الفتاوى الكبرى/كتاب الوقف/3

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

37 - 878 - مسألة: في وقف على رجل ثم على أولاده فاقتسمه الفلاحون ثم تناقل بعضهم حصته إلى جانب حصة شريكه فهل تنفسخ القسمة والمناقلة؟

الجواب: لا تصح قسمة رقبة الوقف الموقوف على جهة واحدة لكن تصح قسمة المنافع وهي المهايأة وإذا كانت مطلقة لم تكن لازمة لا سيما إذا تغير الموقوف فتجوز بغير هذه المهايأة

38 - 879 - مسألة: في بيعة بقرية ولها وقف وانقرض النصارى بتلك القرية وأسلم من بقي منهم فهل يجوز أن يتخذ مسجدا؟

الجواب: نعم ! إذا لم يبق من أهل الذمة الذين استحقوا تلك أحد جاز أن يتخذ مسجدا لا سيما إن كانت ببر الشام فإنه فتح عنوة

39 - 880 - مسألة: في مسجد مجاور كنيسة مغلقة خراب سقط بعض جدرانها على باب المسجد وعلى رحابه يتوصل منها وزال بعض الجدار الذي انهدم وسقط على جدار المسجد ويخاف على المسلمين من وقعها ومن يصلي بالمسجد؟ وإذا آلت كلها للخراب هل تهدم؟

الجواب: نعم إذا خيف تضرر المسجد وإيذاء المصلين فيه وجب إزالة ما يخاف من الضرر على المسجد وأهله وإذا لم يزل إلا بالهدم هدمت بل قد ثبت عن النبي أنه قال: [ لا قبلتان بأرض ولا جزية على مسلم ] وإذا كانت هذه في أرض فتحت عنوة وجب أن تزال ولا تترك مجاورة والله أعلم

40 - 881 - مسألة: في مسجد ليس له وقف وبجواره ساحة: هل يجوز أن تعمل سكنا للامام؟ أفتونا؟

الجواب: يجوز ذلك والحالة هذه فإن الساحة ليست من المسجد: كما ذكر والله أعلم

41 - 882 - مسألة: فيمن هو في مسجد يأكل وقفه ولا يقوم بمصالحة وللواقف أولاد محتاجين: فهل لهم تغييره وإقامة غيره وأخذ الفائض عن مصلحة المسجد؟

فأجاب: الحمد لله إذا لم يقم بالواجب فإنه يغيره من له ولاية ذلك لمن يقوم بالواجب إذا لم يتب الأول ويلتزم بالواجب وأما الفاضل عن مصلحة المسجد فيجوز صرفه في مساجد آخر وفي المستحقين للصدقة من أقارب الواقف وجيران المسجد

42 - 883 - مسألة: هو يجوز أن يبنى خارج المسجد من ريع الوقف مسكنا ليأوي فيه أهل المسجد الذين يقومون بمصالحه؟

الجواب: نعم يجوز لهم أن يبنوا خارج المسجد من المساكن ما كان مصلحة لأهل الاستحقاق لريع الوقف القائمين بمصلحته

43 - 884 - مسألة: عن مسجد أعلاه طبقة وهو عتيق البناء وإن الطبقة لم يسكنها أحد ولم ينتفع بها لكونها ساقطة وأنها ضرر على المسجد لثقلها عليه تخربه ولا له شيء يعمر منه: فهل يجوز نقض الطبقة التي أعلاه أو يغلق ذلك المسجد؟

الجواب: إذا كان نقض الطبقة مصلحة للمسجد فتنقض وتصرف الأنقاض في مصالح المسجد وإن أمكن أن يشتري بها ما يوقف عليه أو يصرف في عمارته أو عمارة وقفه: فعل ذلك

44 - 885 - مسألة: في رجل استأجر أرضا موقوفة وبنى عليها ما أراد ثم أوقف ذلك البناء وشرط أن يعطي الأجرة الموقوفة من ريع وقفه عليها وحكم الحاكم بصحة الوقف على الشروط المذكورة في الوقف فهل يجوز نقض ذلك أم لا؟ وإذا أراد الواقف نقض الوقف بعد ثبوته ليدخل فيه عددا آخر بوقف ثان: هل يجوز ذلك؟

الجواب: إذا حكم الحاكم بصحة الوقف لم يجز فيه تغييره ولا تبديل شروطه

45 - 886 - مسألة: في وقف على الفقراء والمساكين وفيه أشجار زيتون وغيره يحمل بعض السنين بثمر قليل فإذا قطعت وأبعيت يشتري بثمنها ملك يغل بأكثر منها: فهل للناظر ذلك؟ وهل إذا طالبه بعض المستحقين للوقف يقطع الشجر ويبيعه ويقسم منه عليهم فهل لهم ذلك؟ أم شراء الملك؟ وإذا تولى شخص فوجد من تقدمه غير شرط الواقف فجهد في عمل شرط الواقف: فهل له أن يأخذ ما جرت به العادة من الجامكية بكونه لم يقدر أن يعمل بما شرطه الواقف وهذا الناظر فقير لا مال له: فهل له أن يأخذ من نسبة الفقراء ويكون نظره تبرعا بينوا لنا ذلك؟

فأجاب: الحمد لله نعم يجوز بيع تلك الاشجار وأن يشتري بها ما يكون مغله أكثر فإن الشجر كالبناء وللناظر أن يغير صورة الوقف من صورة إلى صورة منها كما غير الخلفاء الراشدون صورة المسجدين اللذين بالحرمين الشريفين وكما نقل عمر بن الخطاب مسجد الكوفة من موضع إلى موضع وأمثال ذلك ولا يقسم ثمن الشجر بين الموجودين لأن الشجر كالبناء لا يختص بثمنه الموجودين وليس هو بمنزلة الشجر والزرع والمنافع التي يختص كل أهل طبقة بما يؤخذ في زمنها منها

وأما الناظر فعليه أن يعمل ما يقدر عليه من العمل الواجب ويأخذ لذلك العمل ما يقابله فإن كان الواجب عشرة أجزاء من العوض المستحق أخذه وإن كان يستحق الجميع على ما يعمله أخذ الجميع وله أن يأخذه على فقره ما يأخذه الفقير على فقره والله أعلم

46 - 887 - مسألة: في تغيير صورة الوقف

أجاب: الحمد لله أما ما خرج من ذلك عن حدود الوقف إلى طريق المسلمين وإلى حقوق الجيران: فيجب إزالته بلا ريب وأما ما خرج إلى الطريق النافذ فلا بد من إزالته وأما أن كان خرج إلى ملك الغير فإن أذن فيه وإلا أزيل

وأما تغيير صورة البناء من غير عدوان فينظر في ذلك إلى المصلحة فإن كانت هذه الصورة أصلح للوقف وأهله أقرت وأن كان إعادتها إلى ما كانت عليه أصلح أعيدت وأن كان بناء ذلك على صورة ثالثة أصلح للوقف بنيت فيتبع في صورة البناء مصلحة الوقف ويدار مع المصلحة حيث كانت وقد ثبت عن الخلفاء الراشدين كعمر وعثمان أنهما قد غيرا صورة الوقف للمصلحة بل فعل عمر بن الخطاب ما هو أبلغ من ذلك حيث حول مسجد الكوفة القديم فصار سوق التمارين وبني لهم مسجدا في مكان آخر والله أعلم

47 - 888 - مسألة: في امرأة أوقفت وقفا على تربتها بعد موتها وأرصدت للمقرئين شيئا معلوما وما يفضل عن ذلك للفقراء أو وجوه البر وإن لها قرابة: خالها قد افتقر واحتاج وانقطع عن الخدم وإن الناظر لم يصرف له ما يقوم بأوده فهل يجب الزام الناظر بما يقوم بأود القرابة ودفع حاجته دون غيره؟

الجواب: إذا كان للموفقة قرابة محتاج كالخال ونحوه فهو أحق من الفقير المساوي له في الحاجة وينبغي تقديمه وإذا اتسع الوقف لسد حاجته سدت حاجته منه

48 - 889 - مسألة: في أوقاف ببلد على أماكن مختلفة: من مدارس ومساجد وخوانك وجوامع ومارستانات وربط وصدقات وفكاك أسرى من أيدي الكفار وبعضها له ناظر خاص وبعضها له ناظر من جهة ولي الأمر وقد أقام ولي الأمر على كل صنف من هذه الأصناف ديوانا يحفظون أوقافه ويصرفون ريعه في مصارفه ورأى الناظر أن يفرز لهذه المعاملات مستوفيا يستوفي حساب هذه المعاملات يعني الأوقاف كلها وينظر في تصرفات النظار والمباشرين ويحقق عليهم ما يجب تحقيه من الأموال المصروفة والباقي وضبط ذلك عنده ليحفظ أموال الأوقاف عند اختلاف الأيدي وتغيير المباشرين ويظهر بمباشرته محافظة بعض العمال على فائدة فهل لولي الأمر أن يفعل ذلك إذا رأى فيه المصلحة أم لا؟ وإذا صار الآن يفعل ذلك إذا رأى فيه المصلحة وقرر المذكور وقرر له معلوما يسير على كل من هذه لا يصل إلى ريع معلوم أحد المباشرين لها ودون ذلك بكثير لما يظهر له من المصلحة فيه فهل يكون ذلك سائغا؟ وهل يستحق المستوفي المذكور تناول ما قرر له أم لا إذا قام بوظيفته؟ وإذا كانت وظيفته استرجاع الحساب عن كل سنة على حكم أوضاع الكتاب ووجد ارتفاع حساب سنين أو أكثر فتصرف وعمل فيه وظيفته هل يستحق معلوم المدة التي استرجع حسابهم فيها وقام بوظيفته بذلك الحساب

الجواب: نعم لولي الأمر أن ينصب ديوانا مستوفيا لحساب الأموال الموقوفة عند المصلحة كما له أن ينصب الدواوين مستوفيا لحساب الأموال السلطانية: كالفيء وغيره وله أن يفرض له على عمله ما يستحقه مثله: من كل مال يعمل فيه بقدر ذلك المال واستفياء الحساب وضبط مقبوض المال ومصروفه من العمل الذي له أصل لقوله تعالى: { والعاملين عليها } وفي الصحيح: [ أن النبي استعمل رجلا على الصدقة فلما رجع حاسبه ] وهذا أصل محاسبة العمال المتفرقين والمستوفي الجامع نائب الإمام في محاسبتهم ولا بد عند كثرة الأموال ومحاسبتهم من ديوان جامع

ولهذا لما كثرت الأموال على عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وضع الدواوين ديوان الخراج وهو ديوان المستخدمين على الارتزاق واستعمل عليه عثمان بن حنيف وديوان النفقات وهو ديوان المصروف على المقاتلة والذرية الذي يشبه في هذه الأوقات ديوان الحبس والثبوتات نحو ذلك واستعمل عليه زيد بن ثابت

وكذلك الأموال الموقوفة على ولاة الأمر من الإمام والحاكم ونحوه اجراؤها على الشروط الصحيحة الموافقة لكتاب الله وإقامة العمال على ما ليس عليه عامل من جهة الناظر والعامل في عرف الشرع يدخل فيه الذي يسمى ناظرا ويدخل فيه غير الناظر لقبض المال ممن هو عليه صرفه ودفعه إلى من هو له لقوله: { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } ونصب المستوفي الجامع للعمال المتفرقين يحسب الحاجة والمصلحة وقد يكون واجبا إذا لم تتم مصلحة قبض المال وصرفه إلا به فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وقد يستغنى عنه عند قلة العمل ومباشرة الإمام للمحاسبة بنفسه كما في نصب الإمام للحاكم عليه أن ينصب حاكما عند الحاجة والمصلحة إذا لم تصل الحقوق إلى مستحقها أو لم يتم فعل الواجب وترك المحرم إلا به وقد يستغني عنه الإمام إذا أمكنه مباشرة الحكم بنفسه

ولهذا كان النبي يباشر الحكم واستيفاء الحساب بنفسه وفيما بعد عنه يولي من يقوم بالأمر ولما كثرت الرعية على عهد أبي بكر وعمر والخلفاء استعملوا القضاة ودونوا الدواوين في أمصارهم وغيرها فكان عمر يستنيب زيد بن ثابت بالمدينة على القضاء والديوان وكان بالكوفة قد استعمل عمار بن ياسر على الصلاة والحرب مثل: نائب السلطان والخطيب فإن السنة كانت أنه يصلي بالناس أمير حربهم واستعمل عبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال واستعمل عثمان بن حنيف على ديون الخراج

وإذا قام المستوفي بما عليه من العمل استحق ما فرض له والجعل الذي ساغ له فرضه وإذا عمل هذا ولم يعط جعله فله أن يطلب على العمل الخاص فإن ما وجب بطريق المعاملة يجب

49 - 890 - مسألة: في رجل استأجر قطع أرض وقف وغرس فيها غراسا وأثمر ومضت مدة الإيجار فأراد نظار الوقف قلع الغراس فهل لهم ذلك؟ أو أجرة المثل؟ وهل يثاب ولي الأمر على مساعدته؟

الجواب: ليس لأهل الأرض قلع الغراس بل لهم المطالبة بأجرة المثل أو تملك الغراس بقيمته أو ضمان نقصه إذا قلع وما دام باقيا على صاحبه أجرة مثله وعلى ولي الأمر منع الظالم من ظلمه والله أعلم

50 - 891 - مسألة: في رجل متولي إمامة مسجد وخطابته ونظر وقفه: من سنين معدودة بمرسوم ولي الأمر وله مستحق بحكم ولايته الشرعية فهل لنظار وقف آخر أن يضعوا أيدهم على هذا الوقف أو يتصرفوا فيه بدون هذا الناظر وأن يصرفوا مال المسجد المذكور في غير جهته أو يمنعوا ما قدر له على ذلك ولو قدر أن هذا الوقف كان في ديوان أولئك من مدة ثم أخرجه ولي الأمر وجعله للإمام الخطيب: فهل لهم ذلك والحالة هذه أن يتصرفوا فيه ويمنعوه التصرف مع بقاء ولايته؟ وهل إذا تصرف فيه متعد وصرف منه شيئا إلى غيره مع حاجة الإمام وقيام المصالح وأصر على ذلك والحالة هذه يقدح في دينه وعدالته أم لا

الجواب: ليس لناظر غير الناظر المتولي هذا الوقف أن يضع يده عليه ولا يتصرف فيه بغير إذنه لا نظار وقف آخر ولا غيرهم سواء كانوا قبل ذلك متولين نظره أو لم يكونوا متولين نظره ولا لهم أن يصرفوا مال المسجد في غير جهاته التي وقف عليها والحال ما ذكر بل يجب أن يعطى الامام وغيره ما يستحقونه كاملا ولا ينقصون من مستحقهم لأجل أن يصرفوا الفاضل إلى وقف آخر فإن هذا لا نزاع في أنه لا يجوز وإنما تنازع العلماء في جواز صرف الفاضل ومن وجوزه فلم يجوز لغير الناظر المتولي أن يستقل بذلك ومن أصر على صرف مال لغير مستحقه ومنع المستحق قدح في دينه وعدالته

51 - 892 - مسألة: في واقف وقف على فقراء المسلمين فهل يجوز لناظر الوقف أن يصرف جميع ريعه إلى ثلاثة والحالة هذه أم لا وإن جاز له أن يصرف إلى ثلاثة وكان من أقارب الواقف فقير ثبت فقره واستحقاقه للصرف إليه من ذلك فهل يجوز الصرف إليه عوضا عن أحد الثلاثة الأجانب من الواقف وإذا جاز الصرف إليه: فهل هو أولى من الأجنبيين المصروف إليهما؟ وإذا كان أولى: فهل يجوز للناظر أن يصرف إلى قريب الواقف المذكور قدر كفايته من الوقف والحالة هذه وإذا جاز له ذلك: فهل يكون فعله ذلك أولى وأفضل من أن ينقص من كفايته ويصرف ذلك القدر إلى الأجنبي والحالة هذه

الجواب: الحمد لله يجب على ناظر الوقف أن يجتهد في مصرفه فيقدم الأحق فالأحق وإذا قدر أن المصلحة الشرعية أقتضت صرفه إلى ثلاثة مثل أن لا يكفيهم أقل من ذلك فلا يدخل غيرهم من الفقراء وإذا كفاهم وغيرهم من الفقراء يدخل الفقراء معهم ويساويهم مما يحصل من ربعه وهم أحق منه عند التزاحم ونحو ذلك وأقارب الواقف الفقراء أولى من الفقراء الأجانب مع التساوي في الحاجة ويجوز أن يصرف إليه كفايته إذا لم يوجد من هو أحق منه وإذا قدر وجود فقير مضطر كان دفع ضرورته واجبا وإذا لم يندفع إلا بتنقيص كفاية أولئك من هذا الوقف من غير ضرورة تحصل لهم تعين ذلك والله أعلم

52 - 893 - مسألة: في رجل ولى ذا شوكة على وقف من مساجد وربط وغير ذلك اعتمادا على دينه وعلما بقصده للمصلحة فعند توليته وجد تلك الوقوف على غير سنن مستقيم ويتعرض إليها كره مباشرتها لئلا يقع الطمع في مالها وغير ملتفتين إلى صرفها في استحقاقها وهم مثل القاضي والخطيب وإمام الجامع وغير ذلك فإنهم يأخذون من عموم الوقف وهو مع هذا عاجز عن صد التعرض عنها ومع اجتهاده فيها ومبالغته فهل يحرم للسائل عزل نفسه عنها وعن القيام بما يقدر عليه من مصالحها مع العلم بأنه بأجرة يكثر التعرض فيها والطمع في مالها

وهل يحل له تناول أجرة عمله منها مع كونه ذا عائلة وعاجز عن تحصيل قوتهم من غيرها؟ وهل يحل للناظر إذا وجد مكانا خربا أن يصرف ماله في مصلحة غيره عند تحققه بأن مصلحته ما يتصور أن تقوم بعمارته؟ وهل إذا فضل عن جهته شيء من ملكها صرفه إلى مهم غيره وعمارة لازمة يمكن أن تحفظه لكثرة التعرض إليه أم لا؟

أجاب: أصل هذه إنما أوجبه الله من طاعته وتقواه مشروط بالقدرة كما قال تعالى: { فاتقوا الله ما استطعتم } وكما قال النبي : [ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ] ولهذا جاءت الشريعة عند تعارض المصالح والمفاسد بتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وباحتمال أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما فمتى لم يندفع الفساد الكبير عن هذه الأموال الموقوفة ومصارفها الشرعية إلا بما ذكر من احتمال المفسدة القليلة كان ذلك هو الواجب شرعا

وإذا تعين ذلك على هذا الرجل فليس له ترك ذلك إلا مع ضرر أوجب إلتزامه أو مزاحمة ما هو أوجب من ذلك وله بإجماع المسلمين مع الحاجة تناول أجرة عمله فيها بل قد جوزه من جوزه مع الغنى أيضا كما جوز الله تعالى للعاملين على الصدقات الأخذ مع الغني عنها

وإذا خرب مكان موقوف فتعطل نفعه بيع وصرف ثمنه في نظيره أو نقلت إلى نظيره وكذلك إذا خرب بعض الأماكن الموقوف عليها كمسجد ونحوه على وجه يتعذر عمارته فإنه يصرف ربع الوقف عليه إلى غيره وما فضل من ريع وقف عن مصلحته صرف في نظيره أو مصلحة المسلمين من أهل ناحيته ولم يحبس المال دائما فلا فائدة وقد كان عمر بن الخطاب كل عام يقسم كسوة الكعبة بين الحجيج ونظير كسوة الكعبة المسجد المستغنى عنه من الحصر ونحوها وأمر تحويل مسجد الكوفة من مكان إلى مكان حتى صار موضع الأول سوقا

53 - 894 - مسألة: في الوقف الذي أوقف على الإشراف ويقول: إنهم أقارب: هل الأقارب شرفاء أم غير شرفاء؟ وهل يجوز أن يتناولوا شيئا من الوقف أم لا؟

الجواب: الحمد لله إن كان الوقف على أهل بيت النبي أو على بعض أهل البيت: كالعلويين والفاطميين أو الطالبيين الذين يدخل فيهم بنو جعفر وبنو عقيل أو على العباسيين ونحو ذلك فإنه لا يستحق من ذلك إلا من كان نسبه صحيحا ثابتا فأما من ادعى أنه منهم ولم يثبت أنه منهم أو علم أنه ليس منهم: فلا يستحق من هذا الوقف وان ادعى أنه منهم: كبني عبد الله بن ميمون القداح فإن أهل العلم بالأنساب وغيرهم يعلمون أنه ليس لهم نسب صحيح وقد شهد بذلك طوائف أهل العلم من أهل الفقه والحديث والكلام والأنساب وثبت في ذلك محاضر شرعية وهذا مذكور في كتب عظيم من كتب المسلمين بل ذلك مما تواتر عند أهل العلم

وكذلك من وقف على الأشراف فإن هذا اللفظ في العرف لا يدخل فيه إلا من كان صحيح النسب من أهل بيت النبي

وأما إن وقف واقف على بني فلان أو أقارب فلان ونحو ذلك ولم يكن في الوقف ما يقتضي أنه لأهل البيت النبوي وكان الموقوف ملكا للواقف يصح وقفه على ذرية المعين: لم يدخل بنو هاشم في هذا الوقف

54 - 895 - مسألة: في رجل بيده مسجد بتواقيع أحياء سنة شرعية بحكم نزول من كان بيده توقيعا بالنزول ثابتا بالحكام ثم إن ولد من كان بيده المسجد أولا تعرض لمن بيده المسجد الآن وطلب مشاركته ولم يكن له مستند شرعي غير أنه كان بيد والده فهل يجوز أن يلجأ إلى الشركة بغير رضاه؟

الجواب: الحمد لله لا يجوز إلزام إمام مسجد على المشاركة والحالة هذه ولا التشريك بينهما أو عزله بمجرد ما ذكر: من كون أبيه كان هو الإمام فإن المساجد يجب أن يولي الأحق شرعا وهو الأقرأ لكتاب الله والأعلم بسنة رسول الله الأسبق إلى الأعمال الصالحة مثل: أن يكون أسبق هجرة أو أقدم سنا فكيف إذا كان الأحق هو المتولي؟ فإنه لا يجوز عزله باتفاق العلماء والله أعلم

55 - 896 - مسألة: في مدرسة وقفت على الفقهاء والمتفقهة الفلانية برسم سكناهم واشتغالهم فيها فهل تكون السكنى مختصة بالمرتزقين؟ وهل يجوز إخراج أحد من الساكنين مع كونه من النصف الموقوف عليه؟

الجواب: لا تختص السكنى والارتزاق بشخص واحد وتجوز السكنى من غير ارتزاق من المال كما يجوز الارتزاق من غير سكنى ولا يجوز قطع أحد الصنفين إلا بسبب شرعي إذا كان الساكن مشتغلا سواء كان يحضر الدرس أم لا

56 - 897 - مسألة: في رجل ملك إنسانا أنشابا قائمة على أرض الموقوفة على الملك المذكور وغيره أيام حياته ثم بعد وفاته على أولاده وعلى من يحدثه الله من الأولاد من الذكور والإناث بينهم بالسوية: على أن من توفي منهم وترك ولدا كان نصيبه من الوقف إلى ولده أو ولد ولده وإن سفل واحدا كان أو أكثر ذكرا كان أو أنثى من ولد الظهر والبطن يستوي في ذلك الذكور والإناث وإن توفي ولم يكن له ولد ولا ولد ولد ولا أسفل من ذلك كان نصيبه من ذلك مصروفا إلى من هو في درجته مضافا إلى ما يستحقه من ريع هذا الوقف فإن لم يكن له أخر ولا أخت ولا من يساويه في الدرجة: كان نصيبه مصروفا إلى أقرب الناس إليه: الأقرب فالأقرب من ولد الظهر والبطن تحجب الطبقة العليا الطبقة السفلى من ولد الظهر والبطن بالسوية إلى حين انقراضهم فإن لم يبق أحد يرجع بنسبه إلى الموقوف عليه لا من جهة الأب ولا من جهة البنت: كان مغل الوقف مصروفا إلى الفقراء والمساكين بثغر دمياط المحروسة والواردين إليه والمترددين عليه يفرقه الناظر على ما يراه ثم على أسارى المسلمين

فمن أهل الوقف الأول إحدى البنات توفيت ولم يكن لها ولد أخذ إخوتها نصيبها ثم ماتت البنت الثانية ولها ابنتان أخذتا نصيبها ثم بعد ذلك ماتت البنت الثالثة ولم يكن لها ولد أخذت أختها نصيبها ثم بعد ذلك ماتت الأخت الرابعة فأخذوا لها الثلثين فهل يصح لأولاد خالته نصيب معه أم لا؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين البنت الأولى انتقل نصيبها إلى إخوتها الثلاثة كما شرطه الواقف لا يشارك أولاد هذه لأولاد هذه في النصيب الأصلي الذي كان لأمها وأما النصيب العائد وهو الذي كان للثالثة وانتقل إلى الرابعة فهذا يشترك فيه أولاد هذه وأولاد هذه كما يشترط فيه أمهما هذا أظهر القولين في هذه المسألة

وقيل: إن جميع ما حصل للرابعة وهو نصيبها ونصيب الثالثة ينتقل إلى أولادها خاصة لأن الوقف قال: وإن توفي ولم يكن له ولد ولا ولد ولد ولا أسفل من ذلك كان نصيبه مصروفا إلى من في درجته مضافا إلى ما يستحق من ريع الوقف قالوا: فالمضاف كالمضاف إليه فإذا كان هذا ينتقل إلى أولاده فكذلك الآخر: لأن قول الواقف: من ما ت منهم وترك ولدا كان نصيبه من الوقف إلى ولده يتناول الأصلي والعائد

والأظهر هو القول الأول فإن قوله: كان نصيبه يتناول النصيب الذي تقدم ذكره وأما تناوله لما بعد ذلك فمشكوك فيه فلا يدخل بالشك قد يقال: هذا هو في الأصل نصيب الميت عنه كما ذكر الواقف والظاهر من حال الواقف لفظا وعرفا أنه سوى بين الطبقة في نصيب من ولد له ولد فأخذه المساوي بكونه كان في الطبقة وأولاده في الطبقة: كأولاد الميت الأول فكما أن الميتين لو كانا حيين اشتركا في هذا النصيب العائد: فكذلك يشترك فيه ولدهما من بعدهما فإن نسبتهما إلى صاحب النصيب نسبة واحدة

وهذا هو الذي قصده الناس بمثل هذه الشروط كما يشهد بذلك عرفهم وعادتهم والمقصود إجراء الوقف على الشروط التي يقصدها الواقف ولهذا قال الفقهاء: إن نصوصه كنصوص الشارع يعني في الفهم والدلالة فيفهم مقصود ذلك من وجوه متعددة كما يفهم مقصود الشارع

ومن كشف أحوال الواقفين علم أنهم يقصدون هذا المعنى فإنه أشبه بالعدل ونسبة أولاد الأولاد إلى الواقف سواء فليس له غرض في أن يعطي ابن هذه نصيبان أو ثلاثة لتأخر موت أبيه وأولئك لا يعطون إلا نصيبا واحدا لا سيما وهذا المتأخر قد استغل الوقف فقد يكون خلف لأولاده بعض ما استغله والذي مات أولا لم يستغله إلا قليلا فأولاده أقرب إلى الحاجة ونسبتهما إلى الواقف سواء فكيف يقدم من هو أقرب إلى الحاجة إلى من هو أبعد عنها وهما في القرب وإليه وإلى الميت صاحب النصيب بعد انقراض الطبقة سواء

وهو كما لو مات صاحبه آخرا ولو مات آخرا اشترك جميع الأولاد فيه بل هذا يتناوله قوله الواقف: إن توفي ولم يكن له ولد ولا ولد ولد كان نصيبه مصروفا إلى من هو في درجته فإن لم يكن له أخ ولا أخت ولا من يساويه في الدرجة: فيكون نصيبه مصروفا إلى أقرب الناس وكلهم في القرب إليه سواء والله أعلم

الفتاوى الكبرى لابن تيمية
كتاب السنة والبدعة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطهارة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | كتاب الصلاة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | كتاب الذكر والدعاء | 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب الصيام: 1 | 2 | 3 | كتاب الجنائز: 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب النكاح: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطلاق: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | | كتاب النفقات | كتاب الحدود: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الجهاد: 1 | 2 | كتاب البيوع: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الشهادة والأقضية والأموال: 1 | 2 | كتاب الوقف: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | كتاب الوصايا | كتاب الفرائض | كتاب الفضائل: 1 | 2 | كتاب الملاهي | مسائل منثورة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | كتاب الطهارة2 | كتاب الصلاة2: 1 | 2 | كتاب الجنائز2 | كتاب الزكاة2 | كتاب الصوم2 | كتاب الحج | كتاب البيع: 1 | 2 | كتاب الوصية | كتاب الفرائض | كتاب العتق | كتاب النكاح2: 1 | 2 | كتاب الخلع | كتاب الطلاق2 | كتاب الرجعة | كتاب الظهار | كتاب الجنايات | كتاب الأطعمة | كتاب الأيمان | باب القضاء | كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل | كتاب في الرد على الطوائف الملحدة والزنادقة والجهمية والمعتزلة والرافضة: 1 |2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16