مواطنهم في المحل الفلاني عندما نعلم انها تحولت إلى موطن آخر...
وأساساً ان هذه الرسالة كتبت بناء على الرغبة الاوربية ومناهجها في البحث عن العشائر فاقتصر على ذكر الشيوخ والرؤساء واسم العشيرة وموطنها، وعدد بيوتها، وحالتها من نقطة المعيشة والسلطة وعلاقتها بالحكومة وبالناس بصورة بسيطة جداً لا تسمن ولا تغني من جوع.. فلم ينظر إلى أصل القبيلة، وتاريخ هجرتها، وعلاقتها بالعشائر المجاورة... فكانت محدودة المطالب، والفكرة المدونة عن العشائر ضعيفة وقليلة، وهذه الرسالة كالكتب الأخرى لمس بل وغيرها من كتاب الغربيين فإنها كلها تقريباً مضت على هذه السنن في تأليفها وإن كانت أشارت أحياناً إلى بعض الأحوال التأريخية عرضاً، أو لم تتمكن منه تماماً وإنما اكتفت بالنبذة اليسيرة عن الماضي القريب ومضت. وخير هذه المؤلفات من اوردت اسم القبيلة بالحروف العربية كما فعلت المس بل...
7 - كتاب الاشتقاق
في أنساب العرب للشيخ أبي بكر محمد بن الحسن المعروف (بابن دريد) المتوفى سنة 321ه - 933م(1). وفيه تحليل لألفاظ القبائل وتعرض لرجالها إلى أيامه، والكتاب عظيم الفائدة، ويتكلم في مطالب جليلة عن القبائل لا يستغني عنها أحد... طبع في مجلد واحد سنة 1854م في غوتنجن باعتناء المستشرق فرديناند وستنفلد. أوله: الحمد لمن فتق العقول بمعرفته، واطلق الالسن بحمده... الخ. وفيه ردّ على الطاعنين في أسماء القبائل واشتقاقها وكونها لا أصل لها يرجع اليه فجعل كتابه جواباً لأمثال هؤلاء الذين لا يخلو منهم عصر، وهم أعداء العرب. وليتنا وصل الينا ما يتمم مباحثه وما كان من نوعها فننجو من عناء كبير...
8 - الأنساب
للسمعاني. وهو أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور المروزي المتوفى سنة 562ه - 1167م. وفيه مباحث عميمة الفائدة عن العرب ومشاهدات خاصة لا يتيسر العثور عليها في كتاب، والنقول المذكورة عنه خلال هذا الكتاب تعين قيمته العشائرية فقد سبق غيره في الايضاح ممزوجاً بما عاينه أو رآه ونقله عن غيره... فلا يستغنى عنه بوجه، طبع على الحجر سنة 1912م إلا ان النسخة المطبوع عليها مغلوطة، وخطوطها مختلفة وهي سقيمة جداً مع اني رأيت في استانبول نسخاً منه كاملة وصالحة للطبع، والحاجة اليها متوفرة لاحتوائها على معارف نافعة ومهمة جداً.

(1/7)


والملحوظ ان المؤلف قلب تاريخ البغدادي إلى الأنساب وزاد عليه من جهة واختصره من اخرى فابرزه بوضع لائق ومقبول...
9 - شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم
في اللغة ثمانية عشر جزءاً لنشوان بن سعيد الحميري اليماني المتوفى سنة 573ه - 1178م. سلك فيه مسلكاً غريباً، يذكر فيه الكلمة من اللغة فان كان لها نفع من جهة ذكره، وذكر في كل مادة أبواب الكلمة واستعمالاتها. ثم اختصره ابنه في جزئين وسماه (ضياء العلوم في مختصر شمس العلوم) وأول (ضياء العلوم) أما بعد حمد الله مستحق الحمد... الخ. كذا في كشف الظنون والظاهر ان صاحب الكشف رأى المختصر ولم ير الأصل. وقد طبعت بعض منتخبات منه تتعلق باخبار اليمن وهي مفيدة في مباحث العشائر وخاصة القبائل القحطانية النجار، فانه من المراجع القيمة وقد استعنا به في أمور كثيرة لايضاح بعض القبائل... والمهم فيه انه متأخر عن كثير من كتب الأنساب والقبائل... فهو من مهمات المراجع...
10 - قبائل العرب في مصر
ظهر منه الجزء الأول ويخص القبائل التي توطنت مصر، وفيه ما يفيد في معرفة انتشار القبائل العربية، ونرى أقسام القبيلة الواحدة قد مالت من الجزيرة إلى أنحاء مختلفة، ونشاهد قبائل العراق تشترك في تجوالاتها هذه وقبائل مصر حتى في بعض فروعها على ما سيجيء الكلام عليه في محله، والكتاب مهم من هذه الناحية وإن كنا لا نسلم لمؤلفه في تفريعه القبائل وبيان أصولها فلا يقال أن لخماً من طيء، وأن جذاماً منها... والمؤلف راجع كتباً عديدة، ومصادر وافرة ولم يجد في غير كتب الأجانب ما يبرد غلته وإن كان ليس لهم أصل يؤيده، أو يدعوه للقبول...
11 - القصد والأمم في التعريف بأصول أنساب العرب
والعجم: للشيخ أبي عمر يوسف بن عبدالبر النمري القرطبي المتوفى سنة 463ه - 1071م والمؤلف من رجال التاريخ وخاصة تاريخ الصحابة وله فيه (الاستيعاب)، والفقه والحديث وتاريخها في (جامع أصول العلم وفضله)، والأنساب وهو هذا. وله التمهيد من أجل الآثار في تاريخ الفقه والحديث.. ومؤلفاته نافعة جداً...
وكتابه هذا في بيان أصول القبائل وانتشارها، والآراء الشائعة فيها، وعلاقاتها بالأقوام المجاورة للعرب ودرجة اختلاطها... وهو على صغر حجمه قيم ونافع جداً فهو خلاصة الأقوال المعروفة إلى أيامه... طبع بمطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1350ه - 1932م.
12 - الانباه على قبائل الرواه
لابن عبد البر المذكور سابقاً. وهذا هو المدخل لكتابة الاستيعاب. طبع مع القصد والأمم، والارتباط شديد بين هذه الرسالة والتي قبلها. والملحوظ في هذه أن المؤلف اعتمد على أمهات كتب الأنساب وأيام العرب مما لا يزال أكثرها مجهولاً أو غير معروف: 1 - كتاب أبي بكر محمد بن اسحاق.
2 - " أبي المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي.
3 - " أبي عبيدة معمر بن المثنى.
4 - " محمد بن عبيدة بن سليمان.
5 - " محمد بن حبيب.
6 - " أبي عبدالله أحمد بن محمد بن عبيد العدوي في نسب قريش.
7 - " الزبير بن بكار في نسب قريش.
8 - " عمه مصعب بن عبدالله الزبيري في نسب قريش أيضاً.
9 - " علي بن عبد العزيز الجرجاني.
10 - " عبدالملك بن حبيب الأندلسي.
وقد ذكر المؤلف شيئاً مهماً من الحديث والآثار ونوادر اقتطفها من كتب أهل الأخبار، واختار من ذلك عيونه، وما يحب الوقوف عليه مما يجمل بأهل الأدب والكمال معرفته والانتساب إليه كما قال المؤلف في مقدمته(1). والحق انه كتاب جليل..
13 - نسب عدنان وقحطان

(1/8)


لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد المتوفى سنة 285ه - 899م. وهذه من الرسائل النافعة التي كتبت في الأنساب على صغر حجمها وقلة مادتها فانها عرفت باصول القبائل وما تفرع منها باوجز عبارة. ومن ثم تعينت غالب الصلات به ولا يخلو من بيان الفروع وطريقة تشعبها في غالب أوضاعه والكتاب جامع ومختصر أو قل هو متن في الأنساب واف ومفيد الفائدة الحسنة، وجامع الغرض ولا نريد أن نحقق الأنساب أو أن نكون نسابين وإنما نريد أن نعين الأوضاع من هذه الناحية لنجعلها تمهيداً لمباحثنا في العشائر والاتصالات الاجتماعية فيها... ورابطة النسب يعول عليها البدوي كثيراً وهي أساس أعماله الاجتماعية. فهي تفسر زواجه، وتقرر عرفه، وتعين وضع الحرب. وهكذا.. طبع حديثاً في مطبعة لجنة التأليف والترجمة نشرته اللجنة بمصر(سنة 1354ه - 1936م) فسدّ فراغاً وثلمة كبيرة..
14 - الجوهر المكنون في القبائل والبطون
للشريف أبي البركات حسن بن محمد الجواني النسابة المتوفى سنة 588ه - 1192م وهو من الكتب الجامعة في الأنساب، اتقن صاحبه أصولها، وأورد فيه من الأنساب ما ينتفع به اللبيب، ويستغني بوجوده الكاتب الأديب.(1) وهذا رأينا مختصره في كتاب نهاية الارب للنويري، وفيه مباحث جليلة ونافعة ومؤلفه عمدة... وفيه قال النويري: " أتقن أصولها ، وحرر فصولها، وأورد فيها من الأنساب ما ينتفع به اللبيب، ويستغني بوجوده الكاتب الأريب... " اه. وسماه النويري بالسيد الشريف نقيب النقباء أبي البركات ابن أسعد بن علي بن معمر الحسيني الجوّاني النسابة..(2) ومنه نسخة في دار الكتب المصرية مخطوطة وأخرى فوتوغرافية (مصورة).
15 - تاريخ العرب قبل الإسلام
لجرجي زيدان صاحب الهلال الكاتب المشهور وهو من أنفس آثاره القيمة في موضوعه، وكان مفرداً لم يزاحمه غيره إلى أيام قريبة منا... وهذا يقال فيه ما قيل في كتاب المرحوم الاستاذ شكري الآلوسي. فإن موضوعه لم يتعلق بالعشائر وحدها، ولا يخص مكانها في قطر، وتاريخ تقلبها فيه، وتيار هجرتها اليه.. وفوائده عظيمة وعميقة. ومثله كتابه في أنساب العرب القدماء.. وهذا موضوعه أقرب لمباحثنا... وعلى كل لا يستغني عنهما باحث أو متتبع... فقد درس العرب دراسة لا يستهان بها، وبذل جهوداً قهارة في احياء ذكر العرب باستنطاق مختلف الآثار(1) فكان الأول في بابه... ويهمنا من تاريخ العرب قبل الاسلام ما يخص قبائل عرب العراق... ولعل ضيق المادة أخّر من ظهور المجلد الثاني منه... والأول مطبوع في مصر ومتداول.
16 - كتاب عشائر العرب
ويسمى (كتاب الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر) للشيخ محمد ابن حمد البسام التميمي المتوفى في مكة بالوباء سنة 1246ه - 1831م. وهو والد حمد المتوفى قبل سبع سنوات تقريباً عن نحو مائة سنة، وجدّ محمد بن عبدالله بن عبد الرحمن ابن المؤلف محمد المذكور. والأخير محمد بن عبدالله قد توفي في 10 ذي القعدة سنة 1353ه - 12 شباط سنة 1935م.
والكتاب تكلم فيه مؤلفه عن عشائر العرب جمعاء في مختلف الأنحاء في نجد والحجاز واليمن والعراق والجزيرة، وهو مهم في موضوع عشائر العراق إلا أن مباحثه موجزة، وفي بعضها تفصيل قليل، دوّن الرجل ما وصل إليه علمه، وذكر عشائر عديدة في العراق، ووصفها بما فيها من سجايا، ولم يعد الصواب. أوله: " الحمد لله المتفرد بايجاد الأنواع. الخ " اه. وجاء في مقدمته: " وبعد فقد هز معاطفي، وأمال هذاء سوالفي بعض الأصدقاء من أولي الأدب لضم شمل المتأخرين من قبائل العرب فوصلت له جناح الأمل، ووافقته في اقتراحه مسابق القول بالعمل، وسأذكر ما جدّ اسمه، وأحيي ما درس في الغابرين رسمه، وأوجز في تشخيصهم وتعيينهم، واصرف بنات فكري لتوضيحهم وتنبيههم، مع اني في تلك الأيام السعيدة الداعية لهذا المرام وتسويده مشغول البديهة من غير بكم، وموكل بجزء من أجزاء الحكم. الخ " اه.

(1/9)


ولغة الكتاب قريبة من العامية، وكلامه موجز جداً، خصوصاً في القبائل العراقية، إلا أنه لا يخلو من فائدة، وفيه وصف لطيف لبعض العشائر... وكان مؤلفه كتبه بناء على رغبة المقيم البريطاني المستر ريج واقتراحه، فاهداه له، وفيه بيان واف عن طلب المقيم المومى إليه ومنه نسخة في المتحفة البريطانية. وهذا كانت سياسة حكومته الاطلاع على خبايا هذا المحيط ومعرفة أحواله، فلم يقف عند العشائر وإنما كتب عن العراق الشيء الكثير، وأوعز إلى آخر أن يتجول في كافة الأرجاء العراقية، ويدوّن مشاهداته، فقام بهذه الخدمة فكتب رحلة فارسية مختصرة طبق المراد. وهذا الكاتب اسمه عبدالله المنشي البغدادي، وقد عربت هذه الرحلة إلى العربية، وعندي النسخة الأصلية الفارسية أيضاً.
17 - كتب أخرى
وعدا ما ذكر مراجع (تاريخ العراق) لعهد المغول وما يليه من العصور إلى احتلال بغداد فإنها جامعة لمطالب مهمة عن العشائر. وهنا تلخيص واجمال لتلك المباحث من جهة وسعة من اخرى... وهناك مراجع أخرى ذكرت في بطون الكتب والأوراق بصورة مشتتة لا نرى عائدة في بيانها الآن وسوف نعين النقل عنها في محله ونصرّح به في وقته فنسب كل قول لقائله...
أما كتب الأدب والتواريخ العامة السابقة لعهد المغول فإنها كثيرة جداً ولا طريق لاستقصاء مباحثها هنا وإنما يأتي النقل عنها في حينه. وكذا الكتب العصرية..
العرب وقبائلهم
- 1 -
أصل العرب
الفكرة السائدة في العصور الماضية ان العرب من الأقوام السامية كغيرهم من الأراميين والعبرانيين. والمشهور أن اصلهم الأصيل من العراق فكانت لغتهم السريانية وبها كانوا يتفاهمون ثم تبلبلت الألسن وتغيرت الألفاظ وماج الناس بعضهم في بعض فنطقت كل طائفة منهم بلغة وخرجوا من أرض العراق وانتشروا في الأطراف ومنهم العرب. ولم يبق في العراق سوى ولد أرفخشد... ومن هؤلاء تكوّن الكلدانيون والآثوريون وسائر النبط... ومن ثم توزعت الأرضون بين أولاد نوح (ع) وذريته وسائر من ركب الفلك معه فصارت كل بقعة لواحد.
وهذه الفكرة وصلت من العراق وعلى يد علماءه وهم السريان وغيرهم ومنهم انتقلت إلى علماء العرب وأساسها كتبهم الدينية ممزوجة بمعلوماتهم وآراء رجالهم.. وقد عارضتها آراء أخرى. والمعوّل عليه تاريخياً وواقعياً بالنظر للمجاري التاريخية والهجرات ان العرب أصل الساميين والهجرة كانت من أرض العرب إلى العراق وسورية ومصر في بعض الأحيان سواء في أقدم العصور وأقصى التواريخ أو في الأيام الإسلامية... والعصور المتأخرة...
وهذا مما ثبت اللغة بأشكالها السامية المعروفة من كلدانية وآثورية وعبرية فأدى إلى أن يعرف كل فريق بلغته... فالعربية نالت تطوراتها ولم تثبت بشكلها المعروف بان اندثرت منها لغات وتولدت ألفاظ جديدة... ولم تستقر في اللغة الفصحى إلا بظهور الإسلامية فسجلت هذا الوضع بسبب القرآن الكريم... وأما العامية المشتقة منها واللغات الأخرى أو اللهجات المعاصرة لها في سائر الأنحاء فقد عرض لها بعض التبدل مما أبعدها عن الفصحى، أو حافظت على وضعها الأصلي وأثرت تأثيرها من جراء الاختلاط مع أهل الفصحى بالرغم من المباينة أو المخالفة في حينها التي أوجدت المتضادات، والمشتركان، أو المترادفات... فاللغات الشائعة آنئذ قد نالت شيوعاً في الأنحاء فاكتسبت اللغة العامية أو الشائعة أوضاعها المشاهدة في هذه الأيام... والظواهر أمثال ذلك من أكبر الأدلة على التحولات التاريخية...
أما القول بان أصل العرب من الحبشة فهذا مما لا يعوّل عليه ولم تؤيده البراهين الصحيحة وإنما منشأه الهجرة إلى مصر وتلك الأطراف ثم الاندماج في الأهلين وتغلب اللغة العربية بتبديل... فحصلوا على شكل مختلط في لغتهم دعا القائلين إلى الاقتناع بهذا الرأي فقيل ان الحبشة أصل العربية وان اصل العرب من هؤلاء. فالخطأ جاء من هذه المشابهة أو المقاربة... مما لا يحقق أصل العنصرية واشتقاقها، فالتمسك باللغة لاثبات العنصرية يؤدي إلى أغلاط كبرى مثل هذه... والتشكلات البدنية وأوصاف العرب الأساسية تنافي هذه الدعوة...

(1/10)


ولذا يقال عن الحادثات التاريخية المشاهدة في أقدم العصور المؤكدة ان سكان العراق كانوا أقواماً متخالفين، متباعدين عن الأقوام السامية... فهم السمريون والكوشيون والأكديون فجاء الكلدانيون والأثوريون فأزاحوهم... وحينئذ شاعت لغتهم وتدونت في أقدم أزمانها وأصلهم من جزيرة العرب ولا نجد في اللغات المجاورة في أطرافهم من تصلح للمقابلة، والمقاربة سوى العربية.. فهم عرب ويعدّ تثبيت لغتهم أول تدوين في اللغة العربية... فلم يكن هؤلاء أصل سكان العرب ليكون العرب قد تفرعوا عنهم..
ومن المحتمل أن يقال ان أصل العراقيين كانوا من أولاد نوح(ع) وأنهم تدافعوا هناك بسبب الهجرات القديمة وتبلبلت لغاتهم بداعي الاختلاط والتغلب على العنصر السامي وتكاثرهم عليه فجلوهم عن العراق ودفعوهم، ثم أعادوا الكرة.. وهذا لم يعرف لحد الآن في النصوص التاريخية الموجودة.. وإن كان نطق به مشاهير المؤرخين متابعة للنصوص الدينية وتفسيراتها... وعقليات أقوامها في تفسير الخلقة وانتشار الناس في هذه الأرض...
ومهما يكن من الآراء فإننا نرى الجزيرة منشأ العرب وان غالب العراقيين منها كما هو مؤيد بالأدلة المارة وبما سيجيء. هذا مع التوقف عن قبول سائر الأفكار ما دامت أدلتها ضعيفة في نظرنا... ولنعدّد الأقوام العربية القديمة كما جاء في تواريخنا باجمال وسرعة نظراً للعلاقة التي لا تنفك عن موضوع العشائر.
- 2 -
العرب البائدة
هؤلاء لم يعرف عنهم الا أسماؤهم وبعض الأخبار، وفيها ما هو ممزوج بخرافات واضافات ونظراً لبعد العهد عاد القطع في أخبارهم غير ممكن...
قال مؤرخونا بعد تبلبل الألسن والتوزع في الأطراف كان نصيب أولاد ارم بن سام بن نوح (ع) (اللغة العربية) وهؤلاء هاجروا إلى جزيرة العرب على الرأي الأول المستند إلى التوراة وشراحها، أو أنهم كانوا في الأصل سكان جزيرة العرب... ومهما كان فيقال انه من أولاد ارم تألفت (العرب البائدة) وتسمى أيضاً (العرب العاربة) كما عليه أهل الأنساب وغيرهم. فصار كل واحد من هؤلاء جد قبيلة. ويقال لهؤلاء (العرب الأولى) أيضاً وفي الحقيقة لا يدرى ما كان يدعى به هؤلاء القوم. وإنما التسمية بعرب - كما يظهر من النصوص التاريخية - حادثة وقعت بعد أن تكوّن أولاد يعرب، أو كما يقول النسابة: العرب ضد العجم، من أعرب عن نفسه أي أوضح عنها، وأعرب في كلامه أي فصح فيه، ومن هذا الأيم تعرب عن نفسها. الخ وقالوا عن العرب العاربة عاد وثمود في الدهر الأول وهم الذين تحولت ألسنتهم إلى العربية حيث تبلبلت الألسن، تبلبل منهم عاد وثمود وطسم وجديس قبائل درجوا. الخ(1) وهذه قبائلهم المعروفة: 1 - عاد. ومنهم العمالقة. سكنوا اليمن وأرسل عليهم هود(ع).
2 - ثمود. أقامت بين الشام والحجاز. ونبيهم صالح(ع).
3 - طسم. نزلوا عمان والبحرين. وقال نشوان الحميري: كانوا باليمامة وهم ولد طسم بن لاوذ بن سام. كان لهم ملك جبار يقال له عمليق تصرف بقومه تصرفاً غير لائق فقتلته جديس هو وقومه فاستصرخ واحد منهم يقال له رياح حسان بن اسعد تبع فسار اليهم فقتلهم حتى افناهم..(1) 4 - صحار. حلوا بين الطائف وجبلي طيء.
5 - جاسم. توطنت ما بين الحرم إلى سفوان.
6 - وبار. اقاموا فيما وراء الرمل في البلاد التي تعرف بهذا الاسم.
قال نشوان الحميري: وبار اسم أرض كانت لعاد في مشارق اليمن وهي اليوم مفازة لا يسلكها أحد لانقطاع الماء، يوجد بها قصور قد كستها الريح بالرمل ويقال انها كانت لأهل الرس وهم امة من ولد قحطان...(2) 7 - جديس. سكنوا اليمامة. وهم ولد جديس بن غاثر (عابر) بن ارم ابن سام وهم اخوة ثمود واليمامة المرأة المعروفة في قوة نظرها منهم. ولاخبارها في هذا الحادث قصة...(3) ان الطبري ومثله صاحب الأخبار الطوال (الدينوري) قد عينا مواقع هذه القبائل من الجزيرة.
والملحوظ ان هذه القبائل المنقرضة هي القبائل الكبرى المعروفة ولم يعلم عن الصغرى، والتي لم تكن لها علاقة أو ذكر على الألسن.. وهذه تاريخها غامض جداً، والتتبعات متضاربة في شأنها... وسيتبين للقارئ ان بعض القبائل من العرب البائدة لا تزال بقاياها معلومة على ما هو شائع وإن كانت نسيت اسمها الأصلي أو تناسته...
* * *
- 3 -
العرب المتعربة

(1/11)


(العرب القحطانية)
حلت هذه محل الأولى. ويقال ان قوماً من الساميين من ولد ارفخشد أخى ارم جاؤوا من العراق فتعلموا العربية وهم قحطان(1) وأولاده ويقال له (يقطان) أيضاً فقحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح (ع). وقالوا: فالغ أخو قحطان وهو جد إبراهيم (ع) وهؤلاء القحطانيون محوا البقية الباقية من العرب الأولى وأهلكوهم حرباً وورثوا لغتهم تعلموها ممن اتصلوا به وكانت امهم عربية فتكلموا جميعاً بلسان أمهم. والمنقول عن ابن الشرية ان الذين كان قد خرج إلى اليمن يعرب بن قحطان وكان أكبر اخوانه سناً(2). وهناك صفت لهم الأرض.
وفي أصل القحطانية أقوال كثيرة، ونظراً لبعد العهد لا تعرف العرب عنهم إلا الاجمال وهو ان العرب شطر كبير منهم من ولد قحطان وشطر الآخر من عدنان وكفى. وأما نسبة قحطان واتصاله باسماعيل أو عدم اتصاله، وتعداد اجداده وما ماثل ما لا يقوم عليه دليل. ومن أشهر الأقوال ما ذكر أعلاه والبعض انه ابن ارم بن سام، ومنهم من يقول انه منسوب إلى اسماعيل، ومنهم من يميل إلى انه ابن هود وقد جاء في شعر المتنبي.. إلى آخر ما هناك من الأقوال.. والتفصيل في كتاب الانباه على قبائل الرواه. والعرب مهما كان من الاختلاف لا تعرف سوى الجذم القحطاني والجذم العدناني(1). والقبائل المتكونة أخيراً من هؤلاء نشأوا من أولاد قحطان وابنه يعرب وسميت جميعها (بالعرب القحطانية) أولاد قحطان: 1 - يعرب.
2 - جرهم.
3 - المعتمد.
4 - المتلمس.
5 - عاصم.
6 - منيع.
7 - القطامي.
8 - عاصي.
9 - حمير.
وقد ذكر المؤرخون - غير صاحب الأخبار الطوال - إن حمير هو ابن سبأ بن يشجب بن يعرب المذكور. وهو غيره كما يظهر من عمود النسب... ثم ان هؤلاء تكاثروا بأرض اليمن وملكوا عليهم سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان ثم ولّوا حمير بن سبأ وهذا جعل ابنه كهلان وزيره. وكان إسماعيل (ع) في هذا العصر. ثم ملك اليمن(2) ملوك كثيرون من آل قحطان توالوا على الملك وكان يبالغ في سعة ملكهم وعظم سلطانهم. وما أصدق ما قاله الطبري في هذا الموضوع عن اليمن وكذا سائر الأمم من انه غير ممكن الوصول إلى علم التاريخ بهم إذ لم يكن لهم ملك متصل في قديم الأيام وحديثه... وقد كان لليمن ملوك لهم ملك غير انه كان غير متصل وإنما كان يكون منهم الواحد بعد الآخر وبين الأول والآخر فترات طويلة لا يقف على مبلغها العلماء لقلة عنايتهم بها وبمبلغ عمر الأول منهم والآخر إذ لم يكن من الأمر الدائم فإن دام منه شيء فإنما يدوم لمن دام له منهم بأنه عامل لغيره في الموضع الذي هو به لا يملك بنفسه وذلك كدوامه (لآل نصر)(1)... فلم يزل ذلك دائماً لهم من عهد اردشير بن بابكان إلى ان قتل كسرى أبرويز النعمان فنقل عنهم إلى اياس بن قبيصة الطائي.(2) وعلى كل وفي أيام القحطانية تكاثر العدنانيون من ذرية إسماعيل (ع).
ومن أشهر حوادث القحطانية قصة بلقيس مع سليمان (ع) وسيل العرم. ومن ملوكهم التبابعة، توالى ملوكهم إلى ان تملك الحبشة عليهم فانتزعوها من ملكها ذي نواس. ثم استعادوا الملك بنصرة من الفرس، ثم حكم الفرس على اليمن إلى ان ظهر الإسلام. وكان حاكمها أيام العهد الإسلامي باذان(3).
والقبائل القحطانية كثيرة ومنها طيء ولخم ومذحج وهمدان والأزد (الأسد) وقضاعة.
ومن هؤلاء وغيرهم انتشرت جماعات في الأطراف استولت على بعض الأقطار العربية كالبحرين والحجاز ومنهم من مال إلى العراق واريافها فتكونت منهم إمارات من آل نصر اللخميين وغيرهم... ويعزى أول تفرق اليهم كان بسبب سيل العرم... والتفصيل في اليعقوبي(1).
ولا زال شطر كبير من العرب متكوناً منهم، وأكثر قبائل العراق اليوم منهم، ومنهم قبائل كبرى أيضاً في غير العراق.. لا تكاد تحصى عداً.. ولا تزال منتشرة في جزيرة العرب وسورية ومصر...
- 4 -
العرب المستعربة
(العرب العدنانية)
وهؤلاء من ولد إسماعيل (ع)(1) فإنه كان قد ترك أولاداً كثيرين وكانت أمور مكة بيد ابنه (نابت) فلما توفي غلبت جرهم على البيت والحرم فخرج ابنه الآخر (قيذر) بأهله وماله يتتبع مواقع القطر فيما بين كاظمة وغمر ذي كندة والشعثمين. وما إلى تلك الأرضين حتى كثر ولده وانتشروا في جميع أرض تهامة والحجاز ونجد(2).

(1/12)


وفي خلال هذه المدة واثر حادثة سيل العرم انفصل عن جماعة الأزد(3) فريق منهم، عمرو بن ربيعة المعروف ب(لحي) ومن معه فانتشروا بالحجاز وما والاها فصار قوم إلى عمان وآخرون إلى الشام. وإن عمرو بن لحي أزاح جرهم وولي أمر مكة وكان أمير خزاعة فبقيت الامارة في أيدي قبيلة خزاعة.. ومن هؤلاء تكونت بطون كثيرة.(4) وعلى كل قد أزاحوا جرهم باتفاق مع ذرية إسماعيل (ع) ولم تمض مدة حتى جاءت النوبة إلى أولاد معد بن عدنان من سلالة إسماعيل (ع) فتكاثروا وتكونت منهم قبائل أسد، وكنانة، وربيعة وتميم، وعنزة، وأياد، وأنمار، ومضر، وغيرها..
ومن هؤلاء مضر وربيعة هما الصريحان من ولد إسماعيل بن إبراهيم (ع) وتنازع النساب في أياد وأنمار فمنهم من عدّهم من نزار ومنهم من اعتبرهم من قحطان والباقون إما من ربيعة أو من عدنان قطعاً.... ومن ثم سمّوا (بالعرب العدنانية) كما ان عرب اليمن من قحطان قيل لهم (العرب القحطانية)(1).
وقف العلماء عند عدنان ولم يقطعوا في سلسلة نسب آباءه وأجداده إلى إسماعيل فقد اختلفوا في ذلك اختلافاً كبيراً جداً إلا أنهم أجمعوا على أن عدنان من ذرية إسماعيل (ع) وعند التجاوز قالوا: (كذب النسابون) وفي الحقيقة لا يقوم دليل على عدّ الأنساب والمعرفة في هذا اجمالية، وهي المعوّل عليها...
ولا يهمنا إيراد ما قيل في آباء العدنانيين وسرد الاختلافات في انسابها. والتفصيل في كتاب الانباه على قبائل الرواه وغيره والأكثر ممن يرغب في الإيضاح يركن إلى قصيدة أبي العباس عبدالله بن محمد الناشي في الكتاب المذكور(2).
والتساهل ظاهر في التسمية للقبائل المتفرعة، أو الناجمة من أصل إسماعيل (ع) من العدنانية، أو المعدية، أو النزارية، أو المضرية، وكلها تعني القبائل المستعربة أو الاسماعيلية.
- 5 -
اختلاط العدنانية
والقحطانية
ثم ان هذه القبائل تكاثرت وحصلت على اسمائها المعروفة أخيراً من عدنانية وقحطانية وتركت التسمية الأولى ولازمها اسمها الجديد إلى اليوم. فمن هؤلاء خزاعة تسلطت على العدنانية ثم تقوّت هذه عليها وبعدها كانت العلاقات متوالية والقبائل في توافق وتدافع حتى تغلبت العدنانية ومال قسم من هذه نظراً لضيق ارضها بها كعنزة وربيعة إلى البحرين. وهناك تحالفوا مع القحطانيين على التنوخ وتعاقدوا على التناصر حتى صاروا يداً واحدة فاختلط العدناني منهم بالقحطاني وضمهم اسم (تنوخ) وان كانت كل قبيلة احتفظت باسمها الأصلي... ومن ثم شعروا بالقوة فطمعوا أن يغلبوا الأعاجم على ريف العراق مما يلي بلاد العرب فساروا إلى العراق ونزلت تنوخ من الأنبار إلى الحيرة في الأخبية لا يسكنون بيوت المدر فاستمروا على بدواتهم...
وهذا الاتفاق من أمد بعيد جداً ويقال انه ايام بختنصر كما سيأتي التفصيل. وبالنظر للقبائل الموجودة كان الأول من نوعه على ما هو معروف وإلا فقد سبقته هجرات كثيرة من العرب معروفة تاريخياً...
وقد اطنب المؤرخون في التحقيق والتدوين عن العرب في العراق.
- 6 -
انتشار العربان
في الاطراف
ومن هذا يرى ان هذه القبائل كان بدء انتشارها ومجيئها إلى العراق أيام بختنصر وان أولاد إسماعيل (ع) كان أصلهم من العراق أيضاً ثم عادوا بالاتفاق مع القحطانية وتملكوا قسماً منه... والتاريخ يبرهن ان صلة العرب بالعراق غير مقطوعة من عهد ابعد مما ذكره مؤرخو العرب وان الكلدان جاؤوا من جزيرة العرب، وهم في الحقيقة أول عرب قطنوا هذه الديار ثم ملكوها... وعلى كل حال استمر اتصالهم ولم ينقطعوا بالرغم من تحكم ملوكه واستبدادهم حتى جاء الاسلام فقضي على حكومة فارس في العراق وكوّن حكومة عربية واسعة النطاق... ولا يزال تأثيرها باقياً، وأثرها ثابتاً إلى اليوم...

(1/13)


فالعراق لم يقف عند سكانه الأصليين ولم يبق عليهم بل لم يقطع الباحثون في أصل سكانه، والأطماع موجهة اليه من كل صوب، ومن شعر بقوة مال اليه وحله أو ان من ضاقت به أرضه رمى بنفسه اليه... والصحيح لم يعرف بالتحقيق عن أصل سكانه ممن سبق الكلدان والأثوريين ولا عرف بصورة واضحة عن كيفية تكوّنهم ومجيئهم.. والمظنون ان العرب دفعوا سكانه السابقين لهم ممن كانوا قد زاحموهم أو تغلبوا عليهم واقاموا فيه من أبعد عصوره فكوّنوا النبط (الكلدان والاثوريين) وهذه أول هجرة للعرب علمها التاريخ من جزيرة العرب فدوّنت اللغة وكان من هذا التدوين شكلها الأول... ثم دوّنت ثانية على يد العبرانيين في توراتهم وهكذا ما سجلته الآثار الحجرية. وبعدها جاءت اللغة الفصحى على يد العرب المسلمين... فثبتها القرآن الكريم اما ما قبل الكلدان فليس بمعلوم... وان تيار هذه الهجرات مؤيد بالمشاهدات الحاضرة، وبالتاريخ وبمقطوعية العنصر، والسحنات... واللغة..
هذا ما رأيناه من بين تلك الآراء الشائعة قديماً وحديثاً وهو الذي ايدته اللغة أيضاً ولا يسع المحل التفصيل باكثر من هذا.
- 8 -
ترتيب الانساب
مر بعض البيان عن تيار الهجرة واختلاط العرب. ونظراً لآراء علماء الأنساب وللتوراة وما تقصه عن ولد نوح (ع) وهم البقية الباقية من البشر ان العرب جدهم معروف أي انهم وصلوا قبائلهم بولد من اولاد نوح (ع) ومن ثم قالوا يتكوّن العرب الأولى وهي العاربة، ثم المتعربة، والعدنانية المستعربة على النحو الذي تقدم القول عنه. فالحقوا القبائل الكبرى من العدنانية باسماعيل، والقحطانية بيعرب أو أحد اخوته... ثم تدافعوا ولم يبق من اولئك سوى القحطانية والعدنانية وانقرض الآخرون، أو تشتتوا بين القبائل الموجودة واندغموا بها أو مالوا إليها وإندمجوا إليها...
ثم استمروا في ترتيب انسابهم فجعلوا القبائل التالية للقبائل الكبرى المذكورة انها في الأصل أبناء لأولئك... وهكذا سلسلوا الأنساب وأقوى سند يعوّلون عليه في هذه السلسلة الحافظة من جهة واشتقاق الأفخاذ الحاضرة من جهة أخرى... أما الحافظة فهذه ليس في طاقتها أن تبقى مستمرة في حفظها وسيرها حتى تصل إلى اليوم.. أو إلى أن شرع التاريخ بتدوين مشاهداته..
ولهذا السبب وقع الاختلاف بين نسابي القبائل في أصلها وفي سلسلة أجدادها، وفي الجد الذي تناسلوا منه وفي بيان عمود النسب.. ولكن من المقطوع به ان بعض القبائل عدنانية والأخرى قحطانية وكفى، وإيصال الأشخاص أو أسماء القبائل بالأشخاص التاريخية الأولى من ولد نوح (ع) مما لا يعوّل عليه... وان كان الانتساب إلى القبيلة مقطوع به في أكثر الاحيان.
وهنا قبائل لا يعرف انتسابها إلى أحد هذين الشطرين يقال لها (القبائل المتحيرة) وسيأتي الكلام عليها.
ولما كانت الاقوام والقبائل اختلطت واشتبكت في وقائع كثيرة فاللغة وتخالف اللهجة عادا لا يصلحان تماماً وقطعاً وليس فيهما كفاية للتفريق، واما النسب، والنخوة: فهما مما يؤيد وجود القربى، او الاتصال... ولم يكن ذلك معوّلاً عليه في سنده من كل وجه. وما قاله صاحب اشتقاق الانساب من ان الحميرية لا تقف على اشتقاق(1) لبعد العهد بمن كان يعرفها... دليل آخر على ان الانساب عادت لا تعرف ايضاً إلا اجمالا لعين السبب، ولم يصح اتصال الاشخاص وحفظ اسمائهم بالتوالي...(2) إلا لمقدار معلوم ومعين.
- 8 -
تمحيص وخلاصة
والحاصل ان انتهاج العرب إلى الجزيرة من ارض العراق ايام الكلدان او قبلهم او في اوائلهم غير مقطوع به، وان وجودهم في الجزيرة قديم العهد، وان التاريخ قد دوّن هجرات العرب إلى العراق

(1/14)


وكذا المشاهد ان العرب استمرت هجرتهم إلى العراق وسائر الارياف حينما كانت تتكاثر نفوسهم وكانت الجزيرة لا تفي بسكانها، او لاحوال اضطرارية فتعود مادتها لا تفي لسد الحاجة والعوز من قحط وغيره، او لتدافع آخر عدائي او اتفاقي مما لا تحصى اسبابه.. فنرى الوقائع التاريخية ونصوصها متضافرة في طريق الهجرة... لا للعراق وحده وان الانساب لا يعتمد دائماً على ماعينته من تسلسل الأجداد وعمودها... وإنما يجب أن يكتفي بالاجمال لارتباط القبائل واتصالها دون أن يعوّل على تعداد الأجداد وذكرها اعتماداً على الحافظة.. وسيرد من الأمثلة الكثيرة ما يؤيد قولنا من هذه الناحية...
ويلاحظ هنا ان العرب في انسابهم هذه، وترتيبها واستقرارها، واشتقاق قبائلها، والطريقة التي راعوها فيها صار معوّل جميع الأمم وعليه مشى أكثر المؤرخين للأقوام والشعوب الأخرى إجمالا أو تفصيلا فجعلوا اسم الأمة جداً أعلى فوصلوه بأولاد نوح (ع) ثم الأقوام التالية اعتبرت أولاد ذلك الجد، وان الفروع الأخرى أولاد أولاده... وهكذا حتى رتبوا أنسابهم بهذا الوجه.. فالعقلية العربية مشت على هذا النحو في أنسابها لما رأته من اشتقاق فروعها... ولما تناقلته من أنسابها بواسطة النسابة المعروفين لديها.. وان هذه يداخلها بعض الارتياب في الصعود والنزول من ناحية التفريعات للأسباب المذكورة، ولاختلاف أعمدة النساب بين هؤلاء.. وكذا القول في من تابعها على هذا النحو.. فهو يصدق من جهة الإجمال ويرتاب فيه من التوغل في التفصيلات والأحوال الأخرى... لقصر في الحافظة وبعد مدى في النقل.
ولا نرى صحة للقول بأن العرب اشتقوا من الكلدان والاثوريين.. وإنما المعروف أن هؤلاء نزحوا من جزيرة العرب فكانوا أول من حكم العراق منهم أو عرف انه حكم العراق، ثم تلاهم غيرهم وهكذا توالت الهجرات وآخرهم من نراهم اليوم وهم أكثر عرب العراق الحاضرين... فهم في اتصال به وارتباط دائم ومستمر... ولا يفسر القول بأنهم أصل العرب إلا أن يكون العرب ساروا بحذافيرهم من الجزيرة ولم يبق إلا القليل النادر فكان هؤلاء القليلون يحفظون أنسابهم بأنهم من أولئك. وهذا لم يقم عليه سند. في حين إن قدم الموجودين في الجزيرة مقطوع به...
- 9 -
القبائل وفروعها
1 - القبائل
قبل الكلام على القبائل العراقية ومكانتها في العراق لزم ان نتكلم عن البيت أو الأسرة وكيفية تكوّنهما في البداوة إذ هما اساس الفخذ والعشيرة فالقبيلة فالامارة بالنظر للتشكيلات الحاضرة وانها نتيجة الماضي.
ولما كان للتشكيلات الاجتماعية خواص يمتاز بها بعض الأمم عن البعض الآخر وإن اتفق الكل على الاجتماع، وشعر بالضرورة لوجود أو تعيين نهجه.. فللوصول إلى هذا الغرض سلكت الأمم والجماعات سبلاً مختلفة ومتباينة أو متفاوتة كل جماعة فكرت أنها هي صاحبة الطريقة المثلى، والصالحة المرضية.. وبالرغم من اختلاف الأمم والأقوام وتعارض المصالح بين بعضها وبعض نراها متحدة من حيث الغاية والغرض. ولكن البيئة ولدت ما يجب سلوكه...
واليوم لما تعرفت بعض الجماعات أو الأقوام ببعضها صارت تسعى إلى مراعاة الأوصاف القويمة، والاجتماعيات المقبولة لدى الأخرى لتكون مشتركة بين الكل ومتفقة عليها شأنها في إدارة الحكومة، والحقوق الدولية بين الحكومات، واقتباس خير القوانين، أو الاستقاء من معينها، والاستفادة من تجارب الأمم ومجرياتها.. مع نبذ الأمور البالية والرديئة..
ذلك عدا ما يعترض هذه من موانع قومية، وعنعنات، واعتيادات فالفكرة سائرة إلى اتباع الأحسن وتمثيله، ومراعاته بقدر الحاجة وما تسمح به الظروف المسهلة للأخذ. فلا تخرج الأوضاع الاجتماعية عن هذا النهج وما يتعلق به من صلات أو يرتبط من علائق...
إن درس أوضاع الأمم هذه وما هي عليه ضروري إلا أن المطلوب هنا تدوين بعض ما اتصفت به الأمة العربية من خصائص واضحة، وأوصاف جلية.. من طريق العشائر والقبائل فإن أكثر ما تظهر هذه الخصائص في العشائر وأساساتها الاجتماعية، والتعرف بأصل بنيتها القومية مما يتعلق بقطرنا خاصة فإنه أقوى في المعرفة وأقرب للتناول في البحث والتنقيب وتدوين ما يظهر...

(1/15)


ومن ثم يتحقق لنا ما يعرض للجماعة من إضافات وزوائد بمقتضى الحاجة المدنية مما دعا إلى هذا التحول وإن كان تدريجياً. فالأصل للبحث عن أمة هو درس البداوة العريقة فيها والمتأصلة أكثر فذلك بمنزلة معرفة الماضي... إذ ما نشاهده في العرب من الطبائع والأوصاف إنما هو من بقايا تلك بل من أصولها وأسسها العامة المشتركة الموجودة في باديتهم فلم تنتزع منهم بسهولة، أو تفقد بسرعة فلا تتغير أو تتحول وإنما نالت استقراراً حتى أن الحضارة لم تتمكن من تغييرها أو اجتثاثها فتيسر الجمع بينهما والألفة وبنيت حضارتهم على أسسها والتبديل لا معنى له إذا كان تسيير الجماعة به ممكنا... هذا خصوصاً بعد أن محا الدين الإسلامي المرذول من عوائدهم..
وهذه متلازمة في كافة الحالات الاجتماعية. فإذا عرفنا إن الوضع لا نجد مندوحة من النظر إليه من كل ناحية وشعبة ومن ثم تتيسر المقارنة. فالمهم تثبيت الحالة العشائرية وذلك لأن العربي يؤلف البيت أو الأسرة أو العائلة، ومن هذا يتكوّن الفخذ فالعشيرة، فالقبيلة والإمارة. والكل سائر على نحو متماثل أو متقارب.. وعلى هذا الترتيب كانت طبقات العرب الشعب، والقبيلة، والعمارة، والبطن والفخذ...(1) ويلاحظ هنا ان كل واحد من هذه ينال وضعاً أكبر وتقل العلائق ويقتصر على بعضها وهي الأصول المعوّل عليها.. وتتنازل في التفريغ إلى أفخاذ تالية. وحينئذ تكتسب الأسرة الأولى اسماً أعظم بالنظر لعظم الفخذ الأول المتفرع منه فيدعى عشيرة، وهكذا يتقدم في السعة والضخامة كلما زادت النفوس وتكاثر التوالد... حتى ينال اسم قبيلة أو يحصل على لقب الإمارة.. وتقادم العهد كفيل بذلك وضامن له...
وكلما حصلت حالات اجتماعية مثل هذه نرى التبدلات ثابتة قد مشت على وتيرة واحدة ولازمت وضعاً مستقراً. فتكاد تكون السيرة الاجتماعية متطابقة ومتوافقة من كل وجه ثلاث نقاط بل ان السياح الغريب أو المرء الأجنبي إذا شاهد واحدة لا يكاد يفرق بسهولة خصائصها عن رفيقتها فكأنها جرت على نهج تربيوي. أو اتفاق اجتماعي.. والتفاوت في العادات قليل أو لا يعتبر كبيراً إلا من حيث المقدار أو الكثرة والقلة أو التقرب من محيط يستدعي وجود عوائد، وأمحاء أخرى قديمة...
ولما كان البيت اس هذه الجماعات ومبدأ تكوّنها وان التشعبات للأفخاذ والقبائل ناشئة من هذا الأصل الأول اقتضى بسط القول فيه بسعة...
2 - البيت (الأسرة)
البيت أصل القبيلة. والى الآن يطلق (البيت) في كثير من مواطن العراق على الفخذ ونجد هذا المصطلح في أنحاء العمارة والكوت والمنتفق وغيرها، فيقال بيت جنديل، وبيت عبد العال... الخ. والبيت لغة ما يحتوي على هذه الأسرة ويجمعها ويكون من الشعر أو من غيره من سائر الخيام كالصرايف والأكواخ كما يطلق على البيوت من الآجر وغيرها من مواد البناء ويراد به في الأكثر الغرفة.. وأصله من البيت المعروف في البادية...
ويتألف البيت من ركنين مهمين الزوج والزوجة وما يتولد منهما أو ما يتبعهما بعلاقة الارتباط العائلي للتكاتف على المعيشة وهذا أمر طبيعي. ولا يسع هذا البيت أكثر من هؤلاء فإن تزوج أحد الأولاد كوّن بيتاً جديداً.
وهذا البيت الجديد لا يستقل من كل وجه وإنما يحافظ البيت الأول على سلطته ومعونته لما تولد منه، واحترام الناجم لمن درج منه وعوّل عليه في نموّه واستقلاله.. وهذه وإن كانت تفقد بعض الاستقلال في الانقياد والطاعة والتفادي.. كانت لأمر مهم هو الرغبة في ازدياد هذا الولاء وتقويته والتضامن لحفظ الكيان، ومراعاة الحياة في صيانة بقاء النوع والنفس.
ذلك لأن هذا (البيت الجديد) تهدده الأخطار من كل صوب، وتنتابه الآلام من نواح مختلفة، يريد أن يعيش، ويحس بضرورة إلى التكاتف مع الأصل إذ لا يسعه أن يميل إلى من هو أبعد منه وإنما يعتضد بمن هو أقرب إليه وأحق برعايته وموافقته على السراء والضراء في كافة مطالبه.
ومن ثم حصل التفاني في سبيل المنفعة والتكاتف بين هذين البيتين بحيث صار ما يصيب الواحد يتألم منه الآخر ويتضامنون جميعاً لدفع الغوائل ويتهالكون في النضال..

(1/16)


ولم تقف الأمور عند هذا الحد فكلما زاد أفراد البيت وتكاثروا كوّنوا بيوتاً جديدة منهم على عين الشروط، والبيوت المتفرغة منها ما يحافظ على اسم البيت الأول والباقون يستقلون باسمائهم... إلا أن ما يهم الأول والثاني أعظم مما يهم الثالث والرابع بالتوالي في الاشتقاق والقرب والبعد...
ومن هنا راعوا درجة هذا التكاتف وقوته بالنظر لقوة القرابة ودرجتها وهذا صار أساساً مهماً في الارث الاسلامي. والتضامن في الغالب يكون لحد خمسة. بطون أو أظهر - كما نراه اليوم - فإن تجاوز الخمسة فلا يهم الواحد أمر الآخر وإنما المهم حينئذ ما يخص الكل ويتعلق بالجميع... فيقل التكاتف على الأمور الشخصية، والمالية الفردية. إلا أن يكون هناك خطر عام يهدد كيان الجميع، أو قريباً من ذلك كأن يكون من نوع (من حلقت لحية جار له فليسكب الماء على لحيته)، ومن البيت الأول نشأت الرياسة على عدة بيوت إلى أن شملت الفخذ، أو العشيرة أو القبيلة.. وهكذا الامارة...
وعلى هذا الأساس صاروا يقولون (الحلال بخمسة) و(الدم بخمسة) ويترتب عليها الوسكة (الوسقة) و(الأخذ بالثار) وما ماثل مما سيأتي البحث عنه. فلا يسألون مالياً أو بدنياً أكثر من خامس بطن، أو ظهر لا في المال ولا في الرجال... إلا في الأمور العظمى، والأخطار الكبرى مما يهدد كيان القبيلة في الخارج... ويحرج موقعها، أو يزلزل مكانتها...
وقد يبلغ بهم التضامن في نوائب الدهر لحد أن قال قائلهم: لا يسألون أخاهم أن هؤلاء منتهى ما يتألف من (البيت) وفروعه القربى المسمى أخيراً (بالفخذ)، أو (الفندة)، أو (الفرع)، أو (البديدة)... كما أن الحقوق متكافئة بين هؤلاء ويعدون - وإن تفرقت بيوتهم - أسرة واحدة.
ومن ثم كوّنوا جماعات (أفخاذاً) منها تألفت (العشيرة)..
3 - كيف تكوّنت الأسرة
يحسب بعض الأجانب ممن لا خبرة له ولا اطلاع أن تكوّن الأسرة العربية كان بصورة همجية ووحشية اقتضاها المحيط فلا تعد من الأسر المنتظمة، ولا الشرعية.. الخ.
وهذا الزعم باطل تكذبه الحالة التي عليها الأسرة العربية مهما بلغت من العراقة في البداوة، فهنا يفرق بين البداوة والوحشة في أن الأولى تابعة لنظام والأخرى لا تعرفه.
إن العائلة كان تكوّنها نتيجة تمثلات وتطورات واتباعاً لشرائع ونظم قويمة سواء كانت مكتوبة في الأصل أو متلقاة من أهل الشرائع أو الحالة اقتضت ذلك.. وهذه الحال لا يدرك أولها لقدمها وهي مألوفة إلى أن ظهرت الإسلامية، وان الشريعة الغراء لم تغير فيها تغييراً كبيراً لأن أساسها من مقتضيات البيئة، وإنما أجرت إصلاحاً شذّب فيها وأكمل نقصها ودعا إلى ما هي عليه اليوم.. أي أنها لا تفترق في تركيب عائلتها، وتأليفها سواء في اسلاميتها، أو في جاهليتها إلا قليلا... وانكحة العرب(1) التي يذكرها أهل الآداب هي أشكال لا أساس أصلياً، أو كانوا يفعلونها لأحوال خاصة، أو أن المرأة لم تكن مصونة، ولا قاهر عليها تخشى منه...!! واليوم تتمشى على قانون (الدين الاسلامي) ولكن التطبيق فيه متفاوت تفاوتاً ليس بالكبير واصلاحه مهم بالرغم من قلته، أحدث انقلاباً في الاسرة وفي غيرها محكم، قوي وبسيط ناشيء من روح القوم، سهل الاخذ مما لا نراه في شرائع الأمم السابقة بل وشرائع اليوم... وقرر حقوق العائلة وافرد أحكاماً لكل من الزوجين.
واساساً ان صلاح كل من الزوجين مطلوب ومرغوب فيه وأساسه (وعاشروهنّ بالمعروف) و (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) و (فامساك بمعروف او تسريح باحسان)... الخ.
والتاريخ يقص علينا الشيء الكثير من نظام الأسرة ومكانتها عند العرب فلا نجدها تابعة للاهواء، متبدلة كل يوم، فتطبق وفق الرغبات، او الاحوال الآنية... بل ثابتة مستقرة لا تقبل التبديل والتعديل بوجه بخلاف ما نراه اليوم في كثير من الأمم وانظمتها فاننا نجدها تابعة

(1/17)


للأهواء، والآراء الآنية، لا تستقر على حالة... فالاسلامية اصلحت في نظام العائلة وساوت في الحقوق بين الزوج والزوجة ومنعت الظلم عنها وأقرت الزواج المشروع ومنعت ما هو مستكره وهو اتخاذ (الاخدان)، او (البغايا)، ووافقت على العنعنات المرعية الفاضلة والاعتيادات التي لا تؤدي إلى الاجحاف، او القسوة... مما لا يخل بالاساس... ومنعت الوأد، والعضل، وقررت نظام الارث... وبهذا صانت حقوق المرأة سواء كانت اماً، او زوجة، او بنتاً، او ما ماثل...
فالبيت يتكون من الركنيين المذكورين. وهذا أس العائلة ودعامتها المكينة ولا يستطيع أحد ان يتزوج بدون عقد، أي ان يغشى امرأة دون ان ينال عقوبته، او ان يكون منفوراً... والعقر عند العرب دية التجاوز على عفاف المرأة... فلو كانت غير مرتبطة بعقد لما احتيج إلى ذلك، ولا روعيت الولاية عليها... ومما ابقته اللغة والقرآن الكريم لفظ (الخدن) وهو الصاحب بلا زواج ولا عقد فانه مرذول كما هو المنقول، ومنفور منه... وان المرأة التي تسلك هذه الطريق تعد خدناً، او فاحشة، او زانية، او بغياً، وان لم تكن مبتذلة للكل... واذا كان لها اقارب او عشيرة قتلتها وغسلت العار... لحد ان العربي كان يوجس خيفة من لصوق العار فيقتل ابنته حية بطريق (الوأد) قبل ان يأتي أوان زواجها خشية ان ترتكب ما يجلب العار وهذا التوهم وتوقع العار ساقه إلى ارتكاب جناية قتلها... قبل ان يقع الذنب. وقد منع الاسلام منه ووقف القوم عند حدود الشرع (واذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت).
وكانوا ولا يزالون يبذلون جهوداً لانتقاء الزوجة واستيلاد من يكونون مثل آبائهم واسرتها وأمثلة هذا جمة سنأتي بالكثير منها في حينها عن كل قبيلة... مما هو محفوظ عنها ومرتكز في نفوس القوم...
والعرب يكرهون بل يمقتون ان ياكلوا فضلات غيرهم او يلغوا في اناء ولغ فيه كلب ما... او يشربوا سؤره، والحاصل ان نفوسهم تعاف مأكول الغير، ومشروبه ويمقتون القبيلة التي تبيّت أكلها، فمن الاولى ان لا يتصل بامرأة هي متاع كل واحد او فضالة كل شارب، وهذا عام في كل القبائل... يأنفون من ذلك كل الأنفة:
اذا وقع الذباب على اناء ... رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الاسود ورود ماء ... اذا كان الكلاب ولغن فيه
وقد وصف القرآن الكريم هذا النوع من الاتصال باشنع وصف واصدقه (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا). واما الزواج المشروع فقد نوّه بذكره وحبّذه بقوله: (ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها وجعل في قلوبكم مودة ورحمة) الآية والغاية في ذاك ارضاء الشهوة وهي معروفة. وليس الغرض اتصال الود والرأفة...
والمهر ايضاً معروف لديهم ومتبع عندهم ويتغالون به ونكاح الشغار مما ابطاله الاسلام بل اوجب فريق من الفقهاء الزام مهر المثل فيه... وكذا هو منفور منهم وقول العوام (غصه بغصه ولا كصه بكصه)(1) المثل العامي مما يؤيد معتادهم. وليس هذا معناه شراء المرأة، او مساواتها بمبلغ معروف معين واستكراه هذه الحالة من بعض المتمدنين، او الذين يحاولون هدم كل قديم... فالامر لا يفهم منه ذلك وإنما هو ضمان للزوجة ان تعيش بضرورة بل لدفع كفافها، وحراسة وضعها لمدة حتى تتبصر من امرها وتعين وجهتها... وحكاية ام شهلبه وبنت الفوري تعين ذلك(2). وكذا يقال عن المراسيم للأعراس والزفاف ومراعاة الكفاءة والنهوة لمن لم تعرف كفاءته وذلك من أي قريب حفظاً للسمعة والنسب. ولكن الاسلامية تحوطت في هذا الامر وجعلت له سياجاً معقولاً من التصرف. كما ان الغرض مصروف إلى الاهتمام والمغالاة لئلا تكون المرأة بضاعة رخيصة او مبتذلة.
ومن ثم نرى العرب قد حافظوا على انسابهم وأعراضهم وصيانة اخلاقهم. وهذا نظام متأصل فيهم من زمن قديم لا يدرك اوله، ومزاعم أهل الطوتمية مردودة، وغير معروفة(3). ونكتفي بهذا لمناسبة البيت وبيان اركانه...
ولا يسع المرء ان ينكر ما يشاهده في العرب عن خيولهم التي هي وسائل نجاتهم من الاخطار وأنهم قد حفظوا على انسابهم (ارسانها) وبالغوا في ذلك وحكوا الحكايات عن الكراب على الفرس أو حمل الاثقال عليها... مما يدل على ان القوم كما يهتمون بانفسهم يرعون بعين الاهتمام ما هو أعز لديهم من خيول لانها وسائل نجاتهم وكسبهم في حروبهم...

(1/18)


4 - الفخذ: ويقال له (البديدة) وجمعها بدايد والفندة وجمعها (فند) وكذا يقال له (بيت) كما تقدم. والفخذ في الاصل عدة بيوت من جد قريب لا يكاد يتجاوز الجد الخامس في الاغلب. وهذا تابع لكثرة النفوس، ولظهور من ينال مكانة ويحصل على مقدرة شخصية ومواهب مؤهلة حتى يكون رأس بيت او فخذ جديد.
ونرى التلازم والتكاتف بين افراد هذه البيوت والتضامن بينهم قوياً جداً فالمسؤولية الشخصية للواحد على الآخر متجلية في هذا... كما ان التكافوء في الحقوق ظاهر... ومن ثم تتضاءل الرابطة حينما تعلو وتقل وحينئذ يكون التكاتف في المصلحة العامة والاحوال التي تخص القبيلة او العشيرة...
ومن هنا ساء ظن من زعم ان هؤلاء وحوش لا جامعة تجمعهم ولا رابطة تربطهم، وانهم بيوت مبعثرة في الصحراء. واننا لنعجب ممن يكتب ولا يعرف حقيقة ما يكتب وإنما يقرأ بعض المباحث من المغرضين ويتخيلها حقيقة فيبني عليها اوهاماً من عنده ومطالعات فاسدة من رأيه فيحسب انه قطع جهيزة كل كاتب وخطيب... والحال ان الفخذ في تضامن وتكاتف وفق ترتيب معهود لديهم وشكل منظم معروف... وركنه الركين الاحتفاظ بحياة الجماعة، والتكاتف للشر غير مقصود... فهو ضمان الجماعة، ودعامة بقائها، وأس صلاحها..
وعلى هذا الفخذ تترتب الاحكام التالية: 1 - الدية. هو المسؤول عنها لحد خمسة بطون أو أظهر أو ان الكل مسؤولون كما هو معتاد كثيرين من القبائل المحدودة في موطن وترى الضرورة تدعوها إلى هذا التضامن فشاعت في الكل وصارت نظاماً لهم... وحينئذ لا تقتصر المسؤولية عند الأقرب فالكل مطالبون... ومن مؤيدات هذه الفكرة ان قاتل قريبه مسؤول شخصياً تشديداً للعقوبة عليه مع الجلاء وما ماثل...
2 - الحلال بخمسة أيضاً أو المسؤولية المالية.
3 - الوسكة (الوسقة) تجري على هؤلاء المسؤولين وتشدد على السارقين من الأقارب أوالجيران لعين السبب المذكور في الفقرة الأولى.
وأمثال ذلك من المطالب عن الجناية الشخصية أو المالية...
ويلاحظ هنا ان بعض الأفراد قد يجلى أو يرحل إلى قبيلة أخرى لأسباب كثيرة فيحافظ على مكانته ويؤسس له اسماً فينسى جذمه الذي درج منه. وحينئذ لا يمكن أن نعده فرعاً من فروع القبيلة أو بيتاً من بيوتها وانما نعلم اجمالا انه من تلك القبيلة. وهذا وقع كثيراً في مواطن متعددة... واذا كان نسي أصله فيعد من هذه القبيلة الأخيرة...
ملحوظة: قد شاعت التسمية بالبيت، وكذا بالعشيرة أو القبيلة باسم مؤسسها أو من اشتهر أمره منها. وقل من تسمى باسم غيره إلا أن يكون بنبز كسنجاره وآل الجرباء... ولم تعرف التسمية إلى المواطن إلا قليلا وهذا قد يكون للفصل بين المواطن والأماكن فيما اذا تفرقت القبيلة كأن يقال شمر الجبل وشمر الجزيرة... الخ بصورة عامة وإلا فأكثر القبائل تنسب إلى جدها وتعرف باسمها...
والأقوام الأخرى كالاثوريين والكرد، والترك، إنما تعرف قبائلهم باسمها الأصلي المعروفة به وبقريتها أو أرضها التي تحل فيها، وهذا هو الغالب فيهم... ولا يؤمل الاطلاع إلى ما هو شبيه او مماثل لما عند القبائل العربية من تفريع وافخاذ... وإذا عرف هذا في الرؤساء فهو وقتي ولمدة. والترك اقرب إلى الأوضاع القبائلية في بداوتهم...
5 - العشيرة
وتتألف من عدة أفخاذ أو بيوت وتعيش مجتمعة بالوجه المتعارف... أو قد يتفرع الفخذ الواحد إلى عدة أفخاذ فرعية بناء على تقادم العهد في بناء البيت فيتكاثر أفراده ويتشعبون بتزايد نفوسهم وحينئذ يتسمى ما كان قد تسمى بالفخذ أو البيت (بالعشيرة). وهذه قد يتساهل في تسميتها فيقال لها (قبيلة) ولكن المعروف أكثر هو ما قدمنا وقد يقال (الفريق) إذا كان جزءاً من القبيلة وغير منفك عنها... وهؤلاء الأفراد متكافؤون في الحقوق ومتساوون وتجمعهم صلة القرابة أو ما يدعى (بالعمة أو العمومة) وهنا يقال للفريق (جمعاً) حينما يبلغ الف بيت باصطلاح عنزة وشمر في غالب الأحيان. وإلا فعندما عشائرنا يقال لجملة بيوت تسكن في موطن فريقاً. و(نار الفريق) منه.

(1/19)


والفريق أو الجمع في الغالب لا يراعى فيه القربية أو الاشتقاق من جد واحد وإنما تراعى فيه القربى البعيدة وقد يكونون مختلفي الأفخاذ والبدايد... وأساسه أن يتفوقوا على أمر من غزو أو ما ماثل... وباصطلاح عشائرنا لا يختلف معنى الفريق عن (الجمع) والجموع.. وغالب الجموع أن تؤلف للحرب خاصة أو للغزو ولذا يقول المثل: (قال يا محورب حورب! قال: تلاقت الجموع) بخلاف الفريق فانه يتكوّن من أفخاذ مختلفة بسبب المراعي والتجوّل الموقت ايام الربيع فيعود بعد ذلك كل إلى قومه وجماعته (عشيرته أو فخذه).
أما المسؤولية المالية والشخصية في هذه فانها غير مرعية لدى القبائل البدوية أي إذا طالب المنهوب منه أو المسروق منه فلا يسعه ذلك. وأما أموال القبيلة فهي محترمة... ولكنها لدى قبائلنا المتاخمة للمدن أو المجاورة لها فالمسؤولية فيها من قبل المجاورين عامة وان المعتدى عليه يتوسق (يتوسك) من ظفر به. ويمثلون لهذه بان العشيرة (غابة) فلا يمكن الوصول إلى كل مواضعها ولذا يؤخذ من الأطراف أو الجوانب التي يتيسر الأخذ منها. وهذا يعد طريقاً لاستيفاء الحق وواسطة للحصول عليه فليس عندهم الجناية شخصية أو فردية على حد ما ورد في القرآن الكريم (ولا تزر وازرة وزر أخرى).
وقد نهى الإسلام عن ذلك وأمر أن لا يسأل عن ذنب المرء غيره ويرد بقوله: " أفحكم الجاهلية يبغون " لمن لا يرضى إلا أن يكون الحصول على الحق من الأمور الكيفية، ويجعلها تابعة للقوة والتمكن من أخذ الحق... ولكن القبائل ترى هذا لا من ناحية مخالفة النص الصريح، وإنما هو تدبير لحراسة الحقوق المتقابلة...
وإن مثل هذا إنما يراعى في المواطن التي لا حكومة فيها ذات سلطة فيستعين المرء بقوة قبيلته فيستوفي حقه ممن عثر عليه، أو ظفر به من أقارب عدوّه. فكأن القوم في حرب. وفي هذا ضمان لم يجد أهل البادية بداً من الركون إليه ولا رأوا ضماناً له غير هذا... أو بالتعبير الأصح لم يتمكنوا من اكتشاف طريقة أسلم من هذه فهي الطريقة المثلى عندهم بالنظر للتجارب التي مرت عليهم، وقد رأوا كثيراً ما لهذه الطريقة من النفع والحصول على الحق أو صيانته بتأمين المطلوب.
وحينئذ تحسب هذه الأمور إذا أريد الصلح أو المسالمة. وقد تدعو هذه لحروب دموية. وإذا خلت من التجاوز وهو واقع قطعاً كانت ضماناً وحراسة للحقوق.
رأينا بعض الرؤساء من يحرم الوسقة (الوسكة) من الأقارب ويراعي أحكام القرآن الكريم ولا يسأل سوى الجارم كما في آية (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وعلى هذا يقولون (كل شاة معلقة من كراعها).
أما العشائر البدوية فلا تسأل أكثر من الخامس في درجة القربى من البطون ولا تطالبه لا بالمسؤلية الشخصية ولا بالجناية المالية... أياً كان ومن أي قبيل سواء كان قريباً أو بعيداً على أن لا يكون من عشيرة أخرى. وتمنع التطاول على أموال القبيلة بتاتاً وفي حالة أن يكون القريب جنى على قريبه جناية ما سواء كانت مالية أو بدنية فإن المسؤولية تقتصر على الفخذ ولا تتجاوزه. وهذا لم يقدر بالخمسة ولكنه في الحقيقة لا يتجاوزها وأما إذا كانت قد وقعت الجناية بين أهل الفخذ فتكون المسؤولية على الفاعل نفسه دون غيره وتضاعف في الأكثر...

(1/20)


ثم ان هذه الحالة للجماعات العشائرية من الألفة والتكاتف واحتماء بعضها بالبعض قد يسبب العداء بينها وبين المجاورين وتؤدي إلى ما يؤذن بالخطر، أو يهدد كيان الجماعة ويتكاتفون لأجله أو بالتعبير الأصح ان ذلك لا يحتاج إلى مقاولة أو معاهدة وإنما يتم بمجرد وقوع الخطر وحدوثه... والمهددات لكيان العشائر كثيرة ومتعددة. ولذا نجدهم يتخذون وسائل عديدة لتقوية التضامن بينهم ويتأهبون لدفع الطوارئ والعوادي وأهمها: التذكير بالوقائع القريبة العهد والاجتماعات المتوالية في المجالس والدواوين تنبه على لزوم التضامن في حراسة الأموال والأنفس وتهييج العداء بالهوسات وبذكرى الوقائع السابقة وحكايتها واستخدام العماريات والخطابة المشوبة بحماس ومقترنة بالأشعار ومتى شعرت جماعة أو عشيرة بضعف ركنت إلى التحالف مع العشائر الأخرى المجاورة مذكرة لها بقرابة ولو بعيدة، كالاشتراك في القحطانية أو العدنانية... أو بجوار، أو بوقائع متماثلة أعانتها بها، أو بالأخطار التي تنجم من جراء ذلك أو استعطافها وأنها سوف ينالها ما ينال هذه، وقد تستخدم عدة وسائل من هذه وفي خلال ذلك ترى التهويل، والاستنهاض...
ومن ثم يحصل الاتفاق، أو التحالف أو يتدخل في أمر الصلح... وهذه حالات أشبه بالحقوق الدولية أو أنها مصغرتها، والطبيعية منها...
ونترك الآن البحث عن العلاقات بين العشائر المتقاربة أو المتباعدة وان كان الأصل من نجار واحد... فقد نرى لهذه علاقات وصلات متنوعة لا يسهل الكلام عليها ما لم نعرف عن العشائر وخصوصياتها شيئاً... قبل أن نرجع إلى العلاقات الخارجية...
6 - القبيلة
وقد تتألف الجماعة العربية من عدة عشائر بان تكتسب ضخامة وسعة في تكوّنها.. وحينئذ يقال لها (القبيلة) وقد يتساهل في التعبير فتسمى العشيرة باسم القبيلة كما تقدم. وهذه لا تفترق عن العشيرة إلا في الرياسة العامة بأن يكون رؤساء العشائر منقادين لرئيس القبيلة، وقد يصح التعبير إذا قلنا ان القبيلة عشيرة موسعة، وبالغة حداً كبيراً من التفرع والتشعب... فهي لا تختلف في حكمها عن العشيرة وحينئذ تكون الكلمة واحدة وان كانت كل عشيرة تدار داخلياً من قبل رئيسها.. فالرؤساء هنا بمنزلة رؤساء الأفخاذ في العشيرة...
وهذه لا تكون المسؤولية العامة فيها إلا في المطالب العظمى والحالات الشاذة فهم متناصرون فيما بينهم. وكذا رئيس القبيلة هو واسطة التفاهم مع الحكومة دون رؤساء العشائر.. أو تتدخل الحكومة لحل النزاع بين فريق وفريق من العشائر المتخالفة ممن هم تحت سلطة رئيس القبيلة.. فيتفاهم معه، أو يتفاهم مع رؤساء العشائر المتخالفين...
وعلى كل حال ان هذه الحالة ضئيلة العلاقة. فليست كالفخذ في شدة ارتباطه ولا كالعشيرة في تكاتف افخاذها. وإنما هي سلطة عامة وغالبها اسميّ وتنفذ الأوامر على أيدي الرؤساء على العشائر فهي أشبه بالادارة العامة للولاية أو اللواء بالنظر للأقضية والنواحي في نظام المدن...
والفرق هو ان بين الحكومة وأفرادها عمومية وأما في هذه فلا يتولى الرياسة على العشيرة إلا من كان من بيت الرياسة، أو من أبدى مهارة بحيث رضيت عنه العشيرة فانتزعها ممن لا يصلح لها وهذا نادر جداً... وكذا يقال في الرياسة العامة فانها لا يتولاها على القبيلة إلا من كان من بيت الرياسة وما شذ عن هذه القاعدة فذاك لأسباب غالبها ظهور الخطر المهدد لكيان القبيلة، ووجود المقدرة وخمول بيت الرياسة... خصوصاً إذا علمنا ان الرياسة في العشائر تكون لمن هو أشجع من غيره، أو أكرم منه، أو جمعها معاً حتى ارتضته القبيلة من بيت الرياسة، أو من بيت آخر مالت إليه وعدلت من الأصل الذي كانت تعترف له.وهذا مشاهد كثيراً...
والحاصل ان القبائل تظهر قوة تكاتفها في أمور منها الدية، والمطالبة بالدم أو الثأر وبضمانات الجرائر... وكذا القيام بفورة الدم، ومعاونة الضعيف واعطائه (الحذية)..الخ.
وعلى كل حال لا يحصر أمر التعاون والتضافر ويتجلى عند منازعات القبائل وحروبها وغزواتها...
وأساس ذلك انه تراعى فيه الدرجات بالنظر للحوادث. وفي المثل يقال (ضم أخاك لابن عمك وابن عمك للغريب) وهكذا يقال عنهم في كافة أمورهم..
فمثلاً ان القبيلة التي تمت إلى القربى مقدمة لديها دون غيرها ولو كانت القربى بعيدة جداً...

(1/21)


وهذه الأحوال تلاحظ عند الملمات فتهيج كامن القربى والعداء مع القبائل الأخرى... وحينئذ تثير أمشاج القربى ووشيجة النسب فيتحرك وتر الشعور ودقات الاحساس فتدفعها لتيارها وتسوقها لغرضها.. وهكذا.
وهنا نرى البلاغة والتلاعب في جلب النفوس في الشعر فالحكايات والهوسات وهكذا كل ما يسلك طريقه فيها ويجذب رغبة.
7 - الامارة
وقد تتقارب عدة قبائل، أو تتكاثر إلى أن تكون قبائل عديدة فيتولى امارتها رئيس الفخذ الأول، أو أن ينال رئيس إحدى العشائر أو القبائل مكانة ويبدي همة زائدة لجمع الكلمة فيعول عليه... وهذا قليل، والعنعنة مرعية.
وذاك الرئيس هو (الأمير). وفي نجد كلمة أمير عامة تقال لرئيس كل قبيلة، أو عشيرة ولكن أصل وضعها للامارة على عدة قبائل وتولي رياستها...
وهذه علاقتها أكبر وان كانت أضعف من حيث التدخل في شؤون كل قبيلة. وإنما هي سيطرة عامة، وزعامة... تنظر في العلائق العامة بين القبائل كما ان رؤساء القبائل ينظرون إلى العلائق بين عشائرهم. وكذا تلاحظ مكانتها بالنظر للامارات، أو القبائل الأخرى بين أن تكون على سلم، أو حرب، أو غزو...
وهنا تترتب حقوق لا تفترق عن حقوق القبيلة أو العشيرة بصورة أعم وأعظم...
وسيأتي الكلام على عرف القبائل. وكذا على علاقتها مع بعضها مما يستدعي البحث الطويل والاستقصاء عن الأحوال..
وهذا البحث لاذ جداً. ومن أهم مباحث القبائل. ويبطل مزاعم من ينظر إلى القبائل كنظرة همجية أو وحشية فيتصورها لا همّ له سوى الغزو والنهب دون قانون ولا عادات تكبحها وحقوق تردعها، أو تعاملات توقفها عند حدّها.
وغاية ما أقوله الآن انها لم تخرج عن النظام والعادات المقررة حتى في غزوها وقيادتها للغزو، وتقسيم الغنائم...الخ ملحوظة: وإذ قد عرفنا تكوّن البيت والفخذ، والعشيرة، والقبيلة، والامارة، ومكانة كل من هذه بالنظر للأخرى اجمالا تحتم علينا أن نبحث عن الشكل الكامل (القبيلة). والكلام عليها لا يفترق عن الإمارة بوجه...
فالكلام على القبائل هو كلام على كافة الجماعات العربية ولا نفرق بين ان يكون قبيلة إذا كان كبيراً، وبين أن يكون عشيرة فيما إذا كان كذلك. لذا ترانا قد نفخذ القبيلة إلى افخاذ متتالية والى شعب أخرى مما لا يراعى فيه التصنيف المار الذكر اكتفاء بما علم. هذا مع بيان العلاقة والقربى بين القبائل...
فلا يوجه النقد إلى ان الواجب ان تعد بعض القبائل امارات نظراً لتكاثر فروعها وتفرعهم إلى من هو دونهم... ولا مشاحة في الاصطلاح. وإنما الغرض هنا أن نتكلم عن القبيلة وما تفرعت إليه من الفروع التالية دون التزام لبيان قبيلة، أو عشيرة أو ما ماثل وإنما نكتفي بالاسم الصحيح المعروفة به الكتلة الموضوعة البحث قبيلة كانت أو عشيرة فيحافظ على اسمها مع غضّ النظر عن فروعها أو كثرة تفرعها... وباقي المباحث تذكر عند خصوصية كل قبيلة بحيالها.
- 10 -
عرب العراق
إن هجرة العرب ونزوحهم إلى العراق والشام وسورية... والى مصر والبحرين... قديمة العهد، ولعلها ابتدأت من أيام الحكومة الحمورابية، أو قبلها بأمد لا نستطيع تعيينه حتى تكوّنت هذه الحكومة كما ارتأى ذلك مؤرخون كثيرون ولم تنقطع صلتهم بالعراق، أو احتكاكهم به على بعد الزمن، وتعزى الهجرة بالنظر لمؤرخينا إلى سعة ملك اليمن واكتساح ملوكهم الممالك الأخرى، ثم إلى سيل العرم في اليمن، ثم إلى تكاثر القحطانيين والعدنانيين مما أدى إلى الاختلاط وايجاد حلف عربي قيل له (التنوخ) كما سميت القبائل المتفقة (القبائل التنوخية) فكانت تجري الهجرة إلى الأرياف وأهمها (العراق)...
ولا نعدم بعض النصوص التاريخية عن هذه الهجرات والتدافع بين القبائل والتداخل أو الانقياد والتمثل... ولا يعرف في الحقيقة وبالضبط تاريخ النزوح إلى العراق وإنما هو قديم، وإن كافة العرب الموجودين في العراق يحفظون أصلهم وانه من جزيرة العرب، وان فريقاً منهم يمت إلى القحطانية، وآخر إلى العدنانية ومنهم من هو من العرب الأولى كما يراه البعض... فهم بالرغم من الاختلاط حافظوا على تجارهم واصلهم الأصيل ولكن الملحوظ هو ان السلطة كانت للقحطانية وان كان يقال عن تغلب العدنانية فالازد لم يضيعوا سلطتهم...

(1/22)


ولما صالح خالد بن الوليد أهل الأنبار رآهم يكتبون بالعربية ويتعلمونها فسألهم ما أنتم فقالوا: " قوم من العرب نزلنا إلى قوم من العرب قبلنا فكانت اوائلهم نزلوها أيام بختنصر(1) حين أباح العرب ثم لم نزل عنها. " ويفسر هذا القول بالمحفوظ لهم... فقال ممن تعلمتم الكتاب؟ قالوا: " تعلمنا الخط من اياد وأنشدوه شعراً:
قومي أياد لو انهم أمم ... أولوا أقاموا فتهزل النعم
قوم لهم باحة العراق إذا ... ساروا جميعاً والخط والقلم " اه(2).
ومما يبين محفوظات القوم عن أصلهم ان خالداً حينما جاءه رؤساء أهل الحيرة للمفاوضة في أمر الصلح قال: ويحكم ما أنتم؟ أعرب فما تنقمون من العرب؟ أو عجم فما تنقمون من الانصاف والعدل؟ فاجابه عدي اللخمي بل عرب عاربة وأخرى متعربة فقال: لو كنتم كما تقولون لم تحادوننا وتكرهون أمرنا فقال له عدي: ليدلك على ما نقوله انه ليس لنا لسان إلا بالعربية فقال صدقت..الخ. ثم قال له اختاروا واحدة من ثلاث ان تدخلوا في ديننا فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، أو الجزية، أو المنابذة والمناجزة فقال بل نعطيك الجزية فقال خالد: - تباً لكم ويحكم ان الكفر فلاة مضلة فاحمق العرب من سلكها فلقيه دليلان أحدهما عربي فتركه واستدل الأعجمي...! فصالحوه على مبلغ معين. ولكنهم ثقل عليهم ضياع الأمرة واعطاء الجزية فقال ابن بقيلة:
ابعد المنذرين ارى سواماً ... تروح بالخورنق و السدير
وبعد فوارس النعمان ارعى ... قلوصاً بين مرة والحفير
فصرنا بعد هلك أبي قبيس ... كجرب المعز في اليوم المطير
تقسمنا القبائل من معد ... علانية كايسار الجزور
وكنا لا يرام لنا حريم ... فنحن كضرة الضرع الفخور
* * *
كذاك الدهر دولته سجال ... فيوم من مساءة أو سرور
وفي هذه الأبيات يتألم القحطاني في العراق من تغلب المعدية وسيطرتها عليهم بعد أن كان لا يرام لهم حريم ولم يلاحظ العربية الجامعة والأخوة القومية والدين الشامل... فالمفاخرات وتسلط القبائل العدنانية مما رآه مصابا جللا...
وكذا يقال عن محاورة عمرو بن عبد المسيح وما جرى له مع خالد بن الوليد مما برهن به على قدرة تلاعبه بالعربية وبيانه عنها.
وفي وقعة الحيرة وانتهائها بالصلح قال القعقاع بن عمرو مبيناً أن أهل الحيرة عرب مالوا إلى الأرياف:
سقى الله قتلى بالفرات مقيمة ... وأخرى باثباج النجاف الكوانف
فنحن وطئنا بالكواظم هرمزاً ... وبالثني قرني قارن بالجوارف
ويوم أحطنا بالقصور تتابعت ... على الحيرة إحدى المصارف
حططناهم منها وقد كاد عرشهم ... يميل به فعل ا لجبان المخالف
رمينا عليهم بالقبول وقد رأوا ... غبوق المنايا حول تلك المجارف
صبيحة قالوا نحن قوم تنزلوا ... إلى الريف من أرض العريب المقانف
ومن هذا كله يعلم ان عرب العراق من جزيرة العرب مالوا إلى الأرياف أو تنزلوا إليها... وكانت السلطة بايديهم ولكنها في قوة تارة وضعف اخرى. والعرب في الجزيرة لا يعدون من انفصل منهم انه يعود اليهم يوماً... ولذا ينسى فلا يحفظون له تاريخاً...
نراهم يقولون عن قوم منهم لا نعرفهم... وهذا ظاهره الطعن ولكنه في الحقيقة نسيان واهمال لشأنه... بسبب الوقائع المؤلمة والحوادث القاسية التي دعت فلم يتمكنوا من العودة وطاب لهم المقام...
- 11 -
قبائل العراق
الى
ايام الفتح الإسلامي
لا يقطع في طريق الانتساب أو الصلة في الكثير من عرب العراق المتحضرة بل نرى الذين مالوا إلى الأرياف وسكنوا المدن انقطعت صلتهم عن العشائر ولم تبق لهم حاجة إلى معرفة الصلة النسبية وانما يكتفون بقولهم انهم عرب... وأما القبائل المعروفة ممن ذكرت في التواريخ أيام الفتح الإسلامي فإنها لما كانت قريبة العهد ولها صلة بقبائل الفتح دوّن المؤرخون مسموعاتهم عن أصلها وتاريخ ورودها العراق. والقديم منها فكلموا عنه مجملاً والآخر أوسعوه تفصيلا...

(1/23)


وأننا نورد بعض النصوص التاريخية قال الطبري(1): كان بدء نزول العرب أرض العراق وثبوتهم فيها واتخاذهم الحيرة والأنبار منزلا ان بختنصر أمر أن يغزو العرب الذين لا اغلاق لبيوتهم ولا ابواب (اهل البادية الرحل) ويطأ بلادهم بالجنود فيقتل مقاتلتهم ويستبيح اموالهم. فخرجت طوائف منهم مسالمين مستأمنين فانزلهم بختنصر السواد على شاطئ الفرات فابتنوا موضع عسكرهم بعد فسموه الانبار كما انه اتخذ حيراً على النجف وحصن من كان عنده وحرسهم، ثم خلى عن اهل الحيرة فاتخذوها منزلا. فلما مات بختنصر انضمّوا إلى اهل الأنبار وبقي ذلك الحير خراباً.
ويقال انه دخل على العرب وحارب عدنان فاجتمع أكثر العرب فقتل فيهم واثخن. ثم رجع بختنصر إلى بابل بما جمع من سبايا العرب فالقاهم بالانبار فقيل (انبار العرب). وبذلك سميت الانبار. وخالطهم بعد ذلك النبط. وبقيت بلاد العرب خراباً...
وفي هذه الاثناء تطاحنت العرب فيما بينها واقامت عدنان بمكة..اه وفي خلال سطور التاريخ نجد ان ملوك اليمن قد انبسط ملكهم ودانت لهم الاطراف ومضوا إلى العراق والى ما هو أبعد منه...
جاء في تاريخ الطبري(1) ما نصه: " ...إن ملك اليمن وهو تبّع المعروف تبان أسعد سار بجيوشه حتى جاء إلى جبلي طيء ثم مضى يريد الانبار فلما انتهى إلى الحيرة ليلا تحير فاقام مقامه. ولذا سمي ذلك الموضع (الحيرة). ثم سار وخلف به قوماً من الأزد، ولخم، وجذام، وعاملة، وقضاعة، فبنوا وأقاموا. ثم انتقلت اليهم أناس من طيء، وكلب، والسكون، وبلحارث بن كعب، واياد. ثم توجه إلى الأنبار... ثم انكفأ راجعاً إلى اليمن..
وفي رواية خرج تبع في العرب حتى تحيروا بظاهر الكوفة وكان منزلا من منازله فبقي فيها من ضعفة الناس فسميت الحيرة لتحيرهم. وخرج تبع سائراً فرجع اليهم وقد بنوا وأقاموا وأقبل تبع إلى اليمن وأقاموا هم. ففيهم من قبائل العرب كلها من بني لحيان، وهذيل، وتميم، وجعفى، وطيء، وكلب... وأيد ذلك التاريخ الإسلامي في وقائع كثيرة منها أن الوفود إلى الرسول نجد فيهم قبائل من اليمن ونرى اخوانهم في العراق فمثلاً بهراء جاءت وفودها إلى الرسول كما في طباق ابن سعد، وحاربها خالد في العراق على ما سيجيء...
والحاصل ان الأقوال التاريخية - مما مصدره العرب والعراق - كثيرة في بدء سكنى العرب في العراق وسبب نزوحهم... ودوامهم، وهجراتهم المتوالية اليه. وعلى كل حال هو قديم لم يدر أوله... وقبل ما ذكروا فلا يحدّ له وقت ومن بين القبائل التي سكنت قبائل العرب البائدة من عمالقة وغيرهم ممن انقرضوا ولم تبق لهم بقايا معروفة مقطوع بصحة انتسابها ونرى ذكرهم مر مجملا... ولكن القبائل التي سكنته قبيل الإسلام وعند ظهوره معروفة ولا تزال تشترك في قبائل العرب وفروعها...
هذا. والقبائل العراقية كثيرة وغالبها قحطانية وقسم منها عدنانية وبينها ما هو متردد بين العدنانية والقحطانية مثل أياد وأنمار... ولهذه القبائل فروع كثيرة ولا نجد بين هؤلاء ما هو خارج عن الجذمين القحطاني والعدناني. ولكننا نرى بعضها يعزى إلى العاربة الأولى البائدة... والقبائل العراقية المذكورة جمعاء مفرقة في بطون الكتب. وهذه أشهر القبائل:
1 - قبيلة اياد
هذه القبيلة كان قد تنازعها نسابة اليمن من القحطانية ونسابة العدنانية. قال العدنانيون ان اياد بن نزار بن معد بن عدنان. واياد هذا سار باهله إلى اطراف العراق... وأيدوا دعواهم بقول الشاعر وهو أبو دؤاد الايادي واسمه حارثة ابن الحجاج (1) وكان اشعر شعرائهم(2):
وفتو حسن اوجههم ... من اياد بن نزار بن معد
وبقول الكميت بن زيد الاسدي:
اياد حين تنسب من معد ... وإن رغمت انوف الراغمينا
وكانوا في الذؤابة من نزار ... وأهل لوائها مترزنينا
وفي ابن هشام ان اياداً هو ابن معد واورد:
قومي اياد لو انهم أمم ... أو لو أقاموا فتهزل النعم
قوم لهم ساحة العراق إذا ... ساروا جميعاً والقط والقلم(3)
وهذا هو المشهور وأيده السمعاني في كتاب الأنساب. ومن بني أياد كعب ابن مامة الايادي وكان يضرب المثل بجوده، وقس بن ساعدة الأيادي وكان يضرب بفصاحته المثل.

(1/24)


أما اليمانية فادعت ان اياد بن احاظة بن سعد بن حمير.(1) وهذه القبيلة قديمة العهد في سكنى العراق. ولعلها من اقدم القبائل المعروفة. وكانت ديارها - على ما جاء في اليعقوبي - بعد اليمامة الحيرة ومنازلهم الخورنق وسدير وبارق ثم أجلاهم كسرى عن ديارهم فانزلهم تكريت... ثم اخرجهم إلى بلاد الروم. وقال ابن عبد البر: وقوم من الروم يزعمون انهم من اياد وانهم دخلوا مع هرقل إذ هزمهم المسلمون. وقيل انه رحل مع هرقل من اياد نحو سبعين ألفاً ونزلوا أنقرة. وقد ذكر ذلك الأسود بن يعفر في شعره إذ ذكر أنقرة فقال:
نزلوا بأنقرة يسيل عليهم ... ماء الفرات يجيء من اطواد(2)
وقال ابن الأثير عند الكلام على العلائق الحربية بين العرب والفرس: " لما ملك سابور وكان صغيراً ذاع خبر صغره في الأطراف وكانت العرب أقرب إلى بلاد فارس وسواحل اردشيرخُرّه وغلبوا أهلها على مواشيهم ومعايشهم واكثروا من الفساد وغلبت اياد على سواد العراق... فمكثوا حيناً لا يغزوهم أحد من الفرس لصغر ملكهم... فلما كبر سابور اوقع بالعرب فقتل واسر واكثر ثم قطع البحر إلى الخط فقتل من بالبحرين... وسار إلى هجر وبها ناس من تميم وبكر بن وائل وعبد القيس وقصد اليمامة واكثر في اهلها القتل وغوّر مياه العرب وقصد بكراً وتغلب فيما بين مناظر الشام والعراق فقتل وسبى... وكان ينزع اكتاف الرؤساء ممن يظفر بهم فسموه ذا الاكتاف...
وكان لقيط الايادي معهم فكتب إلى اياد:
سلام في الصحيفة من لقيط ... إلى من بالجزيرة من اياد
بان الليث كسرى قد اتاكم ... فلا يشغلكم سوى العتاد
اتاكم منهم سبعون الفاً ... يزجون الكتائب كالجراد
فلم يقبلوا منه وداموا على الغارة فكتب اليهم:
ابلغ اياداً وخلل في سراتهم ... اني ارى الرأي ان لم اعص قد نصعا
فلم يحذروا واوقع بهم سابور وأبادهم قتلا إلا من لحق بارض الروم(1)اه.
ومن وقائعهم مع الفرس (وقعة دير الجماجم) في ملك سابور بن سابور ذي الاكتاف. وكانت اياد تؤرخ بهذه الوقعة قال شاعرهم:
على رغم سابور بن سابور اصبحت ... قباب أياد حولها الخيل والنعم
كما كانوا يؤرخون خروجهم من العراق إلى الجزيرة حين اوقع بهم سابور وقد تمثل بهذه الوقعة بعض الشعراء:
قلت والليل مطبق بغراب ... أرقب النجم لا احس رقادا
ان حياً يرى الصلاح فساداً ... ويرى الغي في الأمور رشادا
لقريب من الهلاك كما ... اهلك سابور بالعراق ايادا(2)
قال اليعقوبي: " لما تفرق اهل اليمن قدم مالك بن فهم بن غنم بن دوس حتى نزل أرض العراق في أيام ملوك الطوائف فاصاب قوماً من العرب من معد وغيرهم بالجزيرة فملكوه عشرين سنة، ثم قدم جذيمة الأبرش فتكهن وعمل صنمين يقال لهما الضيزنان فاستهوى أحياء من احياء العرب حتى صار بهم إلى ارض العراق وبها دار اياد ابن نزار وكانت ديارهم بين ارض الجزيرة إلى ارض البصرة فحاربوه حتى صار إلى ناحية يقال لها بقة على شط الفرات بالقرب من الأنبار وكان تملك تلك الناحية امرأة يقال لها الزباء، وكانت شديدة الزهادة في الرجال. فلما صار جذيمة إلى أرض الأنبار واجتمع له من اجناده ما اجتمع قال لاصحابه إني قد عزمت على أن أرسل إلى الزباء فاتزوجها وأجمع ملكها إلى ملكي فقال غلام له يقال له قصير ان الزباء لو كانت ممن تنكح الرجال لسبقت اليها فكتب اليها وكتبت إليه أن أقبل إليّ أزوجك نفسي فارتحل إليها فقال له قصير لم أر رجلاً يزف إلى امرأة قبلك وهذه فرسك العصا قد صنعتها فاركبها وانج بنفسك فلم يفعل فلما دخل عليها كشفت عن فخذها فقالت أدأب عروس ترى قال دأب فاجرة بظراء غادرة فقطعته الزباء وركب قصير الفرس العصا ونجا. ولما قتل جذيمة ملك مكانه ابن اخته عمرو بن عدي بن نصر... " اه(1) وفي تاج العروس ما نصه: " واياد حي من معد وهم اليوم باليمن قال ابن دريد هما ايادان اياد بن نزار واياد بن سود بن الحجر بن عمار بن عمرو(2) قال أبو دؤاد الايادي:
في فتو حسن أوجههم ... من اياد بن نزار بن مضر " (1)
وقال صاحب اشتقاق الانساب:

(1/25)


" واياد بطون... ومن اياد أبو البهاء الشاعر، ومنهم بنو علي بن سود لهم خطة بالبصرة وحوض. ومن بني علي سلم بن محمد بن حجر صاحب حوض بني علي بالبصرة.. " اه(2) فعد اياداً من قبائل طاحية بن سود ومن بطونهم اياد، وعلي، وعبدالله، وبهذا يكونون من القبائل القحطانية.. ولكل وجهة... اما اليوم فلا نشاهد قبيلة بهذا الاسم، تعد من بقاياهم بل ولا نعرف قبيلة في العراق تمت اليهم بنسب وقربى. وفي انساب السمعاني ذكر انها تنسب إلى اياد بن نزار بن معد ابن عدنان وتشعبت منه القبائل ثم عدّ جماعة ممن اشتهروا بالنسبة إلى هذه القبيلة فلا محل لا يرادها هنا، ونكتفي بالاشارة اليها.(3) وان اياداً هذه حافظت على مكانتها وعلى اسمها إلى ظهور اياس بن قبيصة الطائي ووقعة ذي قار فان هذه القبيلة كانت مع اياس امير العرب فارسلت إلى بكر سراً بان أي الأمرين أحب اليكم أن نطير تحت ليلتنا فنذهب أو نقيم فنفر حين تلاقوا القوم..! قالوا بل تقيمون فإذا التقى القوم انهزمتم بهم. ففعلوا ما ارادت بكر...(4) وكانت الامارة فيهم قبل أن تأتيهم القبائل التنوخية إلى العراق وبعد ان جاءوا إلى العراق كانت لهم اليد في مقدرات هذه الامارة كما نرى ذلك في امارة عدي بن عمرو بن ربيعة من آل نصر اللخمي...
وفي كل هذه المدة حافظوا على انسابهم ولم يختلطوا بالاعاجم وسائر الفرس. ولكن بسبب مساكنتهم لتخوم الفرس ومخالطتهم لهم صار سائر العرب يكرهون قربهم من العجم ويعدّون ذلك ضياعاً لعربيتهم وعروبتهم. ولذا يرون منزلتهم نازلة، ومكانتهم حقيرة لحد انهم عدّوهم من العجم ونبزوهم بذلك واتقيت مداخلتهم.. ويبعّد هذا احتفاظهم بانسابهم... ولم يبالوا بالاعراب الذين يطعنون فيهم..(1) وفي اليعقوبي ذكر لجماهير قبائلهم فليراجع...!(2) وكانوا في اوائل امرهم يناصرون الفرس والفرس يناصرونهم وذلك حينما كانت السلطة بايديهم...
ومما يشير إلى ذلك بعض الوقائع التي من شأنها ان تولد البغضاء بين اياد وسائر العرب... فيقال انه في بعض الايام نزل رجل من قبائل بكر وتغلب ابني وائل بناحية قريبة من بلاد الفرس من منازل اياد ومعه ابنته وكانت من اجمل نساء العالم فوشى به رحيل من اياد لدى ملك الفرس فاغتصبها من ابيها ويقال انه عرض جميع المشتهيات وخوّفها بجميع العقوبات ومسّها بكثير من المؤلمات ليرى وجهها فأبت وخيرته بين ان يقتلها، أو يعيدها لأبيها، فلما يئس منها اسكنها في موضع واجرى عليها الوظائف الترفيهية واكتفى برؤية قامتها تحت ملابسها في بعض الأحيان. وبسبب ذلك نشبت حروب بين العرب والفرس وانقضى الأمر بقتل ملك الفرس وتخليص الفتاة. وهذه الوقعة بين المحفوظات التي لم يعلم تاريخها ولا وقتها. وعلى كل نرى لاياد يداً في الحصول عليها كما نرى لطيء اصبعاً في وقعة ذي قار..
وكان اسم هذه البنت (ليلى بنت لكيز). ومن كلامها اثناء ما حصل لها تحث اهلها والعرب على تخليصها والغريب ان تعد اياداً في جملة من تستصرخهم على ذلك وتطلب نفي العار عنهم...
وفي هذه القصيدة تعد القبائل المعروفة والمعوّل عليها آنئذ فتقول:
ليت للبراق عيناً فترى ... ما ألاقي من بلاء وعنا
يا كليباً وعقيلا اخوتي ... يا جنيداً اسعدوني بالبكا
عذبت اختكموا يا ويلكم ... بعذاب النكر صبحاً ومسا
غللوني قيدوني ضربوا ... ملمس العفة مني بالعصا
يكذب الأعجم ما يقربني ... ومعي بعض حشاشات الحيا
قيدوني غللوني وافعلوا ... كل ما شئتم جميعاً من بلا
فأنا كارهة بغيكم ... ويقين الموت شيء يرتجى
يا بني كهلان يا أهل العلا ... اتدلون عليّ الأعجما
يا أياداً خسرت أيديكموا ... خالط المنظر من برد عمى
فاصطباراً وعزاء حسناً ... كل نصر بعد ضرّ يرتجى
اصبحت ليلى يغلل كفها ... مثل تغليل الملوك العظما
وتقيّد وتكبّل جهرة ... وتطالب بقبيحات العنا

(1/26)


قل لعدنان هديتم شمروا ... لبني مبغوض تشمير الوفا
واعقدوا الرايات في اقطارها ... واشهروا البيض وسيروا لي ضحا
يا بني تغلب سيروا وانصروا ... وذروا الغفلة عنكم والكرى
احذروا العار على اعقابكم ... وعليكم ما بقيتم في الدنى
* * * ومن ابياتها ان بني كهلان هم الذين دلوا عليها فتعاتبهم وتستصرخ اياداً، وكذا عدنان وبني تغلب منهم تطلب ان يشمروا لانقاذها.. وفي امثالها يسمع الكثير أيام الحروب، والأمور التي يهيج لها القوم للوقيعة بأعدائهم.. والظاهر أنها إن صحت في وقعة عامة ولذا تطلب معاونة عامة... وفيها تستنهض الهمم وتحرك الشعور والاحساس...
هذا. والمعروف من اياد بنو سُبين وهم بالحيرة منهم بقيلة صاحب القصر الذي يقال له قصر بني بقيلة بالحيرة. ومنهم عبد المسيح بن عمرو بن حيان ابن بقيلة الذي صالح خالد بن الوليد على الحيرة وكان من المعمرين وهو الذي بعث به كسرى برويز إلى سطيح الشام في رؤيا الموبذان...(1) ومن مشاهير اياد ابنة الخس وجمعة بنت حابس منهم...(2)
2 - أنمار
قبيلة أيضاً مختلف في نسبها بين النزارية والقحطانية. والأولون يقولون أنمار ابن نزار وأيدوا ذلك بقول الشاعر:
وأنمار وان رغمت أنوف ... معدّيو العمومة والخؤول
لهم لغة تبين من أبيهم مع ... العز الشواذخ ذي الحجول
وفي تاج العروس: " وأنمار بن نزار بن معد بن عدنان ويقال له أنمار الشاة وذكر في مادة (ح م ر) وقال ابن الجواني النسابة في المقدمة الفاضلية: وأما قولهم ربيعة الفرس ومضر الحمراء فزعم بعض النسابين ان نزاراً لما توفي اقتسم بنوه ميراثه واستهموا عليه فذكرهم إلى أن قال: وكان لنزار قدح كبير يسقي فيه الضيوف اللبن فاصابه أنمار ثم قال وقيل أن نزاراً لما حضرته الوفاة قسم ميراثه بين بنيه المذكورين وقال إن اشكل عليكم الأمر فعليكم بالأفعى الجرهمي حكم العرب فلما مات نزار واختلفوا مضوا إليه فذكروا القصة إلى أن قال وقضى لأنمار بالدراهم والأرض. وقال سيبويه: النسب إلى أنمار أنماري لأنه اسم للواحد. " اه(1) واليمانيون يقولون أنمار بن أراش بن الغوث وهو الأزد.(2) ومنهم شق الأنماري (كاهن العرب)(3) وعمر على ما يقال ثلاثمائة سنة وكان معاصراً لسطيح وهما في أيام ربيعة بن نصر اللخمي وفي الاشتقاق أن أنمار أصل بجيلة وخثعم.(4) وقال نشوان بن سعيد الحميري: " وأنمار حي من اليمن من ولد أنمار ابن سبأ الأكبر. " اه(5) وفي سيرة ابن هشام بعد ان بين ان أنمار بن نزار قال ابن اسحق أنمار أبو خثعم وبجيلة وقد تيامنت فلحقت باليمن. وقال اليمن بجيلة أنمار بن أراش ابن لحيان بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ.
ويقال أراش بن عمر بن لحيان بن الغوث (وهو موافق لما جاء في التنبيه والاشراف). ودار بجيلة وخثعم يمانية.(1) ومن بجيلة يعقوب أبو يوسف القاضي وهو ابن إبراهيم بن حبيب، وعدد في الاشتقاق جماعة منهم. وبين فروعهم... وأما خثعم فقد ذكر جماعة من رجالهم أيضاً...(2) وهذه النقول عن أصل القبيلة وسائر القبائل كانت دوّنت في حينها إلا أن بعض الكتب اشتهرت بسبب شيوعها وماتت الآراء الأخرى.. ولذا لم يقطع النسابة في قوم... حتى فيمن نعدهم من المقطوع بهم نظراً لبعد العهد، وإنما يؤخذ بالمشهور المعروف ولا يلتفت إلى الأقوال الأخرى... وعلى هذا قال النسابة أن نسب الرسول مقطوع به إلى عدنان وما فوقه لم يضبط بيقين وبواعثه الحفظ والغلط فيه... ولا نرانا في حاجة إلى ان نستقصي كل ما قيل عن كل قبيلة... وفي الحديث " تعلموا من انسابكم ما تصلون به أرحامكم " و " كلكم بنو آدم وآدم من تراب " (3) مما يعين القربى بين الكل، ويؤلف بينهم...
3 - قبائل قضاعة
المشهور ان قضاعة من القبائل القحطانية الكبرى، وساق أهل الانساب عمود نسب قضاعة في عمرو بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير ابن سبأ، ويقولون ان قضاعة كان مالكاً الشحر وقبر قضاعة في جبل الشحر.
قال شاعرهم:
قضاعة قومي ان قومي ذؤابة ... بفضل المساعي في الملمات تعرف

(1/27)


وقد نسبت قضاعة في أيام العصبية إلى معد في وقت معاوية وابنه يزيد، وبذلا لرؤسائهم أموالاً جسيمة على الانتفاء من اليمن والانتساب في معد، فساعدهماالى ذلك بعض رؤسائهم فلما بلغ ذلك قضاعة غضبوا غضباً شديداً وأنكروا ذلك أشد الإنكار فحشدوا واجتمعوا ثم دخلوا مسجد دمشق يوم الجمعة على يزيد وهم يرتجزون ويقولون:
يا ايها الداعي ادعنا وابشر ... وكن قضاعياً ولا تنزر
نحن بنو الشيخ الهجان الازهر ... قضاعة بن مالك بن حمير
النسب المعروف غير المنكر ... من قال قولا غير ذا تنصر
أي فهو من النصارى ثم قالوا ليزيد انا قوم من اهل اليمن يسعنا ما يسعهم ويضيق عنا ما ضاق عنهم فالحقنا بهم قال: قد فعلت.(1) ومنهم من يجعل قضاعة بن معد بن عدنان وبهذا يعدون من العدنانية...
وعلى هذا قالوا:
أبوكم معد كان يكنى ببكره ... قضاعة ما كنى به من تجمجما
ولكن علماء الأنساب عبروا عن ذلك بقيل... وهم قبائل عديدة وفي أيام خالد بن الوليد حينما هاجم العراق كانت طوائف قضاعة فوق الانبار فوجه اليها المثنى بن حارثة فاغار عليها وأصاب ما فيها وقتل وسبى...(2) ومن بطونهم: 1) - بهراء. صادفهم خالد بن الوليد عند سوى. وكان عليهم حرقوص ابن النعماني البهراني من قضاعة واكتسح أموالهم حين مسيره إلى الشام...(1) والمعروف في هذه المدّ فيقال بهراء والنسبة اليها بهراني على غير القياس كما في تاج العروس... والى ظهور الإسلامية كانت بهراء أيضاً في بلاد اليمن وجاءت وفودها إلى الرسول (2) مما يعين ان اجزاء القبيلة كانت تميل إلى الأنحاء الأخرى...
2) - كلب. وماؤهم (قراقر) و (سوى) وكانوا أيام خالد مع بهراء وهم ممن حاربهم خالد فوق الأنبار... ولكلب فرع يقال لهم العدسيون في الحيرة وقصر العدسيين ينسب اليهم...
وقبيلة زبيد المشهورة في العراق منها فرع كبير ومعروف ينتخى بقوله (كلبي). والظاهر المقطوع به ان هؤلاء من قضاعة من (كلب) الفرع القديم المعلوم على ما سيجيء عند الكلام على زبيد في حينه...
وممن اجتمعت اليه قضاعة زهير بن خباب الكلبي. وكان يدعى الكائن لصحة رأيه، وقد جرت له وقائع كثيرة وأهمها مع قبيلة (صداء) من مذحج، ومع بكر وتغلب ابني وائل... ولزهير هذا قصيدة يفخر بها في انتصاره.(3) وابن الكلبي مؤرخ معروف يمت إلى هذه القبيلة.
3) - بنو العبيد. وهم الذين عناهم الاعشى بقوله: بني الشهر الحرام فلست منهم ولست من الكرام بني العبيد وهؤلاء انقرضوا بانقراض امارة الحضر... وهنا عدّ الحيدري العبيد القبيلة المعروفة اليوم من هؤلاء واستدل بقول الأعشى المذكور نظراً للموافقة بالاسم وليس بصحيح.(1) 4) - جهينة. وهو ابن زيد بن سويد بن أسلم بن قضاعة...(2) 5) - جرم. وهؤلاء قبائل ذكرهم ابن دريد في كتاب الاشتقاق.
6) - بليّ. قبيلة من اليمن من قضاعة والنسبة اليهم بلوي. وهم ولد بليّ ابن عمرو بن الحاف بن قضاعة.
قال المثلم بن قرط البلوي:
الم تر ان الحي كانوا بغبطة ... بمأرب إذ كانوا يحلونها معا
بليّ وبهراء وخولان اخوة ... لعمرو بن حاف فرع من قد تفرعا
اقام بها خولان بعد ابن امه ... فاثرى لعمري في البلاد واوسعا(3)
7) - آل سليح. ذكرهم النويري.(4) وكذا ابن عبد البر قال: كل هذه القبائل خرجت مع هرقل ملك الروم عند خروجه من الشام فتفرقت في بلاد الروم...(5) والحاصل ان قبائل قضاعة كثيرة ولكل قبيلة فروع لا تكاد تحصى... وهؤلاء كانوا من أقدم سكان العراق ايام حكومة الحضر... وغالب القبائل متفرقة في أنحاء عديدة، والقبائل العربية كلما أحست بضعف رحبت بالنازح إليها من القبائل الأخرى ممن لها صلة به وقربى فتستعيد القوة.
وهناك فروع وقبائل أخرى في غير العراق لا محل للاطالة في القول فيهم...
4 - قبيلة طيء

(1/28)


من القبائل القحطانية، وطيء ك(سيد)، ويجوز التخفيف ك(حي). وهو جد هذه القبيلة، واصل اسمه (جلهمة) بن أدد بن زيد بن يشجب ابن عريب(1) بن زيد بن كهلان... واشتقاق اسمه من طاء بمعنى أبعد في المرعى، أو من طاء في الأرض إذا ذهب وجاء، أو لأنه أول من طوى المناهل، وقيل لأنه طوى بئراً من العرب، ولم يقطع من العلماء أحد في هذا الاشتقاق والنسبة اليه طائي على خلاف القياس كما يقال حاري في النسبة إلى الحيرة.
وكانت هذه القبيلة تنزل اليمن فخرجت منها على اثر خروج الازد عند تفرقهم بسيل العرم فنزلوا بنجد والحجاز على القرب من بني أسد، ثم غلبوا بني أسد على جبلي أجا وسُلمى من بلاد نجد فعرفا بجبلي طيء.
وكانت طيء من القبائل التنوخية التي جاءت العراق وحصلت على امارة فيه مدة وكان من امرائهم إياس بن قبيصة وهو عامل كسرى على الحيرة.
ومن استنطاق مؤرخين عديدين يظهر انهم لم يميلوا ميلة واحدة في تنوخ إلى العراق وإنما بقي قسم آخر منهم متوطناً اليمن ونجداً والحجاز ولكن لا ينكر الاتصال والتعلق بسبب القربى.. ومن ثم افترقوا في أول الاسلام زمن الفتوحات في الأقطار، وصار منهم أمم كثيرة ملأت السهل والجبل حجازاً وشاماً وعراقاً(1) ولم يعين علماء الأنساب كافة فروعهم. وإنما ذكروا الأصول الأساسية تارة، والفروع المتفرعة اخرى، وكل واحد كتب من كان في جهته...
ومن بطونهم: 1 - بنو تميم بن ثعلبة. ويقول امرؤ القيس في رئيسهم المعلى:
كأني إذا نزلت على المعلى ... نزلت على البواذخ من شمام
فما ملك العراق على المعلى ... بمقتدر ولا ملك الشآم
أفرّ حشا امرئ القيس بن ... حجر بنو تيم مصابيح الظلام
ومنهم أوس بن حارثة بن لام سيد طيء.
2 - بنو نبهان. ومنهم زيد الخيل وسماه الرسول زيد الخير بن مهلل كان قد جاءه مع وفد طيء وكان رأسهم وسيدهم. وهو الذي قال فيه الرسول ما ذكر لي رجل من العرب إلا رأيته دون ما ذكر لي إلا ما كان من زيد، فإنه لم يبلغ كل ما فيه. وكان رسول الله قد بعث علي ابن ابي طالب (رض) إلى الفُلس صنم طيء يهدّمه ويشن الغارات فخرج في مائتي فرس فاغار على حاضر آل حاتم فاصابوا ابنة حاتم... في سبايا من طيء. وفي حديث هشام بن محمد ان الذي اغار عليهم خالد بن الوليد (رض) وهرب عدي ابن حاتم من خيل النبي حتى لحق بالشام وكان على النصرانية، وكان يسير في قومه (بالمرباع) وجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد. وكانت امرأة جميلة، جزلة، فمر رسول الله فقامت إليه فقالت هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن عليّ من الله عليك. قال من وافدك؟ قالت عدي بن حاتم. فقال الفارّ من الله ومن رسوله، وقدم وفد من قضاعة من الشام قالت فكساني النبي وأعطاني نفقة وحملني وخرجت معهم حتى قدمت الشام على عدي فجعلت اقول له القاطع الظالم، احتملت باهلك وولدك وتركت بقية والدك. فاقامت عنده اياماً، وقالت له أرى ان تلحق برسول الله فسلم عليه وهو في المسجد فقال من الرجل قال عدي بن حاتم فانطلق به إلى بيته والقى له وسادة محشوة بليف وقال اجلس عليها فجلس رسول الله على الأرض وعرض عليه الاسلام فأسلم عدي واستعمله رسول الله على صدقات قومه.
وعدي هذا كان من أجواد المسلمين. قدم على عمر (رض) فلم ير منه ما يعجبه فقال اما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ فقال بلى! والله أعرفك! اكرمك الله بأحسن المعرفة، أسلمت إذ كفروا، وعرفت إذا انكروا، ووفيت إذ عذروا، وأقبلت إذ ادبروا. فقال حسبي يا أمير المؤمنين.(1) 3 - بنو ثعل. ومن هؤلاء عمرو بن المشيح (في الطبقات المسبح) وجاء في الطبقات انه من بني معن وهم من بني ثعل وكان ارمى اهل وقته.
وفيه يقول امرئ القيس:
رب رام من بني ثعل ... مخرج كفيه من(1) ستره
قدم عمرو المذكور على النبي وهو يومئذ ابن خمس ومائة سنة كما في عقد الفريد وفي كتاب الاشتقاق 150 سنة فسأله عن الصيد فقال كُل ما اصميت ودع ما انميت.(2)

(1/29)


4 - بنو سنبس. حاتم وابنه عدي من هذه القبيلة. وهؤلاء لا تزال بقاياهم في العراق. وذكر صاحب قبائل مصر ان هذه كانت قد تكاثرت في جنوب فلسطين واقلقت بال الحكومة هناك فاضطرتها إلى الجلاء فهبطت مصر سنة 442 هجرية.(3) ومن اجداد حاتم اخزم الذي يضرب به المثل فيقال (شنشنة اعرفها من اخزم).
5 - جديلة. وهؤلاء في اليمن فجاءت وفودهم فيمن جاء من طيء.
6 - بولان. وجاءت في عقد الفريد بالياء وليس بصواب.
7 - سلامان. وهؤلاء فروعهم كثيرة، وغالبهم في العراق. وقد جاء وفدهم إلى الرسول سنة عشر للهجرة.
8 - هني. (بفتح الهاء وسكون النون كما في ابي الفداء). وفي انساب الجواني (هناء). وصاحب الأنساب ضبطه بكسر الهاء والنون في النسبة فقال هني. ومن هؤلاء اياس بن قبيصة الذي ملك العرب بعد النعمان. وكانت الرياسة في العراق على طيء في الجاهلية لاياس ولاعقابه إلى حين انقراض ملك الفرس وكانت زوجة النعمان بن المنذر وهي سعدى بنت حارثة من طيء. ولما التجأ النعمان اليهم ولحق بجبلي طيء كانت سعدى عنده فسأل طيئاً أن يمنعوه من كسرى فلم يقدروا فانصرف عنهم.. ومن بني هني أبو زيد الشاعر واسمه حرملة ابن المنذر.
9 - سُدوس. وهؤلاء وفد منهم وزر بن جابر في طيء. وهم يرجعون إلى نبهان. وذكرها صاحب عقد الفريد ولم يذكرها الجواني في أنسابه.
وسدوس المذكور هو ابن اصمع، قال فيه امرؤ القيس:
إذا ما كنت مفتخراً ففاخر ... ببيت مثل بيت بني سدوسا
10 - بنو لام. وهؤلاء من بني ذهل إلا أنهم استقلوا في التسمية وسنفرد لهم بحثاً خاصاً.
11 - بنو معن. يرحبون إلى بني ثعل. ومنهم عمرو بن عبد المسيح الطائي المذكور. ولهم فروع كثيرة في العراق. وأبو حارثة ذرب بن عبد الله منهم وهذا حكم في الجاهلية حكومة وافقت السنة في الإسلام وكانت حكومته في خنثي:
منّا الذي حكم الحكومة وافقت ... في الجاهلية سنة الإسلام(1)
12 - بنو شمّر. بطن من طيء قاله نشوان الحميري ولم يصلهم باحد الفروع المعروفة والآن هم قبائل قائمة برأسها والتفت حولها قبائل اخرى من طيء وقحطان وسنفصل القول فيها.(1) 13 - بحتر بن عتود. واليها ينسب أبو عبادة البحتري الشاعر. والملحوظ ان هذه القبيلة اشتهر منها جماعة كثيرة من الأجواد والفرسان والشعراء والمحدثين كذا في تاج العروس، وذكر بعضهم، ويطول بنا تعداد من ظهر منهم من المشاهير، وجاء في السمعاني: خرج من طيء ثلاثة لا يطير لهم حاتم في جوده، وداود بن نصير في فقهه وزهده، وأبو تمام في شعره.(2) وسيأتي الكلام على طيء مفصلا عند ذكر العشائر الحاضرة وتكوّنها. وفي القائمة التالية ما يعين ترتيب فروعهم وطريق تسلسلها. وهي أكثر بكثير مما هو مذكور...
5 - قبيلة تميم: وهذه من قبائل العراق قديماً والمترددة اليه بكثرة واصلها من القبائل العدنانية ومن أشهر رؤسائها حاجب بن زرارة التميمي صاحب القوس (قوس حاجب) الذي يضرب به المثل في الوفاء. وكان قد اعتنق المجوسيّة ويقال انه تزوج ابنته على عقيدة القوم فرجع وممن اشتهر من رجالهم في العراق عدي بن زيد وكانت له مكانة عند الفرس والمناذرة، ومن مشاهير الشعراء، ويعاب في شعره انه قروي يصف ما لم ير فيضعه في غير موضعه... وحذق في الفارسية والعربية معاً فكان أفصح الناس بالعربية والفارسية(1) كان المنذر قد جعل ابنه النعمان في حجورهم فارضعوه... وكان المنذر قد بعث عدي بن زيد واخويه أبياً وسمياً إلى كسرى ليترجموا له فلما مات المنذر اختار بسبب عدي النعمان فنال الامارة ولكن ابن مرينا (عدي بن أوس ابن مرينا) شوش ما بينهما واغضب النعمان على عدي بن زيد فحبسه ثم قتله، وان اخوة عدي بن زيد اغضبوا كسرى على النعمان حتى قتله في خانقين، وحدثت بعد ذلك (وقعة ذي قار) المشهورة.(2) ولهذه القبيلة فروع عديدة منتشرة في الأنحاء العراقية، وسيأتي الكلام عليها عند بيان عشائر العراق الحاضرة...
6 - قبائل بكر بن وائل
هذه القبائل قديمة العهد في ورودها العراق جاءت بعد اياد إلى الأنحاء القريبة من العراق، قصدت في بادئ امرها البحرين ومنها توجهت مع القبائل التنوخية إلى أنحاء العراق... وقد حافظت على كيانها ومكانتها القبائلية إلى ظهور الإسلام وانتشاره في العراق...

(1/30)


ووقعة هؤلاء مع العجم ومن لف لفهم من قبائل في (ذي قار) مشهورة. وكان رئيسهم في هذه الحرب يزيد بن مسهر الشيباني وعلى ميمنته ثعلبة بن سيار العجلي... ولما جاء خالد بن الوليد العراق حارب بعض قبائلهم فاصاب منها ما اصاب..(1) ومن قبائلهم: 1) - بنو شيبان. وكانت الرياسة فيهم في وقعة ذي قار، وفي هذه الحرب قطعوا ايدي اقبيتهم.. وحاربوا.. وكان سببها كما قال اليعقوبي: أن " وجه كسرى إلى هانئ بن مسعود (أميرهم) ان ابعث اليّ مال عبدي (يعني النعمان) الذي عندك وسلاحه وبناته (وكان أودعها النعمان عندهم بعد ان جعلت العرب تمتنع من قبولها) فلم يفعل هانئ فوجه اليه كسرى بجيش فاجتمعت ربيعة وكانت وقعة ذي قار فمزقت العرب العجم وكان أول يوم ظفر فيه العرب بالعجم ويروى عن رسول الله انه قال: (هذا أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم وبي نصروا). " اه(2) ومن هذه القبيلة المثنى وهذا وقائعه معروفة في حروب العراق ايام الفتوح الإسلامية وكان على ناحية الحيرة.. وهو أشهر من أن يذكر.
وقد مدح بعضهم المثنى بقوله:
ما ان رأينا اميراً بالعراق مضى ... مثل المثنى الذي من آل شيبانا
ان المثنى الأمير القرم لا كذب ... في الحرب اشجع من ليث بخفانا
ومن هؤلاء في جاهليتهم مرة وجسّاس قاتل كليب، وطرفة بن العبد صاحب المعلقة وفي العصور الإسلامية عرف منها كثيرون من اصحاب المكانة الرفيعة في العلم والأدب وغير ذلك.. بينهم الفوطي المؤرخ...
2) - بنو عجيل. وهذه ايام الفتح كانت ولا تزال مشهورة. وان رئيسهم الذي مال إلى الإسلامية وناصر العرب المسلمين في حروب فارس هو سويد بن قطبة العجلي. وكان هذا يغير على فارس من ناحية الابلة في خلافة أبي بكر...
3) - اللهازم. وهؤلاء ابلوا بلاء كبيراً في حرب ذي قار.(1) هذا ومن بكر بن وائل بنو حنيفة الذين ظهر منهم مسيلمة الكذاب ولا محل لاستقصاء اخبارهم...
7 - قبيلة تغلب
وهذه من القبائل العدنانية كانت تسكن العراق وهي ممن حارب خالد ابن الوليد ايام الفتح الإسلامي كان وجه إليهم النسير بن ديسم بن ثمود وهم عند ماء لهم فطرقهم ليلاً فقتل وأسر. فسأله رجل من الأسرى أن يطلقه على أن يدله على حي من ربيعة فاتاهم النسير فبيتهم فغنم وسبى ومضى إلى ناحية تكريت في البر فغنم المسلمون.(2) وكان جمع منهم بالمضيح والحصيد مرتدين عليهم ربيعة بن بجير فاتاهم فقاتلوه فهزمهم وسبى وغنم وبعث بالسبي إلى أبي بكر، فكانت منهم أم حبيب الصهباء بنت حبيب بن بجير وهي أم عمر بن علي بن أبي طالب (رض).
وهؤلاء كان فريق منهم في عين التمر (شفاثة)(1) وفي ايام خالد ابن الوليد قضي عليهم...(2) وفي تغلب قال المهلهل وهو منهم:
انا بنو تغلب شم معاطسنا ... بيض الوجوه إذا ما افزع البلد
قوم إذا عاهدوا وفوا وان عقدوا شدوا وان جاهدوا يوم الوغى اجتهدوا لا يرقدون على وتر يكون لهم وان يكن عندهم وتر العدى رقدوا وسكناهم في الغالب بالثرثار.(3)
8 - قبيلة ربيعة
هؤلاء ممن حاربهم خالد أيام مسيره إلى العراق(4). فانه بعد أن حارب تغلباً سار إلى حي منهم فغلبه... وربيعة كانت هي التي ابلت في وقعة ذي قار مع مشتقاتها...
وربيعة يقال لهم ربيعة الفرس. لأن ربيعة المذكور ورث عن أبيه نزار ابن معد الخيل وهذا تفرعت منه قبائل وبطون ومن قبائلهم بكر وتغلب وعنزة... وقد مر بعض قبائلهم ويأتي البعض الآخر..
وذكر اليعقوبي لها فروعاً كثيرة، وبيّن من نال الرياسة من تلك الفروع كما أنه عدّد ايامهم المشهورة وآخرها يوم ذي قار ومن أراد التوسع فليرجع إليه.(1) والى (تاريخ العرب قبل الإسلام) وفيه بيان لوقائع ربيعة وتميم، أو بينها بعضها مع بعض أو مع الآخرين...(2) وحرب البسوس أشهر من أن تذكر وفيها وفي حرب العجم بذي قار كتاب خاص طبع في مصر.(3) وتزال ربيعة في العراق والإمارة فيها لتغلب، ولا تزال نخوتهم (تغالبة) وسيأتي التفصيل عن قبائل ربيعة الحاضرة في حينه...
9 - النمر:

(1/31)