تفسير المراغي/سورة الناس

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ملاحظات:




سورة الناس


هي مكية، وآياتها ست، نزلت بعد سورة الفلق

[سورة الناس (114): الآيات 1 الى 6][عدل]

بسم الله الرحمن الرحيم

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)

شرح المفردات

رب الناس: أي مربيهم ومنميهم ومراعى شؤونهم، الوسواس: أي الموسوس الذي يلقى حديث السوء في النفس، والخناس: من الخنوس وهو الرجوع والاختفاء والجنة: واحدهم جني، كإنس وإنسي.

الإيضاح

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) أمر رسوله أن يستعين بمن يربى الناس بنعمه، ويودبهم بنقمه.

(مَلِكِ النَّاسِ) أي مالكهم ومدبر أمورهم، وواضع الشرائع والأحكام التي فيها سعادتهم في معاشهم ومعادهم.

(إِلهِ النَّاسِ) أي المستولى على قلوبهم بعظمته، وهم لا يحيطون بكنه سلطانه بل يخضعون بما يحيط منها بنواحي قلوبهم، ولا يدرون من أي جانب يأتيهم، ولا كيف يسلط عليهم.

وإنما قدم الربوبية، لأنها من أوائل نعم الله على عباده، ثم ثنى بذكر المالكية لأن العبد إنما يدرك ذلك بعد أن يصير عاقلا مفكرا، ثم ثلّث بذكر الألوهية، لأن المرء بعد أن يدرك ويعقل يعلم أنه هو المستوجب للخضوع والعزة والمستحق للعبادة وإنما قال: رب الناس، ملك الناس، إله الناس، وهو رب كل شيء ومالك كل شيء وإله كل شيء من قبل أن الناس هم الذين أخطئوا في صفاته وضلوا فيها عن الطريق السوي، فجعلوا لهم أربابا ينسبون إليهم بعض النعم، ويلجئون إليهم في دفع النقم، ويلقبونهم بالشفعاء، ويظنون أنهم هم الذين يدبرون حركاتهم، ويرسمون لهم حدود أعمالهم.

وبحسبك أن تقرأ قوله تعالى: « اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْبابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهًا واحِدًا لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ » وقوله: « وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُون ».

والخلاصة - إنه سبحانه أراد أن ينبه الناس بأنه هو ربهم، وهم أناس مفكرون، وملكهم وهم كذلك، وإلههم وهم هكذا، فباطل ما اخترعوا لأنفسهم من حيث هم بشر.

(مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) أي ألجأ إليك ربّ الخلق وإلههم ومعبودهم أن تنجينا من شر الشيطان الموسوس الكثير الخنوس والاختفاء، لأنه يأتي من ناحية الباطل، فلا يستطيع مقاومة الحق إذا صدمه، ولكنه يذهب بالنفس إلى أسوإ مصير، إذا انجرّت مع وسوسته، وانساقت معه إلى تحقيق ما خطر بالبال.

وهذه الأحاديث النفسية إذا سلط عليها نظر العقل خفيت واضمحلت، ولكن الموسوس عند إلقائها.

وحديث النفس بالفواحش وضروب الأذى للناس، يذهب هباء إذا تنبهت النفس لأوامر الشرع، وهكذا إذا وسوس لك امرؤ وبعثك على فعل السوء ثم ذكرّته بأوامر الدين يخنس ويمسك عن القول، إلى أن تستح له فرصة أخرى.

وقد وصف الله هذا الوسواس الخناس بقوله:

(الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) أي إن هذا الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور البشر، قد يكون من الجِنة وقد يكون من الناس، كما جاء في قوله تعالى: « وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ » فشيطان الجن قد يوسوس تارة ويخنس أخرى، وشيطان الإنس كذلك، فكثيرا ما يريك أنه ناصح شفيق، فإذا زجرته خنس وترك هذه الوسوسة، وإذا أصغيت إلى كلامه استرسل واستمر في حديثه وبالغ فيه، وقد ثبت عن النبي أنه قال: « إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به » رواه أبو هريرة وخرّجه مسلم.

وإنما جعل الوسوسة في الصدور من قبل أنه عهد في كلام العرب أن الخواطر في القلب، والقلب مما حواه الصدر عندهم، ألا تراهم يقولون: إن الشك يحوك في صدرك، ويجيش في صدرى كذا، ويختلج ذلك بخاطري، وما الشك إلا في نفسه وعقله، وأفاعيل العقل تكون في المخ، ويظهر لها أثر في حركات الدم وضربات القلب، وضيق الصدر وانبساطه.

قال الأستاذ الإمام: الموسوسون قسمان:

(1) قسم الجنة وهم الخلق المستترون الذين لا نعرفهم، وإنما نجد في أنفسنا أثرا ينسب إليهم، ولكل واحد من الناس شيطان، وهي قوة نازعة إلى الشر، ويحدث منها في نفسه خواطر السوء.

(2) قسم الناس، ووسوستهم ما نشاهده ونراه بأعيننا، ونسمعه بآذاننا.

وما أوردوه في خرطوم الشيطان وخطمه ومنقاره وجثومه على الصدر أو على القلب ونحو ذلك فهو من قبيل التمثيل والتصوير ا هـ ملخصا.

وقد بدئت السورة برب الناس، ومن كان مربيهم فهو القادر على دفع إغواء الشيطان ووسوستهم.

وقد أرشد في هذه السورة إلى الاستعانة به تعالى شأنه، كما أرشد إليها في الفاتحة للإشارة إلى أن ملاك الأمر كله هو التوجه إليه وحده، والإخلاص له في القول والعمل والالتجاء فيما لا قدرة لنا على دفعه.

اللهم اجعلنا من المخلصين في أعمالنا، وادفع عنا أذى شياطين الإنس والجن، وأبعد عنا شر الموسوسين، وقنا عذاب جهنم، ولا تفضحنا يوم العرض.

وصل ربنا على محمد وآله الطيبين الطاهرين، وصحبه الذين ذادوا عن دينك، بقدر ما غرست في قلوبهم من برد اليقين، وأثلجت صدورهم بمحبة هذا الدين.

تفسير المراغي
مقدمة التفسير | الفاتحة | البقرة | آل عمران | النساء | المائدة | الأنعام | الأعراف | الأنفال | التوبة | يونس | هود | يوسف | الرعد | إبراهيم | الحجر | النحل | الإسراء | الكهف | مريم | طه | الأنبياء | الحج | المؤمنون | النور | الفرقان | الشعراء | النمل | القصص | العنكبوت | الروم | لقمان | السجدة | الأحزاب | سبأ | فاطر | يس | الصافات | ص | الزمر | غافر | فصلت | الشورى | الزخرف | الدخان | الجاثية | الأحقاف | محمد | الفتح | الحجرات | ق | الذاريات | الطور | النجم | القمر | الرحمن | الواقعة | الحديد | المجادلة | الحشر | الممتحنة | الصف | الجمعة | المنافقون | التغابن | الطلاق | التحريم | الملك | القلم | الحاقة | المعارج | نوح | الجن | المزمل | المدثر | القيامة | الإنسان | المرسلات | النبأ | النازعات | عبس | التكوير | الانفطار | المطففين | الانشقاق | البروج | الطارق | الأعلى | الغاشية | الفجر | البلد | الشمس | الليل | الضحى | الشرح | التين | العلق | القدر | البينة | الزلزلة | العاديات | القارعة | التكاثر | العصر | الهمزة | الفيل | قريش | الماعون | الكوثر | الكافرون | النصر | المسد | الإخلاص | الفلق | الناس | خاتمة التفسير | فهارس الأجزاء