تلبيس إبليس/الباب الخامس/ذكر تلبيسه على اليهود

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

ذكر تلبيسه على اليهود[عدل]

قال المصنف قد لبس عليهم في أشياء كثيرة نذكر منها نبذه ليستدل بها على تلك فمن ذلك تشبيههم الخالق بالخلق ولو كان تشبيههم حقا لجاز عليه ما يجوز عليهم وحكى أبو عبد الله بن حامد من أصحابنا أن اليهود تزعم أن الإله المعبود رجل من نور على كرسي من نور على رأسه تاج من نور وله أعضاء كما للآدميين ومن ذلك قولهم عزير ابن الله ولو فهموا أن حقيقة البنوة لا تكون إلا بالتبعيض والخالق ليس بذي أبعاض لأنه ليس بمؤلف لم يثبتوا بنوة ثم أن الولد في معنى الوالد وقد كان عزير لا يقوم إلا بالطعام والإله من قامت به الأشياء لا من قام بها والذي دعاهم إلى هذا مع جهلهم بالحقائق أنهم رأوه قد عاد بعد الموت وقرأ التوراة من حفظه فتكلموا بذلك من ظنونهم الفاسدة ويدل على أن القوم كانوا في بعد من الذهن أنهم لما رأوا أثر القدرة في فرق البحر لهم ثم مروا على أصنام طلبوا مثلها فقالوا: { اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } فلما زجرهم موسى عليه السلام عن ذلك بقي في نفوسهم فظهر المستور بعبادتهم العجل والذي حملهم على هذا شيئان أحدهما جهلهم بالخالق والثاني أنهم أرادوا ما يسكن إليه الحس لغلبة الحس عليهم وبعد العقل عنهم ولولا جهلهم بالمعبود ما اجترأوا عليه بالكلمات القبيحة كقولهم { إن الله فقير ونحن أغنياء } وقولهم { يد الله مغلولة } تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا

ومن تلبيسه عليهم أنهم قالوا: لا يجوز نسخ الشرائع وقد علموا أن من دين آدم جواز نكاح الأخوات وذوات المحارم والعمل يوم السبت ثم نسخ ذلك بشريعة موسى قالوا إذا أمر الله تعالى بشيء كان حكمه فلا يجوز تغييره قلت قد يكون التغيير في بعض الأوقات حكمة فإن تقلب الآدمي من صحة إلى مرض ومن مرض إلى موت كله حكمة وقد حظر عليكم العمل يوم السبت وأطلق لكم العمل يوم الأحد وهذا من جنس ما أنكرتم وقد أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه قم نهاه عن ذلك

ومن تلبيسه عليهم أنهم قالوا: { لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } وهي الأيام التي عبد فيها العجل وفضائحهم كثيرة ثم حملهم إبليس على العناد المحض فجحدوا ما كان في كتابهم من صفة نبينا وغيروا ذلك وقد أمروا أن يؤمنوا به ورضوا بعذاب الآخرة فعلماؤهم عاندوا وجهالهم قلدوا ثم العجب أنهم غيروا ما أمروا به وحرفوا ودانوا بما يريدون فأين العبودية ممن يترك الأمر ويعمل بالهوى ثم أنهم كانوا يخالفون موسى عليه السلام ويعيبونه حتى قالوا أنه آدر واتهموه بقتل هارون واتهموا داود بزوجة أوريا

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار نا الحسن بن علي الجوهري نا أبو عمر بن حياة نا ابن معروف نا الحارث بن أبي أسامة ثنا محمد بن سعد نا علي بن محمد عن علي بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن سالم مولى عبد الله بن مطيع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: [ أتى رسول الله بيت المدارس فقال أخرجوا إلي أعملكم فخرج إليه عبد الله بن صوريا فخلا به فناشده الله بدينه وبما أنعم الله عليهم وأطعمهم من المن والسلوى وظللهم به من الغمام أتعلمون أني رسول الله؟ قال: اللهم نعم وأن القوم ليعرفون ما أعرف وإن صفتك ونعتك لمبين في التوراة ولكنهم حسدوك قال: فما يمنعك أنت قال: أكره خلاف قومي وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم ]

أخبرنا هبة الله بن محمد بن عبد الواحد قال: أخبرنا الحسن بن علي قال أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال ثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال ثنا يعقوب قال ثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني صالح بن عبد الرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد عن سلمة بن سلامة بن وقش قال: كان لنا جار من اليهود في بني عبد الأشهل فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث النبي حتى وقف على مجلس بني عبد الأشهل قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيهم سنا علي بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار فقال ذلك لقوم أهل شرك وأصحاب أوثان لا يرون بعثا كائنا بعد الموت فقال له ويحك: يا فلان أترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم قال نعم والذي يحلف به يود أحدهم أن له لحظة من تلك النار بأعظم تنور في الدار يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبقونه عليه وأن ينجو من تلك النار غدا قال له ويحك وما آية ذلك قال نبي مبعوث من نحو هذه البلاد وأشار بيده نحو مكة واليمن قالوا ومتى نراه قال فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا أن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه قال سلمة فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله وهو حي بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا فقلنا له ويلك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت قال بلى ولكن ليس به

تلبيس إبليس لابن الجوزي
خطبة الكتاب | حكمة بعثة الرسل | حقيقة الأديان | ذكر تراجم الأبواب | الباب الأول: الأمر بلزوم السنة والجماعة | الباب الثاني: في ذم البدع والمبتدعين | ذم البدع والمبتدعين | لزوم طريق أهل السنة | انقسام أهل البدع | الباب الثالث: في التحذير من فتن إبليس ومكايده | التحذير من فتن إبليس ومكايده | ذكر الإعلام بأن مع كل إنسان شيطانا | بيان أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم | ذكر التعوذ من الشيطان الرجيم | الباب الرابع: في معنى التلبيس والغرور | الباب الخامس: في ذكر تلبيسه في العقائد والديانات ذكر تلبيسه على السوفسطائية | ذكر تلبيس الشيطان على فرق الفلاسفة | ذكر تلبيسه على الدهرية | ذكر تلبيسه على الطبائعيين | ذكر تلبيسه على الثنوية | ذكر تلبيسه على الفلاسفة وتابعيهم | مذهب الفلاسفة | ذكر تلبيسه على أصحاب الهياكل | ذكر تلبيسه على عباد الأصنام | ذكر بداية تلبيسه على عباد الأصنام | ذكر تلبيسه على عابدي النار والشمس والقمر | ذكر تلبيسه على الجاهلية | ذكر تلبيس إبليس على جاحدي النبوات | الكلام على جاحدي النبوات | ذكر تلبيسه على اليهود | ذكر تلبيسه على النصارى | ومن تلبيس إبليس على اليهود والنصارى | ذكر تلبيسه على الصابئين | ذكر تلبيس إبليس على المجوس | ذكر تلبيس إبليس على المنجمين وأصحاب الفلك | ذكر تلبيس إبليس على جاحدي البعث | مبدأ عبادة الأصنام | ذكر تلبيسه على القائلين بالتناسخ | ذكر تلبيس إبليس على أمتنا في العقائد والديانات | تلبيس إبليس على أمتنا في العقائد | ذكر تلبيس إبليبس على الخوارج | رأي الخوارج | ذكر تلبيسه على الرافضة | ذكر تلبيس إبليس على الباطنية | نقد مذهب الباطنية | الباب السادس: في ذكر تلبيس إبليس على العلماء في فنون العلم | ذكر تلبيسه على القراء | ذكر تلبيس إبليس على أصحاب الحديث | ذكر تلبيس إبليس على الفقهاء | ذكر تلبيسه عليهم بإدخالهم في الجدل كلام الفلاسفة واعتمادهم على تلك الأوضاع | ذكر تلبيسه على الوعاظ والقصاص | ذكر تلبيسه على أهل اللغة والأدب | ذكر تلبيس إبليس على الشعراء | ذكر تلبيس إبليس على الكاملين من العلماء | نقد مسالك الكاملين من العلماء | الباب السابع: في تلبيس إبليس على الولاة والسلاطين | الباب الثامن: ذكر تلبيس إبليس على العباد في العبادات | ذكر تلبيسه عليهم في الاستطابة والحدث | ذكر تلبيسه عليهم في الوضوء | ذكر تلبيسه عليهم في الأذان | ذكر تلبيسه عليهم في الصلاة | ترك السنن | الإكثار من صلاة الليل | تلبيسه عليهم في القرآن | ذكر تلبيسه عليهم في قراءة القرآن | ذكر تلبيسه عليهم في الصوم | ذكر تلبيسه عليهم في الحج | تلبيسه عليهم في التوكل | ذكر تلبيس إبليس على الغزاة | ذكر تلبيسه على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر | الباب التاسع: في ذكر تلبيس إبليس على الزهاد والعباد | تلبيسه على الزهاد | تلبيسه على العباد | نقد مسالك الزهاد | احتقار العلماء وذمهم | تفسح العلماء في بعض المباحات | الباب العاشر: في ذكر تلبيسه على الصوفية: من جملة الزهاد | نقد مسالك الصوفية | أوائل الصوفية يقرون بأن التعويل على الكتاب والسنة | سياق ما يروى عن الجماعة منهم من سوء الاعتقاد: ذكر تلبيس إبليس في السماع وغيره | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في الطهارة | ذكر تلبيس إبليس عليهم في الصلاة | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في المساكن | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في الخروج عن الأموال والتجرد عنها | نقد مسالك الصوفية في تجردهم | الصبر على الفقر والمرض | زهد الصوفية في المال | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في لباسهم | الزهد في اللباس | لبس الفوط المرقعات | كثرة ترقيع المرقعة | النهي عن لباس الشهرة وكراهته | لبس الصوف | اللباس الذي يظهر الزهد | تجريد اللباس | المبالغة في تقصير الثياب | من الصوفية من يجعل على رأسه خرقة مكان العمامة | تخصيص ثياب للصلاة وثياب للخلاء | الثوب الواحد | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في مطاعمهم ومشاربهم | ذكر طرف مما فعله قدماؤهم | الامتناع عن أكل اللحم | فصل: في بيان تلبيس إبليس عليهم في هذه الأفعال وإيضاح الخطأ فيها | الصوفية والجوع | ماء الشرب | ذكر أحاديث تبين خطأهم في أفعالهم | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في السماع والرقص والوجد | رأي الصوفية في الغناء | مذهب الإمام أحمد | مذهب الإمام مالك | مذهب أبي حنيفة | مذهب الشافعي | فصل في ذكر الأدلة على كراهية الغناء والنوح والمنع منهما | في ذكر الشبه التي تعلق بها من أجاز سماع الغناء | نقد مسالك الصوفية في السماع | حكم الغناء عند الصوفية | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في الوجد | نقد مسالك الصوفية في الوجد | دفع الوجد | إذا طرب أهل التصوف صفقوا | إذا قوي طربهم رقصوا | حالات الطرب الشديدة لدى الصوفية | نقد مسالك الصوفية في تقطيع الثياب خرقا | ذكر تلبيس إبليس على كثير من الصوفية في صحبة الأحداث | مجاهدة النفس | التوبة وإطالة البكاء | المرض من شدة المحبة | قتل النفس خوف الوقوع في الفاحشة | مقاربة الفتنة والوقوع فيها | فائدة العلم | الإعراض عن المرد | صحبة الأحداث | عقوبة النظر إلى المردان | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ادعاء التوكل وقطع الأسباب وترك الاحتراز في الأموال | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ترك التداوي | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ترك الجمعة والجماعة بالوحدة والعزلة | النهي عن الانفراد | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في التخشع ومطأطأة الرأس وإقامة الناموس | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ترك النكاح | نقد مسالك الصوفية في تركهم النكاح | محاذير ترك النكاح | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ترك طلب الأولاد | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في الأسفار والسياحة | نقد مسالك الصوفية في السياحة | المشي في الليل | ذكر تلبيسه عليهم في دخول الفلاة بغير زاد | سياق ما جرى للصوفية في أسفارهم وسياحاتهم من الأفعال المخالفة للشرع | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية إذا قدموا من السفر | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية إذا مات لهم ميت | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ترك التشاغل بالعلم | مسالك الصوفية في تركهم الاشتغال بالعلم | ذكر تلبيس إبليس على جماعة من القوم في دفنهم كتب العلم وإلقائها في الماء | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في إنكارهم من تشاغل بالعلم | ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في كلامهم في العلم | ذكره نبذة من كلامهم في القرآن | ذكر تلبيس إبليس في الشطح والدعاوى | بيان جملة مروية على الصوفية من الأفعال المنكرة | رأي بعض الصوفية في الملانفية | من اندس في الصوفية من أهل الإباحة | الباب الحادي عشر في ذكر تلبيس إبليس على المتدينين بما يشبه الكرامات | الباب الثاني عشر: تلبيسه عليهم في التفكير في ذات الله تعالى من حيث هي | مخالفتهم العلماء وتقديمهم المتزهدين على العلماء | تلبيسه عليهم في قدحهم العلماء | تعظيم المتزهدين | إطلاق النفس في المعاصي | الغرور بالنسب | اعتمادهم على خلة خير ولا يبالي بما فعل بعدها | تلبيسه على العيارين في أخذ أموال الناس | الاعتماد على النافلة وإضاعة الفريضة | حضور مجالس الذكر | أصحاب الأموال | تلبيسه على الفقراء | تلبيس إبليس على جمهور العوام | تلبيس إبليس على النساء | الباب الثالث عشر في ذكر تلبيس إبليس على جميع الناس بطول الأمل