رياض الصالحين/الصفحة الثالثة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
رياض الصالحين المؤلف يحيى النووي
باب الإخلاص وإحضار النية


باب الإخلاص وإحضار النية

فى جميع الأعمال والاقوال البارزة والخفية

قال الله تعالى : {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} ((البينة:5))

وقال تعالى : {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} ((الحج: 37))

وقال تعالى : {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله} ((آل عمران:29)) .

1 - وعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدى بن لؤى ابن غالب القرشى العدوى رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله يقول : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" ((متفق على صحته , رواه إماما المحدثين : أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى النيسابورى رضي الله عنهما في صحيحهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة)).

2 - وعن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله  : "يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم" .

قالت : قلت : يارسول الله ، كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم ! ؟

قال  : "يخسف بأولهم وآخرهم ، ثم يبعثون على نياتهم" ((متفق عليه , هذا لفظ البخاري)) .


3 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال النبي  : " لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا" ((متفق عليه)) .

ومعناه : لا هجرة من مكه لأنها صارت دار إسلام .


4 - وعن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصارى رضي الله عنهما قال : كنا مع النبي في غزاةٍ فقال : "إن بالمدينة لرجالاً ماسرتم مسيراً ، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض" .

وفى رواية : "إلا شاركوكم في الأجر" ((رواه مسلم)) .

((ورواه البخاري)) عن أنس رضي الله عنه قال : رجعنا من غزوة تبوك مع النبي فقال : " إن أقواماً خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا ، حبسهم العذر" .

5 - وعن أبي يزيد معن بن يزيد بن الأخنس رضي الله عنهم ، وهو وأبوه وجده صحابيون ، قال : كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها ، فقال : والله ما إياك أردت ، فخاصمته إلى رسول الله فقال : " لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يامعن" ((رواه البخاري)) .

6 - وعن أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى القرش الزهرى رضي الله عنه ، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، رضي الله عنهم ، قال : " جاءنى رسول الله يعودنى عام حجة الوداع من وجع اشتد بى فقلت : يا رسول الله إني قد بلغ بى من الوجع ما ترى ، وأنا ذو مال ولا يرثنى إلا ابنة لي ، أفأتصدق بثلثي ما لي ؟ قال  : لا ، قلت : فالشطر يارسول الله ؟ فقال  : لا ، قلت : فالثلث يا رسول الله ؟ قال الثلث والثلث كثير - أو كبير - إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ، وإنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك قال : فقلت : يا رسول الله أخلف بعد أصحابي ؟ قال  : إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي بهوجه الله إلا ازددت به درجة ورفعةً ، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضرّ بك آخرون . اللهم امض لآصحابى هجرتهم ، ولا تردهم على أعقابهم ، لكن البائس سعد بن خولة" يرثى له رسول الله أن مات بمكة . ((متفق عليه)) .

7 - وعن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه قال قال رسول الله  : " إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ، ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " . ((رواه مسلم)) .

8 - وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعرى رضي الله عنه قال : سئل رسول الله عن الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حميةً ، ويقاتل رياء ، أى ذلك في سبيل الله ؟ فقال رسول الله : " من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو في سبيل الله" . ((متفق عليه)).

9 - وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفى رضي الله عنه أن النبي قال : "إذ التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" قلت يارسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : "إنه كان حريصاً على قتل صاحبه" . (متفق عليه)


10 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله  : "صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بضعاً وعشرين درجه وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة ، لا ينهزه إلا الصلاة ، لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد ، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هى تحبسه ، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذى صلى فيه ، ما لم يحدث فيه" . ((متفق عليه، وهذا لفظ مسلم)) .

وقوله  : ينهزه هو بفتح الياء والهاء وبالزاى : أى يخرجه وينهضه .

11 - وعن أبي العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما ، عن رسول الله ، فيما يروى عن ربه ، تبارك وتعالى قال : " إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك : فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله تبارك وتعالى عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبعمائه ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن همّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة " . ((متفق عليه)) .

12 - وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله يقول : " انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه ، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار ، فقالوا : إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم . قال رجل منهم : اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران ، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً . فنأى بى طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً ، فلبثت - والقدح على يدى - أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمى - فاستيقظا فشربا غبوقهما . اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه . قال الآخر : اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلىّ " .

وفى رواية : "كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء ، فأردتها على نفسها فامتنعت منى حتى ألمّت بها سنة من السنين فجاءتنى فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلى بينى وبين نفسها ففعلت ، حتى إذا قدرت عليها" .

وفى رواية : "فلما قعدت بين رجليها ، قالت : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، فانصرفت عنها وهى أحب الناس إلى وتركت الذهب الذى أعطيتها ، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها . وقال الثالث : اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذى له وذهب ، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال ، فجاءنى بعد حين فقال : يا عبد الله أدّ إلى أجرى ، فقلت : كل ما ترى من أجرك : من الإبل والبقر والغنم والرقيق . فقال : يا عبد الله لا تستهزئ بى ! فقلت : لا أستهزئ بك ، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً ، اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون" . ((متفق عليه)) .

رياض الصالحين - كتاب المقدمات

باب الإخلاص وإحضار النية | باب باب التوبة | باب الصبر | باب الصدق | باب المراقبة | باب التقوى | باب اليقين والتوكل | باب الاستقامة | باب التفكر في عظيم مخلوقات الله تعالى | باب المجاهدة | باب الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر | باب بيان كثرة طرق الخير | باب الاقتصاد في العبادة | باب المحافظة على الأعمال | باب الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها | باب وجوب الانقياد لحكم اللَّه تعالى | باب النهي عن البدع ومحدثات الأمور | باب من سن سنة حسنة أو سيئة | باب الدلالة على خير والدعاء إلى هدى أو ضلالة | باب التعاون على البر والتقوى | باب النصيحة | باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر | باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف قوله فعله | باب الأمر بأداء الأمانة | باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم | باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم | باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة | باب قضاء حوائج المسلمين | باب الشفاعة | باب الإصلاح بين الناس | باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء الخاملين | باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين | باب الوصية بالنساء | باب حق الزوج على المرأة | باب النفقة على العيال | باب الإنفاق مما يحب ومن الجيد | باب وجوب أمر أهله وأولاده بطاعة الله تعالى | باب حق الجار والوصية به | باب بر الوالدين وصلة الأرحام | باب تحريم العقوق وقطيعة الرحم | باب بر أصدقاء الأب والأم | باب إكرام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان فضلهم | باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل | باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم | باب فضل الحب في الله والحث عليه | باب علامات حب الله تعالى للعبد | باب التحذير من إيذاء الصالحين | باب إجراء أحكام الناس على الظاهر | باب الخوف | باب الرجاء | باب فضل الرجاء | باب الجمع بين الخوف والرجاء | باب فضل البكاء | باب فضل الزهد في الدنيا | باب فضل الجوع وخشونة العيش | باب القناعة والقفاف والاقتصاد | باب جواز الأخذ من غير مسألة | باب الحث على الأكل من عمل يده | باب الكرم والجود والإنفاق | باب النهى عن البخل والشح | باب الإيثار والمواساة | باب التنافس في أمور الآخرة | باب فضل الغني الشاكر | باب ذكر الموت وقصر الأمل | باب استحباب زيارة القبور للرجال | باب كراهة تمنى الموت | باب الورع وترك الشبهات | باب استحباب العزلة عند فساد الناس | باب فضل الاختلاط بالناس حضور جمعهم وجماعاتهم | باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين | باب تحريم الكبر والإعجاب | باب حسن الخلق | باب الحلم والأناة والرفق | باب العفو والإعراض عن الجاهلين | باب احتمال الأذى | باب الغضب إذا انتهكت حرمات الشرع | باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم | باب الوالى العادل | باب وجوب طاعة ولاة الأمر | باب النهى عن سؤال الإمارة | باب حث السلطان والقاضي | باب النهى عن تولية الإمارة والقضاء