التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد/المجلد السادس/صفحة واحدة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


التمهيد المجلد السادس[عدل]

زيد بن أبي أنيسة الجزري[عدل]

حديث واحد عن زيد بن أبي أنيسة الجزري مسند لا يتصل من وجهه هذا

وهو زيد بن أبي أنيسة يكنى أبا سعيد اختلف في ولائه فقيل أنه مولى زيد بن الخطاب أو لبني عدي وقيل مولى لبني كلاب وقيل غير ذلك مما يطول ذكره ولم يختلف أنه مولى وقيل اسم أبي أنيسة زيد أيضا والله أعلم فهو زيد بن زيد وكان زيد بن أبي أنيسة من سكان الرها من عمل الجزيرة ومات بالرها سنة خمس وعشرين ومائة فيما ذكر الواقدي والطبري وكان كثير الحديث رواية للعلم ثقة صاحب سنة روى عنه مالك والثوري وجماعة من الجلة وكان الثوري يثني عليه ويدعو له كثيرا بعد موته بالرحمة وقال البخاري عن عمرو ابن محمد الناقد عن عمرو بن عثمان الكلابي قال مات زيد بن أبي أنيسة سنة أربع وعشرين ومائة وهو ابن ست وثلاثين سنة وقيل ولد زيد بن أبي أنيسة سنة إحدى وتسعين

وتوفي سنة أربع وعشرين وقيل سنة خمس وقيل سنة ست وقيل سنة سبع وقيل سنة ثمان وعشرين ومائة وقيل توفي وهو ابن بضع وأربعين وقال محمد بن سعد سمعت رجلا من أهل حران يقول مات سنة تسع عشرة ومائة

قال أبو عمر : هو معدود في أهل الجزيرة وهو رهاوي.

وحديثه المذكور مالك عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد ابن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب أنه أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} الآية فقال عمر بن الخطاب سمعت رسول الله يسأل عنها فقال رسول الله  : "إن الله تبارك وتعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح على ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل : يا رسول الله ففيم العمل "قال" فقال رسول الله  : إن الله تبارك وتعالى إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار" .

قال أبو عمر : هذا الحديث منقطع بهذا الإسناد لأن مسلم بن يسار هذا لم يلق عمر بن الخطاب وبينهما في هذا الحديث نعيم ابن ربيعة وهو أيضا مع هذا الإسناد لا تقوم به حجة

ومسلم بن يسار هذا مجهول وقيل أنه مدني وليس بمسلم ابن يسار البصري

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال قرأت على يحيى بن معين حديث مالك هذا عن زيد بن أبي أنيسة فكتب بيده على مسلم بن يسار لا يعرف.

أخبرنا أبو عبدالله عبيد بن محمد ومحمد بن عبد الملك قالا حدثنا عبدالله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين وأخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور قالا جميعا حدثنا محمد بن عبدالله بن سنجر قال حدثنا أحمد بن عبد الملك بن واقد قال حدثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد يعني ابن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبدالرحمن عن مسلم بن يسار عن نعيم بن ربيعة الأزدي

وأخبرني عبدالرحمن بن يحيى وأحمد بن فتح وخلف ابن القاسم قالوا حدثنا حمزة بن محمد حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن وهب قال حدثنا محمد بن سلمة قال حدثني أبو عبدالرحيم قال حدثني زيد وهو ابن أبي أنيسة عن عبدالحميد بن عبدالرحمن عن مسلم بن يسار عن نعيم بن ربيعة قال كنت عند عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل فسأله عن هذه الآية {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قال فقال عمر كنت عند النبي إذ جاءه رجل فسأله عنها فقال النبي  : "خلق الله آدم ثم استخرج منه ذرية من هو كائن منهم إلى يوم القيامة فقال لطائفة منهم هؤلاء للجنة خلقتهم وقال لطائفة هؤلاء للنار خلقتهم فمن خلقه الله للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يميته على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة ومن خلقه للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يميته على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار"

قال أبو عمر : زيادة من زاد في هذا الحديث نعيم بن ربيعة ليست حجة لأن الذي لم يذكره أحفظ وإنما تقبل الزيادة من الحافظ المتقن وجملة القول في هذا الحديث أنه حديث ليس إسناده بالقائم لأن مسلم بن يسار ونعيم بن ربيعة جميعاً غيرمعروفين بحمل العلم ولكن معنى هذا الحديث قد صح عن النبي من وجوه كثيرة ثابتة يطول ذكرها من حديث عمر بن الخطاب وغيره جماعة يطول ذكرهم حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن عثمان بن غياث قال حدثني عبدالله بن بريدة عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبدالرحمن لقيا عبدالله بن عمر فذكرا له القدر وما يقولون فيه فذكر الحديث عن أبيه عن النبي بطوله وقال في آخره وسأله رجل من مزينة أو جهينة فقال : " يا رسول الله ففيم نعمل في شيء قد خلا ومضى أو في شيء مستأنف الآن؟

فقال : "في شيء قد خلا ومضى فقال الرجل أو بعض القوم" ففيم العمل فقال إن أهل الجنة ييسرون لعمل أهل الجنة وإن أهل النار ييسرون لعمل أهل النار" .

وروى هذا المعنى عن عمر عن النبي من طرق وممن روى هذا المعنى في القدر عن النبي علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وأبو سريحة الغفاري وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عمر وذو اللحية الكلابي وعمران بن حصين وعائشة وأنس بن مالك وسراقة بن جعثم وأبو موسى الأشعري وعبادة بن الصامت وأكثر أحاديث هؤلاء لها طرق شتى.

حدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير بن عبدالحميد عن منصور عن سعد بن عبيدة عن أبي عبدالرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب قال كنا في جنازة في بقيع الغرقد قال صلى رسول الله فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس رأسه وجعل ينكت بمخصرته ثم قال : "ما منكم من أحد من نفس منفوسة إلا وقد كتب مكانها من الجنة والنار وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة فقال رجل يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاء فسيصير إلى عمل أهل الشقاء فقال اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} .

حدثنا عبدالرحمن بن يحيى وأحمد بن فتح قالا حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا سليمان بن الحسن البصري بالبصرة قال حدثنا عبيدالله بن معاذ قال حدثنا أبي قال حدثنا سليمان بن حيان عن يزيد الرشك عن مطرف بن عبدالله عن عمران بن حصين قال قال رجل : يا رسول الله أعلم أهل الجنة من أهل النار قال نعم

قال فلم يعمل العاملون قال كل ميسر لما خلق له قال حمزة وهذا حديث صحيح رواه جماعة عن يزيد الرشك منهم شعبة بن الحجاج وعبدالوارث بن سعيد.

قال أبو عمر : وقد رواه حماد بن زيد أيضا عن يزيد الرشك حدثناه عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن يزيد الرشك عن مطرف عن عمران بن حصين قال قاسم وحدثنا مضر بن محمد الأسدي قال حدثنا شيبان بن فروخ الأيلي قال حدثنا عبدالوارث عن يزيد قال حدثنا مطرف عن عمران بن حصين قال قلت يا رسول الله أعلم أهل الجنة من أهل النار قال نعم قال ففيم يعمل العاملون قال كل ميسر لما خلق له.

ورواه حجاج بن منهال عن حماد بن يزيد عن يزيد الضبعي وهو يريد الرشك حدثناه خلف بن سعيد قال حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا حماد بن خالد قال حدثنا علي بن عبدالعزيز قال حدثنا حجاج قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا يزيد الضبعي عن مطرف يعني ابن عبدالله بن الشخير عن عمران بن حصين قال "قيل يا رسول الله أعلم أهل الجنة من أهل النار قال نعم قال ففيم العمل إذا قال كل ميسر لما خلق له .

وقد روى من حديث يحيى بن يعمر أيضا عن عمران بن حصين عن النبي مثله" حدثنا سعيد بن نصر وعبدالوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم قال حدثنا عبدالله بن روح قال حدثنا شبابة بن سوار قال حدثنا المغيرة بن مسلم عن أبي عمر عن يحيى بن يعمر أنه كان مع عمران بن حصين وأبي الأسود الدئلي في مسجد البصرة فقال عمران يا أبا الأسود أرأيت ما يعمل العباد يعملون فيما سبق في علم الله السابق أو يستأنفون العمل قال لا بل يعملون فيما سبق في علم الله قال أخشى أن يكون ذلك جورا قال {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} فقال عمران ثبتك الله إنما أردت أن أحزرك أن رجلا سأل النبي عما سألتك فقال رسول الله كما قلت.

حدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبدالله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن عثمان وسعيد بن خمير قالا حدثنا أحمد بن عبدالله بن صالح قال حدثنا عثمان بن عمر قال أخبرنا عزرة بن ثابت عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الدئلي قال قال لي عمران بن حصين أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه أشيء قضى عليهم ومضى عليهم أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم واتخذت به عليهم الحجة قلت لا بل شيء قضى عليهم ومضى عليهم قال فهل يكون شيء من ذلك ظلما قال ففزعت من ذلك فزعا شديدا فقلت إنه ليس شيء إلا خلق الله وملك يده فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون فقال سددك الله إني والله ما سألتك إلا لأحزر عقلك أن رجلا من مزينة أتى النبي فقال يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون أشي قضى عليهم ومضى عليهم أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم واتخذت عليهم به الحجة قال لا بل شيء قضى عليهم ومضى عليهم قال فلم نعمل إذا قال من خلقه الله لواحدة من المنزلتين فهو يستعمل لها وتصديق ذلك في كتاب الله {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}

قال أبو عمر : قد أكثر الناس من تخريج الآثار في هذا الباب وأكثر المتكلمون من الكلام فيه وأهل السنة مجتمعون على الإيمان بهذه الآثار واعتقادها وترك المجادلة فيها وبالله العصمة والتوفيق

حدثنا محمد بن زكرياء قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا مروان بن عبدالملك قال حدثنا محمد بن بشار حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا سفيان عن محمد بن جحادة عن قتادة عن أبي السوار العدوي عن الحسن بن علي قال رفع الكتاب وجف القلم وأمور تقضي في كتاب قد خلا قال وحدثنا مروان بن عبدالملك قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا الأصمعي قال حدثناالمعتمر بن سليمان عن أبيه قال أما والله لو كشف الغطاء لعلمت القدرية أن الله ليس بظلام للعبيد قال وحدثنا محمد بن بشار قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا حبيب بن الشهيد عن محمد بن سيرين قال ما ينكر هؤلاء أن يكون الله عز وجل قد علم علما فجعله كتابا.

قال أبو عمر : قال الله عز وجل {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر} وقال {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فليس لأحد مشيئة تنفذ إلا أن تنفذ منها مشيئة الله تعالى وإنما يجري الخلق فيما سبق من علم الله والقدر سر الله لا يدرك بجدال ولا يشفى منه مقال والحجاج فيه مرتجة لا يفتح شيء منها إلا بكسر شيء وغلقه وقد تظاهرت الآثار وتواترت الأخبار فيه عن السلف الأخيار الطيبين الأبرار وبالاستسلام والانقياد والإقرار بأن علم الله سابق ولا يكون في ملكه إلا ما يريد {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} .

حدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبدالله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن عثمان وسعيد بن خمير قالا حدثنا أحمد بن عبدالله بن صالح قال حدثنا محمد بن زرعة الرعيني قال حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال من الله تعالى التنزيل وعلى رسوله التبليغ وعلينا التسليم "وبالله التوفيق"

زيد بن رباح[عدل]

حديث واحد عن زيد بن رباح مسند "لا يتصل من وجهه هذا"

وهو زيد بن رباح مولى أدرم بن غالب بن فهر هكذا قال البخاري وقال ابن شيبة قتل زيد بن رباح سنة إحدى وثلاثين ومائة

قال أبو عمر : هو ثقة مأمون على ما حمل وروى روى عنه مالك بن أنس وغيره.

وحديثه : مالك عن زيد بن رباح وعبيدالله بن أبي عبدالله الأغر عن أبي عبدالله الأغر عن أبي هريرة أن رسول الله قال : صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام .

لم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث في الموطأ ورواه محمد بن مسلمة المخزومي عن مالك عن ابن شهاب عن أنس قال قال رسول الله صلاة في مسجدي فذكره وهو غلط فاحش وإسناد مقلوب ولا يصح فيه عن مالك إلا حديثه في الموطأ عن زيد بن رباح وعبيدالله بن أبي عبدالله الأغر "عن أبي عبدالله الأغر" عن أبي هريرة.

حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبدالله بن جعفر بن الورد وعبدالله بن عمر بن إسحاق بن معمر قالا حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن جابر القطان قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا مالك عن زيد بن رباح وعبيدالله بن سلمان الأغر عن أبي عبدالله الأغر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وقد روى عن أبي هريرة من طرق ثابتة صحاح متواترة والحمد لله.

وأبو عبدالله الأغر اسمه سلمان مولى جهينة من تابعي المدينة وأصله من أصبهان وهو ثقة كبير حجة فيما نقل روى عنه ابن شهاب وابنه عبيدالله وعبيدالله أيضا ثقة وحديثه هذا صحيح مجتمع على صحته إلا أنهم اختلفوا في تأويله ومعناه فتأوله قوم منهم أبو بكر عبدالله بن نافع الزبيري صاحب مالك على أن الصلاة في مسجد الرسول أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون ألف درجة وأفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة

وقال بذلك جماعة من المالكيين رواه بعضهم عن مالك.

وذكر أبو يحيى الساجي قال اختلف العلماء في تفضيل مكة على المدينة فقال الشافعي مكة خير البقاع كلها وهو قول عطاء والمكيين والكوفيين.

وقال مالك والمدنيون المدينة أفضل من مكة واختلف البغداديون وأهل البصرة في ذلك فطائفة تقول مكة وطائفة تقول المدينة وقال عامة أهل الأثر والفقه أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد الرسول بمائة صلاة وروى يحيى بن يحيى عن ابن نافع أنه سأله عن معنى هذاالحديث فقال معناه أن الصلاة في مسجد النبي أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون ألف صلاة وفي سائر المساجد بألف صلاة.

قال أبو عمر : أما القول في فضل مكة والمدينة فقد مضى منه في كتابنا هذا ما فيه كفاية وأما تأويل ابن نافع فبعيد عند أهل المعرفة باللسان ويلزمه أن يقول أن الصلاة في مسجد الرسول الله أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بتسعمائة ضعف وتسعة وتسعين ضعفا.

وإذا كان هكذا لم يكن للمسجد الحرام فضل على سائر المساجد إلا بالجزء اللطيف على تأويل ابن نافع وحسبك ضعفا بقول يئول إلى هذا "فإن حد حدا في ذلك لم يكن لقوله دليل ولا حجة وكل قول لا تعضده حجة ساقط حدثنا محمد بن ابراهيم حدثنا أحمد بن مطرف حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال سمعت ابن الزبير قال سمعت عمر يقول صلاة في المسجد الحرام خير من مائة ألف صلاة فيما سواه يعني من المساجد إلا مسجد رسول الله فهذا عمر بن الخطاب وعبدالله بن الزبير ولا مخالف لهما من الصحابة يقولان بفضل الصلاة في المسجد الحرام على مسجد النبي ".

وتأول بعضهم هذا الحديث عن عمر أيضا على أن الصلاة في مسجد النبي خير من تسعمائة صلاة في المسجد الحرام وهذا كله تأويل لا يعضده أصل ولا يقوم عليه دليل وقد زعم بعض المتأخرين من أصحابنا أن الصلاة في مسجد النبي أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بمائة صلاة وفي غيره بألف صلاة واحتج لذلك بما رواه سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال سمعت عمر يقول صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه. وحديث سليمان بن عتيق هذا لا حجة فيه لأنه مختلف في إسناده وفي لفظه وقد خالفه فيه من هو أثبت منه.

فمن الاختلاف عليه في ذلك ما حدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا ابن أبي دليم وقاسم بن أصبغ قالا حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى قال حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد الخراساني أبي عبدالرحمن قال حدثنا سليمان بن عتيق قال سمعت عبدالله بن الزبير يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي .

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا أحمد بن دحيم وكتبته من أصله قال حدثنا أبو جعفر الديبلي محمد بن إبراهيم قال حدثنا أبو عبيدالله سعيد بن عبدالرحمن المخزومي قال حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال سمعت ابن الزبير على المنبر يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول صلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد رسول الله فإنما فضله عليه بمائة صلاة.

فهذا خلاف ما ذكروه في حديث ابن عتيق عن ابن الزبير عن عمر فكيف بحديث قد روى فيه ضد ما ذكروه نصا من رواية الثقات إلى ما في إسناده من الاختلاف أيضا.

وقد ذكره عبدالرزاق عن ابن جريج قال أخبرنا سليمان بن عتيق وعطاء عن ابن الزبير أنهما سمعاه يقول صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيه ويشير إلى مسجد المدينة

وحدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة ومحمد بن عبدالسلام الخشني قالا حدثنا محمد بن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عن سليمان بن عتيق قال سمعت ابن الزبير يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول صلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد رسول الله فإن فضله عليه بمائة صلاة.

فهذا حديث سليمان بن عتيق محتمل للتأويل لأن قوله فضله عليه يحتمل الوجهين إلا أنه قد جاء عن عبدالله بن الزبير نصا من نقل الثقات خلاف ما تأولوه عليه على أنه لم يتابع فيه سليمان بن عتيق على ذكر عمر وهو مما أخطأ فيه عندهم سليمان بن عتيق وانفرد به وماانفرد به فلا حجة فيه وإنماالحديث محفوظ عن ابن الزبير على وجهين طائفة توقفه عليه فتجعله من قوله وطائفة ترفعه عنه عن النبي بمعنى واحد أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد النبي بمائة ضعف

هكذا رواه عطاء بن أبي رباح عن عبدالله بن الزبير واختلف في رفعه عن عطاء على حسبما نذكره ومن رفعه عنه عن النبي أحفظ وأثبت من جهة النقل وهو أيضا صحيح في النظر لأن مثله لا يدرك بالرأي ولا بد فيه من التوقيف فلهذا قلناأن من رفعه أولى مع شهادة أئمة الحديث للذي رفعه بالحفظ والثقة فممن رقفه علي بن الزبير من رواية عطاء الحجاج بن أرطاه وابن جريج على أن ابن جريج رواه عن سليمان بن عتيق أيضا مثل روايته عن عطاء سواء.

فحديث الحجاج حدثناه عبدالوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا أبي حدثنا هشيم قال أخبرنا الحجاج عن عطاء عن عبدالله بن الزبير قال الصلاة في المسجد الحرام تفضل على مسجد النبي بمائة ضعف قال عطاء فنظرنا في ذلك فإذا هي تفضل على سائر المساجد بمائة ألف ضعف.

وذكر عبدالرزاق وغيره عن ابن جريج قال أخبرني عطاء أنه سمع ابن الزبير يقول على المنبر صلاة في المسجد الحرام خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد قال قلت لم يسم مسجد المدينة قال يخيل إلي أنه إنما أراد مسجد المدينة قال ابن جريج وأخبرني سليمان بن عتيق بمثل خبر عطاء هذا ثم يشير ابن الزبير إلى المدينة هكذا قال ابن جريج بألف وعلى ما أشار إليه وتأوله ابن جريج في حديثه هذا تكون الصلاة في المسجد الحرام تفضل على الصلاة في كل المساجد غير مسجد النبي بألف ألف.

وقد روى عن النبي في هذا الباب ما يقطع الخلاف ويحسم التنازع ولكن الحديث لم يقمه ولا جوده إلا حبيب المعلم عن عطاء أقام إسناده وجود لفظه فأتى بالمعروف في الصلاة في المسجد "الحرام بأنها مائة ألف صلاة وفي مسجد النبي بألف صلاة"

حدثنا عبدالوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو يحيى عبدالله بن أبي مسرة فقيه مكة قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن عبدالله بن الزبير قال قال رسول الله  : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي "

وحدثنا عبدالوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن عبدالله بن الزبير قال قال رسول الله  : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة" .

فأسند حبيب المعلم هذا الحديث وجوده ولم يخلط في لفظه ولا في معناه وكان ثقة وليس في هذا الباب عن ابن الزبير ما يحتج به عند أهل العلم بالحديث إلا حديث حبيب هذا قال ابن أبي خيثمة سمعت يحيى بن معين يقول حبيب المعلم بصري ثقة وذكر عبدالله بن أحمد بن حنبل قال سمعت أبي يقول حبيب المعلم ثقة ما أصح حديثه وسئل أبو زرعة الرازي عن حبيب المعلم فقال بصري ثقة وقد روى في هذا الباب عن عطاء عن جابر حديث نقلته ثقاة كلهم بمثل حديث حبيب المعلم سواء وجائز أن يكون عند عطاء في ذلك عن جابر وعبدالله بن الزبير فيكونان حديثين وعلى ذلك يحمله أهل الفقه في الحديث.

قال أبو عمر : ولم يرو عن النبي من وجه قوي ولا ضعيف ما يعارض هذا الحديث ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم وهو حديث ثابت لا مطعن فيه لأحد إلا لمتعسف لا يعرج على قوله في حبيب المعلم وقد كان أحمد ابن حنبل يمدحه ويوثقه ويثني عليه وكان عبدالرحمن بن مهدي يحدث عنه ولم يرو عنه القطان وروي عنه يزيد بن زريع وحماد بن زيد وعبد الوهاب الثقفي وعندهم عنه كثير وسائر الإسناد أئمة ثقات أثبات وقد رواه الحجاج بن أرطاة عن عطاء مثل رواية حبيب المعلم سواء وقد روي من حديث جابر عن النبي مثل حديث ابن الزبير سواء

حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثني حكيم بن سيف حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبدالكريم "الجزري" عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله  : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه .

وحكيم بن سيف هذا شيخ من أهل الرقة وقد روى عنه أبو زرعة الرازي وغيره وأخذ عنه ابن وضاح وهو عندهم شيخ صدوق لا بأس به فإن كان حفظ فهما حديثان وإلا فالقول قول حبيب المعلم على ما ذكرنا

وقد روي في هذا الباب أيضا "حديث بهذا المعنى عن عطاء عن ابن عمر مسندا وهو عندهم" حديث آخر لا شك فيه لأنه روي عن ابن عمر من وجوه حدثنا عبدالرحمن ابن يحيى حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا محمد بن محمد ابن بدر الباهلي حدثنا محمد بن إسماعيل بن علية حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال أخبرنا عبد الملك عن عطاء عن ابن عمر عن النبي قال : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فهو أفضل" .

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ وابن أبي دليم قالا حدثنا محمد بن وضاح حدثنا يوسف ابن عدي "عن عبيد الله بن عمرو" عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عمر قال قال رسول الله  : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه أفضل" .

وحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبدالله بن محمد "ابن علي" قال حدثنا أحمد بن خالد حدثنا علي بن عبد العزيز وأجازه لنا أيضا أبو محمد "عبدالله" بن عبد المومن عن ابن جامع عن علي بن عبد العزيز حدثنا محمد بن عمار حدثنا أبو معاوية عن موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله  : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام فإنه أفضل منه بمائة صلاة .

قال علي بن عبد العزيز وحدثنا عازم قال حدثنا حماد ابن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن عبدالله بن الزبير عن النبي مثله.

قال أبو عمر : موسى الجهني كوفي "ثقة" أثنى عليه القطان وأحمد ويحيى وجماعتهم "وروى عنه شعبة والثوري ويحيى بن سعيد" وقد روى عن أبي الدرداء وجابر بمثل هذا المعنى سواء.

حدثنا إبراهيم بن شاكر حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب الرسي قال حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال حدثنا إبراهيم بن حميد بن يزيد بن شداد قال حدثنا سعيد بن سالم القداح قال حدثنا سعيد بن بشر" عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال قال رسول الله  : " فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة وفي مسجدي ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة .

قال البزار هذا إسناد حسن وقد روي" من حديث عثمان بن الأسود عن مجاهد عن جابر مثله سواء

وروى الحميدي عن ابن عيينة قال حدثني عمر بن سعيد عن أبيه عن أبي عمرو الشيباني قال قال عبدالله بن مسعود ما لامرأة أفضل من صلاتها في بيتها إلا المسجد الحرام وهذا تفضيل منه للصلاة فيه على الصلاة في مسجد النبي عليه السلام لأن النبي قال لأصحابه : " صلاة أحدكم في بيته أفضل من صلاته في مسجدي إلا المكتوبة .

وقد اتفق مالك وسائر العلماء على أن صلاة العيدين يبرز لها في كل بلد إلا بمكة فإنها تصلى في المسجد الحرام وذكر ابن وهب في جامعه عن مالك أن آدم لما اهبط إلى الأرض قال يا رب هذه أحب الأرض إليك أن تعبد فيها قال بل مكة وقد ذكرنا هذا الخبر بتمامه في باب حبيب بن عبدالرحمن من هذا الكتاب.

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى وأحمد بن سلمة بن الضحاك قالا حدثنا سفيان قال حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله  : " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام" قال سفيان فيرون أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد.

حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثنا ابن أبي دليم قال "حدثنا" ابن وضاح قال حدثنا أحمد بن عمرو ابن السرح قال سمعت ابن وهب يقول ما رأيت أعلم بالتفسير للحديث من ابن عيينة "وحسبك في هذا بقوله بمكة : " والله إني لأعلم أنك خير أرض الله وأحبها إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت" .

وهذا من أصح الآثار عن النبي عليه السلام حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن أبي سلمة عن عبدالله بن عدي ابن الحمراء قال رأيت رسول الله وهو واقف على راحلته بالحزورة يقول : " والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا إني أخرجت منك ما خرجت" .

وهذا قاطع في موضع الخلاف والله المستعان ورواه ابن وهب عن يونس بن زيد عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عبدالله بن عدي بن الحمراء عن النبي مثله سواء.

وأخبرنا قاسم بن محمد حدثنا خالد بن سعد حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور حدثنا ابن سنجر حدثنا محمد ابن عبيد قال حدثنا طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس قال لما خرج رسول الله من مكة قال "أما والله إني لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله وأكرمه على الله ولولا أهلك أخرجوني منك ما خرجت"

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف ابن مهران عن ابن عباس قال قال علي بن أبي طالب إني لأعلم أحب بقعة إلى الله في الأرض وأفضل بئر في الأرض وأطيب أرض في الأرض ريحا فأما أحب بقعة إلى الله في الأرض فالبيت الحرام "وما حوله" وأفضل بئر في الأرض زمزم وأطيب أرض في الأرض ريحا الهند هبط بها آدم عليه السلام من الجنة فعلق شجرها من ريح الجنة.

فهذا عمر وعلي وابن مسعود وأبو الدرداء "وابن عمر وجابر" يفضلون مكة ومسجدها وهم أولى بالتقليد ممن بعدهم.

"وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة في مسجد المدينة قال معمر وسمعت أيوب يحدث عن أبي العالية عن عبدالله بن الزبير مثل قول قتادة" وذكر عبد الملك بن حبيب عن مطرف وعن أصبغ عن ابن وهب أنهما كانا يذهبان إلى تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد النبي على ما في أحاديث هذا الباب والله الموفق للصواب

قال أبو عمر : أصحابنا يقولون أن قول ابن عيينة حجة حين حدث بحديث أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله قال : " يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة" قال ابن عيينة كانوا يرونه مالك بن أنس قالوا قول ابن عيينة حجة لأنه إذا قال كانوا يرون إنما حكى عن التابعين فيلزمهم مثل ذلك في قول ابن عيينة في تفسير حديث هذا الباب لأنه قال إنه حدث به فكانوا يرون أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل بمائة ألف فيما سواه ولا يشك عالم منصف في أن ابن عيينة فوق ابن نافع في الفهم والفضل والعلم وأنه إذا لم يكن بد من التقليد فتقليده أولى من تقليد ابن نافع وفيما ذكرنا في هذا الباب عن النبي عليه السلام وأصحابه رضي الله عنهم غنى عما سواهم والحمد لله

قال أبو عمر : طعن قوم في حديث عطاء في هذا الباب للإختلاف عليه فيه لأن قوما يروونه عنه عن ابن الزبير وآخرون يروونه عنه عن ابن عمر وآخرون يروونه عنه عن جابر.

ومن العلماء من لم يجعل مثل هذا علة في هذا الحديث لأنه يمكن أن يكون عند عطاء عنهم كلهم والواجب أن لا يدفع خبر نقله العدول إلا بحجة لا تحتمل التأويل ولا المخرج ولا يجد منكرها لها مدفعا وهو مشتهر بصحة حديث عطاء وبالله التوفيق.

وفي هذا الباب حديث موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر عن النبي لم يختلف عليه فيه وهو يشهد لصحة حديث عطاء وبالله توفيقنا"

زياد بن أبي زياد[عدل]

هو زياد بن أبي زياد مولى عبدالله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي يكنى أبا جعفر واسم أبي زياد ميسرة فيما ذكر البخاري وكان زياد هذا أحد الفضلاء العباد الثقات من أهل لمدينة يقال أنه لم يكن في عصره بالمدينة مولى أفضل منه ومن أبي جعفر القاري وولاؤهما جميعا واحد قال ابن وهب سمعت مالكا يقول كان زياد بن أبي زياد عابدا وكان يلبس الصوف وكان يكون وحده ولا يجالس أحدا وكانت فيه لكنة وذكر العقيلي في تاريخه الكبير قال أخبرنا يحيى بن عثمان حدثنا حامد بن يحيى حدثنا بكر ابن صدقة قال وزياد بن أبي زياد هو الذي يقول فيه جرير ابن الخطفي إذ اجتمعوا عند باب عمر بن عبد العزيز فخرج الرسول فقال أين زياد بن أبي زياد فأذن له فقال جرير

يا أيها القارىء المرخي عمامته ... هذا زمانك إنى قد مضى زمني

أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... أنا لدى الباب محبوسون في قرن

قال أبو عمر : قد روى من وجوه أن هذا القول إنما قاله جرير لعون بن عبدالله بن عتبة والله أعلم. لمالك عن زياد بن أبي زياد هذا من مرفوعات الموطأ حديث واحد مرسل وآخر موقوف مسند مالك عن زياد بن أبي زياد عن طلحة بن عبيدالله بن كريز أن رسول الله قال " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له" ذكر مالك هذا الحديث في موضعين من موطئه أحدهما آخر كتاب الصلاة ذكره فيه كما ذكرناه هاهنا عنه وذكره في كتاب الحج فنسبه قال مالك عن زياد بن أبي زياد مولى عبدالله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي عن طلحة بن عبيدالله بن كريز الخزاعي وذكر الحديث.

وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل سألت أبي عن طلحة بن عبيدالله بن كريز فقال ثقة.

قال أبو عمر : لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث كما رأيت ولا أحفظه بهذا الإسناد مسندا من وجه يحتج بمثله وقد جاء مسندا من حديث علي بن أبي طالب وعبدالله بن عمرو بن العاص.

فأما حديث علي فإنه يدور على دينار أبي عمرو عن ابن الحنفية وليس دينار ممن يحتج بت.

وحديث عبدالله بن عمرو من حديث عمرو بن شعيب وليس دون عمور من يحتج به فيه "وأحاديث الفضائل لا يحتاج فيها إلى من يحتج به"

حدثنا أحمد بن عبدالله بن محمد بن علي قال حدثنا أبي قال حدثنا عبدالله بن يونس قال حدثنا بقي بن مخلد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن نضر بن عربي عن ابن أبي حسين قال قال رسول الله  : " أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير" .

قال أبو بكر وحدثنا وكيع عن موسى بن عبيدة عن أخيه عن علي قال قال رسول الله  : " أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري أعوذ بك من وسواس الصدر وفتنة القبر وشتات الأمر وأعوذ بك من شر ما يأتي في الليل والنهار

وقد اختلف العلماء في أفضل الذكر فقال منهم قوم أفضل الكلام لا إله إلا الله واحتجوا بهذا الحديث وإنها كلمة الإسلام وكلمة التقوى.

وقال آخرون أفضل الذكر الحمد لله رب العالمين ففيه معنى الشكر والثناء وفيه من الإخلاص ما في لا إله إلا الله وإنه افتتح الله به كلامه وختم به وهو آخر دعوى أهل الجنة.

ولكل واحد من القولين وجه وآثار تدل على ما ذهب إليه من قال به نذكر منها ما حضرنا حفظه مما فيه كفاية إن شاء الله.

حدثنا محمد بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن معاوية قال أخبرنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي قال حدثنا موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري المدني قال سمعت طلحة بن خراش يقول سمعت جابر بن عبدالله يقول سمعت رسول الله يقول : " أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله" .

قال أبو عمر : ربما وقفه على جابر وقد روى من غير هذا الوجه عن جابر مرفوعا أيضا أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الشكر الحمد لله.

وفي حديث جابر هذا مع حديث مالك حجة لمن ذهب إلى أن أفضل الذكر لا إله إلا الله.

وأما قوله في حديث جابر أفضل الدعاء الحمد لله فإن الذكر كله دعاء عند العلماء ومما يبين ذلك ما حدثنا به عبدالله بن محمد بن يوسف وأحمد بن عمر بن عبدالله قالا حدثنا عبدالله بن محمد بن علي حدثنا محمد بن فطيس حدثنا علي بن إسماعيل بن زريق أبو زيد الموصلي قال حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال سألت ابن عيينة يوما ما كان أكثر قول رسول الله بعرفة؟ قال لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ولله الحمد.

ثم قال سفيان إنما هو ذكر وليس فيه دعاء ثم قال أما علمت قول الله عز وجل حيث يقول "إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" قال قلت نعم حدثتني أنت يا أبا محمد عن منصور عن مالك بن الحارث.

"وحدثني عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور عن مالك بن الحارث" قال هذا تفسيره ثم قال أما علمت قول أمية بن أبي الصلت حين أتى ابن جدعان يطلب نائله وفضله قلت لا قال قال أمية حين أتى ابن جدعان :

أأطلب حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء

كفاه من تعرضك الثناء ... إذا أثنى عليك المرء يوما

قال سفيان رحمه الله هذا مخلوق حين ينسب إلى أن يكتفي بالثناء عليه دون مسئلته فكيف بالخالق تبارك وتعالى؟

قال الحسين لما سألت سفيان رحمه الله عن هذا فكأني إنما سألته عن آية من كتاب الله وذلك أنني لم أدع كبير أحد بالعراق إلا وقد سألته عنه فما فسره لي كما فسره ابن عيينة رحمه الله

قال أبو عمر : هي أبيات كثيرة قد أنشدها المبرد وحبيب فذكر بعد البيتين اللذين في الخبر المذكور

وعلمك بالحقوق وأنت فرع ... لك الحسب المهذب والسناء

كريم ما يغيره صباح ... عن الخلق الجميل ولا ماء

يباري الريح مكرمة وجودا ... إذا ما الكلب أجحره الشاء

وأرضك كل مكرمة بناها ... بنو تيم وأنت لها ساء

وحديث مالك بن الحرث قوله هذا قد روى مرفوعا إلى النبي رواه صفوان بن أبي الصهباء عن بكير بن عتيق عن سالم بن عبدالله بن عمر عن أبي عن عمر بن الخطاب عن رسول الله قال يقول الله عز وجل من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ليس يجيء هذا الحديث فيما علمت مرفوعا إلا بهذا الإسناد وصفوان بن أبي الصهباء وبكير بن عتيق رجلان صالحان.

وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا ابن أبي عمر العدني حدثنا سفيان بن عيينة قال قال لي عبدالعزيز بن عمر كنت أتمنى أن ألقى الزهري فرأيته في النوم بعد موته عند الحدادين فقلت يا أبا بكر هل من دعوة قال نعم لا إله إلا الله وحده لا شريك له توكلت على الحي الذي لا يموت اللهم إني أسألك أن تعيذني وذريتي من الشيطان الرجيم.

قال أبو عمر : فهذا كله يدل على أن الثناء دعاء ويفسر معنى حديث هذا الباب والله الموفق للصواب

قال أبو عمر : من فضل الحمد لله فحجته عبدالله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن ضرار بن مرة عن أبي صالح الحنفي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري عن النبي قال : إن الله اصطفى من الكلام أربعا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فمن قال سبحان الله كتبت له عشرون حسنة وحطت عنه عشرون سيئة ومن قال الحمد لله فذلك ثناء الله وثناؤه لا إله إلا الله فمثل ذلك ومن قال الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه كتبت له ثلاثون حسنة وحطت عنه ثلاثون سيئة

وحدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا جرير عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن السلولي عن كعب قال اختار الله عز وجل الكلام فأحب الكلام إلى الله عز وجل لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله فمن قال لا إله إلا الله فهي كلمة الإخلاص كتب الله له بها عشرين حسنة وكفر عنه عشرين سيئة ومن قال الله أكبر فذلك جلال الله كتب الله له بها عشرين حسنة وكفر عنه عشرين سيئة ومن قال سبحان الله كتب له بها عشرون حسنة وكفر عنه عشرون سيئة ومن قال الحمد لله فذلك ثناء الله وثناؤه الحمد لله كتب له بها ثلاثين حسنة وكفر عنه ثلاثين سيئة قال حمزة يشبه أن يكون السلولي عبدالله بن ضمرة.

قال أبو عمر : من قال إن هذه الأربع سواء احتج بما رواه حمزة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله خير الكلام أربع لا تبالي بأيهن بدأت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

وخالفه ابن فضيل فرواه عن الأعمش عن أبي صالح عن بعض أصحاب النبي وليس فيه حجة واضحة وما تقدم في الحمد لله واضح وقد جاء عن ابن عباس تفضيل سبحان الله على الحمد لله وتقديم لا إله إلا الله على الذكر كله.

وذكر أبو العباس محمد بن إسحاق السراج في تاريخ قال حدثنا عبدالله بن مطيع قال حدثنا هشيم عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال كتب صاحب الروم إلى معاوية يسأله عن أفضل الكلام ما هو؟ والثاني والثالث والرابع؟ وكتب إليه يسأله عن أكرم الخلق على الله وأكرم الإماء على الله وعن أربعة من الخلق لم يركضوا في رحم؟ ويسأله عن قبر سار بصاحبه وعن المجرة وعن القوس وعن مكان طلعت فيه الشمس لم تطلع قبل ذلك ولا بعده فلما قرأ معاوية الكتاب قال أخزاه الله وما علمي بما هاهنا فقيل له أكتب إلى ابن عباس فسله فكتب إليه يسأله فكتب إليه ابن عباس "ان" أفضل الكلام لا إله إلا الله كلمة الإخلاص لا يقبل عمل إلا بها والتي تليها سبحان الله وبحمده أحب الكلام إلى الله والتي تليها الحمد لله كلمة الشكر والتي تليها الله أكبر فاتحة الصلوات والركوع والسجود وأكرم الخلق على الله آدم عليه السلام وأكرم الاماء على الله مريم وأما الأربعة التي لم يركضوا في رحم فآدم وحواء والكبش الذي فدي به إسماعيل وعصا موسى حيث ألقاها فصارت ثعبانا مبينا وأما القبر الذي سار بصاحبه فالحوت حين التقم يونس وأما المجرة فباب السماء وأما القوس فإنها أمان لأهل الأرض من الغرق بعد قوم نوح وأما المكان الذي طلعت فيه الشمس ولم تطلع قبله ولا بعده فالمكان الذي انفرج من البحر لبني إسرائيل.

فلما قدم عليه الكتاب أرسل به إلى صاحب الروم فقال لقد علمت أن معاوية لم يكن له بهذا علم وما أصاب هذا إلا رجل من أهل بيت النبوة.

ومن الحجة لقول ابن عباس في تفضيل سبحان الله ما حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن أبي بكير عن شعبة عن الجريري عن أبي عبدالله الحميدي عن عبدالله بن الصامت عن أبي ذر قال قال "لي" رسول الله ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله قلت بلى يا رسول الله قال أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده .

ومن قال لا إله إلا الله أفضل الكلام فمن حجته حديث جابر الذي قدمنا ذكره وحديث مالك المذكور في هذا الباب وما حدثنا أحمد بن فتح وعبدالرحمن بن يحيى قالا أخبرنا حمزة بن محمد بن علي الحافظ قال أخبرنا عمران بن موسى بن حميد الطبيب قال حدثنا عمرو بن خالد قال حدثنا عيسى بن يونس عن سفيان الثوري عن منصور عن هلال بن يساف عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله من قال لا إله إلا الله أنجته يوما من الدهر أصاب قبلها ما أصابه"

وحدثني خلف بن القاسم الحافظ قال حدثنا أحمد بن أسامة قال حدثنا أحمد بن محمد بن رشدين قال حدثنا عمرو بن خالد إملاء قال حدثنا عيسى بن يونس عن سفيان الثوري فذكر بإسناده مثله.

وذكر أبو الحسن علي بن محمد الأزرق في كتابه في الصحابة قال حدثنا محمد بن الحسن الكوفي قال حدثنا عباد بن أحمد العزرمي قال حدثني عمي عن أبيه عن أبي المجالد عن زيد بن وهب عن أبي المنذر الجهني قال قلت يا رسول الله ما أفضل الكلام؟ قال يا أبا المنذر قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير مائة مرة في يوم فإنك إذا قلت ذلك في يوم فأنت أفضل الناس عملا إلا من قال مثل مقالتك وأكثر من سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا تنس الاستغفار في صلاتك فإنها ممحاة للخطايا رحمة من الله .

وحدثني عبدالرحمن بن يحيى وأحمد بن فتح قالا حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أبو عبدالله محمد بن داود بن عثمان بن سعيد بن سالم الصدفي قال حدثنا يحيى بن يزيد أبو شريك قال حدثنا ضمضام بن إسماعيل عن موسى بن وردان عن أبي هريرة عن رسول الله قال أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله قبل أن يحال بينكم وبينها ولقنوها موتاكم .

حدثني قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا عبدالله بن نعمة البصري قال كتب إلى أحمد بن محمد بن مالك بن أنس يذكر حدثني إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله من قال لا إله إلا الله أبدا غفر له أبدا .

وروى ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال قال موسى يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به قال يا موسى قل لا إله إلا الله قال موسى يا رب كل عبادك يقول هذا قال قل لا إله إلا الله قال لا إله إلا أنت إنما أريد شيئا تخصني به قال يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله .

وروى يزيد بن بشير عن سليمان بن المغيرة عن مالك بن أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن رسول الله قال من قال كل يوم مائة مرة لا إله إلا الله الحق المبين كان له أمانا من الفقر وأنسا من وحشة القبر واستجلب به الغنى واستقرع به باب الجنة .

وهذا حديث غريب من حديث مالك لا يصح عنه والله أعلم وقد حدثناه خلف بن قاسم حدثنا يوسف بن القاسم بن يوسف بن فارس وأبو الطيب محمد بن جعفر غندر قالا حدثنا إبراهيم بن عبدالله بن أيوب المخزومي قال حدثنا الفضل بن غانم عن مالك بن أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله من قال في يوم مائة مرة لا إله إلا الله الحق المبين فذكره سواء

ورواه محمد بن عثمان النشيطي قال أخبرنا أبو الحجاج النضر بن محمد "بصري" ثقة من ولد زائدة بن قدامة عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله من قال في يوم مائة مرة لا إله إلا الله الحق المبين استقرع أبواب الجنة وأمن من وحشة القبر واستجلب بها الرزق وأمن من الفقر .

وهذا لا يرويه عن مالك من يوثق به ولا هو معروف من حديثه وهو حديث حسن ترجى بركته إن شاء الله تعالى.

حدثنا علي بن إبراهيم بن أحمد بن حموية قراءة عليه قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا أبو عبدالله محمد بن حفص بن عمر البصري قال حدثنا عبيدالله بن محمد بن عائشة قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك قال بعث رسول الله معاذ بن جبل إلى اليمن فقال يا معاذ اتق الله وخالق الناس بخلق حسن وإذا عملت سيئة فأتبعها حسنة قال قلت يا رسول الله لا إله إلا الله من الحسنات قال هي أكبر الحسنات حدثني خلف بن القاسم قال حدثنا عبدالله بن جعفر بن الورد قال حدثنا ابن رشدين قال

قال حدثني محمد بن يحيى بن إسماعيل الصدفي قال حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال قال رجل للأوزاعي يا أبا عمرو أيهما أحب إليك لا إله إلا الله مائة مرة أو سبحان الله مائتي مرة قال لا إله إلا الله.

وأخبرني أحمد بن عبدالله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا أسلم بن عبدالعزيز قال حدثني المزني عن الشافعي قال أفضل الدعاء يوم عرفة.

حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد بن الفضل بن العباس قال حدثنا محمد بن جرير بن يزيد قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبدالرحمن بن مهدي قال حدثنا سفيان عن داود بن أبي هند عن محمد بن سيرين قال كانوا يرجون في ذلك الموطن يعني بعرفة حتى للجنين في بطن أمه.

قال أبو عمر : لمالك عن زياد بن أبي زياد هذا مما يدخل في حكم هذا الباب لأنه توقيف في الأغلب مالك عن زياد بن أبي زياد قال قال أبو الدرداء ألا أخبركم بخير أعمالكم وأرفعها في درجاتكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله قال زياد بن أبي زياد وقال أبو عبدالرحمن معاذ بن جبل ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله وهذا يروى مسندا من طرق جيدة عن أبي الدرداء عن النبي . حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر قال حدثنا يحيى بن سعيد عن أبي الزبير عن طاوس عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن تضرب بسيفك حتى ينقطع ثم تضرب بسيفك حتى ينقطع ثم تضرب بسيفك حتى ينقطع

حدثنا يحيى بن يوسف حدثنا يوسف بن أحمد حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا أبو عيسى الترمذي حدثنا الحسن بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن عبدالله بن سعيد بن أبي هند عن زياد مولى ابن عياش عن أبي بحرية عن أبي الدرداء قال رسول الله ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم فذكر الحديث في الموطأ سواء قال وقال معاذ بن جبل ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب النار من ذكر الله.

وذكر ابن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن واضح عن موسى بن عبيدة عن أبي عبدالله القراظ عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر من ذكر الله قال وحدثنا وكيع عن مسعر عن علقمة بن مرثد عن ابن سابط عن معاذ بن جبل قال لأن أذكر الله من غدوة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أحمل على الجهاد في سبيل الله من غدوة إلى أن تطلع الشمس قال وحدثنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن بشر بن عاصم عن عبدالله بن عمر قال ذكر الله بالغداة والعشي أعظم من حطم السيوف في سبيل الله وإعطاء المال سحا.

زياد بن سعد بن عبدالرحمن الخرساني أبو عبدالرحمن[عدل]

أصله من خراسان ونشأته بها ثم سكن مكة زمانا ثم تحول منها إلى اليمن فسكن عك قال ابن عيينة هو من العرب وصحب الزهري إلى أرضه حين كتب عنه قال ابن عيينة وكان زياد بن سعد ثقة قال وكان لا يكتب إلا شيئا يحفظه إذا كان قصيرا وإن كان طويلا لم يرض إلا الإملاء قال وقال لي زياد بن سعد أنا لا أحفظ حفظك أنت أحفظ مني أنا بطيء الحفظ فإذا حفظت شيئا كنت أحفظ منك قال ابن عيينة وقال أيوب لزياد بن سعد متى سمعت من هلال بن أبي ميمونة ويحيى بن أبي كثير فقال سمعت منهما بالمدينة قال وكان زياد بن سعد خراسانيا

وذكر ابن أبي حازم عن مالك قال حدثني زياد بن سعد وكان ثقة من أهل خراسان سكن مكة وقدم علينا المدينة وله هيبة وصلاح وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل سألت أبي عن زياد بن سعد فقال ثقة وكذلك قال يحيى ابن معين زياد بن سعد خراساني ثقة.

قال أبو عمر : أروى الناس عنه ابن جريج وكان شريكه ويقال ان زياد بن سعد كان أميا لا يكتب وفي خبر ابن عيينة ما يدل على أنه كان يكتب إلا إن أراد أنه كان يكتب له فالله أعلم.

ولمالك عنه في الموطأ من حديث النبي ثلاثة أحاديث أحدها متصل مسند والثاني مرسل عند أكثر الرواة والثالث موقوف.

حديث أول لزياد بن سعد[عدل]

مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاوس اليماني أنه قال أدركت ناسا من أصحاب رسول الله يقولون كل شيء بقدر قال طاوس وسمعت عبدالله بن عمر يقول قال رسول الله  : " كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز" .

هكذا رواه يحيى على الشك في تقديم إحدى اللفظتين وتابعه ابن بكير وأبو المصعب؛ ورواه القعنبي وابن وهب موقوفا لم يزيدوا على قوله عن طاوس أدركت ناسا من أصحاب رسول الله يقولون كل شيء بقدر وأكثر الرواة ذكروا الزيادة عن ابن عمر عن النبي كما روى يحيى إلا أن منهم من لم يشك ورواه على القطع وهو حديث ثابت لا يجىء إلا من هذا الوجه فإن صح أن الشك من ابن عمر أو ممن هو دونه

ففيه دليل على مراعاة الإتيان بألفاظ النبي على رتبتها وأظن هذا من ورع ابن عمر رحمه الله.

والذي عليه العلماء استجازة الإتيان بالمعاني دون الألفاظ لمن يعرف المعنى روى ذلك عن جماعة "منهم" منصوصا ومن تأمل حديث ابن شهاب ومثله واختلاف أصحابهم عليهم في متون الأحاديث بأن له ما قلنا وبالله توفيقنا.

وفي هذا الحديث أدل الدلائل وأوضحها على أن الشر والخير كل من عند الله وهو خالفهما لا شريك له ولا إله غيره لأن العجز شر ولو كان خيرا ما استعاذ منه رسول الله ألا ترى أن رسول الله قد استعاذ من الكسل والعجز ومحال أن يستعيذ من الخير وفي قول الله عز وجل {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِمِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} كفاية لمن وفق وقال عز وجل {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}

وروى مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن دينار أنه قال سمعت عبدالله بن الزبير يقول في خطبته إن الله هو الهادي والفاتن وفيما اجاز لنا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبدالرحمن بن وهب السقطي بالبصرة قال حدثنا أبو زيد خالد بن النصر قال حدثنا علي بن حرب أبو الحسن الموصلي قال حدثنا خالد بن يزيد العدوي قال حدثني عبدالعزيز بن أبي رواد قال سمعت عطاء بن أبي رباح يقول كنت عند ابن عباس فأتاه رجل فقال أرأيت من حرمني الهدى وأورثني الضلالة والردى أتراه أحسن إلي أو ظلمني فقال ابن عباس إن كان الهدى شيئا كان لك عنده فمنعكه فقد ظلمك وإن كان الهدى له يؤتيه من يشاء فما ظلمك شيئا ولا تجالسني بعده.

وقد روى أن غيلان القدري وقف بربيعة بن أبي عبدالرحمن فقال له يا أبا عثمان أرأيت الذي منعني الهدى ومنحني الردى أأحسن إلي أم أساء فقال ربيعة إن كان منعك شيئا هو لك فقد ظلمك وإن كان فضله يؤتيه من يشاء فما ظلمك شيئا.

وإنما أخذه ربيعة من قول ابن عباس هذا والله أعلم {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} .

ذكر عبدالرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه قال له رجل يا أبا العباس إن ناسا يقولون إن الشر ليس بقدر فقال بيننا وبين أهل القدر هذه الآية {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} الآية كلها حتى بلغ {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} وقال غيلان القدري لربيعة أنت الذي تزعم أن الله يحب أن يعصى قال وأنت تزعم أن الله يعصى قسرا.

أخبرنا عبدالله بن محمد حدثنا حمزة بن محمد حدثنا أحمد بن شعيب حدثنا عمرو بن علي حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أنس أن نبي الله قال : اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والبخل والجبن"والهرم" وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات .

قال وأخبرنا أحمد بن شعيب أخبرنا أحمد بن سليمان قال حدثنا محاضر قال حدثنا عاصم الأحول عن عبدالله بن الحارث عن زيد بن أرقم قال ألا أعلمكم ما كان رسول الله يعلمنا اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والبخل والجبن والهرم وعذاب القبر اللهم آت أنفسنا تقواها "وزكها" أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع وعلم لا ينفع ودعوة لا يستجاب لها

وذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا أبو بكر بن عياش قال حدثنا إدريس ابن وهب بن منبه عن أبيه قال نظرت في القدر فتحيرت ثم نظرت فيه فتحيرت ووجدت أعلم الناس بالقدر أكفهم عنه وأجهل الناس به أنطقهم فيه.

وروى إسماعيل القاضي قال حدثنا نصر بن علي قال حدثنا الأصمعي قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول أشهد أن الله يضل ويهدي فإن قيل لي فسر قلت أغن عني نفسك قال الحسن بن علي الحلواني أملى علي علي بن المديني قال سألت عبدالرحمن بن مهدي عن القدر فقال لي كل شيء بقدر والطاعة بقدر والمعصية بقدر.

قال وقد أعظم الفرية من قال أن المعاصي ليست بقدر قال وقال لي عبدالرحمن بن مهدي العلم والقدر والكتاب سواء ثم عرضت كلام عبدالرحمن هذا على يحيى بن سعيد فقال لم يبق بعد هذا قليل ولا كثير

قال أبو عمر : روى عن النبي من حديث ابن مسعود رواه أبو وائل وغيره عنه أنه قال إذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا

حديث ثان لزياد بن سعد مرسل[عدل]

مالك عن زياد بن سعد عن ابن شهاب أنه سمعه يقول سدل رسول الله ناصيته ما شاء الله ثم فرق بعد .

هكذا رواه الرواة كلهم عن مالك مرسلا إلا حماد بن خالد الخياط فإنه وصله وأسنده وجعله عن مالك عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس فأخطأ فيه والصواب فيه من رواية مالك الإرسال كما في الموطأ لا من حديث أنس وهو الذي يصححه أهل الحديث.

فأما رواية حماد بن خالد عن مالك فحدثني خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن مهران السراج حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبي حدثنا حماد بن خالد الخياط حدثنا مالك عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس قال سدل رسول الله ناصيته ما شاء الله أن يسدل ثم فرق بعد .

وهكذا رواه صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه كما رواه يتحقق عبدالله عن أبيه عن حماد بن خالد عن مالك عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس.

ورواه إسحاق بن داود عن أحمد بن حنبل عن حماد بن خالد عن مالك عن الزهري عن أنس لم يذكر زياد بن سعد فأخطأ فيه أيضا.

حدثني أحمد بن عبدالله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا عبدالله بن علي بن الجارود قال حدثني عبدالله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا حماد بن خالد قال حدثنا مالك بن أنس قال حدثنا زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أن النبي سدل ناصيته ما شاء الله أن يسدلها ثم فرق بعد قال أحمد بن حنبل وهذا خطأ وإنما هو عن ابن عباس.

قال أبو عمر : ما قاله أحمد فهو الصواب كذلك رواه يونس بن يزيد وإبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيدالله عن ابن عباس حدثنا أحمد بن فتح بن عبدالله قال حدثنا محمد بن عبدالله بن زكرياء النيسابوري قال حدثنا أبو عبدالله الحسين بن محمد الضحاك قال حدثنا أبو مروان العثماني قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس قال سدل رسول الله ناصيته ثم فرق بعد.

وحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبدالعزيز قال حدثنا أحمد بن عبدالله بن يونس قال حدثنا إبراهيم بن سعد قال أخبرنا ابن شهاب عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس قال كان رسول الله يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه وإن أهل الكتاب يسدلون شعورهم وكان المشركون يفرقون شعورهم فسدل رسول الله ناصيته ثم فرق بعد.

وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبدالرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا محمد بن جعفر الوركاني قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبدالله عن ابن عباس قال كان أهل الكتاب يسدلون شعورهم وكان المشركون يفرقون رؤوسهم وكان رسول الله يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به فسدل رسول الله ناصيته ثم فرق بعد.

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا المطلب بن شعيب قال حدثنا عبدالله ابن صالح قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبدالله عن ابن عباس فذكره.

وكذلك رواه ابن وهب عن يونس عن الزهري عن عبيد الله بن عبدالله عن ابن عباس مثله مرفوعا.

حدثناه عبدالرحمن بن يحيى قال حدثنا علي بن محمد ابن مسرور قال حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا سحنون ابن سعيد قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس أن رسول الله كان يسدل شعره وكان المشركون يفرقون رؤوسهم وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم وكان رسول الله يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ثم فرق رسول الله رأسه.

ورواه معمر وابن عيينة عن الزهري عن عبيدالله مرسلا لم يذكرا ابن عباس قال محمد بن يحيى النيسابوري والصحيح المحفوظ ما رواه يونس وإبراهيم بن سعد قال وما أظن ابن عيينة سمعه من الزهري.

قال أبو عمر : في هذا الحديث من الفقه ترك حلق شعر الرأس وحبس الجمم.

وفيه دليل على أن حبس الجمة أفضل من الحلق لأن ما صنعه رسول الله في خاصته أفضل مما أقر الناس عليه ولم ينههم عنه لأنه في كل أحواله في خاصة نفسه على أفضل الأمور وأكملها وأرفعها .

وفيه أيضا من الفقه أن الفرق في الشعر سنة وأنه أولى من السدل لأنه آخر ما كان عليه رسول الله وهذا الفرق لا يكون إلا مع كثرة الشعر وطوله.

والناصية شعر مقدم الرأس كله وسدله تركه منسدلا سائلا على هيئته والتفريق أن يقسم شعر ناصيته يمينا وشمالا فتظهر جبهته وجبينه من الجانبين والفرق سنة مسنونة

وقد قيل أنها من ملة إبراهيم وسنته ذكر الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قول الله عز وجل {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} قال الكلمات عشر خصال خمس منها في الرأس وخمس في الجسد فأما التي في الرأس ففرق الشعر وقص الشارب والسواك والمضمضة والإستنشاق وأما التي في البدن فالختان وحلق العانة والإستنجاء ونتف الإبط وتقليم الأظافر.

وقوله {فَأَتَمَّهُنَّ} أي عمل بهن.

قال أبو عمر : يؤكد هذا قول الله عز وجل {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} الآية وقوله تبارك وتعالى {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}

حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو منصور محمد بن سعد الماوردي قال حدثنا محمد بن جعفر بن سلام ويحيى بن محمد بن صاعد قالا حدثنا الجراح بن مخلد قال حدثنا قريش بن إسماعيل بن زكرياء الكوفي قال حدثنا الحارث بن عمران عن محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله اختضبوا وفرقوا وخالفوا اليهود. وهذا إسناد حسن ثقات كلهم.

وأخبرنا أحمد بن عبدالله بن محمد حدثنا أبي حدثنا محمد بن فطيس حدثنا يحيى بن إبراهيم حدثنا عيسى ابن دينار عن ابن القاسم عن مالك قال رأيت عامر بن عبدالله بن الزبير وربيعة بن أبي عبدالرحمن وهشام بن عروة يفرقون شعورهم وكانت لهم شعور وكانت لهشام جمة إلى كتفيه.

حدثنا عبدالرحمن حدثنا علي حدثنا أحمد حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد الليثي أن عمر بن عبد العزيز كان إذا انصرف من الجمعة أقام على باب المسجد حرسا يجزون كل شين الهيئة في شعره لم يفرقه.

أخبرنا عبدالله بن محمد بن عبد المومن قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر يعني الأثرم قال سألت أبا عبدالله يعني أحمد بن حنبل عن صفة شعر النبي فقال جاء في الحديث أنه كان إلى شحمة أذنيه وفي بعض الحديث إلى منكبيه وفي بعض الحديث أنه فرق قال وإنما يكون الفرق إذا كان له شعر قال وأحصيت عن ثلاثة عشر من أصحاب رسول الله أنهم كان لهم شعر فذكر منهم أبا عبيدة ابن الجراح وعمار بن ياسر والحسن والحسين وعن ابن مسعود أن شعره كان يبلغ ترقوته وأنه كان إذا صلى جعله وراء أذنيه.

قال أبو عمر : فيما حكاه أحمد بن حنبل رحمه الله أنه أحصى من الصحابة ثلاثة عشر رجلا لهم شعر دليل على أن غيرهم وهم الأكثر لم يكن لهم شعر على تلك الهيئة والشعر الذي يشير إليه هي الجمة والوفرة وفي هذا دليل على إباحة الحلق وعلى حبس الشعر لأن الهيئتين جميعا قد أقر عليهما رسول الله أصحابه ولم ينه عن شيء منهما فصار كل ذلك مباحا بالسنة وبالله التوفيق.

وأما الحلق المعروف عندهم فبالجلمين لأن الحلق بالموسى لم يكن معروفا عندهم في غير الحج والله أعلم هذا قول طائفة من أصحابنا.

وأما غيرهم فيقول أن الحلق بالموسى لما كان سنة ونسكا في موضع وجب أن يتبرك به ويستحب على كل حال ولا يقضى بوجوبه سنة ولا نسكا إلا في ذلك الموضع ولا وجه لكراهية من كرهه ولا حجة معه من كتاب ولا سنة ولا إجماع وإنما هو رأي واستحسان جائز خلافه إلى مثله.

ذكر الحلواني قال حدثنا عمرو بن عون قال حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أنه كان يستحب أن يوفر شعر رأسه إذا أراد الحج قال وحدثنا عمرو بن عون عن هشيم عن يونس عن الحسن أنه كان لايرى بأسا أن يأخذ شعره عند الإحرام وذكر موسى بن هارون الحمال قال حدثني أبي قال حدثنا يحيى بن محمد البخاري قال أخبرنا عبدالرحمن بن زيد أنه رأى أباه وأبا حازم وصفوان بن سليم وابن عجلان إذا دخل الصيف حلقوا رؤوسهم قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم وكان أبي إذا تخلف عن الحج حلق يوم الأضحى.

قال أبو عمر : قد كان مالك رحمه الله يكره حلق القفا وما أدري إن كان كرهه مع حلق الرأس أو مفردا وهذا ليس من شرائع الأحكام ولا من الحلال والحرام والقول في حلق الرأس يغني عن القول في حلق القفا والقول في ذلك واحد عند العلماء والله أعلم.

وقد يجوز أن تكون كراهية مالك لحلق القفا هو أن يرفع في حلقه حتى يحلق بعض مؤخر الرأس على ما تصنعه الروم وهذا تشبه لأنا قد روينا عن مالك أنه قال أول من حلق قفاه عندنا دراقس النصراني.

قال أبو عمر : قد حلق الناس رؤوسهم وتقصصوا وعرفوا كيف ذلك قرنا بعد قرن من غير نكير والحمد لله.

قال أبو عمر : صار أهل عصرنا لا يحبس الشعر منهم إلا الجند عندنا لهم الجمم والوفرات وأضرب عنها أهل الصلاح والستر والعلم حتى صار ذلك علامة من علاماتهم وصارت الجمم اليوم عندنا تكاد تكون علامة السفهاء وقد روي عن النبي أنه قال من تشبه بقوم فهو منهم أو حشر معهم فقيل من تشبه بهم في أفعالهم وقيل من تشبه بهم في هيئاتهم وحسبك بهذا فهو مجمل في الإقتداء بهدى من الصالحين على أي حال كانوا والشعر والحلق لا يغنيان يوم القيامة شيئا وإنما المجازاة على النيات والأعمال فرب محلوق خير من ذي شعر ورب ذي شعر رجلا صالحا وقد كان التختم في اليمين مباحا حسنا لأنه قد تختم به جماعة من السلف في اليمين كما تختم منهم جماعة في الشمال وقد روي عن النبي الوجهان جميعا. فلما غلبت الروافض على التختم في اليمين ولم يخلطوا به غيره كرهه العلماء منابذة لهم وكراهية للتشبه بهم لا أنه حرام ولا أنه مكروه وبالله التوفيق.

حدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا أبو عاصم النبيل قال حدثنا ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة أن رجلا سأله كيف أصب على رأسي قال كان رسول الله يصب على رأسه ثلاث حثيات قال إن شعري كثير قال كان شعر رسول الله أكثر من شعرك وأطيب.

وحدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا عبد الحميد ابن أحمد قال حدثنا الخضر قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو جعفر النفيلي قال حدثنا عبدالرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان شعر رسول الله فوق الوفرة دون الجمة وقال أبو بكر الأثرم حدثنا عفان قال حدثنا همام قال حدثنا قتادة عن أنس قال كان شعر رسول الله يضرب منكبيه.

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عفان قال حدثنا شعبة قال أخبرنا أبو إسحاق قال سمعت البراء يقول كان رسول الله بعيد ما بين منكبيه يبلغ شعره شحمة أذنيه وروى حميد عن أنس مثل حديث البراء سواء.

حديث ثالث لزياد بن سعد[عدل]

مالك عن زياد بن سعد عن ابن شهاب أنه قال لا يؤخذ في صدقة النخل الجعرور ولا مصران الفارة ولا عذق ابن حبيق قال وهو يعد على صاحب المال ولا يؤخذ منه في الصدقة وهذا مروي عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن النبي هكذا يرويه سفيان بن حسين وسليمان بن كثير عن ابن شهاب.

أخبرنا عبدالله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال نهى رسول الله عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة قال الزهري لونين من تمر المدينة .

قال أبو داود أسنده أيضا سليمان بن كثير عن الزهري حدثنا أبو الوليد عنه.

حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا سليمان بن كثير قال حدثنا الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه أن رسول الله نهى عن لونين من التمر الجعرور ولون الحبيق قال ونزلت {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} .

قال الأصمعي الجعرور ضرب من الدقل يحمل شيئا صغارا لا خير فيه.

قال وعذق ابن حبيق ضرب من الدقل رديء والعذق النخلة بفتح العين والعذق بالكسر الكباسة كأن التمر سمي باسم النخلة إذ كان منها.

قال الأصمعي وعذق ابن حبيق أو لون الحبيق نحو ذلك لأن الدقل يقال له الألوان وأحدها لون والمعنى أن لا يؤخذ هذان الضربان من التمر في الصدقة لردائتهما وكان الناس يخرجون شرار ثمارهم في الصدقة فنهوا عن ذلك وأنزل الله عز وجل {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}

وأخبرنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا يونس بن عبد الأعلى والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن وهب قال حدثني عبد الجليل بن حميد اليحصبي أن ابن شهاب حدثه قال حدثنا أبو أمامة بن سهل بن حنيف في هذه الآية التي قال الله عز وجل {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} قال هو الجعرور ولون حبيق فنهى رسول الله أن يؤخذا في الصدقة.

وفي هذا الباب أيضا حديث عوف بن مالك حدثناه عبدالله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا نصر بن عاصم وحدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قالا حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الحميد بن حعفر قال حدثني صالح مولى ابن أبي عريب عن كثير بن مرة عن عوف بن مالك قال دخل علينا رسول الله المسجد وبيده عصا وقد علق رجل قنا حشفا فطعن بالعصا في ذلك التمر وقال لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها إن رب هذه الصدقة يأكل حشفا يوم القيامة.

وذكر وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن قال كان الرجل يتصدق برذالة ماله فنزلت هذه الآية {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}

قال وحدثنا عمران بن حدير عن الحسن في قوله {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيه}ِ قال لو وجدتموه يباع في السوق ما أخذتموه حتى يهضم لكم من الثمن

وذكر الفريابي عن قيس بن الربيع عن عطاء بن السائب عن عبدالله بن معقل قال نزلت في قوم أخرجوا في زكاة أموالهم الحشف والدرهم الرديء قال {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} قال ولو أن لك حقا على رجل لم تأخذ ذلك منه قال وحدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كانوا يتصدقون بالحشف فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتصدقوا بطيب قال وفي ذلك نزلت {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} "الآية"

قال أبو عمر : هذا باب مجتمع عليه لا اختلاف فيه أنه لا يؤخذ هذان اللونان من التمر في الصدقة إذا كان معهما غيرهما فإن لم يكن معهما غيرهما أخذ منهما وكذلك الرديء كله لا يؤخذ منه إذا كان معه غيره لأنه حينئذ تيمم للخبيث إذا أخرج عن غيره.

قال مالك لا يأخذ المصدق الجعرور ولا مصران الفارة ولا عذق ابن حبيق ولا يأخذ البردى والبردى من أجود التمر فأراد مالك أن لا يأخذ الرديء جدا ولا الجيد جدا ولكن يأخذ الوسط.

قال مالك ومثل ذلك السخال "من الغنم" تعد مع الغنم على صاحبها ولا تؤخذ.

باب الطاء طلحة بن عبد الملك الايلي[عدل]

طلحة بن عبد الملك الأيلي

روى عنه مالك حديثا واحدا مسندا صحيحا وليس عند يحيى عن مالك وقد رواه القعنبي وأبو المصعب وابن بكير والتنيسي وابن وهب وابن القاسم وجماعة الرواة للموطأ فكرهنا أن نخلي كتابنا من ذكره لأنه أصل من أصول الفقه وما أظنه سقط عن أحد من الرواة إلا عن يحيى ابن يحيى فإني رأيته لأكثرهم والله أعلم وقد رواه من غير رواة الموطأ قوم جلة عن مالك منهم يحيى بن سعيد القطان وأبو نعيم وعبدالله بن إدريس وغيرهم

وهو حديث يدور على طلحة بن عبد الملك الأيلي هذا وهو ثقة مرضي حجة فيما نقل روى عنه مالك وعبيد الله بن عمر "بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب" على أن عبيدالله بن عمر قد لقي القاسم بن محمد وروى عنه.

حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن أحمد بن المسور قال حدثنا مطلب بن شعيب حدثنا عبدالله بن صالح حدثنا الليث عن سعيد بن عبدالرحمن الجمحي عن مالك بن أنس عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .

حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن أحمد بن ابن أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب الرقي قال حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال حدثنا عمرو بن علي "وعمر بن علي" المقدمي قال حدثنا عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس عن طلحة بن عبد الملك عن قاسم عن عائشة أن رسول الله قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .

وحدثنا خلف بن القاسم الحافظ قال حدثنا الحسن ابن أبي هلال قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا عبدالله بن إدريس عن مالك قال حدثنا طلحة بن عبد الملك عن القاسم عن عائشة أن النبي قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .

وحدثنا خلف بن القاسم حدثنا عبدالله بن جعفر حدثنا يوسف بن يزيد حدثنا عبدالله بن عبد الحكم أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي أن رسول الله قال فذكره سواء.

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى ابن سعيد عن مالك عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم عن عائشة عن النبي قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .

وأخبرنا عبدالله بن محمد بن يوسف قال أخبرنا يوسف بن أحمد أبو يعقوب الصيدلاني بمكة قال حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثنا أبو نعيم قال أخبرنا مالك بن أنس عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم عن عائشة عن النبي قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .

قال العقيلي وحدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن فضيل قال حدثنا ابن نمير قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم عن عائشة عن النبي مثله.

وحدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن عبدالله قال حدثنا ابن منيع قال حدثنا خلف بن هشام البزار سنة ست وعشرين ومائتين قال قيل لمالك بن أنس وأنا أسمع حدثك طلحة بن عبد الملك عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ؟ فقال مالك نعم.

وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو الطاهر محمد بن أحمد بن عبدالله القاضي قال حدثنا محمد بن يحيى قال سمعت خلف بن هشام البزار يقول قيل لمالك ابن أنس وأنا أسمع حدثك طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم "بن محمد" عن عائشة عن النبي قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ؟ فقال مالك نعم.

وحدثني محمد بن قاسم بن عيسى المقريء قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة قال حدثنا عبدالله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا خلف بن هشام البزار قال قيل لمالك بن أنس وأنا أسمع حدثك طلحة ابن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ؟ قال مالك نعم.

حدثنا عبدالرحمن بن يحيى قال حدثنا الحسن بن الخضر الأسيوطي وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أحمد بن محمد بن عثمان بن أبي التمام وأحمد ابن محمد بن موسى بن عيسى الحضرمي قالوا حدثنا أحمد بن شعيب النسائي قال أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم عن عائشة أن رسول الله قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .

قال أبو عمر : زعم قوم أن هذا الحديث لم يروه عن القاسم بن محمد إلا طلحة بن عبد الملك هذا وقد وجدناه لمحمد بن أبان عن القاسم بن محمد مثله حدثني سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا أبان بن يزيد

قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن محمد بن أبان عن القاسم بن محمد عن عائشة أن النبي قال من نذر أن يعصي الله فلا يعصه .

وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن أحمد ابن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب بن حبيب قال حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال حدثنا هدبة ابن خالد قال حدثنا أبان بن يزيد قال حدثنا يحيى بن أبي كثير عن محمد بن أبان عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي مثله سواء ليس فيه ذكر الطاعة.

ومحمد بن أبان هذا هو محمد بن أبان المزني اليمامي ليس هو محمد بن أبان بن صالح الكوفي "ذاك ضعيف عندهم" وقيل أن محمد بن أبان هذا لم يرو عنه إلا يحيى بن أبي كثير وهو مجهول وقال آخرون هو مدني معروف روى عنه الأوزاعي أيضا وله عن القاسم وعروة وعون بن عبدالله رواية وهذا هو الصحيح

وهو شيخ يمامي ثقة وحسبك برواية يحيى بن أبي كثير والأوزاعي عنه.

وفي هذا الحديث من الفقه ما يرد قول العراقيين فيمن نذر معصية أن عليه كفارة يمين مع تركها لأن رسول الله لم يأمر في هذا الحديث بكفارة لمن نذر المعصية وإنما أمر بترك المعصية لا غير.

وأما حديث ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة عن النبي أنه قال لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين فحديث منكر عند جماعة أهل العلم بالحديث وإنما انفرد به عن الزهري سليمان ابن أرقم وسليمان بن أرقم متروك الحديث عند جميعهم وكذلك أيضا حديث عمران بن حصين في ذلك لا يصح لأنه يدور على محمد بن الزبير الحنظلي وهو ضعيف في حديثه مناكير لا يختلفون في ذلك وعلى ما ذكرت لك أن لا كفارة على من نذر معصية إلا تركها فقهاء الحجازيين منهم مالك والشافعي ومن تابعهم.

وفي هذا الحديث من الفقه أن كل من جعل على نفسه نذرا أن يعصي الله كالجاعل عليه إن الله شفى مريضه أو رد غائبه أو نحو ذلك أن يشرب الخمر أو يقتل أو يزني أو يظلم أحدا ونحو ذلك من المعاصي صغائرها وكبائرها وكالقائل مبتدئا لله علي أن أقتل فلانا أو أشهد عليه بزور أو أبغي عليه وأشفي غيظي بأذاه وما أشبه ذلك من قليل المعاصي وكثيرها فلا يلزمه شيء في ذلك كله لأنه من خطوات الشيطان وعليه تركه فرضا واجبا ولا كفارة عليه غير ذلك بظاهر هذا الحديث لأنه لم يأمره فيه النبي بكفارة وكذلك من نذر ما ليس بطاعة فليس عليه الوفاء به عند مالك ولا كفارة عليه وقال مالك في تأويل هذا الحديث إن حلف أن يمشي إلى الشام أو إلى مصر وأشباه ذلك مما ليس فيه طاعة فليس عليه في ذلك شيء لأنه ليس لله تعالى فيه طاعة وأما قول مالك فيمن قال أنا أحمل هذا العمود أو غيره إلى مكة طلب المشقة فليحج غير حامل شيئا ويهدي فقد أنكروا عليه إيجاب الهدي في هذا ومثله وقد مضى القول في هذه المسألة في باب ثور بن زيد والحمد لله.

وقد اختلف الصحابة والتابعون وسائر الفقهاء في مسائل من هذا الباب نحو قول الإنسان علي نذر أن أنحر ابني عند مقام إبراهيم وما أشبه ذلك واختلف أيضا فيه قول مالك والذي يوجبه ظاهر هذا الحديث أن لا شيء عليه وهو الصواب من القول في ذلك والله أعلم.

"وسنذكر اختلاف العلماء في هذا الباب وحجة كل فرقة منهم إن شاء الله في غير هذا الموضع"

وأما من نذر شيئا لله فيه طاعة فواجب عليه الإتيان به كالصلاة والصيام والصدقة والعتق وما أشبه ذلك من طاعة الله وهذا ما لا خلاف بين علماء المسلمين فيه ويشد ذلك قول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وتأويل ذلك العقود التي لا معصية فيها لبيان رسول الله ذلك

فمن قال لله علي نذر إن لم أشرب الخمر ولم أقتل فلانا فإنما هو رجل نذر نذرا لم يجعل له مخرجا إن سلمه الله من قتل فلان أو من شرب الخمر فعليه أن يفي بنذره وكل نذر لا مخرج له ولا نية لصاحبه فكفارته كفارة يمين ثبتت بذلك السنة وعلى ذلك جمهور علماء الأمة فأغنى عن الإكثار فيه وقد ذكرناه مجودا في باب ابن شهاب عن عبيد الله بن عبدالله والحمد لله وقد أثنى الله تعالى على قوم كانوا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا.

ومن نذر ما لا معصية فيه ولا طاعة فقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال قوم واجب عليه الإتيان بذلك لأنه مباح وقال آخرون لا يجب عليه من النذر إلا ما كان لله فيه طاعة وقصة أبي إسرائيل من حديث جابر وابن عباس تدل على صحة هذا القول وقد ذكرنا ذلك في باب ثور بن زيد من كتابنا هذا وبالله تعالى التوفيق

قال أبو عمر : لم يفت يحيى بن يحيى في الموطأ حديث من أحاديث الأحكام مما رواه غيره في الموطأ إلا حديث طلحة بن عبدالملك هذا وسائر ما رواه غيره من الأحاديث في الموطأ إنما هي أحاديث من أحاديث الجامع ونحوه ليست في أحكام وأكثرها أو كلها معلولة مختلف فيها عن مالك وقد توبع يحيى تابعه جماعة من رواة الموطأ على سقوط كل ما أسقط من تلك الأحاديث من الموطأ إلا حديث طلحة هذا وحده وما عداه فقد تابعه على سقوطه من الموطأ قوم وخالفه آخرون وقد ذكرنا ذلك في آخر هذا الباب ويحيى آخرهم عرضا وما سقط من روايته فعن اختيار مالك وتمحيصه والله أعلم"

باب الميم محمد بن شهاب الزهري[عدل]

محمد بن شهاب الزهري

وهو محمد بن مسلم بن عبيدالله بن عبدالله ابن شهاب بن عبدالله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي هكذا نسبه مصعب الزبيري وغيره ليس في ذلك اختلاف قال مصعب وأمه من بني الدئل بن عبد مناة بن كنانة.

قال أبو عمر : كنيته أبو بكر وكان من علماء التابعين وفقهائهم مقدم في الحفظ والإتقان والرواية والاتساع إمام جليل من أئمة الدين أدرك جماعة من الصحابة وروى عنهم منهم أنس بن مالك وسهل بن سعد وعبدالرحمن بن أزهر الزهري وسنين أبو جميلة السلمي ومنهم عبدالله بن عمر فيما ذكره معمر عن ابن شهاب أنه سمع منه حديثه في الحج مع الحجاج وقيل أنه سمع منه حديثين وقيل ثلاثة وقد ذكرنا من صحح ذلك ومن نفاه في باب ابن شهاب عن سالم من هذا الكتاب وسمع ابن شهاب من جامعة أدركوا النبي وهم صغار مثل محمود بن الربيع "وعبدالله بن عامر بن ربيعة" وأبي الطفيل والسائب بن يزيد ونظرائهم وقد روى عن عمرو بن دينار أنه ذكر عنده الزهري فقال وأي شيء عنده أنا لقيت جابرا ولم يلقه ولقيت ابن عمر ولم يلقه ولقيت ابن عباس ولم يلقه فقدم الزهري مكة فقيل لعمرو قد جاء الزهري فقال احملوني إليه وكان قد أقعد فحمل إليه فلم يأت أصحابه إلا بعد هوى من الليل فقيل له كيف رأيت فقال والله ما رأيت مثل هذا القرشي قط.

أخبرنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أحمد ابن يونس قال حدثنا عبدالعزيز بن أبي سلمة الماجشون قال قلت لابن شهاب يا أبا بكر في حديث ذكره.

وحدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال جالست جابر بن عبدالله وابن عمر وابن عباس وابن الزبير فلم أر أحدا أنسق للحديث من الزهري.

حدثني خلف بن القاسم بن سهل الحافظ قال حدثنا أبو الميمون عبدالرحمن بن عمر البجلي بدمشق قال حدثنا أبو زرعة عبدالرحمن بن عمرو الدمشقي قال حدثنا عبدالرحمن بن إبراهيم دحيم قال حدثنا أيوب بن سويد عن الأوزاعي قال ما داهن ابن شهاب ملكا من الملوك قط إذ دخل عليه ولا أدركت خلافة هشام أحدا من التابعين أفقه منه.

وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبدالرحمن بن عمر قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا هشام بن خالد قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا سعيد بن عبدالعزيز قال سمعت مكحولا يقول ابن شهاب أعلم بالناس

قال الوليد وسمعت سعيد بن عبدالعزيز يقول ما ابن شهاب الا بحر.

وحدثني خلف بن القاسم قال حدثنا أبو الميمون قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا سليمان بن عبدالرحمن قال حدثنا ابن عياش عن أبي بكر بن أبي مريم قال قلت لمكحول من أعلم الناس قال ابن شهاب قلت ثم من؟ قال ابن شهاب.

أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا ابن البرقي قال حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال سمعت سعيد بن عبدالعزيز يقول عن مكحول قال ما بقي على ظهرها أعلم بسنة ماضية من الزهري.

وحدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا ابن البرقي قال حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال سمعت سعيد بن بشير يذكر عن قتادة قال ما بقي على ظهرها إلا اثنان الزهري وآخر فظننا أنه يعني نفسه.

وحدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثت عن عبدالعزيز بن عبدالله الاويسي قال حدثني إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه قال ما جمع أحد بعد رسول الله ما جمع الزهري.

وذكر الحسن بن علي الحلواني "في كتاب المعرفة" قال حدثنا محمد بن عيسى "قال حدثنا إسحاق بن عيسى" الطباع قال حدثني إبراهيم بن سعد عن أبيه قال ما وعى أحد من العلم بعد رسول الله ما وعى ابن شهاب.

وحدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو مسلم قال حدثنا سفيان قال قال الهذلي جالست الحسن وابن سيرين فما رأيت مثله يعني الزهري

قال سفيان كانوا يقولون ما بقي من الناس أحد أعلم بالسنة منه.

حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبدالرحمن بن عمر قال حدثنا أبو زرعة قال حدثني معن بن الوليد قال حدثنا جنادة بن محمد المري قال حدثنا مخلد بن حسين عن الأوزاعي عن سليمان بن حبيب المحاربي قال قال لي عمر بن عبدالعزيز ما أتاك به الزهري بسنده فاشدد به يديك.

وأخبرنا عبدالرحمن بن مروان قال حدثنا الحسن بن يحيى القلزمي قال حدثنا حاتم بن سهل قال حدثنا إسحاق بن منصور قال حدثنا ابن مهدي قال حدثنا وهيب قال سمعت أيوب يقول ما رأيت "أحدا" أعلم من الزهري فقيل له ولا الحسن قال ما رأيت أعلم من الزهري.

وحدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن وهيب قال سمعت أيوب يقول ما رأيت أحدا أعلم من الزهري فقال له صخر بن جويرية ولا الحسن فقال ما رأيت أعلم من الزهري وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبدالرحمن بن عمر قال حدثنا أبو زرعة قال حدثني أحمد قال حدثنا مروان بن محمد قال سمعت مالك بن أنس يقول أخذت بلجام بغلة الزهري فسألته أن يعيد على حديثا فقال ما استعدت حديثا قط.

حدثنا عبدالله حدثنا أحمد حدثنا محمد حدثنا الزبير بن أبي بكر حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثنا "مالك" قال حدثنا ابن شهاب أربعين حديثا فتوهمت في حديث منها فانتظرته حتى خرج ثم سألته وأخذت بلجام بغلته عن الحديث الذي شككت فيه فقال أو لم أحدثكه قلت بلى ولكني توهمت فيه فقال لقد فسدت الرواية خل لجام البغلة فخليته ومضى.

أخبرنا عبدالوارث حدثنا قاسم حدثنا أبو إسماعيل الترمذي حدثنا أبو صالح عن الليث بن سعد قال ما رأيت عالما قط أجمع من ابن شهاب ولا أكثر علما

ولو سمعت ابن شهاب يحدث بالترغيب لقلت ما يحسن إلا هذا وإن حدث عن الأنبياء وأهل الكتاب قلت لا يحسن إلا هذا وإن حدث عن العرب والأنساب قلت لا يحسن إلا هذا وإن حدث عن القرآن والسنة كان حديثه.

وذكر الحلواني قال حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة قال قلت لعراك بن مالك من أفقه أهل المدينة فقال أما أعلمهم بقضايا رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان وأفقههم فقها وأعلمهم بما مضى من أمر الناس فسعيد بن المسيب وأما أغزرهم حديثا فعروة بن الزبير ولا تشاء أن تفجر من عبيدالله بن عبدالله بحرا إلا فجرته قال عراك وأعلمهم عندي ابن شهاب لأنه جمع علمهم جميعا إلى علمه.

حدثنا خلف بن أحمد حدثنا أحمد بن سعيد حدثنا أحمد بن خالد حدثنا مروان حدثنا أبو حاتم حدثنا الأصمعي حدثنا عبدالعزيز بن أبي سلمة الماجشون قال سمعت ابن شهاب يقول ما كتبت شيئا قط ولقد وليت الصدقة فأتيت سالم بن عبدالله فأخرج إلى كتاب الصدقة فقرأه علي فحفظته وأتيت إلى "أبي بكر" ابن حزم فقرأ على كتاب العقول فحفظته.

أخبرنا عبدالله بن محمد بن يوسف قال أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن الحسن قال حدثنا الزبير بن أبي بكر قال حدثني إبراهيم بن المنذر عن عبدالعزيز بن عمران أن عبدالملك كتب إلى أهل المدينة يعاتيهم فوصل كتابه في طومار فقرىء "الكتاب" على الناس على المنبر فلما فرغوا وافترق الناس اجتمع إلى سعيد بن المسيب جلساؤه فقال لهم سعيد ما كان في كتابكم فإنا نود أن نعرف ما فيه فجعل الرجل منهم يقول فيه كذا "وكذا" والآخر يقول فيه كذا وكذا "أيضا" فلم يشتف سعيد فيما سأل عنه فقال لابن شهاب فقال أتحب "يا أبا محمد" أن تسمع كل ما فيه "كاملا" قال نعم

قال فأمسك فهذه والله هذا كأنما هو في يده فقرأه حتى أتى على آخره قال وقال ابن شهاب ما استودعت قلبي شيئا قط فنسيته.

أخبرنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا دحيم حدثنا عبدالأعلى أبو مسهر قال حدثنا سعيد بن عبدالعزيز قال كان سليمان بن موسى يقول إذا جاءنا العلم من الحجاز عن الزهري قبلناه وإن جاءنا من العراق عن الحسن قبلناه وإن جاءنا من الجزيرة عن ميمون بن مهران قبلناه وإن جاءنا من الشام عن مكحول قبلناه قال سعيد كان هؤلاء الأربعة علماء الناس في خلافة هشام.

حدثنا خلف بن أحمد حدثنا أحمد بن سعيد قال سمعت عبدالله بن جعفر "أبا" القاسم القزويني يقول سمعت طاهر بن خالد بن نزار يقول سمعت أبي يقول سمعت القاسم بن مبرور يقول سمعت يونس بن يزيد يقول كان ابن شهاب إذا دخل رمضان فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام وكان ابن شهاب أكرم الناس وأخباره في الجود كثيرة "جدا" نذكر منها لمحة دالة.

أخبرنا عبدالله بن محمد حدثنا "أحمد بن محمد" بن إسماعيل حدثنا محمد بن الحسن حدثنا الزبير بن أبي بكر القاضي حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال ما رأيت أنص للحديث من ابن شهاب ولا رأيت أجود منه ما كانت الدنانير والدراهم عنده إلا بمنزلة البعر.

قال الزبير وحدثني عبدالرحمن بن عبدالله الزهري عن عمه موسى بن عبدالعزيز قال كان ابن شهاب إذا أبى أحد من أصحاب الحديث "أن" يأكل طعامه حلف أن لا يحدثه عشرة أيام.

وذكر ابن وهب عن مالك قال قيل لابن شهاب لو جلست إلى سارية تفتي الناس قال إنما يجلس هذا المجلس من زهد في الدنيا وذكر الحلواني حدثنا أبو صالح عن الليث عن ابن شهاب أنه قال ما استودعت قلبي شيئا قط فنسيته

قال "الحلواني" وحدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا مطرف قال سمعت مالكا يقول ما رأيت محدثا فقيها إلا واحدا قلت من هو؟ قال ابن شهاب.

وقال عبيدالله بن سعيد أبو قدامة سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول ما أحد أعلم بحديث المدنيين من الزهري وبعد الزهري يحيى بن أبي كثير وليس مرسل أصح من مرسل الزهري لأنه حافظ وقال ابن المبارك حديث الزهري عندنا كأخذ باليد قال ورأي الزهري أحب إلى من حديث أبي حنيفة.

قال أبو عمر : أخبار الزهري أكثر من أن تحوى في كتاب فضلا عن أن تجمع في باب وإنما ذكرت منها هاهنا طرفا دالا على موضعه ومكانه من العلم وإمامته وحفظه وكان نقش خاتم الزهري محمد يسأل الله العافية ومما ينشد لابن شهاب يخاطب أخاه عبدالله

أقول لعبدالله يوم لقيته ... وقد شد أحلاس المطى مشرقا

تتبع خبايا الأرض وادع مليكها ... لعلك يوما أن تجاب فترزقا

وقد روى أنه قالها لعبدالله بن عبدالملك بن مروان وهي أبيات.

وولد رحمه الله سنة إحدى وخمسين وقيل سنة ثمان وخمسين في آخر خلافة معاوية وهي السنة التي توفيت فيها عائشة أم المؤمنين وأبو هريرة ومات رضي الله عنه سنة أربع وعشرين ومائة في شهر رمضان ليلة سبع عشرة منه وهو ابن ست وستين سنة وذلك قبل موت هشام بعام وقيل أنه مات وهو ابن اثنتين وسبعين سنة ودفن على قارعة الطريق ليدعى له وكانت وفاته بضيعة له بناحية شغب وبدا مرض هنالك وأوصى أن يدفن على قارعة الطريق فدفن بموضع يقال له ادامى وهي خلف شغب وبدا وهي أول عمل فلسطين وآخرعمل الحجاز

هذا كله قول الواقدي ومصعب الزبيري والزبير بن بكار والطبري وغيرهم دخل كلام بعضهم في بعض والله المستعان ولابن شهاب في الموطأ رواية يحيى بن يحيى عن مالك من حديث رسول الله مائة حديث وأحد وثلاثون حديثا منها متصلة مسندة اثنان وتسعون حديثا وسائرها منقطعة مرسلة فأول المسند ما رواه عن أنس بن مالك وذلك خمسة أحاديث.

حديث أول لابن شهاب عن أنس[عدل]

قد ذكرنا أنس بن مالك في كتابنا في الصحابة بما يغني عن ذكره هاهنا مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله قال لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال .

هكذا قال يحيى يهاجر وسائر الرواة للموطأ يقول يهجر واختصر هذا الحديث "أبو نعيم" الفضل بن دكين فخالف في لفظه جماعة الرواة عن مالك فقال فيه حدثنا مالك عن ابن شهاب الزهري عن أنس عن النبي لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام يلقاه هذا فيعرض عنه وأيهما بدأ بالسلام سبق إلى الجنة

حدثناه عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين فذكره وقد زاد سعيد بن أبي مريم في هذا الحديث عن مالك ولا تنافسوا.

أخبرنا أحمد بن فتح وعبدالرحمن بن يحيى قالا حدثنا حمزة بن محمد الكناني قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن جابر قال حدثنا سعيد بن أبي مريم "قال حدثنا مالك" عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله قال لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال قال حمزة لا أعلم أحدا قال في هذا الحديث عن مالك ولا تنافسوا غير سعيد بن أبي مريم وقد روى هذه اللفظة ولا تنافسوا عبدالرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أنس.

وفي هذا الحديث من الفقه أنه لا يحل التباغض لأن التباغض مفسدة للدين حالقة له ولهذا أمر بالتواد والتحاب حتى قال تهادوا تحابوا

وروى مالك عن يحيى بن سعيد قال سمعت سعيد بن المسيب يقول ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة قالوا بلى قال صلاح ذات البين وإياكم والبغضة فإنها "هي" الحالقة وكذلك لا يحل التدابر والتدابر الإعراض وترك الكلام والسلام "ونحو هذا" وإنما قيل للإعراض تدابر لأن من أبغضته أعرضت عنه ومن أعرضت عنه وليته دبرك وكذلك يصنع هو بك ومن أحببته أقبلت عليه وواجهته لتسره ويسرك فمعنى تدابروا وتقاطعوا وتباغضوا معنى متداخل متقارب كالمعنى الواحد في الندب إلى التواخي والتحاب فبذلك أمر رسول الله في معنى هذا الحديث وغيره وأمر رسول الله على الوجوب حتى يأتي دليل يخرجه إلى معنى الندب وهذا الحديث وإن كان ظاهره العموم فهو عندي مخصوص بحديث كعب بن مالك حيث أمر رسول الله أصحابه أن يهجروه ولا يكلموه هو وهلال بن أمية ومرارة بن ربيعة لتخلفهم عن غزوة تبوك حتى أنزل الله عز وجل توبتهم وعذرهم فأمر رسول الله "أصحابه" أن يراجعوهم الكلام وفي حديث كعب هذا دليل على أنه جائز أن يهجر المرء أخاه إذا بدت "له" منه بدعة أو فاحشة يرجو أن يكون هجرانه تأديبا له وزجرا عنها والله أعلم.

وكذلك قوله أيضا في هذا الحديث لا تحاسدوا يقتضي النهي عن التحاسد وعن الحسد في كل شيء على ظاهره وعمومه إلا أنه أيضا عندي مخصوص بقوله لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار هكذا رواه عبدالله بن عمر عن النبي .

وروى ابن مسعود عن النبي أنه قال لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به ليله ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها فكأنه على ترتيب الأحاديث وتهذيبها قال لا حسد ولكن الحسد ينبغي أن يكون في قيام الليل والنهار بالقرآن وفي نفقة المال في حقه وتعليم العلم أهله

ولا هجرة إلا لمن ترجو تأديبه "بها" أو تخاف "من" شره في بدعة أو غيرها والله أعلم. أخبرنا أبو محمد عبدالله بن محمد بن عبدالمؤمن قال حدثنا أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر الطائي قال حدثنا علي بن حرب الطائي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال قال النبي لا حسد إلا في اثنتين "رجل آتاه الله القرآن فهو يقو به آناء الليل وآناء النهار " ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار .

وقد روى هذا الحديث عن مالك عن الزهري عن سالم عن أبيه ولكنه غريب لمالك "وهو لا يصلح له" وهو صحيح من حديث الزهري وروى يزيد بن الأخنس وكانت له صحبة عن النبي مثل حديث ابن عمر هذا سواء.

وأخبرنا أبو محمد عبدالله بن محمد بن أسد قال حدثنا أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل قال حدثنا قيس عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله يقول لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها .

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون عن شيبان وهشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش ين الوليد بن هشام زاد شيبان عن مولى الزبير عن الزبير قال قال رسول الله

دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء حالقتا الدين لا حالقتا الشعر قال أبو معاوية يعني شيبان في حديثه والذي

نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم .

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير قال حدثني يعيش بن الوليد أن مولى الزبير بن العوام حدثه أن رسول الله قال دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء وذكر الحديث.

حدثني عبدالرحمن بن مروان قال حدثنا أحمد بن سليمان بن عمرو البغدادي "بمصر" قال حدثنا أبو عبدالله الحسن بن محمد بن عفير الأنصاري قال حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات الأصبهاني قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن أنس قال كنا جلوسا عند النبي فقال يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة قال فطلع رجل من الأنصار وقد توضأ ولحيته تنطف "ماء" من وضوئه وقد علق نعليه بيده الشمال فسلم فلما كان الغد قال النبي مثل ذلك فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول فلما كان اليوم الثالث قال النبي مثل مقالته الأولى فطلع ذلك الرجل على مثل هيئته فلما قام تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص وقال أنه لاحيت أبي وأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن آوى عندك حتى تمضي الثلاث فعلت فبات معه ثلاثا فلم يره يقوم من الليل شيئاً غيرً أنه إذا تعار من الليل أو تقلب على فراشه ذكر الله وكبر حتى يقوم لصلاة الصبح قال فلما مضت الثلاث ليال وكدت أحتقر عمله قلت يا عبدالله إنه لم يكن بيني وبين أبي هجرة ولا غضب غير أني سمعت رسول الله يقول ثلاث مرات يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلعت أنت ثلاث مرات فأردت أن آوي إليك ليلا لأنظر عملك فأقتدي بك فلم أرك تعمل كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله قال ما هو إلا ما رأيت غير أني لم أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسده على خير أعطاه الله إياه فقلت هو الذي بلغ بك وهو الذي لا نطيق.

قال أبو عمر : قد ذم الله عز وجل قوما على حسدهم آخرين آتاهم الله من فضله فقال {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} وقال {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ -إلى قوله- وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} .

أخبرنا أحمد بن عبدالله بن محمد بن علي أن أباه أخبره قال حدثنا عبدالله بن يونس قال حدثنا بقي بن مخلد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال لما رفع "الله" موسى نجيا رأى رجلا متعلقا بالعرش فقال يا رب من هذا قال هذا عبد من عبادي صالح إن شئت أخبرتك بعمله قال يا رب أخبرني قال كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله قال وحدثنا أبو بكر قال حدثنا غندر عن شعبة عن أبي رجاء عن الحسن في قوله {وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} قال الحسد.

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .

وحدثنا سعيد وعبدالوارث قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا عبدالله بن مسلمة بن قعنب قال حدثنا سليمان بن بلال عن إبراهيم بن أبي أسيد عن جده عن أبي هريرة عن النبي أنه قال إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وحدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا أبو أحمد بن المفسر قال حدثنا محمد بن يزيد عن عبدالصمد قال حدثنا موسى بن أيوب قال حدثنا مخلد بن الحسين قال حدثنا هشام عن الحسن قال ليس أحد من ولد آدم إلا وقد خلق معه الحسد فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيء وروى عن النبي بإسناد لا أحفظه في وقتي هذا أنه قال إذا حسدتم فلا تبغوا وإذا ظننتم فلا تحققوا وإذا تطيرتم فامضوا وعلى الله فتوكلوا .

وذكر عبدالرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية قال قال رسول الله ثلاث لا يسلم منهن أحد الطيرة والظن والحسد قيل فما المخرج منهن يا رسول الله قال إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ"

وذكر "الحسن بن علي" الحلواني قال حدثنا سليمان بن حرب وعارم بن الفضل قالا حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال كذب على الحسن ضربان من الناس قوم رأيهم القدر فيزيدون عليه لينفقوه في الناس

وقوم في صدورهم حسد وشنآن "وبغض" للحسن فيقولون أليس يقول كذا أليس يقول كذا.

قال وحدثنا عفان قال حدثنا حماد بن زيد عن هشام قال سمعت محمد بن سيرين يقول ما حسدت أحدا شيئا قط برا ولا فاجرا.

قال أبو عمر : تضمن حديث الزهري عن أنس في هذا الباب أنه لا يجوز أن يبغض المسلم أخاه المسلم ولا يدبر "عنه" بوجهه إذا رآه فإن ذلك من العداوة والبغضاء ولا يقطعه بعد صحبته له في غير جرم أو في جرم يحمد له العفو عنه ولا يحسده على نعمة الله عنده حسدا يؤذيه به ولا ينافسه في دنياه وحسبه أن يسأل الله من فضله وهذا كله لا ينال شيء منه إلا بتوفيق الله تعالى قيل للحسن البصري أيحسد المؤمن أخاه فقال لا أبا لك أنسيت إخوة يوسف وأصل التحاب والتواد المذكور في السنن معناه الحب في الله وحده تبارك اسمه فهكذا المحبة بين أهل الإيمان فإذا كان هكذا فهو من أوثق عرى الدين وإن لم يكن فلا تكن العداوة ولا المنافسة ولا الحسد لأن ذلك كله منهي عنه

ولما كانت موالاة أولياء الله من أفضل أعمال البر كانت معاداة أعدائه كذلك أيضا وسيأتي هذا المعنى في باب أبي طوالة من هذا الكتاب إن شاء الله.

وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه فإن كان ذلك فقد رخص له في مجانبته وبعده ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية "قال الشاعر :

إذا ما تقضي الود إلا تكاشرا ... فهجر جميل للفريقين صالح

واختلفوا في المتهاجرين يسلم أحدهما على صاحبه أيخرجه ذلك من الهجرة أم لا فروى ابن وهب عن مالك أنه قال إذا سلم عليه فقد قطع الهجرة وكأنه والله أعلم أخذ هذا من قوله وخيرهما الذي يبدأ بالسلام أو من قول من قال يجزىء من الصرم السلام وقال أبو بكر الأثرم قلت لأحمد بن حنبل إذا سلم عليه هل يجزيه ذلك من كلامه إياه فقال ينظر في ذلك إلى ما كان عليه قبل أن يهجره فإن كان قد علم "منه" مكالمته والإقبال عليه فلا يخرجه من الهجرة إلا سلام ليس معه إعراض ولا إدبار وقد روى هذا المعنى عن مالك قيل لمالك الرجل يهجر أخاه ثم يبدوا له فيسلم عليه من غير أن يكلمه فقال إن لم يكن مؤذيا له لم يخرج من الشحناء حتى يكلمه ويسقط ما كان من هجرانه إياه وقد ذكرنا في باب ابن شهاب عن عطاء بن يزيد في كتابنا هذا زيادة من الأثرالمرفوع في معنى هذا الباب وذكرنا في هذا الباب قوله ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم افشوا السلام بينكم وفي ذلك دليل على فضل السلام لما فيه من رفع التباغض وتوريث الود ولقد أحسن القائل :

قد يمكث الناس دهرا ليس بينهم ... ود فيزرعه التسليم واللطف

حديث ثان للزهري عن أنس[عدل]

"مالك عن ابن شهاب" عن أنس بن مالك أن رسول الله ركب فرسا فصرع فجحش شقه الأيمن فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعودا فلما انصرف قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون

لم يختلف رواة الموطأ في إسناد هذا الحديث عن مالك عن الزهري عن أنس ورواه "سويد بن سعيد" عن مالك عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون فأخطأ سويد في هذا الحديث خطأ لم يتابعه أحد عليه فيما علمت وزاد فيه إذا كبر فكبروا وإذا سجد فاسجدوا ولم يقل إذا رفع فارفعوا .

حدثنا خلف بن القاسم حدثنا محمد بن عبدالله بن زكرياء النيسابوري حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس حدثنا كثير بن عبيد حدثنا سويد بن عبدالعزيز حدثنا مالك عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال "إنما جعل الإمام ليؤتم به فذكره ورواه ابن وهب عن مالك عن الزهري عن النبي " وقال فيه إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه وتابعه على ذلك عن مالك أبو علي الحنفي وابنه يحيى بن مالك وهذه الزيادة ليست في الموطأ إلا في بلاغات مالك أعني قوله "فلا تختلفوا عليه" وقد رواها معن بن عيسى وأبو قرة موسى بن طارق عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه وذكر الحديث وسنذكر بتمامه في "باب" بلاغات مالك إن شاء الله.

وزاد عبدالله بن وهب أيضا في هذا الحديث وإذا كبر فكبروا وإذا سجد فاسجدوا وتابعه على ذلك عبدالرحمن بن مهدي وجويرية بن أسماء وذكر فيه إبراهيم بن بشير عن مالك التكبير ولم يذكر السجود وليس في الموطأ قوله إذا كبر فكبروا ولا قوله إذا سجد فاسجدوا.

أخبرنا عبدالوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ويونس بن عبدالأعلى قالا حدثنا عبدالله بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد ومالك بن أنس والليث بن سعد وابن سمعان أن ابن شهاب أخبرهم قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله ركب فرسا فصرع عنه فجحش شقه الأيمن فصلى "لنا" صلاة من الصلوات وهو جالس وصلينا معه جلوسا فلما انصرف قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون .

فقوله في هذا الحديث فلا تختلفوا عليه ليس في الموطأ ولا رواه بهذا الإسناد عن مالك غير ابن وهب وابنه يحيى بن مالك وأبي علي الحنفي والله أعلم "وقوله وإذا كبر فكبروا وإذا سجد فاسجدوا ليس في الموطأ ولا رواه عن مالك غير ابن وهب وابن مهدي وجويرية والله أعلم"

ورواه أبو حنيفة قحزم بن عبدالله بن قحزم الأسواني عن الشافعي عن مالك عن الزهري عن أنس فزاد فيه في بيته وقال فيه أيضا فأشار إليهم أن أجلسوا ولم يقل ذلك في هذا الحديث عن مالك أحد غير الشافعي في رواية قحزم عنه خاصة وإنما قال مالك فأشار إليهم أن اجلسوا في حديثه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال الدارقطني ليس يحفظ في هذا الحديث أنه صلى في بيته إلا من رواية أبي حنيفة قحزم عن الشافعي عن مالك عن الزهري عن أنس وهو محفوظ من رواية أيوب عن الزهري عن أنس أن النبي صرع عن فرسه فجحش جنبه فدخلوا عليه يعودونه فصلى بهم قاعدا وأومأ إليهم أن اقعدوا فلما قضى صلاته قال إنما جعل الإمام ليؤتم به وذكر الحديث.

قال أبو عمر : وأما حديث قحزم عن الشافعي فأخبرناه علي بن إبراهيم حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا أبو الحسن فقير ابن موسى بن عيسى الأسواني حدثنا أبو حنيفة قحزم بن عبدالله بن قحزم الأسواني حدثنا أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أنس "بن مالك" أن رسول الله ركب فرسا فصرع عنه فجحش شقه الأيمن فصلى في بيته قاعدا وصلى خلفه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا ثم قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون فخلط فيه قحزم وزاد ونقص "ولم يتمه" والصحيح عن مالك فيه ما في الموطأ والله أعلم.

وفي هذا الحديث من الفقه ركوب الخيل "وحركتها" والتقلب عليها وهو يرد ما روى عن عمر من كراهيته ركوب الخيل لما فيه من الخيلاء.

وأما السقوط من ظهورها فإنه لا يكون في الأغلب لمن يحسن ركوبها إلا مع حركتها ودفعها "وإجرائها وكان رسول الله من أحسن الناس تقلبا عليها"

وفي حديث قتادة وثابت عن أنس أن رسول الله ركب فرسا عريا لأبي طلحة قال بعض أهل السير كان ذلك منه في حين أغار عيينة بن حصن على لقاح المدينة "فخرج رسول الله .

وفي حديث أنس أن خيل المشركين أغارت على لقاح بالمدينة فوقعت الصيحة فخرج رسول الله على فرس لأبي طلحة عرى ثم انصرف قال إن وجدناه لبحرا وذكر ابن المبارك وغندر وابن أبي عدي عن شعبة عن قتادة قال سمعت أنس بن مالك يقول كان بالمدينة فزع فاستعار رسول الله فرسا لأبي طلحة يقال له مندوب فركبه فلما انصرف قال إن وجدناه لبحرا.

حدثنا أحمد بن محمد بن هشام حدثنا أحمد بن إبراهيم بن فراس حدثنا محمد بن إبراهيم الديبلي قال حدثنا محمد بن زنبور حدثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال كان رسول الله أجمل الناس وجها "وأجود الناس كفا" وأشجع الناس قلبا خرج وقد فزع الناس فركب فرسا لأبي طلحة "عريا" ثم رجع وهو يقول لن تراعوا لن تراعوا ثم قال إن وجدناه لبحرا "قال أبو جعفر الديبلي" قال لنا ابن زنبور لم أسمع من حماد بن زيد غير هذا الحديث لقيته عند زمزم فحدثني بهذا الحديث.

وأما قوله "فجحش شقه" فإن ذلك كما لو زاحم إنسان جدارا فانخدش خدشا بينا "كما نقول نحن انسلخ وانجرح" فالجحش فوق الخدش وحسبك أنه لم يقدر على الصلاة قائما فصلى قاعدا.

وأما قوله إنما جعل الإمام ليؤتم به فقد أجمع العلماء على أن الائتمام واجب على كل مأموم بإمامه في ظاهر أفعاله وأنه لا يجوز له خلافه لغير عذر "وفيه حجة لمالك وأبي حنيفة وأصحابهما في إبطال صلاة من خالفت نيته نية إمامه فصلى ظهرا خلف إمام يصلي عصرا أو صلى فريضة خلف إمام يصلي نافلة لأنه لم يأتم به في صلاته فوجب أن لا يجزيه وأما اختلاف نية الإمام والمأموم فقد أرجأنا القول في هذه المسألة إلى بلاغات مالك ومرسلاته عن نفسه حيث قال رسول الله إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه "فهناك أولى المواضع به" وقد ذكرنا "هذه اللفظة مسندة من غير حديث مالك في هذا الباب بإسناد صحيح وذكرنا" هنالك ما للعلماء في جواز اختلاف نية المأموم والإمام من المذاهب والأقوال والتنازع والاعتدال إن شاء الله.

وأما قوله فإذا صلى قائما "فصلوا قياما" فهذا كلام خرج على صلاة الفريضة لأنه صلى بهم صلاة من الصلوات الخمس حين ذكر ذلك لهم "وأمرهم بما في هذا الحديث" وهذا ما لا خلاف فيه وقد أجمعوا على جواز صلاة الجالس خلف القائم في النافلة فدل "ذلك" على ما ذكرنا إلا أن المصلى في النافلة جالسا وهو قادر على القيام له نصف أجر صلاة القائم وقد مضى القول في حكم صلاة القاعد في النافلة وحكم صلاة المريض في باب إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص.

وفي قوله فإذا صلى قائما فصلوا قياما بيان لقوله عز وجل {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} وأجمع العلماء على أن القيام في صلاة الفريضة فرض واجب على كل صحيح قادر عليه لايجزيه غير ذلك إن كان منفردا أو "إماما".

واختلفوا في المأموم الصحيح يصلي قاعدا خلف "إمام" مريض لا يستطيع القيام فأجازت "ذلك" طائفة من أهل العلم اتباعا لهذا الحديث وما كان مثله من قوله في الإمام وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون روى هذا" الحديث" عن النبي من طرق "كثيرة" متواترة من حديث أنس وحديث أبي هريرة وحديث عائشة وحديث ابن عمر وحديث جابر كلها عن النبي بأسانيد صحاح وممن ذهب إلى هذا حماد بن زيد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه "وإليه ذهب داود في رواية عنه" قال أحمد بن حنبل وفعله أربعة من الصحابة بعده أسيد بن حضير وقيس بن قهد وجابر وأبو هريرة.

حدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو الطاهر قال حدثنا أنس بن عياض قال حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري عن بشير بن يسار أن أسيد بن حضير كان يؤم قومه بني عبدالأشهل فاشتكى فخرج عليهم بعد شكواه فأمروه أن يتقدم لهم فقال لا أستطيع فقالوا لا يصلي بنا ما كنت فينا غيرك فقال إني لا أستطيع أن أصلي قائما فاقعدوا فصلي قاعدا وصلوا قعودا.

أخبرنا إبراهيم بن شاكر قراءة منى عليه قال حدثنا عبدالله بن عثمان قال حدثنا "سعيد بن عثمان" قال حدثنا أحمد بن عبدالله بن صالح قال حدثنا يعلى بن عبيد قال حدثنا إسماعيل عن قيس بن أبي حازم عن قيس الأنصاري قال اشتكى إمامنا أياما فكنا نصلي بصلاته جلوسا

وروى أبو معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة قال إنما الإمام أمير فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا.

وروى الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن أبي الزبير أنهم شيعوا جابر بن عبدالله وهو مريض فصلى بهم قاعدا وصلوا معه قعودا وقال جمهور أهل العلم لا يجوز لأحد أن يصلي في شيء من الصلوات المكتوبات جالسا وهو صحيح قادر على القيام لا إماما ولا منفردا ولا خلف امام ثم اختلفوا فمنهم من أجازصلاة القائم خلف القاعد المريض لأن كلا يؤدي فرضه على قدر طاقته اقتداء وتأسيا برسول الله إذ صلى في مرضه الذي توفي فيه قاعدا وأبو بكر إلى جنبه قائما يصلي بصلاته والناس قيام خلفه يصلون بصلاته فلم يشر إلى أبي بكر ولا إليهم بالجلوس وأكمل صلاته بهم جالسا وهم خلفه قيام ومعلوم أن ذلك كان منه بعد سقوطه عن فرسه وصلاته حينئذ قاعدا وقوله فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا فعلم أن الآخر من فعله ناسخ للأول

فإنهم ما قاموا خلفه وهو جالس إلا لعلمهم بأنه قد نسخ ذلك بفعله ". والدليل على أن حديث هذا الباب منسوخ بما كان منه في مرضه إجماع العلماء على أن حكم القيام في الصلاة على الإيجاب لا على التخيير ولما أجمعوا على أن القيام في الصلاة لم يكن فرضه قط على التخيير وجب طلب الدليل على النسخ في ذلك وقد صح أن صلاة أبي بكر والناس "خلفه" قياما وهو قاعد في مرضه الذي توفي فيه متأخر عن صلاته في حين سقوطه عن فرسه فبان بذلك أنه ناسخ لذلك وممن ذهب هذا المذهب واحتج بنحو هذه الحجة الشافعي وداود بن علي وأصحابهما وقد أوضحنا معاني الآثار في صلاة النبي في مرضه وآتينا على حكاية قول من قال كان أبو بكر المقدم في تلك الصلاة ومن قال كان رسول الله فيها المقدم في باب هشام بن عروة بما يغني عن ذكره هاهنا "وقد" روى الوليد بن مسلم عن مالك أنه أجاز للإمام المريض أن يصلي بالناس جالسا وهم قيام قال وأحب إلى أن يقوم إلى جنبه من يعلم الناس بصلاته.

وهذه الرواية غريبة عن مالك ومذهبه عند أصحابه على خلاف ذلك ذكر أبو المصعب عن مالك في مختصره قال لا يؤم الناس أحد قاعدا فإن أمهم قاعدا فسدت صلاته وصلاتهم لأن رسول الله قال لا يؤمن أحد بعدي قاعدا قال فإن كان الإمام عليلا تمت صلاة الإمام وفسدت صلاة من خلفه قال ومن صلى قاعدا من غير علة أعاد الصلاة .

قال أبو عمر : فعلى رواية أبي المصعب هذه عن مالك في قوله في الإمام المريض يصلي جالسا بقوم قيام أن صلاة من خلفه فاسدة تجب الإعادة عليهم في الوقت وغيره وقد روى عن مالك في هذه أنهم يعيدون في الوقت خاصة وذلك عندي والله أعلم لما ذكره في موطئه عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر كان يصلي بصلاة النبي "وهو جالس وأبو بكر إلى جنبه قائم والناس قيام خلف أبي بكر ولما رواه في غير الموطأ عن ربيعة أن أبا بكر كان المقدم وأن رسول الله كان يصلي" بصلاته فلما رأى الاختلاف في ذلك احتاط فرأى الإعادة "في الوقت لأن كلا قد أدى فرضه على حسب حاله وكثير من مذهبه احتياطا".

قال أبو عمر : قد احتج محمد بن الحسن لقوله ومذهبه في هذا الباب بالحديث الذي "ذكره" أبو المصعب أن رسول الله قال لا يؤمن أحد بعدي قاعدا وهو حديث لا يصح عند أهل العلم بالحديث إنما يرويه جابر الجعفي عن الشعبي مرسلا وجابر الجعفي لا يحتج بشيء يرويه مسندا فكيف بما يرويه مرسلا؟ وأما قول محمد بن الحسن في هذا الباب فإنه قال إذا صلى الرجل لمرض به ويسجد ولا يطيق إلا ذلك بقوم قيام يركعون ويسجدون فإن صلاته جائزة وصلاة من خلفه ممن لا يستطيع القيام حكمه كحكمه جائزة أيضا وصلاة من صلى خلفه ممن حكمه القيام باطلة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف صلاته وصلاتهم جائزة وقالوا لو صلى وهو يوميء بقوم يركعون ويسجدون لم يجزهم في قولهم جميعا وأجزأت الامام صلاته وكان زفر يقول تجزيهم صلاتهم لأنهم صلوا على فرضهم وصلى إمامهم على فرضه وأما ابن قاسم فإنه قال لا يأتم القائم بالجالس في فريضة ولا نافلة ولا بأس أن يأتم الجالس بالقائم قال ولا ينبغي أن يؤم أحد في نافلة ولا في فريضة قاعدا "قال" وان عرض الإمام ما يمنعه من القيام استخلف واختلف أصحاب مالك في إمامة المريض بالمرضى جلوسا فأجازها بعضهم وكرهها أكثرهم ولم يختلفوا فيمن صلى شيئا من فرضه جالسا وهو قادر على القيام أن عليه الإعادة أبدا وذكر "سحنون" عن ابن قاسم عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن رسول الله خرج وهو مريض وأبو بكر يصلي بالناس فجلس الى جنب أبي بكر "فكان أبو بكر الإمام وكان رسول الله يصلي بصلاة أبي بكر" وقال ما مات نبي حتى يؤمه رجل من أمته.

قال ابن القاسم قال مالك والعمل عندنا على حديث ربيعة هذا وهو أحب الى أن النبي صلى بصلاة أبي بكر قال سحنون بهذا الحديث أخذ ابن القاسم وليس في الموطأ

قال أبو عمر : أكثر الآثار الصحاح المسندة في هذا الباب أن رسول الله كان المقدم وإن أبا بكر كان يصلي بصلاة رسول الله قائما والناس يصلون بصلاة أبي بكر وهو الذي أقره مالك رحمه الله في الموطأ وقرىء عليه إلى أن مات وسنبينه في باب هشام بن عروة إن شاء الله وأجمع العلماء مع اختلاف مذاهبهم في هذا الباب على استحباب الاستخلاف للمريض من الأئمة من يصلي بالناس كما فعل رسول الله حين مرض فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فإن صلى بهم وهو مريض فللعلماء في ذلك ما ذكرنا وبالله توفيقنا.

وأما قوله في الحديث وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا فإنه يدل على أن عمل المأموم يكون بعقب عمل الإمام وبعده بلا فصل لأن الفاء توجب التعقيب والاستعجال وليست مثل ثم التي توجب التعقيب والتراخي واختلف قول مالك في ذلك فروى عنه أن عمل المأموم كله مع عمل الإمام ركوعه وسجوده وخفضه ورفعه ما خلا الإحرام والتسليم فإنه لا يكون إلا بعد عمل الإمام وبعقبه وروى عنه مثل ذلك أيضا ما خلا الإحرام والقيام من اثنتين والسلام وكان شيخنا أبو عمر أحمد بن عبدالملك بن هاشم رحمه الله يذهب إلى الرواية الأولى ورأيته مرارا لا أحصيها كثرة يقوم مع الإمام في حين قيامه من اثنتين ولا يراعي اعتداله ولا تكبيره وكان يقول هي أصح عن مالك.

وقد روى عن مالك أيضا أن الأحب إليه في هذه المسألة أن يكون عمل المأموم "بعد عمل الإمام" وبعقبه في كل شيء.

قال أبو عمر : هذا أحسن لما حدثناه عبدالوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبدالسلام وعبدالله بن أبي مسرة قالا حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبدالله الرقاشي قال قال خطبنا أبو موسى فعلمنا صلاتنا وبين لنا سنتنا فقال إذا صليتم فأقيموا صفوفكم وليؤمكم أحدكم فإذا كبر الإمام فكبروا وإذا قال المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يحيكم الله فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن قبلكم "ويرفع قبلكم" قال نبي فتلك بتلك وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم فإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم قال نبي الله فتلك بتلك وذكر تمام الحديث.

قال أبو عمر : ففي هذا الحديث بيان أن عمل المأموم بعقب عمل الإمام دون فصل ولا تراخ وهو الذي يوجبه حكم الفاء في قوله فكبروا واركعوا وقد ثبت من جهة الأثر والنظر أن حكم قوله فإذا كبر فكبروا في تكبيرة الإحرام أن يكون فراغ المأموم منها بعد فراغ الإمام منها وابتداؤه بها بعد ابتداء الإمام بها وإن كان ذلك معا فالقياس أن يكون الركوع والسجود وسائر العمل كذلك.

وسيأتي ذكر التكبير والحكم فيه عند الخفض والرفع والإحرام في باب ابن شهاب عن أبي سلمة وعن علي بن حسين من هذا الكتاب إن شاء الله قال أبو بكر الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يسأل متى يكبر خلف الإمام ومتى يركع فذكر الحديث إذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا ثم قال يتبعه في كل شيء يصنعه كلما فعل شيئا فعله بعده وأما قوله "وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد" فإنه يقتضي ما قاله مالك ومن قال بقوله في ذلك أن الإمام يقتصر على قول سمع الله لمن حمده وهو حجة على من قال أن الإمام يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد كما يفعل المنفرد وإن المأموم كذلك يقول أيضا ولا أعلم خلافا أن المنفرد يقول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد أو ولك الحمد وإنما اختلفوا في الإمام والمأموم فقالت طائفة من أهل العلم الإمام "إنما" يقول سمع الله لمن حمده فقط ولا يقول ربنا ولك الحمد وممن قال بذلك أبو حنيفة "ومالك" والليث ومن تابعهم وحجتهم ظاهر حديث أنس هذا وما كان مثله وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي وأحمد بن حنبل يقول الإمام سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد وحجتهم حديث أبي هريرة وأبي سعيد وعبدالله بن أبي أوفى كلهم حكى عن النبي أنه كان يقول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد.

وذكر الدارقطني حديثا غريبا من طريق ابن أخي ابن وهب عن عمه عن مالك والليث عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبدالرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله كان يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ولو كان هذا صحيحا عند مالك والليث لم يخالفاه في الفتوى والله أعلم.

وقال الشافعي ويقول المأموم أيضا سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد كما يقول الإمام المنفرد لأن الإمام إنما جعل ليؤتم به وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وأحمد بن حنبل لا يقول المأموم سمع الله لمن حمده وإنما يقول ربنا ولك الحمد فقط وحجتهم حديث أنس هذا وحديث أبي موسى المذكور في هذا الباب وما كان مثلهما وسيأتي هذا المعنى في هذه المسألة في باب ابن شهاب عن سالم إن شاء الله.

وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن ما اختاره مالك رحمه الله من قول ربنا ولك الحمد بالواو وذكره ابن القاسم وغيره عنه.

وأخبرنا عبدالله بن محمد بن يحيى قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا "أبو بكر" الأثرم قال سمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل رحمه الله يثبت أمر الواو في ربنا ولك الحمد وقال روى الزهري فيه ثلاثة أحاديث عن أنس بن مالك وعن سعيد عن أبي هريرة وعن سالم عن أبيه قال وفي حديث علي الطويل ولك الحمد "والله الموفق"

حديث ثالث لابن شهاب عن أنس[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن أنس "بن مالك" أن رسول الله أتى بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن حدثنا خلف بن قاسم حدثنا العباس بن مطروح حدثنا "محمد بن جعفر الوكيعي وحدثنا خلف حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن محمد الحلبي حدثنا محمد بن عبدالله بن سعيد" وحدثنا خلف حدثنا عباس بن محمد بن سليمان "بن يحيى" الضبي البغدادي حدثنا محمد بن جعفر بن زريق قالوا حدثنا هشام بن عمار حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله أتى بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن لم يختلف الرواة عن مالك في إسناد هذا الحديث ولا في ألفاظه فيما علمت وقد رواه ابن عيينة عن ابن شهاب فأحسن سياقته وذكر فيه ألفاظ لم يذكرها مالك.

أخبرنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي قال حدثنا سعدان بن نصر والحسن بن محمد قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري سمع أنس بن مالك يقول قدم النبي المدينة وأنا ابن عشر سنين ومات وأنا ابن عشرين سنة فكن أمهاتي يحثثني على خدمته فدخل علينا النبي دارنا فحلبنا له من شاة لنا داجن فشيب له من ماء بير في الدار وأبو بكر عن شماله وأعرابي عن يمينه فشرب النبي وعمر ناحية فقال عمر أعط أبا بكر فناول الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن وقد روى هذا الحديث محمد بن الوليد البسري عن عبدالرحمن بن مهدي عن مالك عن الزهري عن أنس مثل رواية ابن عيينة عن الزهري سواء وزاد فيه "وقال الأيمن" فالأيمن فمضت سنة

قال الدارقطني ولم يرو "أحد" هذا الحديث عن مالك بهذه الألفاظ إلا البسرى عن ابن مهدي عنه وإن كان أحفظ فقد أغرب بألفاظ عدة ليست في الموطأ منها "قوله" قدم رسول الله "المدينة" وأنا ابن عشر سنين ومات وأنا ابن عشرين سنة وكن أمهاتي يحثثنني على خدمته فدخل النبي دارنا فحلبنا له من شاة لنا داجن فكل هذه الألفاظ ليست في الموطأ وقوله أيضا وعمر ناحية فقال عمر أعط أبا بكر ليست في الموطأ وقوله فمضت سنة ليس في الموطأ ولا في حديث ابن عيينة أيضا وسائر الألفاظ كلها محفوظة عن ابن عيينة عن الزهري عن أنس وقد بلغني عن بعض من تكلف الكلام في هذا الشأن أنه قال الأعرابي في هذا الحديث هو خالد ابن الوليد وهذا منه إغفال شديد وإقدام على القول بالظن الذي هو أكذب الحديث أو تقليد لمن سلك في ذلك سبيله ووهم بين وغلط واضح من وجهين أحدهما أن الأعرابي كان عن يمينه في حديث أنس هذا وخالد بن الوليد كان في قصة ابن عباس عن يساره عليه السلام وابن عباس عن يمينه والآخر أنه اشتبه "عليه" حديث سهل بن سعد في الأشياخ مع الغلام مع حديث أنس في أبي بكر والأعرابي وإنما دخلت عليه الشبهة في ذلك والله أعلم لأن في حديث سهل وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ والأشياخ "أحدهم خالد بن الوليد وقصة ابن عباس وخالد غير قصة أبي بكر والأعرابي وحديث أنس غير حديث سهل بن سعد فقف على ذلك ولا تلتفت إلى سواه وسنذكر حديث سهل في باب أبي حازم إن شاء الله" "وقد روى مفسرا عن يمينه ابن عباس وعن يساره خالد بن الوليد وسيأتي ذكر ذلك الحديث في باب أبي حازم إن شاء الله تعالى والله المستعان".

في هذا الحديث من رواية مالك من الفقه إباحة شرب اللبن وإن ذلك ليس من الإسراف لأنه مستحيل أن يأتي رسول الله في أكله أو شربه سرفا وفيه دليل على أن من قدم إليه شيء يأكله أو يشربه حلالا فليس عليه أن يسأل وأين هو وما أصله إذا علم طيب مكسب صاحبه في الأغلب من أمره ألا ترى أن رسول الله لم يسأل الذي أتاه باللبن من أين لك هذا وفيه إجازة خلط اللبن بالماء لمن أراد شربه ولم يرد به البيع لأن قوله قد شيب بماء أي "قد" خلط بماء "ومعنى" الشوب الخلط وجمعه أشواب وإنما قلنا إذا لم يرد به البيع لأن خلط الماء باللبن غش وقد قال رسول الله من غشنا فليس منا وقد بلغني أن عمر بن الخطاب أهراق لبنا قد شيب بماء على مريد بيعه والغش به وفيه مجالسة أهل البادية وتقريبهم إذا كان لذلك وجه وفيه أن المجلس عن يمين الرجل وعن يساره سواء إذ لو كان الفضل عن يمين الرجل لما آثر به رسول الله أعرابيا على أبي بكر ويحتمل أن يكون ذلك "أيضا" دليلا على أن "من" سبق من مجلس العلم إلى مكان كان أولى به من غيره كائنا من كان ودليلا على أنه لا يقام أحد من مجلسه لأحد وإن كان أفضل منه وفيه من أدب المواكلة والمجالسة إن الرجل إذا أكل أو شرب ناول فضله الذي على يمينه كائنا من كان وإن كان مفضولا وكان الذي على يساره فاضلا وفي القياس على هذاالنص في هذا الحديث إن لو كان كافرا كان الأدب والسنة أن يؤثر من على اليمين أبدا على من كان على اليسار بفضل الشراب والله أعلم وكان رسول الله يحب التيامن في أمره كله كذلك ثبت عنه

وفيه مواساة الجلساء فيما يأتي صاحب المجلس من الهدايا وقد روى مرفوعا جلساؤكم شركاؤكم في الهدية.

وهذا إن صح فعلى الندب إلى التحاب وبر الجليس وإكرام الصديق وهذا كله من محاسن الأخلاق.

وقد حكى بعض الناس عن مالك في هذا الحديث شيئا خلاف ما يوجبه ظاهره ولا يصح وبالله العصمة والتوفيق.

وروى مندل بن علي عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال قال رسول الله من أتته هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها .

حديث رابع لابن شهاب عن أنس[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل فقال ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال "رسول الله " اقتلوه قال مالك قال ابن شهاب ولم يكن رسول الله يومئذ محرما.

اختلف في اسم ابن خطل "هذا فقيل هلال بن خطل وقيل عبدالعزى بن خطل وقيل عبدالله بن خطل" هذا قول ابن إسحاق وجماعة وقال الزبير بن بكار ابن خطل الذي أمر رسول الله بقتله يوم فتح مكة وإن كان متعلقا بأستار الكعبة فقتل على تلك الحال هو هلال بن عبدالله بن عبد مناف بن أسعد بن جابر بن كبير بن "تيم" بن غالب ابن فهر قال وعبدالله هو الذي يقال له خطل ولأخيه عبدالعزى بن عبد مناف أيضا خطل هما جميعا الخطلان قال فبنو تيم بن غالب بن فهر يقال لهم بنو الأدرم وتيم هو الأدرم بن غالب.

قال أبو عمر : المغفر ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان أو من غيره وقد روى بشر بن عمر الزهراني عن مالك هذا الحديث بإسناده وقال فيه مغفر من حديد وليس في الموطأ من حديد "ولا أعلم أحدا ذكر ذلك عن مالك غير بشر بن عمر في هذا الحديث"

حدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أبو قلابة الرقاشي قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله دخل مكة وعليه مغفر من حديد فلما نزعه قيل له ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه .

وروى هذا الحديث روح بن عبادة عن مالك بإسناده هذا وفيه زيادة وطاف وعليه المغفر ولم يقله غيره عنه والله أعلم ورواه عبدالله بن جعفر المدني عن مالك عن الزهري عن أنس قال دخل رسول الله يوم الفتح مكة وعلى رأسه المغفر واستلم الحجر بمحجن وهذا أيضا لم يقله عن مالك والله أعلم غير عبدالله بن جعفر وهذا حديث انفرد به مالك رحمه الله لا يحفظ عن غيره ولم يروه أحد عن الزهري سواه من طريق صحيح.

وقد روى عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن أنس ولا يكاد يصح وروى "أيضا" من غير هذاالوجه ولا يثبت أهل العلم بالنقل فيه إسناداً غير حديث مالك

وقد رواه عن مالك واحتاج إليه فيه جماعة "من الأئمة" يطول ذكرهم وقد ذكرهم شيخنا أبو القاسم خلف بن القاسم الحافظ رحمه الله في كتاب "جمعه" في ذلك ومن أجل من رواه عن مالك ابن جريج.

حدثنا أبو محمد مسلمة بن محمد قال حدثنا أبو القاسم عبدالسلام بن محمد بن أبي موسى قال حدثنا أبو بكر عبدالله بن أبي داود قال حدثنا محمد بن مصفى قال حدثنا محمد بن حرب قال حدثنا ابن جريج عن مالك عن الزهري عن أنس أن النبي دخل مكة "وعلى رأسه مغفر

وفي هذا الحديث من الفقه دخول مكة" بغير إحرام وبالسلاح وإظهار السلاح فبها ولكن هذا عند جميع العلماء منسوخ ومخصوص بقوله إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار يعني يوم الفتح وقد تكلمنا على معنى هذا الحديث في كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة في كتاب البخاري بما يغني عن إعادته هاهنا

حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا سعيد بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا البخاري قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبدالوهاب قال حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي قال إن الله حرم مكة "فلا تحل لأحد قبلي ولا تحل" لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار وذكر الحديث ورواه منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس مثله أن رسول الله قال يوم فتح مكة إن هذا بلد حرام لم يحل لأحد قبلي ولا يحل لأحد بعدي وإنما أحل لي ساعة من نهار ثم هو حرام إلى يوم القيامة وروى أبو شريح الكعبي وأبو هريرة وجماعة عن النبي مثله وكان ابن شهاب رحمه الله يقول لا بأس أن تدخل مكة بغير إحرام وخالفه في ذلك أكثر العلماء وما أعلم أحدا تابعه على ذلك إلا الحسن البصري روى خالد بن عبدالله عن أشعث عن الحسن أنه لم يكن يرى بأسا أن يدخل الرجل مكة بغير إحرام وإلى هذا ذهب داود بن علي وأصحابه وذكروا قول ابن شهاب والحسن وأن ابن عمر رجع من طريقه فدخلها بغير إحرام واحتجوا بأن موجب الإحرام موجب حج أو عمرة لم يوجبها الله ولا رسوله ولا اتفق المسلمون على ذلك

وقال الشافعي من دخل مكة خائفا لحرب أو خائفا من سلطان أو ممن لا يقدر على دفعه جاز له دخول مكة بغير إحرام لأنه في معنى المحصر وقد روى عن الشافعي مثل قول ابن شهاب وداود "في هذا الباب" والمشهور عنه إنها لا تدخل إلا بإحرام "إلا ما ذكرت عنه" وقال ابن وهب عن مالك لست آخذ بقول ابن شهاب في دخول الإنسان مكة بغير إحرام وكره ذلك وقال إنما يكون ذلك على مثل ما عمل عبدالله بن عمر إلا رجلا يأتي بالفاكهة من الطائف أو ينقل الحطب يبيعه فلا أرى بذلك بأسا قيل له ورجوع ابن عمر من قديد إلى مكة بغير إحرام فقال ذلك أنه جاءه خبر من جيوش المدينة وقال إسماعيل بن إسحاق القاضي كره أكثر أهل العلم أن يدخل أحد مكة إلا محرما

ورخصوا للحطابين ومن أشبههم ممن يكثر اختلافه إلى مكة ورخص أيضا لمن خرج من مكة يريد بلدة ثم بدا له أن يرجع كما صنع عبدالله بن عمر قال وأما من نزع من موضعه إلى مكة في تجارة أو غيرها فلا ينبغي أن يدخلها إلا محرما لأنه يأتي الحرم فينبغي له أن يحرم لدخوله إياه "قال" ومما يؤكد ذلك أن رجلا لو جعل على نفسه مشيا إلى مكة لوجب عليه أن يدخلها محرما بحج أو عمرة قال وأما حديث الزهري عن أنس أن رسول الله دخل عام الفتح "مكة" وعلى رأسه المغفر فإن هذه والله أعلم حال خصوص لأنه أحلت له مكة بعض ذلك اليوم فلم يكن لإحرامه وجه لأنها كانت حلالا "له" ساعة وإنما يستحب أن لا يدخلها "إلا" محرما من أجل أنها حرم وذكر حديث طاوس أن النبي لم يدخل قط مكة إلا محرما إلا يوم الفتح.

قال أبو عمر : قد اختلف العلماء فيمن دخل مكة بغير إحرام فقال مالك والليث لا يدخل أحد مكة من أهل الآفاق إلا محرما فإن لم يفعل أساء ولا شيء عليه وهو قول الشافعي وأبي ثور وقال الشافعي من دخل مكة غير محرم فقد أساء ولا شيء عليه لأن الحج والعمرة لا يجبان إلا على من نواهما وأحرم بهما قال الشافعي وسنة الله في عباده أن لا يدخلواالحرم إلا حرما قال ومكة مبابنة لسائر البلاد فلا يدخلها أحد إلا بإحرام إلا أن من أصحابنا من رخص للحطابين وشبههم ممن يدخل لمنافع أهله ونفسه قال أبو ثور ليس على العراقي يدخل مكة بغير إحرام لحاجة شيء وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يدخل أحد مكة بغير إحرام فإن دخلها أحد غير محرم فعليه حجة أو عمرة وهو قول الثوري إلا أنه قال فإن لم يحج ولم يعتمر قيل له استغفر الله وهو قول عطاء والحسن بن حي.

قال أبو عمر : لا أعلم خلافا بين فقهاء الأمصار في الحطابين ومن يدمن الاختلاف إلى مكة ويكثره في اليوم والليلة أنهم لا يؤمرون بذلك لما عليهم فيه من المشقة ولو ألزموا الإحرام لكان عليهم في اليوم الواحد ربما عمر كثيرة وقد دخل عبدالله بن عمر مكة بغير إحرام وذلك أنه خرج عنها ثم خوف فانصرف بغير إحرام فمثل هذا وشبهه رخص له

وذكر عبدالرزاق أخبرنا عبيدالله بن عمر عن نافع قال خرج ابن عمر من مكة يريد المدينة فأخبر بالفتنة فرجع فدخل مكة بغير إحرام وقد كان ابن عباس وأصحابه يشددون في ذلك ذكر عبدالرزاق أخبرنا ابن جريج قال أخبرنا عطاء أنه سمع ابن عباس يقول لا عمرة على أهل مكة من أجل الطواف إلا أن يخرج أحدهم من الحرم فلا يدخله إلا حراما قال فقيل له فإن خرج قريبا لحاجته قال يقضي حاجته ويجمع مع قضائها عمرة قال وأخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال لا يحل لأحد من خلق الله أن يدخل لحاجة ولا لغيرها إلا حراما فإن النبي لم يدخلها قط إلا حراما إلا عام الفتح قال وأخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح عن عطاء أنه كان يرخص للحطابين من أهل مكة أن يدخلوها بغير إهلال.

قال أبو عمر : أما قتل عبدالله بن خطل فلأن رسول الله قد كان عهد فيه أن يقتل وإن وجد متعلقا بأستار الكعبة لأنه ارتد بعد إسلامه وكفر بعد إيمانه وبعد قراءته القرآن وقتل النفس التي حرم الله ثم لحق بدار الكفر بمكة واتخذ قينتين يغنيانه بهجاء النبي فعهد فيه رسول الله بما عهد في ستة نفر معه قد ذكرهم ابن إسحاق وغيره وامرأتين فيما قاله ابن إسحاق وقال الواقدي أربع نسوة روى زيد بن الحباب وإبراهيم بن علي الغزي القرشي عن مالك عن الزهري عن أنس أن ابن خطل كان يهجو رسول الله بالشعر وروى شبابة "ابن سوار" عن مالك عن الزهري عن أنس قال دخل رسول الله مكة ثم قال من رأى منكم ابن خطل فليقتله وزعم بعض أصحابنا المتأخرين أن رسول الله إنما قتل ابن خطل لأنه كان يسبه "" والذي ذكر ابن إسحاق في المغازي غير هذا مما نذكره بعد عنه في هذا الباب إن شاء الله ولو كانت العلة في قتله ما ذكره هذا القائل ما ترك منهم من كان يسبه وما أظن أحدا منهم امتنع في حين كفره ومحاربته "له" من سبه وجعل القائل هذا حجة لقتل الذمي إذا سب رسول الله وهذا لا يجوز عند أحد علمته من العلماء أن يقيس الذمي على الحربي لأن ابن خطل في دار حرب كان ولا ذمة له وقد حكم الله عز وجل في الحربي إذا قدر عليه بتخير الإمام فيه إن شاء قتله وإن شاء من عليه وإن شاء فدى به فلهذا قتل رسول الله ابن خطل وغيره ممن أراد منهم قتله على أن ابن خطل كان قد قتل رجلا من الأنصار مسلما ثم ارتد كذلك ذكر أهل السير وهذا يبيح دمه عند الجميع وقد اختلف الفقهاء في الذي يسب رسول الله

فقال مالك من شتم النبي "من أهل الذمة" قتل إلا أن يسلم وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري يعزر ولا يقتل وقال الليث يقتل مكانه وقال الشافعي يؤخذ على من صولح من الكفار فذكر أشياء منها ومتى ذكر أحد منهم كتاب الله أو محمدا بما لا ينبغي فقد أحل دمه "قال الطحاوي فهذا يدل على أنه إن لم يشترط ذلك عليه فلا يستحل ماله".

واحتج الطحاوي لقول أصحابه بمالا حجة فيه والقول عندي في ذلك قول مالك والليث وقد روى عن ابن عمر أنه قيل له في راهب سب النبي قال لو سمعته لقتلته ولا مخالف له من الصحابة علمته ولا يخلو أمر رسول الله بقتل ابن خطل من أحد وجهين أما أن ذلك كان في الوقت الذي أحلت له مكة وهي دار حرب وكفر وكان له أن يريق دم من شاء من أهلها في الساعة التي أحل له فيها القتال أو يكون على مذهب جماعة من العلماء في أن الحرم لا يجير من وجب عليه القتل وكان هؤلاء ممن وجب قتله لما ذكرنا

فلم يجرهم "الحرم" وهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما وحديثا فأما مالك فقال من وجب عليه القصاص في الحرم اقتص منه ومن قتل ودخل الحرم لم يجره ولم يمنع الحرم حدا وجب وهو قول الشافعي ورواه ابن سماعة عن أبي يوسف وقال أبو حنيفة إذا وجب عليه قصاص أو حد "فدخل الحرم" لم يقتص منه في النفس ولا يحد فيما يأتي على النفس وتقام الحدود عليه فيما دون النفس مما سوى ذلك حتى يخرج من الحرم وكذلك قال زفر قال وإن قتل في الحرم "أو زنى في الحرم" رجم وقتل في الحرم وروى محمد بن شجاع عن الحسن بن زياد عن أبي يوسف قال يخرج من الحرم فيقتل وكذلك في الرجم وقد ذكرنا هذه المسألة وبيناها وأوضحنا وجه الصواب فيها في كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة.

حدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد بن عبدالواحد بن شريك قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قال وأما عبدالله بن خطل فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه وهو رجل من بني تيم بن غالب قال وإنما أمر رسول الله بقتله لأنه بعثه مصدقا وكان مسلما وبعث معه رجلا من الأنصار وكان معه مولى له يخدمه وكان مسلما فنزل ابن خطل منزلا وأمر المولى أن يذبح له تيسا ويصنع له طعاما فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا.

وأخبرني عبدالله بن محمد بن أسد قال حدثنا محمد بن عبدالله بن اشته "الأصبهاني المقرىء" قال حدثنا أحمد بن عبدالعزيز الجوهري أبو بكر قال حدثنا أبو زيد عمر بن شبة قال أخبرنا محمد بن حاتم قال أخبرنا يونس بن محمد قال حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال لما افتتح النبي مكة أخذ أبو برزة الأسلمي هو وسعيد بن حريث عبدالله بن خطل وهو الذي كانت تسميه قريش ذا القلبين فأنزل الله عز وجل {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} فقدمه فضرب عنقه وهو متعلق بأستار الكعبة فأنزل الله عز وجل {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} وذكر تمام الخبر

قال أبو عمر : قد قيل في ذي القلبين أنه جميل بن معمر الجمحي وقيل ذلك في رجل من بني فهر وروى محمد بن سليم بن الوليد العسقلاني عن محمد بن أبي السرى عن عبدالرزاق عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال دخل رسول الله يوم الفتح وعليه عمامة سوداء وعنده بهذا الإسناد أن النبي دخل مكة وعلى رأسه المغفر ومحمد بن سليم هذا وإن لم يكن ممن يعتمد عليه فإنه قد تابعه على ذلك بهذا الإسناد الوليد بن مسلم ويحيى الوحاظي ومع هذا كله فإنه لا يحفظ عن مالك في هذا

"الإسناد" إلا المغفر لا عمامة سوداء على ما في الموطأ وقد روى عن النبي أنه دخل عام الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء من حديث جابر من رواية مالك وغيره

فأما حديث مالك فأخبرناه أبو الفتح إبراهيم بن علي بن سيبخت إجازة كتب إلي بخطه وحدثنيه بعض اصحابنا "عنه" قال حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي القاضي قال حدثنا أحمد بن إسماعيل قال حدثنا مالك بن أنس عن أبي الزبير عن جابر أن النبي دخل مكة وعلى رأسه عمامة سوداء وهذا حديث غريب من حديث مالك ولم يقل فيه مالك عام الفتح وهو محفوظ من حديث جابر هذا.

أخبرنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن أحمد "ابن المسور قال حدثنا أبو الطاهر" محمد بن أحمد بن عثمان المدني قال حدثنا الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا يحيى بن آدم قال أخبرنا شريك عن عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر قال دخل رسول الله يوم فتح مكة وعلى رأسه عمامة سوداء ولواؤه أبيض وحدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد "بن سلمة" عن أبي الزبير عن جابر بن عبدالله أن رسول الله دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء.

قال أبو عمر : ليس هذا "عندي" بمعارض لحديث ابن شهاب لأنه قد يمكن أن يكون على رأسه عمامة سوداء وعليها المغفر فلا يتعارض الحديثان وقد روى عن داود بن الزبرقان عن معمر بن راشد ومالك بن أنس جميعا عن ابن شهاب الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله دخل عام الفتح مكة في رمضان وليس بصائم وهذا اللفظ ليس بمحفوظ بهذا الإسناد لمالك إلا من هذا الوجه وقد روى سويد بن سعيد عن مالك عن الزهري عن أنس أن النبي دخل مكة عام الفتح غير محرم وتابعه على ذلك عن مالك إبراهيم بن علي المغنزلي وهذا لا يعرف هكذا إلا بهما وإنما هو في الموطأ عند جماعة الرواة من قول ابن شهاب قال قال مالك "قال ابن شهاب" ولم يكن رسول الله يومئذ محرما لم يرفعه إلى أنس وذكر عبدالرزاق عن معمر عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله دخل مكة في عمرة القضاء وهو محرم وابن رواحة بين يديه وهو يقول :

خلوا بني الكفار عن سبيله ... قدأنزل الرحمان في تنزيله ... بأن خير القتل في سبيله

ومما يدل على أن دخلوه "مكة" عام فتح مكة وعلى رأسه المغفر خصوص له وأنها أحلت له ساعة من نهار ثم عادت إلى حالها : ما أخبرناه أبو الحسن محمد بن أحمد ابن العباس الأخميمي فيما كتب بإجازته إلي وأذن لي أن أرويه عنه قال حدثنا علي بن أحمد علان قال حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثنا الحسن بن محمد بن أعين الحراني قال حدثنا معقل بن عبيدالله عن أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله يقول لا يحل لأحد أن يحمل بمكة سلاحا

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أحمد ابن مفضل قال حدثنا أسباط بن نصر قال زعم السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم "متعلقين" بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبدالله بن خطل ومقيس بن حبابة وعبدالله بن سعد بن أبي سرح فأما عبدالله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاسنبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أشد الرجلين فقتله وأما مقيس بن حبابة فأدركه الناس وهو في السوق فقتلوه وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم ريح عاصف فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا هاهنا فقال عكرمة والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ما ينجيني في البر غيره اللهم إن لك علي عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما قال فجاء فأسلم وأما عبدالله بن سعد بن أبي سرح

فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان فلما دعا النبي الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي فقال يا رسول الله بايع عبدالله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى" فبايعه بعد ثلاث" ثم أقبل على أصحابه فقال أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله فقالوا ما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك ألا أومأت إلينا بعينك فقال إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة أعين.

وأخبرنا قاسم بن محمد "قال" حدثنا خالد بن سعد حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور حدثنا محمد بن سنجر حدثنا أحمد بن مفضل حدثنا أسباط بن نصر قال زعم السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال لما كان يوم فتح مكة فذكره سواء إلى آخره.

حديث خامس لابن شهاب عن أنس[عدل]

مالك "عن ابن شهاب" عن أنس بن مالك قال كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة هكذا "هو" في الموطأ ليس فيه ذكر النبي ورواه عبدالله بن نافع وابن وهب في رواية يونس بن عبدالأعلى عنه وخالد بن مخلد وأبو عامر العقدي كلهم "عن مالك" عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله كان يصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة وكذلك رواه عبدالله بن المبارك عن مالك عن الزهري وإسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة جميعا عن أنس أن رسول الله كان يصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء قال "أحدهم" فيأتيهم وهم يصلون وقال الآخر فيأتيهم والشمس مرتفعة فهؤلاء رووا هذاالحديث عن مالك على خلاف لفظ الموطأ وهو حديث مرفوع عند أهل العلم بالحديث لأن معمرا وغيره من الحفاظ قالوا فيه عن الزهري عن أنس أن رسول الله كان يصلي العصر ويذهب الذاهب إلى العوالي "فيأتيهم" والشمس مرتفعة هكذا قال فيه جماعة أصحاب ابن شهاب عنه يذهب الذاهب إلى العوالي وهو الصواب عند أهل الحديث وقول مالك "عندهم" إلى قباء وهم لا شك فيه ولم يتابعه أحد عليه في حديث ابن شهاب هذا إلا أن المعنى في ذلك متقارب على سعة الوقت لأن العوالي مختلفة المسافة وأقربها إلى المدينة ما كان على ميلين أو ثلاثة ومنها ما يكون "على" ثمانية أميال وعشرة ومثل هذا هي المسافة بين قباء وبين المدينة وقباء موضع بني عمرو بن عوف وقد نص على بني عمرو بن عوف في حديث أنس هذا إسحاق بن أبي طلحة وقد مضى ذكر حديثه ذلك في بابه من هذا الكتاب والحمد لله.

حدثني أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن معاوية قال سمعت أبا عبدالرحمن النسائي يقول لم يتابع مالكا أحد على قوله في حديث الزهري عن أنس إلى قباء والمعروف "فيه" إلى العوالي وكذلك قال الدارقطني وغيره وقد رواه خالد بن مخلد عن مالك فقال فيه إلى العوالي كما قال سائر أصحاب ابن شهاب حدثني أحمد بن عبدالله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا مالك بن عيسى قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب الزهري عن أنس قال كنا نصلي العصر فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة هكذا رواة خالد بن مخلد عن مالك وسائر رواة الموطأ قالوا قباء

حدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أن المغيرة بن شعبة كان يؤخر الصلاة فقال له رجل من الأنصار أما سمعت رسول الله يقول قال جبريل صل صلاة كذا "في ساعة كذا" حتى عد الصلوات قال بلى قال وأشهد أنا كنا نصلي العصر مع النبي والشمس بيضاء نقية ثم نأتي بني عمرو بن عوف وإنها لمرتفعة وهي على "رأس" ثلثي فرسخ من المدينة وفي هذا الحديث من الفقه تعجيل العصر وعلى هذا كان الأمر الأول ألا ترى إلى حديث مالك عن العلاء قال صلينا الظهر ثم دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر وذلك أنهم كانوا صلوا الظهر مع بعض بني أمية بالبصرة ثم دخلوا على أنس فوجدوه يصلي العصر وسنذكر هذا الخبر في باب العلاء إن شاء الله تعالى وفيه ما يدل على أن مراعاة القامة في الظهر والقامتين في العصر استحباب وأن وقت العصر ممدود ما كانت الشمس بيضاء نقية وكذلك حد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقت العصر مثل هذا الحد وكتب به إلى عماله

وقد روى نحو هذا عن جماعة من الصحابة منهم عائشة في قولها كان رسول الله يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر وروى الأوزاعي قال حدثني أبو النجاشي قال حدثني رافع بن خديج قال كنا نصلي مع رسول الله صلاة العصر ثم ننحر جزورا فنقسمه عشر قسم ثم نطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل أن تغيب الشمس وفي حديث أبي أروى الدوسي كنت أصلي مع رسول الله ثم أمشي إلى ذي الحليفة فآتيهم قبل أن تغيب الشمس وأبو أروى اسمه ربيعة

وحدثني خلف بن قاسم قال حدثنا الحسين بن جعفر بن إبراهيم أبو أحمد الزيات بمصر قال حدثنا يوسف بن يزيد القراطيسي أبو يزيد قال حدثنا النضر بن عبدالجبار قال حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن أنس قال كنا نصلي العصر والشمس مرتفعة فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة وكذلك "

رواه أسد بن موسى قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثني ابن شهاب قال حدثني أنس بن مالك فذكره

وكذلك ذكره ابن أبي ذئب في موطئه عن ابن شهاب وأخبرنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحسين بن علي أبو محمد الأشناني ببغداد قدم علينا بها من الشام قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن زبريق قال حدثنا محمد بن حمير قال حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله كان يصلي العصر والشمس مرتفعة حية فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة قال والعوالي من المدينة على عشرة أميال ومن حديث ابن شيبان قال قدمنا على النبي فكان يؤخر العصر ما كانت الشمس بيضاء نقية وقد مضى ذكر هذا الحديث وما كان مثله في باب إسحاق من هذا الكتاب والحمد لله "ومضى في باب زيد بن أسلم مذاهب الفقهاء في وقت العصر خاصة وسيأتي تلخيص مذاهبهم في جميع أوقات الصلوات مستوعبة مجملة ومفسرة في باب ابن شهاب عن عروة إن شاء الله تعالى"

ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي حديث واحد متصل[عدل]

أخبرنا أبو محمد عبدالله بن محمد بن عبدالمؤمن قال حدثنا أبو الحسين عبدالباقي بن قانع القاضي ببغداد قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال كان لفظ الزهري إذا حدثنا عن أنس وسهل بن سعد سمعت سمعت.

قد ذكرنا سهل بن سعد في كتابنا في الصحابة فأغنى عن ذكره هاهنا.

مالك عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي أنه أخبره أن عويمر بن أشقر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي "الأنصاري" فقال له يا عاصم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله فسأل عاصم رسول الله فكره رسول الله "المسائل" وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله "فلما جاء عاصم إلى أهله جاء عويمر" فقال يا عاصم ماذا قال لك رسول الله فقال عاصم لم تأتني بخير قد كره رسول الله "المسألة" التي سألته عنها فقال عويمر والله لا أنتهي حتى أسأله عنها فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله وهو وسط "الناس" فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل فقال رسول الله " قد أنزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها" فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله فلما فرغا "من تلاعنهما" قال "عويمر" كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها عويمر ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله "قال مالك" قال ابن شهاب فكانت تلك "بعد" سنة المتلاعنين هكذا هو في الموطأ عند جماعة الرواة

قال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين ورواه جويرية عن مالك بإسناده عن ابن شهاب عن سهل وساقه بنحو ما في الموطأ إلى آخره وقال فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله فكان فراقه إياها سنة هكذا قال في نسق الحديث جعله من قول سهل بن سعد لا من قول ابن شهاب وكذلك رواه إبراهيم بن طهمان عن مالك بإسناده ومعناه وقال في آخره فلما فرغا من تلاعنهما طلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله قال فكانت فرقته إياها سنة بعد ومن رواة إبراهيم بن طهمان من يقول عنه فيه فكان طلاقه إياها سنة كل ذلك مدرج في كلام سهل لا من قول ابن شهاب وهو عند جماعة رواة الموطأ من قول ابن شهاب كذلك هو عند القعنبي ومطرف ومعن بن عيسى وابن بكير وابن القاسم وابن وهب والشافعي وأبي مصعب والتنيسي ويحيى بن يحيى النيسابوري وأحمد بن إسماعيل المدني وعبدالله بن نافع الزبير وغيرهم واختلف أصحاب ابن شهاب في ذلك أيضا

قال الدارقطني وقد روى حديث اللعان عن الزهري عن سهل بن سعد جماعة من الثقات فاختلفوا عنه في قوله فكان فراقه إياها سنة المتلاعنين فأدرجه جماعة منهم في نفس الحديث وجعلوه من قول سهل بن سعد منهم ابن جريج وابن أبي ذئب والأوزاعي وعياض بن عبدالله الفهري وفليح بن سليمان وإبراهيم بن إسماعيل ابن مجمع.

وفصله عقيل بن خالد وإبراهيم بن سعد ومحمد بن إسحاق ويزيد بن أبي حبيب فيما كتب "به" إليه الزهري قالوا في آخره قال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين كما في الموطأ.

وقد حدثنا محمد بن عمروس "إجازة" عن أبي الحسن علي بن عمر الحافظ أنه أخبره ببغداد قال حدثنا البغوي قال قرىء على سويد بن سعيد عن مالك عن الزهري عن سهل بن سعد أن رجلا أتى رسول الله فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فيقتله فيقتلونه أم كيف يفعل قال فأنزل الله فيهما ما ذكر في القرآن من التلاعن فقال رسول الله قد قضى فيك وفي امرأتك قال فتلاعنا وأنا شاهد عند رسول الله فقال يا رسول الله إن أمسكتها فقد كذبت عليها ففارقها فكانت السنة فيهما أن يفرق بين المتلاعنين وكانت حاملا فأنكر حملها وكان ابنها يدعى إليها ثم جرت السنة أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها وهذه الألفاظ لم يروها عن مالك فيما علمت غير سويد بن سعيد والله أعلم

وروى عبدالله بن إدريس هذا الحديث عن مالك ومحمد بن إسحاق جميعا عن ابن شهاب عن سهل بن سعد فذكره بطوله وزاد فيه فقال رسول الله قد أنزل الله فيكما قرآنا وتلا ما أنزل الله في ذلك ولاعن رسول الله بينهما بعد العصر فلما تلاعنا قال يا رسول الله ظلمتها إن أمسكتها فهي الطلاق فهي الطلاق فهي الطلاق ولم يذكر أحد فيما علمت في هذا الحديث أنه لاعن بينهما بعد صلاة العصر إلا ابن إدريس وأظنه حمل لفظ ابن إسحاق على لفظ مالك

وقال الدارقطني لم يقل في هذا الحديث عن ابن شهاب أحد من أصحابه أنه لاعن بينهما بعد صلاة "العصر" غير محمد بن إسحاق وفي هذا الحديث من الفقه السؤال عن الإشكال وفيه أن الاستفهام بأرأيت "عن المسائل" كان قديما في عصر رسول الله وفيه أن من قتل رجلا وادعى أنه إنما قتله لأنه وجده مع امرأته أنه يقتل به وقد بينا هذه المسألة في سهيل بن أبي صالح من هذا الكتاب وفيه أن يتولى السؤال عن مسألتك غيرك وإن كانت مهمة وفيه قبول خبر الواحد لأنه لو لم يجب قبول خبره عنده ما أرسله يسأل له وفيه كراهية سماع الكلام إذا كان فيه تعريض بقبيح قذفا كان أو غيره وقد زعم بعض الناس أن في هذا الحديث دليلا على أن الحد لا يجب في التعريض بالقذف وهذا لا حجة فيه لأن المعرض "به" غير معين وإنما يجب الحد على من عرض بقذف رجل يشير إليه أو يسميه في مشاتمته وبطلبه المعرض به فحينئذ يجب في التعريض "بالقذف" "الحد إذا كان يعلم من المعرض أنه قصد به قصد القذف وقد صح عن عمر أنه كان يحد في التعريض بالقذف" وهو قول مالك إذا كان مفهوما من ذلك التعريض مراد القاذف وللكلام في هذه المسألة موضع غير هذا واختلف الفقهاء في حكم من قذف امرأته برجل سماه فقال مالك ليس على الإمام أن يعلم المقذوف وهو أحد قولي الشافعي والحجة لمن ذهب هذا المذهب قول الله عز وجل {وَلا تَجَسَّسُوا} ولان العجلاني رمى امرأته بشريك ابن سحماء فلم يبعث فيه رسول الله ولا أعلمه وقالت طائفة عليه أن يعلمه لأنه من حقوق الآدميين وقد روى ذلك عن الشافعي واحتج من قال بهذا القول بقول رسول الله واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها وقال مالك أن ذكر المرمى به في التعانه حد له وهو قول أبي حنيفة لأنه قاذف لمن لم يكن به ضرورة إلى قذفه.

وقال الشافعي لا حد عليه لأن الله لم يجعل على من رمى زوجته بالزنا إلا حدا واحدا بقوله {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} ولم يفرق بين من ذكر رجلا بعينه "وبين" من لم يذكره وقد رمى العجلاني زوجته بشريك بن سحماء وكذلك هلال بن أمية فلم يحد واحد منهما وفيه أن طباع البشر أن تكون الغيرة تحمل على سفك الدماء إلا أن يعصم الله عن ذلك بالعلم والتثبت والتقى وفيه أن العالم إذا كره السؤال "له" أن يعيبه وينجه صاحبه وفيه أن من لقى شيئا من المكروه بسبب غيره كان له أن يؤنب ذلك الذي لقي المكروه بسببه ويعاتبه لقول عاصم لعويمر لم تأتني بخير وفيه أن المحتاج إلى المسألة من مسائل العلم لا يردعه عن تفهمها غضب العالم وكراهيته لها حتى يقف على الثلج منها وفيه أن السؤال عما يلزم علمه من أمر الدين واجب في المحافل وغير المحافل وأنه لا حياء يلزم فيه ألا ترى إلى قوله فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله وهو وسط الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل وفيه أن الملاعنة لا تكون إلا عند السلطان

وأنها ليست كالطلاق الذي للرجل أن يوقعه حيث أحب وهذا ما لا خلاف فيه وكذلك لا يختلفون أن اللعان لا يكون إلا في المسجد الذي تجمع فيه الجمعة لأن رسول الله لاعن بين المتلاعنين المذكورين في المسجد ذكر ذلك ابن مسعود وغيره في حديث اللعان وقد ذكرنا حديث ابن مسعود وغيره في باب نافع عن ابن عمر من كتابنا هذا واستحب جماعة من أهل العلم أن يكون اللعان في الجامع بعد العصر وفي أي وقت كان في المسجد الجامع أجزأ عندهم وفيه دليل على أن للعالم أن يؤخر الجواب إذا لم يحضره ورجاه فيما بعد وفيه أن القرآن لم ينزل جملة واحدة إلى الأرض وإنما كان ينزل به جبريل عليه السلام سورة سورة وآية آية على حسب حاجة النبي إليه

وأما نزول القرآن إلى سماء الدنيا فنزل كله جملة واحدة على ما روي عن ابن عباس وغيره في تفسير قول الله عز وجل {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} قالوا ليلة القدر ونزل فيها القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا وفيه أن المتلاعنين يتلاعنان بحضرة الحاكم خليفة كان أوغيره وفي قوله يوجب فسخ النكاح فأشبه الطلاق وكل من يجوز طلاقه يجوز لعانه واللعان أيمان ليس بشهادة ولو كان شهادة "ما" سوى فيه بين "الرجل" والمرأة ولكانت المرأة على النصف من الرجل ولا يشهد أحد لنفسه وقد سمى الله أيمان المنافقين شهادة بقوله {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّه} وقال {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} ومن جهة القياس والنظر محال أن ينتفي عنه ولد الحرة المسلمة باللعان ولا ينتفي عنه ولد الأمة والكتابية باللعان وفيه أن الحاكم يحضر مع نفسه للتلاعن قوما يشهدون ذلك "ألا ترى إلى قول سهل بن سعد فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله وفي شهود" سهل بن سعد لذلك دليل على جواز شهود الغلمان والشبان التلاعن مع الكهول والشيوخ بين يدي الحاكم لأن سهلا كان يومئذ غلاما.

قال أبو عمر : ما أدرك سهل بن سعد النبي إلا وهو غلام صغير

وأخبرنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عبيد الله بن عمر قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا محمد بن إسحاق عن الزهري قال قلت لسهل بن سعد ابن كم أنت يؤمئذ يعني يوم المتلاعنين قال ابن خمس عشرة سنة وقد احتج بهذا الحديث من قال أن الطلاق ثلاثا بكلمة واحدة مباح لأن رسول الله لم ينكر على العجلاني ان طلق امرأته ثلاثا بكلمة واحدة بعد الملاعنة واختلفوا هل تقع الثلاث مجتمعات في الطهر للسنة أم لا وسنذكر ذلك في حديث مالك عن نافع عن ابن عمر إن شاء الله واختلف الفقهاء في فرقة المتلاعنين هل تحتاج إلى طلاق أم لا فقال مالك وأصحابه والليث بن سعد وهو قول زفر بن الهذيل إذا فرغا جميعا من اللعان وقعت الفرقة وإن لم يفرق الحاكم ثم لا يجتمعان أبدا.

ومن حجتهم في أن للفرقة تأثيرا في التعان المرأة وجوبه عليها وقياسا على أن تفاسخ البيع لا يكون إلا بتمام تحالفهما جميعا وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن لا تقع الفرقة بعد فراغهما من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما وهو قول الثوري لقول ابن عمر فرق رسول الله بين المتلاعنين فأضاف الفرقة إليه لا إلى اللعان ولقوله عليه السلام لا سبيل لك عليها.

وحجة مالك أن تفريقه إنما كان إعلاما منه أن ذلك شأن اللعان ومثله قوله لا سبيل لك عليها.

ومن حجته أيضا أنه لما افتقر اللعان إلى حضور الحاكم افتقر إلى تفريقه كفرقة العنين وقال الأوزاعي نحو قول مالك وقال الشافعي إذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان فقد زال فراش امرأته التعنت أو لم تلتعن "قال" وإنما التعان المرأة لدرء الحد لا غير وليس لالتعانها في زوال الفراش معنى ولما كان لعان الزوج ينفي الولد لبعض الحد رفع الفراش "وقد ذكرنا حجته في باب نافع عن ابن عمر من كتابنا هذا والحمد لله".

وكل الفقهاء من أهل المدينة وسائر الحجازيين وأهل الشام وأهل الكوفة يقولون أن اللعان مستغن عن الطلاق وإن حكمه وسنته الفرقة بين المتلاعنين وإنما اختلافهم الذي قدمنا في أن الحاكم يلزمه أن يفرق بينهما إلا عثمان البتي في أهل البصرة فإنه لم ير التلاعن بنقض شيئا من عصمة الزوجين حتى يطلق وهو قول لم يتقدمه إليه أحد من الصحابة على أن البتي قد استحب للملاعن أن يطلق بعد اللعان ولم يستحبه قبل ذلك فدل على أن اللعان عنده قد أحدث حكما.

قال أبو عمر : معنى قول ابن شهاب في آخر حديث مالك فكانت سنة المتلاعنين يعني الفرقة بينهما إذا تلاعنا لا أنه أراد الطلاق وذلك موجود منصوص عليه في حديث ابن شهاب مع ما يعضده من الأصول التي ذكرنا في هذا الكتاب.

وروى ابن وهب في موطئه قال أخبرني عياض بن عبدالله الفهري عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أن عويمر ابن أشقر الأنصاري أحد بني العجلان جاء إلى عاصم فذكر مثل حديث مالك عن ابن شهاب عن سهل وزاد فيه

وكانت امرأة عويمر حبلى فأنكر حملها وكان الغلام يدعى إلى أمه قال وجرت السنة في الميراث أنه يرثها وترث عنه ما فرض الله للأم.

قال ابن شهاب قال عويمر عن ذلك ليس بهذا حقا إن أنا رميت عند رسول الله بكذب قال فمضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا.

فهذا نص عن ابن شهاب في ذلك.

وجمهور الفقهاء على أنه لا يجوز للملاعن أن يمسكها ويفرق بينهما وقد ثبت عن النبي أنه فرق بين المتلاعنين وحدثني سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا حجاج قال حدثنا همام قال حدثنا أيوب أن سعيد بن جبير حدثه عن ابن عمر أن رسول الله فرق بين أخوي بني العجلان

وروى ابن عيينة عن الزهري عن سهل بن سعد أن رسول الله فرق بين المتلاعنين.

وروى مالك عن نافع عن عبدالله بن عمر أن رجلا لاعن امرأته في زمن النبي وانتفى من ولدها ففرق رسول الله بينهما وألحق الولد بأمه ولم يذكر أحد من أصحاب ابن شهاب عنه عن سهل بن سعد في هذا الحديث أن رسول الله فرق بين المتلاعنين غير ابن عيينة وحده وهو محفوظ من حديث ابن عمر ويقولون أنه لم يقل أحد في حديث ابن عمر وألحق الولد بأمه إلا مالك بن أنس وسنذكر حديثه في باب نافع من كتابنا هذا إن شاء الله

واختلفوا في الزوج إذا أبى من الالتعان فقال أبو حنيفة لا حد عليه لأن الله جعل على الأجنبي الحد وعلى الزوج اللعان فلما "لم" ينتقل اللعان إلى الأجنبي لم ينتقل الحد إلى الزوج ويسجن أبدا حتى يلاعن لأن الحدود لا تؤخذ قياسا وقال مالك والشافعي وجمهور الفقهاء إن لم يلتعن الزوج حد لأن اللعان له براءة كما الشهود للأجنبي وإن لم يأت "الأجنبي" بأربعة شهداء حد فكذلك الزوج إن لم يلتعن حد وجائز عند من احتج بهذه الحجة القياس في الحدود وفي حديث العجلاني ما يدل على ذلك لقوله إن سكت سكت على غيظ وإن قتلت قتلت وإن نطقت جلدت وقول رسول الله له عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ومن جهة القياس أيضا "أنه" لما لحق الزوجة من العار بقذف الزوج لها مثل ما لحق الأجنبية وجبت التسوية بينهما.

واختلفوا هل للزوج أن يلاعن مع شهوده فقال مالك والشافعي يلاعن كان له شهود أو لم يكن لأن الشهود ليس لهم عمل إلا درء الحد وأما رفع الفراش ونفي الولد فلا بد فيه من اللعان وقال أبو حنيفة وأصحابه إنما جعل اللعان للزوج إذا لم يكن له شهداء غير نفسه

واختلفوا إذا أكذب نفسه الملاعن هل له أن يراجعها إذا جلد الحد فأجاز ذلك حماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن قالوا يكون خاطبا من الخطاب وقال مالك والثوري والأوزاعي والحسن بن حي والليث بن سعد والشافعي وأبو يوسف وزفر وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد لا يجتمعان أبدا سواء أكذب نفسه أو لم يكذبها ولكنه إن أكذب نفسه جلد الحد ولحق به الولد ولا يجتمعان أبدا وروى ذلك عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وبه قال أكثر علماء التابعين بالمدينة وروى مثل قول أبي حنيفة في هذه المسألة عن سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وإبراهيم وابن شهاب على اختلاف عن إبراهيم وابن شهاب في ذلك لأنه قد روى عنهما أن المتلاعنين لا يتناكحان أبدا وكذلك قال الحسن البصري وقال الشعبي والضحاك إذا أكذب نفسه جلد الحد وردت إليه امرأته وهذا عندي قول ثالث خلاف من قال يكون خاطبا من الخطاب وخلاف من قال لا يجتمعان أبدا

قال أبو عمر : التلاعن يقتضي التباعد فإذا حصلا متباعدين لم يجز لهما أن يجتمعا أبدا وقد قال رسول الله لا سبيل لك عليها وفي قوله هذا إعلام أن الفرقة تقع باللعان وأن السبيل عنها مرتفعة لأن قوله لا سبيل لك عليها مطلق غير مقيد "بشيء".

حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال فرق رسول الله بين المتلاعنين وقال حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها قال يا رسول الله مالي قال "لا" مال لك إن كنت صادقا "فهو" بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت فهو أبعد لك وقال بعض أصحابنا وهو الأبهري ومن جهة المعنى فإنما عوقب الملاعن بمنع التراجع لما أدخل من الشبهة في النسب كما عوقب القاتل عمدا أن لا يرث واحتج أيضا لمذهب مالك في النكاح في العدة أنه يفرق بينهما ولا يتناكحان أبدا بمنع المتلاعنين من ذلك عقوبة لهما لما قطعا من نسب الولد ولم يتصادقا فيه قال فكذلك المتزوج في العدة لما أدخل الشبهة في النسب عوقب بالمنع من الإجتماع ورفع فراشهما لأنه أفرش غير فراشه.

قال أبو عمر : الأصول عند أهل العلم مستغنية عن الإحتجاج لهما والزاني قد افترش غير فراشه ولم يمنع من النكاح بعد الإستبراء ولأهل العلم في هذه المسألة أقوال وأغلال ليس هذا موضع ذكر ذلك "وقول مالك في مسألة الناكح في العدة هو مذهب عمر بن الخطاب" وقد روي عن علي وابن مسعود "في المتلاعنين" مثل ذلك "ولا مخالف لهم من الصحابة" ومن حجة أبي حنيفة ومن ذهب مذهبه في هذه المسألة عموم قول الله عز وجل {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} فلما لم يجمعوا على تحريمها دخلت تحت عموم الآية ومن جهة النظر لما لحق الولد وجب أن يعود الفراش لأن كل واحد منهما يقتضيه عقد النكاح ويوجبه.

قال أبو عمر : ذكر إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب في هذا الحديث عن سهل بن سعد أن المرأة كانت حاملا وأنها جاءت بعد ذلك بولد وتابعه على ذلك ابن جريج فقال في درج حديثه عن ابن شهاب عن سهل أن النبي قال من جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها وإن جاءت به أسود أعين ذا أليتين فلا أراها إلا "قد" صدق عليها فجاءت به على المكروه من ذلك فقال ابن جريج قال ابن شهاب فكانت السنة بعدهما أن يفرق بين المتلاعنين وكانت حاملا وكان ابنها يدعى لأمه قال ثم جرت السنة أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها وسنذكر هذا المعنى بما فيه للعلماء من التنازع في باب نافع عن ابن عمر لأنه أولى به لقول ابن عمر في حديثه وانتفى من ولدها وليس للحمل ولا للولد ذكر في حديث مالك عن ابن شهاب هذا فلذلك أخرناه إلى باب نافع إن شاء الله وأما كيفية اللعان فإن ابن القاسم ذكر عن مالك أنه يحلف أربع شهادات يريد أربع أيمان يقول أشهد بالله لرأيتها تزني وإن نفى حملها زاد ولقد استبريتها وما الحمل مني يقول ذلك أربع مرات والخامسة لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين ثم تقوم هي فتقول أشهد بالله ما رآني أزني وإن حملي لمنه تقول ذلك أربع مرات والخامسة غضب الله عليها إن كان من الصادقين

وقد ذكرنا كيفية اللعان في نفي الحمل عن مالك وأصحابه في باب نافع من كتابنا هذا وكان مالك يقول لا يلاعن إلا أن يقول رأيتك تزني أوينفي حملا أو ولدا منها قال والأعمى يلاعن إذا قذف وقول أبي الزناد ويحيى بن سعيد والليث بن سعد والبتي مثل قول مالك أن الملاعنة لا تجب بالقذف وإنما تجب بإدعاء الرؤية أو نفي الحمل مع دعوى الإستبراء وعندهم أنه إذا قال لزوجته يا زانية جلد الحد والحجة لهذا القول قائمة من الآثار فمنها حديث مالك هذا عن ابن شهاب عن سهل بن سعد قوله فيه أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا ؟.

وكذلك ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا "قاسم بن أصبغ" قال حدثنا إسماعيل ابن إسحاق قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال أخبرني عبدالرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد عن ابن عباس أنه ذكر المتلاعنان عند رسول الله فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا ثم انصرف فأتاه رجل من قومه فذكر أنه وجد مع امرأته رجلا وذكر الحديث

وحدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا يزيد ابن هارون قال أنبأنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينه وسمع بأذنه فلم يهجه حتى أصبح ثم غدا على رسول الله فقال يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندهم رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله ما جاء به واشتد عليه فنزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} الآيتين كلتيهما فسري عن رسول الله فقال ابشر يا هلال "فقد جعل الله لك مخرجا وذكر الحديث بطوله وروى جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال لما قذف هلال" ابن أمية امرأته قيل له والله ليجلدنك رسول الله ثمانين فقال الله أعدل من أن يضربني وقد علم أني رأيت حتى استبنت وسمعت حتى استيقنت فنزلت آية الملاعنة فهذه الآثار كلها تدل على أن الملاعنة التي قضى بها رسول الله إنما كانت بالرؤية فلا يجب أن تتعدى ذلك ومن قذف امرأته ولم يذكر رؤية حد بعموم قوله {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الآية "ومن جهة النظر فإن ذلك قياس على الشهود" ولأن المعنى في اللعان إنما هو من أجل النسب ولا يصح ارتفاعه إلا بالرؤية أو نفي الولد فلهذا قالوا أن القذف "المجرد" لا لعان فيه وفيه الحد لعموم قول الله عز وجل {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} وقياسا على الشهادة التي لا تصح إلا برؤية والله أعلم وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأبو عبيد وأحمد بن حنبل وداود وأصحابهم إذا قال لها يا زانية وجب اللعان إن لم يأت بأربعة شهداء وسواء عندهم قال يا زانية أو رأيتك تزنين أو زنيت وهو قول جمهور العلماء وعامة الفقهاء وجماعة أصحاب الحديث وقد روى أيضا عن مالك مثل ذلك

وحجتهم أن الله عز وجل قال {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} كما قال والذين يرمون المحصنات ولم يقل في واحدة منهما برؤية ولا بغير رؤية وسوى بين الرميين بلفظ واحد فمن قذف محصنة غير زوجته ولم يأت بأربعة شهداء جلد الحد ومن قذف زوجته ولم يأت بأربعة شهداء لاعن فإن لم يلاعن حد وقد أجمعوا أن الأعمى يلاعن إذا قذف امرأته ولو كانت الرؤية من شرط اللعان ما لاعن الأعمى ولهم في هذا حجج يطول ذكرها واختلفوا في ملاعنة الأخرس فقال مالك والشافعي يلاعن لأنه ممن يصح طلاقه وظهاره وإيلاؤه إذا فهم ذلك عنه ويصح يمينه للمدعى عليه وقال أبو حنيفة لا يلاعن لأنه ليس من أهل الشهادة ولأنه قد ينطلق لسانه فينكر اللعان فلا يمكننا إقامة الحد عليه وقال الشافعي يقول الملاعن أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة بنت فلان ويشير إليها إن كانت حاضرة يقول ذلك أربع مرات ثم يقعده الإمام ويذكره الله ويقول له إني أخاف إن لم تكن صدقت أن تبوء بلعنة الله فإن رآه يريد أن يمضي على ذلك أمر من يضع يده على فيه ويقول إن قولك وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين موجبة إن كنت كاذبا فإن أبى تركه يقول ولعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة من الزنا.

قال أبو عمر : أخذ الشافعي هذا من حديث سفيان بن عيينة عن عاصم بن كليب "عن أبيه" عن ابن عباس أن رسول الله أمر رجلا حيث أمر المتلاعنين أن يتلاعنا أن يضع يده على فيه عند الخامسة يقول إنها موجبة.

ابن شهاب عن عبدالله بن عامر بن ربيعة حديث واحد مسند[عدل]

وهو عبدالله بن عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة بن عامر بن سعد بن عبدالله بن الحرث بن رفيدة بن عتر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمى بن جديلة ابن أسد بن ربيعة بن نزار أدرك أبا بكر وعمر والخلفاء وحفظ عنهم ورأى النبي وحفظ عنه أيضا خبرا واحدا وهو ما أخبرنا أبو محمد عبدالله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا يوسف ابن عمر قال حدثنا محمد بن عبدالله بن عبد الرحيم قال حدثنا أبو صالح عن الليث عن ابن عجلان عن مولى لعبدالله بن عامر "عن عبدالله بن عامر" قال دعتني أمي والنبي عندنا فأتيت فقالت تعال أعطيك فقال النبي ما أردت أن تعطيه قالت تمرا قال لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة وقد ذكرناه في كتابنا في الصحابة وذكرنا أباه والحمد لله.

مالك عن ابن شهاب عن عبدالله بن عامر بن ربيعة أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام فلما جاء سرغ بلغه أن الوباء قد وقع بالشام فأخبره عبدالرحمن بن عوف أن رسول الله قال إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه فرجع عمر من سرغ سرغ موضع بطريق الشام قيل أنه وادي تبوك وقيل بقرب تبوك وقوله في هذا الحديث وغيره أن عمر بلغه إذ بلغ سرغ متوجها إلى الشام أن الوباء قد وقع بالشام فإن المعنى عندهم أن الوباء وقع بدمشق وكانت أم الشام وإليها كان مقصده "وروي عن مالك أنه سئل عن قول عمر لبيت بركبة أحب إلي من عشرة أبيات بالشام فقال إنما قال ذلك عمر حين وقع الوباء بالشام.

وقد روي عن عمر لأن أعمل عشر خطايا بركبة أحب إلي من "أن" أعمل واحدة بمكة وركبة واد من أودية الطائف" ذكر أهل السير أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام واستخلف على المدينة زيد بن ثابت وذلك سنة سبع عشرة فلما بلغ سرغ أتاه الخبر عن الطاعون فانصرف من سرغ.

قال أبو عمر : الوباء الطاعون وهو موت نازل "شامل" لا يحل لأحد أن يفر من أرض نزل فيها إذا كان من ساكنيها ولا أن يقدم عليه إذا كان خارجا عن الأرض التي نزل بها إيمانا بالقدر ودفعا لملامة النفس روينا من حديث عائشة أن رسول الله قال فناء أمتي بالطعن والطاعون قالت الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال غدة كغدة البعير تخرج في المراق والآباط وقد ذكرنا هذا الخبر في باب عبدالله بن جابر بن عتيك وروينا أن زيادا كتب إلى معاوية أني قد ضبطت العراق بيميني وشمالي فارغة فأخبر بذلك عبدالله بن عمر فقال مروا العجائز يدعون الله عليه ففعلن فخرج بأصبعه طاعون فمات منه وروي من حديث جابر وغيره عن النبي أنه قال الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف وقد روي عن عمر أنه ندم على انصرافه من سرغ على أنه انصرف عنه اتباعا للسنة في حديث ابن عوف خوفا أن يكون فارا من القدر أخبرنا أحمد بن سعيد قال حدثنا ابن أبي دليم "قال" حدثنا ابن وضاح حدثنا دحيم "قال"

حدثنا ابن أبي فديك عن هشام بن سعد عن عروة بن رويم عن القاسم عن عبدالله بن عمر قال جئت عمر "حين قدم من الشام" فوجدته نائما في خبائه فقعدت فسمعته حين يثور من نومه يقول اللهم اغفر لي رجوعي من سرغ قال عروة فبلغنا أنه كتب إلى عامله بالشام إذا سمعت بالطاعون قد وقع عندكم فاكتب إلي حتى أخرج قال وحدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن أبي التياح يزيد بن حميد الضبعي قال قلت لمطرف بن الشخير ما تقول رحمك الله في الفرار من الطاعون قال هو القدر يخافونه وليس منه بد

حدثنا محمد بن عبد الملك حدثنا عبدالله بن مسرور حدثنا عيسى بن مسكين حدثنا محمد بن سنجر وأخبرنا إبراهيم بن شاكر حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى حدثنا أبو الحسن أحمد بن عبد الرحيم حدثنا عمرو بن ثور قالا حدثنا الفريابي "محمد بن يوسف" قال حدثنا سفيان عن ميسرة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} قال كانوا أربعة عصره خرجوا فرارا من الطاعون فماتوا فدعا الله نبي من الأنبياء أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم الله قال الفريابي وحدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عمرو بن دينار في هذه الآية قال وقع الطاعون في قريتهم فخرج أناس وبقي أناس ومن خرج أكثر ممن بقي قال فنجا الذين خرجوا وهلك الذين أقاموا فلما كانت الثانية خرجوا بأجمعهم إلا قليلا فأماتهم الله ودوابهم ثم أحياهم فرجعوا إلى بلدهم وقد توالدت ذريتهم ذكر أبو حاتم عن الأصمعي قال هرب بعض البصريين من الطاعون فركب حمارا له ومضى بأهله نحو سفوان فسمع حاديا يحدو خلفه.

لن يسبق الله على حمار ... ولا على ذي ميعة طيار

أو يأتي الحتف على مقدار ... قد يصبح الله أمام السار

وذكر ابن قتيبة في المعارف أن ذلك النبي حزقيل ابن بوذى وقال "المدائني" يقال أنه قلما فر أحد من الطاعون فسلم من الموت.

قال أبو عمر : لم يبلغني أن أحدا من حملة العلم فر من الطاعون إلا ما ذكر المدائني أن علي بن زيد بن جدعان هرب من الطاعون إلى السيالة فكان يجمع كل جمعة ويرجع فكان إذا جمع صاحوا به فر من الطاعون فطعن فمات بالسيالة قال وهرب عمرو ابن عبيد ورباط بن محمد بن رباط "إلى" الرباطية فقال إبراهيم بن علي القعنبي :

لما استفز الموت كل مكذب ... صبرت ولم يصبر رباط ولا عمرو

أخبرنا خلف بن القاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا يموت بن المزرع قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال لما وقع الطاعون الجارف بالبصرة فني أهلها وامتنع الناس من دفن موتاهم فدخلت السباع البصرة على ريح الموت وخلت سكة بني جرير من الناس فلم يبق الله فيها سوى جارية سمعت صوت الذئب في سكتهم ليلا فأنشأت تقول.

ألا أيها الذئب المنادي بسحرة ... إلي أنبئك الذي قد بدا ليا

بدا لي أني قد نعيت وأني ... بقية قوم ورثوني البواكيا

وأني بلا شك سأتبع من مضى ... ويتبعني من بعد من كان تاليا

وذكر المدائني قال وقع الطاعون بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان إياها فخرج هاربا منه فنزل قرية من قرى الصعيد يقال لها سكر فقدم عليه حين نزلها رسول لعبد الملك فقال له عبد العزيز ما اسمك قال طالب بن مدرك فقال أوه ما أراني راجعا إلى الفسطاط "أبدا" فمات في تلك القرية "وذكر ابن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا هشام بن سعد قال حدثني عروة بن أبي رويح عن القاسم عن عبدالله بن عمر قال جئت عمر حين قدم "من" الشام فوجدته قائلا في خبائه فانتظرته في فيء الخباء فسمعته حين تضور من نومه وهو يقول اللهم اغفر لي رجوعي من سرغ يعني حين رجع من أجل الوباء. وقد تقدم هذا الخبر من غير هذاالطريق".

وقد ذكرنا الآثار المرفوعة في الطاعون في باب محمد بن منكدر من كتابنا هذا والحمد لله وهذا الحديث أبين من أن يحتاج إلى شرح وتفسير وفيه قبول خبر الواحد وفيه أيضا رواية الكبير عمن دونه في العلم والمنزلة إذا كان ثقة وفيه أنه قد يذهب عن العالم الحبر ما يوجد عند غيره من العلماء ممن ليس مثله وكان عمر رحمه الله من العلم بموضع لا يوازيه أحد قال عبدالله بن مسعود لو وضع علم عمر في كفة وعلم أهل الأرض في كفة رجح علم عمر ودليل ذلك أن رسول الله رأى أنه دخل الجنة فسقى بها لبنا فناول فضله عمر فقيل له ما أولت ذلك يا رسول الله قال العلم وأخباره في الفقه أكثر من أن تحصى وقد جلبنا الكثير منها في كتاب الصحابة وفيه أيضا أن الحجة لازمة بخبر الواحد "العدل" وأن المرء يجب عليه الانقياد للسنة إذا ثبتت عنده من نقل الكافة كانت أو من نقل الآحاد العدول وفيه سرعة ما كانوا عليه من الانقياد للعلم والاستعمال له وبالله التوفيق.

ابن شهاب عن السائب بن يزيد حديث واحد متصل[عدل]

وهو السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة "الكندي" يقال أنه مخزومي "ولا يصح" ويقال أنه كناني ويقال أنه ليثي ويقال هذلي ويقال أزدي وقال الزهري هو من الأزد وعداده في كنانة وقال مصعب الزبيري السائب بن يزيد بن أخت النمر وهو ينسب في كندة.

قال أبو عمر : يقال أنه من كندة وهو حليف لبني أمية أو بني عبد شمس يكنى أبا يزيد رأى رسول الله وهو صغير وحفظ عنه أنه رأى خاتم النبوة بين كتفيه كزر الحجلة وأنه مسح رأسه ودعا له بالبركة وأنه تلقاه فـي انصرافه من غزوة تبوك. وقال أبو معشر عن يوسف بن يعقوب الـمدنـي : سمعت السائب بن يزيد ابن أخت النمر قال : رأيت رسول اللـه استـخرج يوم الفتـح من تـحت ستار الكعبة عبد اللـه بن خطل، فضرب عنقه صبرًا. وأبوه يزيد لـه صحبة والسائب بن يزيد يقال : هو ابن أخت النمر بن جبل والنمر بن جبل خالـه وتوفـي السائب بن يزيد سنة ثمانـين، وقـيل سنة ست وثمانـين.

وقد ذكر أحمد بن عبد اللـه بن صالـح الكوفـي قال : حدثنا النضر بن مـحمد قال : حدثنا عكرمة قال : حدثنا عطاء مولـى السائب بن يزيد أخي النمر بن قاسط قال : كان وسط رأس السائب أسود وبقـية رأسه ولـحيته أبـيض قال : فقلت لـه يا سيدي واللـه ما رأيت مثل رأسك هذا قط : هذا أبـيض وهذا أسود قال أفلا أخبرك يا بنـي؟ قلت : بلـى، قال : إنـي كنت مع الصبـيان ألعب، فمر بـي النبـي فاعترضت لـه فسلـمت علـيه فقال : «وعلـيك، من أنت؟» قال : قلت : أنا السائب بن يزيد أخو النمر بن قاسط، قال : فمسح رأسي وقال : «بارك اللـه فـيك»، فلا واللـه لا يبـيض أبدا، ولا يزال هكذا أبدا.

هكذا قال أحمد بن صالـح الكوفـي، وهو وهم وغلط منه، أو مـمن نقل عنه، لـم يتابع علـى قولـه : أخو النمر بن قاسط، وذكر قاسط هاهنا خطأ، وأظه لـما لـم يعرف النمر خال السائب فإنه لا يكاد يوجد منسوبا توهمه النمر بن قاسط لشهرته فـي أنساب ربـيعة فأخطأ، والغلط لا يسلـم منه أحد. وقد ذكرناه فـي كتابنا فـي الصحابة، وذكرنا طرفا من أخباره هناك، فأغنى عن أخباره هاهنا.

مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد عن الـمطلب بن أبـي وداعة السهمي عن حفصة زوج النبـي أَنَّهَا قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّـى فِـي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا قَطُّ، حَتَّـى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامِ، فَكَانَ يُصَلِّـي فِـي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا، وَيَقْرأُ بِالسُّورَةِ فَـيُرَتِّلُهَا حَتَّـى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْهَا

هكذا رواه جماعة رواة الـموطأ بهذا الاسناد عن مالك عن ابن شهاب عن السائب. ورواه أبو حمة مـحمد بن يوسف عن أبـي قرة موسى ابن طارق عن مالك عن الزهري عن عطاء بن يزيد الـجندعي عن الـمطلب بن أبـي وداعة ـ فأخطأ فـيه.

ورواه علـي بن زياد عن موسى بن طارق عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد كما رواه الناس وهو الصواب.

وفـي هذا الـحديث من الفقه اجازة صلاة النافلة جالسا لـمن يطيق القـيام. والسبحة النافلة، دلـيل ذلك قولـه : «سيكون علـيكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها فصلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة» يعنـي نافلة.

قال اللـه عز وجلّ : {فلولا أنه كان من الـمسبحين} جاء فـي التفسير : لولا أنه كان من الـمصلـين. وقد يحتمل فـي اللغة أن تكون السبحة اسما لـجنس الصلاة كلـها، نافلة وغيرها. وفـي اللغة أن الصلاة أصلـها الدعاء، لكن الاسماء الشرعية أولـى، لأنها قاضية علـى اللغوية، وفـي قول رسول اللـه  : «اجعلوا صلاتكم معهم سبحة» وقد روي «اجعلوا صلاتكم معهم نافلة».

وكذلك قولـه للذين لـم يصلـيا معه بمسجد الـخيف : «إذا صلـيتما فـي رحالكما ثم أتـيتما الـمسجد، فصلـيا مع الناس تكون لكما سبحة». وروي «تكون لكما نافلة». وهذا كلـه دلـيل علـى أن السبحة حقـيقتها فـي الاسم الشرعي : النافلة دون الفريضة، لأنه مرة يقول : سبحة، ومرة يقول : نافلة. وفـيه ترتـيل القرآن فـي الصلاة، وهو الذي أمر اللـه به رسولـه، واختاره لـه ولسائر أمته، قال اللـه عز وجلّ : {ورتل القرآن ترتـيلا} والترتـيل التمهل والترسل، لـيقع مع ذلك التدبر، وكذلك كانت قراءته حرفا حرفا ـ فـيما حكت أم سلـمة وغيرها.

وقد ذكرنا فضل الترتـيل علـى الـهذ فـي كتاب جمعناه فـي البـيان عن تلاوة القرآن، وفـي قولـه حفصة فـيرتلـها حتـى تكون أطول من أطول منها ـ دلـيل علـى اباحة الـهذ، لأنه مـحال أن تكون أطول من أطول منها إذا رتلت التـي هي أطول منها مثل ترتـيلـها، وإنما أرادت أطول من أطول منها إذا حدرت تلك، وهذ بها قارئها. وفـيه أن رسول اللـه لـم يكن يصلـي فـي النافلة جالسا إلا فـي آخر عمره، وذلك حين أسن وضعف عن القـيام وبدن، وأنه كان صابرا طول عمره علـى القـيام والاجتهاد فـي العمل، حتـى كانت ترم قدماه ـ صلوات اللـه وسلامه علـيه. وفـي هذا دلـيل علـى أن الفضل فـي النافلة قائما مثلـما ذلك فـيها جالسا، دلـيل ذلك قولـه : «صلاة القاعد علـى النصف من صلاة القائم» يعنـي فـي الأجر. وقد تقدم القول فـي هذا الـحديث، فأغنى عن اعادته.

حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا ابن عيـينة عن زياد بن علاقة سمع الـمغيرة بن شعبة يقول : قام رسول اللـه حتـى ورمت قدماه، فقالوا : يا رسول اللـه قد غفر اللـه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال : «أفلا أكون عبدا شكورًا».

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا أبو قلابة الرقاشي قال : حدثنا أبو زيد قال : حدثنا شعبة عن الاعمش عن أبـي صالـح عن أبـي هريرة قال : كان رسول اللـه يصلـي حتـى ترم قدماه فقـيل لـه : تفعل هذا وقد غفر اللـه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال : «أفلا أكون عبدا شكورًا». ورواه الثوري عن الاعمش باسناده مثلـه.

وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا مـحمد بن إسماعيل قال : حدثنا الـحميدي قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا ابن عجلان قال : حدثنـي مـحمد بن يحيى بن حبان عن ابن مـحيريز عن معاوية بن أبـي سفيان قال : قال رسول اللـه  : «لا تبادرونـي بركوع ولا بسجود، فإنـي مهما أسبقكم به إذا ركعت، تدركونـي به إذا رفعت، إنـي قد بدنت».

كذا قال : بدنت بالضم، ومعناه عند أهل اللغة أنه حمل اللـحم وثقل، كذا فسره أبو عبـيد. قال : وأما من قال : إنـي قد بدنت، بفتـح الدال وتشديدها، فـيعنـي أنه أسن وضعف بأخذ السن منه.

حدثنـي عبـيد بن مـحمد قال : حدثنا عبد اللـه قال : حدثنـي عيسى بن مسكين، قال : قال لـي ابن أبـي أويس قال إبراهيم بن سعد : هذا الذي يروي قد بدنت فقلت ما الـحجة فـيه؟ قال : قول الشاعر :

قامت تريك بدنا مكنونا.............كَغِرْقِـيء البـيض استمات لـينا

وخـلت أن الشيب والتبدينا ..........والنأي مـما يذهل القرينا

ابن شهاب عن محمود بن الربيع حديث واحد متصل[عدل]

وهو محمود بن الربيع بن سراقة الأنصاري الخزرجي سمع من عتبان بن مالك وعبادة بن الصامت ولد على عهد رسول الله وعقل مجة مجها من دلو في بئرهم يكنى أبا نعيم روى عنه أنس بن مالك وتوفي محمود بن الربيع سنة تسع وتسعين وقد ذكرناه في كتاب الصحابة مالك عن ابن شهاب عن محمود ابن الربيع أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل والمطر وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى فجاءه رسول الله فقال أين تحب أن أصلي فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله

قال يحيى في هذا الحديث عن مالك عن ابن شهاب عن محمود بن لبيد وهو غلط بين وخطأ غير مشكل ووهم صريح لا يعرج عليه ولهذا لم نشتغل بترجمة الباب عن محمود بن لبيد لأنه من الوهم الذي يدركه من لم يكن له بالعلم كبير عناية وهذا الحديث لم يروه أحد من أصحاب مالك ولا من أصحاب ابن شهاب إلا عن محمود بن الربيع ولا يحفظ إلا لمحمود بن الربيع وهو حديث لا يعرف إلا به وقد رواه عنه أنس بن مالك عن عتبان بن مالك ومحمود بن لبيد ذكره في هذا الحديث خطأ والكمال لله والعصمة به لا شريك له وفي هذا الحديث من الفقه أن إمامة الأعمى جائزة وفيه أنه كان يجمع في مدينة رسول الله في غير مسجد رسول الله إذا كان ذلك لعذر ومن هذا الباب قوله ألا صلوا في الرحال والله أعلم

وفيه التخلف عن الجماعة في المطر والظلمة لمن لم يطق المشي إليها أو تأذى به وفيه أن يخبر الإنسان عن نفسه بعاهة فيه وأن ذلك ليس من الشكوى وفيه التبرك بالمواضع التي صلى فيها رسول الله ووطئها وقام عليها وفي هذا دليل على صحة ما كان القوم عليه من صريح الإيمان وما كان عليه رسول الله من حسن الخلق وجميل الأدب في إجابته كل من دعاه إلى ما دعاه إليه ما لم يكن إثما

حدثنا عبدالوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا علي بن عبدالحميد أبو الحسين المعنى قال حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال حدثنا محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك قال أصابني في بصري بعض الشيء فقلت يا رسول الله إنه قد أصابني في بصري بعض الشيء وإني أحب أن تأتيني فتصلي في منزلي فأتخذه مصلى ففعل.

وأخبرني سعيد وعبدالوارث قالا حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير قال أخبرني مصعب بن عبدالله أن عتبان بن مالك شهد حنينا مع رسول الله مسلما وقال ابن البرقي هو عتبان بن مالك بن عمرو بن عجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف بن الخزرج شهد بدرا فيما قاله عروة والزهري ولم يذكره ابن إسحاق في أهل بدر.

قال أبو عمر : قد حدث ابن عيينة عن الزهري بحديث لعتبان بن مالك أنكره الشافعي وقال حدث مالك هذا يرده.

حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس قال حدثنا عبيدالله بن محمد قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة إن شاء الله عن عتبة بن مالك أنه سأل رسول الله عن التخلف عن الصلاة قال أتسمع النداء قال نعم فلم يرخص له "وهذا عندنا على الجمعة فلا تتعارض الأحاديث وحديث مالك لعتبان في الظلمة والسيل والمطر أثبت من حديث ابن عيينة "وهو كما قال الشافعي رحمه الله".

وقد ذكرت طرق حديث عتبان بن مالك في باب حديث ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبيدالله بن عدي بن الخيار في هذا الكتاب وسقت منها هناك ما يشفي الناظر فيه إن شاء الله.

ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف[عدل]

واسم أبي أمامة أسعد بن سهل قال أحمد بن حنبل سماه رسول الله باسم جده أبي أمه أسعد بن زرارة أبي أمامة وأمه ابنة أسعد بن زرارة ذكره أحمد بن زهير قال سمعت أحمد بن حنيل "يقول" ومن أراد أن يرى نسبه نظره عند ذكر أبيه من كتابنا في الصحابة كان أبو أمامة هذا من جلة فقهاء التابعين وكبارهم أدرك النبي بمولده وسمع أباه وأبا هريرة وابن عباس وجماعة من الصحابة وقد ذكرناه في كتاب الصحابة وإن كان معدودا في كبار التابعين لأنه أدرك عهد رسول الله غير كافر ورآه رسول الله صلى عليه وسلم ومسح رأسه "وسماه" وكناه "وكان" مولده قبل وفاة النبي بسنتين ومات سنة مائة.

لابن شهاب عنه في الموطأ من حديث رسول الله ثلاثة أحاديث الاثنان منها متصلان والثالث مرسل.

حديث أول لابن شهاب عن أبي أمامة متصل[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فلبط بسهل فأتى رسول الله فقيل يا رسول الله هل لك في سهل بن حنيف والله ما يرفع رأسه فقال هل تتهمون له أحدا قالوا نتهم عامر بن ربيعة قال فدعا رسول الله عامر "بن ربيعة" فتغيظ عليه وقال علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت اغتسل له فغسل عامر وجهه "ويديه" ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب عليه فراح سهل مع الناس ليس به بأس.

قال أبو عمر : ليس في حديث مالك هذا في غسل العائن عن النبي أكثر من قوله اغتسل له وفيه كيفية الغسل من فعل عامر بن ربيعة ورواه معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف وهو يغتسل فتعجب منه فقال تالله إن رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة في خدرها أو قال جلد فتاة في خدرها قال فلبط حتى ما يرفع رأسه قال فذكر ذلك لرسول الله فقال هل تتهمون أحدا قالوا لا يا رسول الله إلا أن عامر بن ربيعة قال له كذا وكذا فدعا عامرا فقال سبحان الله علام يقتل أحدكم أخاه إذا رأى منه شيئا يعجبه فليدع له بالبركة قال ثم أمره فغسل وجهه وظهر عقبيه ومرفقيه وغسل صدره وداخلة إزاره وركبتيه وأطراف قدميه ظاهرهما في الإناء ثم أمره فصب على رأسه وكفأ الإناء من خلفه قال وأمره فحسا منه حسوات قال فقام فراح مع الركب قال جعفر بن برقان للزهري ما كنا نعد هذا حقا قال بل هي السنة.

قال أبو عمر : أما غريب هذا الحديث فالمخبأة مهموز من خبأت الشيء إذا سترته وهي المخدرة المكنونة التي لا تراها العيون ولا تبرز للشمس فتغيرها يقول إن جلد سهل كجلد الجارية المخدرة إعجابا بحسنه.

قال عبدالله بن قيس الرقيات :

ذكرتني المخبآت لدى الحجر ... ينازعنني سجوف الحجال

وقال إبراهيم بن هرمة :

يا لك من خلة مباعدة ... تكتم أسرارها وتخبؤها

ولبط صرع وسقط تقول منه لبط به يلبط لبطا فهو ملبوط وقال ابن وهب لبط وعك قال الأخفش يقال لبط به ولبج به إذا سقط إلى الأرض من خبل أو سكر أو إعياء ذلك وقال ابن وهب في قوله داخلة إزاره هو الحقو يجعل من تحت الإزار في حقوه وهو طرف الإزار "الذي تعطفه إلى يمينك" ثم تشد عليه الازرة قال وهذا قول مالك وفسره ابن حبيب بنحو ذلك أيضا قال داخلة الإزار هو الطرف المتدلي الذي يضعه المؤتزر أولا على حقوه الأيمن وقال الأخفش داخلة إزاره الجانب الأيسر من الإزار الذي تعطفه إلى يمينك ثم تشد الإزار.

وقال أبو عبيد طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده وهو يلي الجانب الأيمن من الرجل لأن المؤتزر إنما يبدأ بجانبه الأيمن فذلك الطرف يباشر جسده فهو الذي يغسل.

قال أبو عمر : الإزار هو المئزر عندنا فما التصق منه بخصره. وسرته فهو داخلة إزاره وأما ما في هذا الحديث من المعنى ففيه الاغتسال بالعراء في السفر وذلك بين في غير هذه الرواية في هذا الحديث وفيه أن النظر إلى المغتسل مباح إذا لم ينظر منه إلى عورة لأن رسول الله لم يقل لعامر لم نظرت إليه وإنما عاتبه على ترك التبريك لاغير وقد يستحب العلماء أن لا ينظر الإنسان إلى المغتسل خوفا أن تقع عين الناظر منه على عورة وليس بمحرم النظر منه إلى غير عورة وفيه ما يدل على أن في طباع البشر الإعجاب بالشيء الحسن والحسد عليه وهذا لا يملكه المرء من نفسه فلذلك لم يعاتبه رسول الله على ذلك وإنما عاتبه على ترك التبريك الذي كان في وسعه وطاقته وفيه أن العين حق وأنها تصرع وتودي وتقتل وقد روى في حديث سهل هذا أن العين حق من حديث مالك عن محمد بن أبي أمامة عن أبيه وروى من غير حديث مالك أيضا :

حدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا يحيى بن عبدالحميد قال حدثنا عبدالرحمن ابن سليمان بن الغسيل قال حدثنا مسلمة بن خالد الأنماري قال سمعت أبا امامة بن سهل بن حنيف يقول حدثني أبي سهل بن حنيف أنه سمع النبي يقول علام يقتل أحدكم أخاه وهو عن قتله غني إن العين حق فإذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه أو من ماله فليبرك عليه فإن العين حق وفي قوله علام يقتل أحدكم أخاه دليل "على" أن العين ربما قتلت وكانت سببا من أسباب المنية

أخبرنا عبدالوارث حدثنا قاسم حدثنا محمد بن عبدالسلام الخشني حدثنا محمد بن بشار حدثنا مؤزر حدثنا سفيان حدثنا حصين عن هلال بن يساف عن سحيم بن نوفل قال كنا عند عبدالله نعرض المصاحف فجاءت جارية أعرابية إلى رجل منا فقالت أن فلانا قد لقع مهرك بعينه وهو يدور في فلك لا يأكل ولا يشرب ولا يبول ولا يروث فالتمس له راقيا فقال عبدالله لا نلتمس له راقيا ولكن ائته فانفخ في منخره الأيمن أربعا وفي الأيسر ثلاثا وقل لا بأس أذهب الباس رب الناس اشف أنت الشافي لا يكشف الضر إلا أنت فقام الرجل فانطلق فما برحنا حتى رجع فقال لعبدالله فعلت الذي أمرتني به فما برحت حتى أكل وشرب "وبال" وراث وحكى المدائني عن الأصمعي قال حج هشام بن عبدالملك فأتى المدينة فدخل عليه سالم بن عبدالله بن عمر فلما خرج من عنده قال هشام ما رأيت ابن سبعين أحسن كدنة منه فلما صار سالم في منزله حم فقال أترون الأحول لقعني بعينيه فما خرج هشام من المدينة حتى صلى عليه

وقد ذكرت في باب محمد بن أبي أمامة من هذا الكتاب زيادة في هذا المعنى وشرحا والحمد لله وفي تغيظ رسول الله على عامر بن ربيعة دليل على أن تأنيب كل من كان منه أو بسببه سوء وتوبيخه مباح وان كان الناس كلهم يجرون تحت القدر ألا ترى أن القاتل يقتل وإن كان المقتول يموت بأجله وذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا عبدالصمد قال حدثنا أبو هاشم صاحب الزعفراني قال قلت للحسن رجل قتل رجلا أبأجله قتله قال قتله بأجله وعصى ربه.

قال أبو عمر : وكذلك يوبخ كل من كان منه أو بسببه سوء وإن كان القدر قد سبق له بذلك وفي قوله في غير هذا الحديث لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين دليل على أن المرء لا يصيبه إلا ما قدر له وإن العين لا تسبق القدر ولكنها من القدر وفي قول رسول الله ألا بركت دليل على أن العين لا تضر ولا تعدو إذا برك العائن وأنها إنما تعدو إذا لم يبرك فواجب على كل من أعجبه شيء أن يبرك فإنه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة والله أعلم والتبريك أن يقول تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه وفيه أن العائن يؤمر بالاغتسال الذي عانه ويجبر "عندي" على ذلك إن أباه لأن الأمر حقيقته الوجوب ولا ينبغي لأحد أن يمنع أخاه ما ينتفع به أخوه ولايضره هو لا سيما إذا كان بسببه وكان الجاني عليه فواجب على العائن الغسل عندي والله أعلم وفيه إباحة النشرة وإباحة عملها وقد قال الزهري في ذلك أن هذا من العلم وإذا كانت مباحة فجائز أخذ البدل عليها وهذا إنما يكون إذا صح الانتفاع بها فكل ما لا ينتفع به بيقين فأكل المال عليه باطل "محرم"

وقد ثبت عن النبي أنه أمر بالنشرة للمعين وجاء ذلك عن جماعة من أصحابه منهم سعد بن أبي وقاص خرج يوما وهو أمير الكوفة فنظرت إليه امرأة فقالت إن أميركم هذا لأهضم الكشحين فعانته فرجع إلى منزله فوعك ثم أنه بلغه ما قالت فأرسل إليها فغسلت له أطرافها ثم اغتسل" به" فذهب "ذلك" عنه وأحسن شيء في تفسير الاغتسال للمعين ما وصفه الزهري وهو راوي الحديث ذكر ذلك عنه ابن أبي ذئب وغيره

حدثنا أبو عثمان سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا شبابة عن ابن أبي ذئب "عن الزهري" عن أبي امامة بن سهل عن أبيه أن عامرا مر به وهو يغتسل فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة قال فلبط به حتى ما يعقل لشدة الوجع فأخبر بذلك النبي فتغيظ عليه فدعاه النبي فقال قتلته علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت فأمر النبي بذلك فقال اغسلوه فاغتسل فخرج مع الركب قال وقال الزهري إن هذا من العلم يغتسل له الذي عانه يؤتى بقدح من ماء فيدخل يده في القدح فيمضمض ويمجه في القدح ويغسل وجهه في القدح ثم يصب بيده اليسرى على كفه اليمنى ثم بكفه اليمنى على كفه اليسرى ثم يدخل بيده اليسرى فيصب بها على مرفق يده اليمنى ثم بيده اليمنى ثم بيده اليمنى على مرفق يده اليسرى ثم يغسل قدمه اليمنى ثم يدخل اليمنى فيغسل قدمه اليسرى ثم يدخل يده اليمنى فيغسل الركبتين ثم يأخذ داخلة إزاره فيصب على رأسه صبة واحدة ولا يضع القدح حتى يخلو وزاد ابن حبيب في قول الزهري هذا حكاه عن الحنفي عن ابن أبي ذئب عن الزهري يصب من خلفه صبة واحدة يجري على جسده ولا يوضع القدح في الأرض قال ويغسل أطرافه المذكورة "كلها" وداخلة إزاره في القدح

حدثني عبدالله بن محمد بن عبدالمؤمن قال حدثنا عبدالحميد بن أحمد الوراق ببغداد قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال سمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل يسأل عن رجل يزعم أنه يحل السحر يؤتى بالمسحور فيحل عنه فقال قد رخص فيه بعض الناس وما أدري ما هذا؟

قال الأثرم حدثنا حفص بن عمر النمري قال حدثنا هشام عن قتادة عن سعيد بن المسيب في الرجل يؤخذ عن امرأته فيلتمس من يداويه قال إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع قوله يؤخذ عن امرأته أي النساء "قال" والأخذة رقية تأخذ العين

أخبرنا محمد بن إبراهيم حدثنا أحمد بن مطرف حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا نصر بن مرزوق حدثنا يحيى بن حسان قال حدثنا عبدالله بن لهيعة عن أبي الزبير المكي قال سألت جابر بن عبدالله عن الرجل يأبق له العبد أيؤخذ قال نعم أو قال لا بأس "به" قال وحدثنا يحيى بن حسان حدثنا محمد بن دينار عن محمد بن سيف أبي رجاء قال سمعت محمد بن سيرين يحدث عن ابن عمر قال الأخذة "هي" السحر

قال حدثنا يحيى بن حسان قال حدثنا محمد بن دينار عن أبي رجاء محمد بن سيف قال سألت الحسن عن الأخذة ففزع وقال لعلك صنعت من ذلك شيئا قلت لا قال حدثنا يحيى بن حسان قال حدثنا محمد بن دينار عن عمرو بن عوف عن إبراهيم عن الأسود قال سألت عائشة زوج النبي عن النشرة "فقالت" ما تصنعون بالنشرة والفرات إلى جانبكم ينغمس فيه "أحدكم" سبع انغماسات إلى جانب الجرية قال حدثنا يحيى بن حسان قال حدثنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أنه سئل عن الرجل يابق له العبد أيؤخذه فقال سعيد بن المسيب قد وخذنا فما رد علينا شيء أو رد علينا شيئا وأخبرنا عبدالرحمن حدثنا علي حدثنا أحمد حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب قال أخبرني محمد بن عمرو عن ابن جريج قال سألت عطاء بن أبي رباح عن النشرة فكره نشرة الأطباء وقال لا أدري ما يصنعون فيها وأما شيء تصنعه أنت فلا بأس به قال ابن وهب وأخبرني يحيى بن أيوب أنه سمع يحيى بن سعيد يقول ليس بالنشرة التي يجمع فيها من الشجر والطيب ويغتسل به الإنسان باس وذكر سنيد

قال حدثنا أبو سفيان عن معمر وذكره عبدالرزاق عن معمر قال سمعت عبدالله بن طاوس يحدث عن أبيه قال العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسل أحدكم فليغتسل أخبرنا عبدالله بن محمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جامع قال حدثنا علي بن عبدالعزيز قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا وهيب قال حدثنا طاوس عن ابن عباس عن النبي قال العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغتسلوا.

حديث ثان لابن شهاب عن أبي أمامة متصل[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبدالله بن عباس عن خالد بن الوليد أنه دخل مع رسول الله بيت ميمونة "زوج النبي " فأتى "رسول الله " بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله "بيده" فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة أخبروا رسول الله بما يريد أن يأكل منه فقالوا هو ضب "يا رسول الله" فرفع "رسول الله" يده فقلت أحرام هو يا رسول الله؟ قال لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال خالد فاجتررته فأكلته ورسول الله ينظر

هكذا قال يحيى بن يحيى عن ابن عباس عن خالد بن الوليد وتابعه القعنبي وابن القاسم وجماعة من أصحاب مالك وقال ابن بكير عن ابن عباس وخالد بن الوليد أنهما دخلا مع رسول الله بيت ميمونة وتابعه قوم وكذلك رواه معمر عن الزهري أن ابن عباس وخالدا شهدا هذه القصة بنحو رواية ابن بكير ولم تختلف نسخ الموطأ في إسناد هذا الحديث عن مالك عن ابن شهاب "عن أبي أمامة عن ابن عباس ورواه عثمان بن عمر فأخطأ في إسناده جعله عن مالك عن ابن شهاب" عن عبيدالله عن ابن عباس.

حدثنا خلف بن قاسم حدثنا علي بن حسن بن علان ومحمد بن عبدالله القاضي قالا حدثنا عبدالله بن سليمان حدثنا عباد بن زياد الساجي حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيدالله بن عبد بن عتبة عن ابن عباس قال دخلت مع رسول الله بيت ميمونة ومعه خالد بن الوليد فأتى بضب فأهوى رسول الله بيده فقال بعض النسوة أنه ضب فرفع يده

فقيل له أحرام هو يا رسول الله قال لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال فأما خالد فأكله ورسول الله ينظر.

وذكره الدارقطني عن محمد بن سليمان المالكي القاضي بالبصرة عن بندار عن عثمان بن عمر.

وذكره الدارقطني أيضا عن إسماعيل بن محمد الصفار عن أبي داود السجستاني عن عباد بن زياد عن عثمان بن عمر "مثله" سواء.

والضب دويبة معروفة بأرض اليمن وليس موجودا بمكة لقول رسول الله لم يكن بأرض قومي وأظنه بالحجاز كله غير مأكول أيضا عندهم ولا موجودا ألا ترى إلى ما نقله جماعة أهل الأخبار أن مدنيا سأل أعرابيا فقال أتأكلون الضب فقال نعم قال واليربوع قال نعم قال والقنفذ قال نعم

قال والورل قال نعم قال فتأكلون أم حبين قال لا قال فليهنىء أم جبين العافية ومما يدلك على أن الضب لا يوجد إلا في بعض أرض العرب قول بعض بني تميم

لكسرى كان أعقل من تميم ... ليالي فر من أرض الضباب

وقال غيره :

بلاد تكون الخيم أظلال أهلها ... إذا حضروا بالقيظ والضب نونها

وقد ذكرنا صفته بما لا يشكل من كلام العرب وأشعارها في باب عبدالله بن دينار من هذا الكتاب وذكرنا هناك أيضا من الآثار المنقولة في مسخه ما فيه كفاية وبيان والحمد لله.

والمحنوذ المشوى في الأرض وذلك أن العرب كانت تحفر حفرة وتوقد فيها النار فإذا حميت وضع ذلك الشيء الذي يشوي في الحفيرة ودفن فهو الحنيذ عندهم وقد قيل إنما يوضع في التنور إذا غطى وطين عليه حنيذ أيضا يقال حنيذ ومحنوذ مثل قتيل ومقتول.

وفي هذا الحديث أن رسول الله كان يواكل أصحابه فجائز للرئيس أن يواكل أصحابه وحسن جميل به ذلك.

وفيه أن رسول الله كان يأكل اللحم وفيه أنه كان لا يعلم الغيب وإنما كان يعلم منه ما يظهره الله عليه وفيه أن النفوس تعاف ما لم تعهد.

وفيه أن أكل الضب حلال وأن من الحلال ما تعافه النفوس.

وفيه دليل على أن التحليل والتحريم ليس مردودا إلى الطباع ولا إلى ما يقع في النفس وإنما الحرام ما حرمه الكتاب والسنة أو يكون في معنى ما حرمه أحدهما ونص عليه.

وفيه دليل على خطأ من روى عن النبي في الضب "لست بمحله ولا بمحرمه"

وهذا ليس بشيء وقد رده ابن عباس رضي الله عنه وقال لم يبعث رسول الله إلا آمرا أو ناهيا أو محلا أو محرما ولو كان حراما لم يؤكل على مائدته.

"وأما دخول خالد بن الوليد وعبدالله بن عباس بيت رسول الله وفيه ميمونة مع النسوة اللاتي قال بعضهن أخبروا رسول الله بما يريد أن يأكل منه فإنما كان ذلك قبل نزول الحجاب والله أعلم" وليس الضب ذا ناب والله أعلم للفرق الذي ورد بين حكمه وحكم كل ذي ناب في الأكل وبالله التوفيق.

وقد سلف القول منا في أكل "كل" ذي ناب في باب إسماعيل بن أبي حكيم من كتابنا هذا مستوعبا كاملا فأغنى عن إعادته هاهنا وسيأتي من ذكر الآثار في الضب بما فيه شفاء في باب عبدالله بن دينار عن ابن عمر من كتابنا هذا إن شاء الله.

حديث ثالث لابن شهاب عن أبي أمامة مرسل[عدل]

وهو يتصل من وجوه كثيرة ثابتة من غير حديث مالك

مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره أن مسكينة مرضت فأخبر رسول الله بمرضها وكان رسول الله يعود المساكين ويسأل عنهم فقال رسول الله إذا ماتت فآذنوني" بها" فخرج بجنازتها ليلا فكرهوا أن يوقظوا رسول الله فلما أصبح رسول الله أخبر بالذي كان من شأنها فقال ألم آمركم أن تؤذنوني بها فقالوا يا رسول الله كرهنا أن نخرجك ليلا ونوقظك فخرج رسول الله حتى صف بالناس على قبرها وكبر أربع تكبيرات

لم يختلف على مالك في الموطأ في إرسال هذا الحديث وقد روى موسى بن محمد بن إبراهيم القرشي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن رجل من الأنصار أن رسول الله صلى على قبر امرأة بعدما دفنت فكبر عليها أربعا وهذا لم يتابع عليه وموسى بن محمد هذا متروك الحديث وقد روى سفيان بن حسين هذا الحديث" عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن النبي وهو حديث مسند متصل صحيح من غير حديث مالك من حديث الزهري "وغيره" وروى من وجوه كثيرة عن النبي كلها ثابتة وفيه من الفقه أنه جائز أن يتحدث بأحوال الناس عند العالم إذا لم يكن في ذلك مكروه فيكون غيبة.

وفيه ما كان عليه رسول الله من التواضع وأنه كان يعود الفقراء فجائز للخليفة أن يعود المرضى وإن تواضع وعاد المساكين وشهد جنائزهم كان أفضل وأسنى وكان جديرا أن يعد من الخلفاء.

وفيه إباحة عيادة النساء وإن لم يكن ذوات محرم ومحل هذا عندي أن تكون المرأة متجالة وإن كانت غير متجالة فلا إلا أن يسأل عنها ولا ينظر إليها.

وفيه ما كان عليه رسول الله من الخلق الجميل في العفو وأنه أمر أصحابه فلم يفعلوا ما أمروا به ولم يعاتبهم.

وفيه إجازة الإذن بالجنازة وذلك رد على من قال لا تشعروا بي أحدا وقد كان جماعة يكرهون ذلك ورخص فيه آخرون ودلائل السنة تدل على جواز ذلك والحمد لله.

فأما الذين كرهوا ذلك فابن مسعود وأصحابه واختلف في ذلك عن ابن عمر وإبراهيم ذكر عبدالرزاق عن الثوري عن أبي حمزة عن إبراهيم عن علقمة قال الإيذان بالجنازة من النعي والنعي من أمر الجاهلية قال إبراهيم إذا كان عندك من يحمل الجنازة فلا تؤذن أحدا مخافة أن يقال ما أكثر من اتبعه

قال وأخبرنا معمر عن أبي إسحاق إن علقمة بن قيس حين حضرته الوفاة قال لا تؤذنوا بي أحدا كفعل الجاهلية قال "وأخبرنا الثوري عن عاصم بن محمد عن أبيه أن ابن عمر كان يتحين بجنائزه غفلة الناس".

قال وأخبرني عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود عن أبيه قال لا تؤذنوا بموتي أحدا حسبي من يحملني إلى حفرتي.

قال وأخبرنا هشام الدستوائي عن حماد عن إبراهيم قال لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه وأصحابه إنما كانوا يكرهون أن يطاف في المجالس أنعى فلانا كفعل الجاهلية.

وروى حماد بن زيد عن عاصم عن أبي وائل قال قال عمرو بن شرحبيل حين حضرته الوفاة ما أدع مالا ولا أدع علي من دين وما أدع من عيال يهموني بعدي فإذا "أنا" مت فلا تنعوني إلى أحد وأسرعوا في المشي وذكر الحديث وحماد بن زيد عن ابن عون قال سألت إبراهيم أكان النعي يكره قال نعم فذكرت ذلك لمحمد بن سيرين فقال يؤذن الرجل حميمه ويؤذن صديقه.

ورخص في ذلك جماعة منهم أبو هريرة وغيره والأصل في هذا الباب قوله إذا ماتت فآذنوني بها ونعى النجاشي للناس.

وذكر عبدالرزاق عن معمر عن أيوب عن أنس بن مالك قال نعى رسول الله أصحاب مؤتة على المنبر رجلا رجلا بدأ بزيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب ثم عبدالله بن رواحة قال فأخذ اللواء خالد بن الوليد وهو سيف من سيوف الله.

قال أبو عمر : شهود الجنائز أجر وتقوى وبر والإذن بها تعاون على البر والتقوى وإدخال الأجر على الشاهد وعلى المتوفى ألا ترى إلى قوله ما من مسلم يموت فيصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا مائة يستغفرون له إلا شفعوا فيه رواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن عبدالله بن يزيد وكان أخا عائشة في الرضاعة عن عائشة عن النبي .

ومعلوم أن هذا العدد ومثله لا يجتمعون لشهود جنازة إلا أن يؤذنوا لها وبالله التوفيق.

وفيه أن عصيان المرء من أمره إذا أراد بعصيانه بره وتعظيمه لا يعد عليه ذنبا.

وفيه أن رسول الله لم يكن يعز عليه أن يعصى إذا لم تنتهك لله حرمة ولم يعص عز وجل ألا ترى لي قول عائشة رضي الله عنها ما انتقم رسول الله لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها.

وفيه إباحة الدفن بالليل.

وفيه أن رسول الله لا يطلع على ما غاب عنه إلا أن يطلعه الله عليه وفيه الصلاة على القبر لمن لم يصل على الجنازة وهذا عند كل من أجازه ورآه إنما هو بحدثان ذلك على ما جاءت به الآثار المسندة وعن الصحابة أيضا رحمهم الله مثل ذلك.

وفيه الصف على الجنازة.

وفيه ان التكبير على الجنازة أربع تكبيرات.

وفيه أن سنة الصلاة على القبر كسنة الصلاة على الجنازة سواء في الصف عليها والدعاء والتكبير.

واختلف الفقهاء فيمن فاتته الصلاة على الجنازة فجاء وقد سلم من الصلاة عليها وقد دفنت فقال مالك وأبو حنيفة لا تعاد الصلاة على الجنازة ومن لم يدرك الصلاة مع الناس عليها لم يصل عليها ولا يصل على القبر وهو قول الثوري والأوزاعي والحسن بن حي والليث بن سعد وقال بن القاسم قلت لمالك فالحديث الذي جاء عن النبي أنه صلى على قبر امرأة قال قد جاء هذا الحديث وليس عليه العمل.

وذكر عبدالرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر قدم بعدما توفي عاصم أخوه فسأل عنه فقال أين قبر أخي فدلوه عليه فأتاه فدعا له قال عبدالرزاق وبه نأخذ.

قال وأخبرنا عبيدالله بن عمر عن نافع قال كان ابن عمر إذا انتهى إلى جنازة قد صلى عليها دعا وانصرف ولم يعد الصلاة.

وذكر عن الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قال لا تعاد على ميت صلاة قال وقال معمر كان الحسن إذا فاتته صلاة على جنازة لم يصل عليها وكان قتادة يصلي عليها بعد إذا فاتته

وقال الشافعي وأصحابه من فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر إن شاء الله وهو رأى عبدالله بن وهب ومحمد بن عبدالله بن عبدالحكم وهو قول أحمد ابن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي وسائر أصحاب الحديث قال أحمد ابن حنبل رويت الصلاة على القبر عن النبي من ستة وجوه حسان كلها.

وفي كتاب عبدالرزاق عن ابن مسعود ومحمد بن قرظة أن أحدهما صلى على جنازة بعدما دفنت وصلى الآخر عليها بعدما صلي عليها.

قال وأخبرنا معمر عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال توفي عبدالرحمن بن أبي بكر على ستة أميال من مكة فحملناه حتى جئنا به إلى مكة فدفناه فقدمت عائشة علينا بعد ذلك فعابت علينا ذلك ثم قالت أين قبر أخي فدللناها عليه فوضعت في هودجها عند قبره وصلت عليه

وأخبرنا عبدالله بن محمد قال حدثنا عبدالحميد بن أحمد الوراق قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أحمد بن محمد بن هانىء الطائي الأثرم الوراق قال حدثنا أبو عبدالله أحمد بن حنبل رحمه الله قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال حدثنا "أيوب عن" ابن أبي مليكة أن عبدالرحمن بن أبي بكر توفي له كان فيه على رقابنا ستة أميال إلى مكة وعائشة غائبة فقدمت بعد ذلك فقالت أروني قبر أخي فأروها فصلت عليه.

وقال حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال قدمت عائشة بعد موت أخيها بشهر فصلت على قبره وقال عبدالرزاق حدثنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن حنش بن المعتمر قال جاء ناس من بعد أن صلى "علي" على سهل بن حنيف فأمر على قرظة الأنصاري أن يؤمهم "ويصلي" عليه بعد ما دفن.

وعن ابن موسى أنه فعل ذلك.

وأما الستة وجوه التي ذكر أحمد بن حنبل أنه روى منها أن رسول الله "صلى" على قبر فهي والله أعلم "حديث" سهل بن حنيف وحديث سعد بن عبادة وحديث أبي هريرة روى من طرق وحديث عامر بن ربيعة وحديث "أنس" "وحديث ابن عباس".

فأما حديث سهل بن حنيف فحدثناه أبو عثمان سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا سعيد ابن يحيى أبو سفيان الحميري عن سفيان ابن حسين عن الزهري عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف عن أبيه قال كان رسول الله يعود فقراء أهل المدينة ويشهد جنائزهم إذا ماتوا قال فتوفيت "امرأة" من أهل العوالي فقال رسول الله إذا قضت فآذنوني بها قال فأتوه ليؤذنوه فوجدوه نائما وقد ذهب الليل فكرهوا أن يوقظوه وتخوفوا عليه ظلمة الليل وهوام الأرض قال فدفناها فلما أصبح سأل عنها فقالوا يا رسول الله أتيناك لنؤذنك فوجدناك نائما فكرهنا أن نوقظك وتخوفنا عليك ظلمة الليل وهوام الأرض قال فمشى رسول الله إلى قبرها فصلى عليها وكبر أربعا.

وأما حديث سعد بن عبادة فحدثناه عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال "حدثنا نعيم بن حماد" قال حدثنا ابن المبارك قال أخبرنا المثنى بن سعيد عن قتادة عن ابن المسيب أن سعد بن عبادة أتى النبي فقال إن أم سعد توفيت وأنا غائب فصل عليها يا رسول الله فقام النبي فصلى عليها وقد دفنت قبل ذلك بشهر.

وروى القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن أم سعد بن عبادة ماتت والنبي غائب فأتى قبرها وصلى عليها وقد مضى لذلك شهر.

حدثنا عبدالوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا الخشني محمد بن عبدالسلام قال حدثنا بندار محمد بن بشار قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان فذكره بإسناده "وذكره أبو بكر الأثرم قال حدثناأحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى بن سعيد فذكره بإسناده سواء" وأما حديث أبي هريرة فرويناه من وجوه أحسنها ما حدثناه عبدالله بن محمد بن عبدالمؤمن قال حدثنا عبدالحميد بن أحمد الوراق قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى على قبر.

وأخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبدالله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي وحدثنا أحمد بن عبدالله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا عثمان بن جرير قالا "حدثنا" أحمد بن عبدالله بن صالح قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة قال كانت امرأة تقم المسجد فماتت فدفنت ليلا

ففقدها رسول الله فقال فهلا أعلمتموني فقالوا ماتت ليلا فقام رسول الله حتى أتى المقبرة فصلى على قبرها ثم قال إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن صلاتي عليها نور قال حماد لا أدري الكلام الآخر عن أبي هريرة هو أم لا؟.

وأخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر وأحمد بن عبدالله بن محمد قالا أخبرنا مسلمة بن قاسم بن إبراهيم قال حدثنا جعفر بن محمد بن محمد الأصبهاني قال حدثنا يونس بن حبيب بن عبدالقاهر قال حدثنا أبو داود الطيالسي قال حدثنا حماد بن زيد وأبو عامر الجزار عن ثابت البناني عن أبي رافع عن أبي هريرة أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كانت تنقي المسجد من الأذى ثم ماتت فدفنت ولم يؤذن النبي عليه السلام فأخبر بذلك النبي فقال دلوني على قبرها فانطلق إلى القبر فأتى على القبور فقال إن هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة وإن الله ينورها بصلاتي عليها ثم أتى القبر فصلى عليها فقال رجل من الأنصار يا رسول الله إن أبي أو أخي مات وقد دفن فصل عليه يا رسول الله فانطلق رسول الله مع الأنصاري

وأما حديث عامر بن ربيعة فحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا ابن أبي شيبة قال حدثنا داود بن عبدالله الجعفري قال حدثنا عبدالعزيز بن محمد عن محمد بن زيد بن قنفذ عن عبدالله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال مر رسول الله بقبر حديث فقال ما هذا القبر قالوا قبر فلانة قال فهلا آذنتموني قالوا كنت نائما فكرهنا أن نوقظك فقال رسول الله فلا تفعلوا ادعوني لجنائزكم ثم صف عليها فصلى.

وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبدالرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال حدثنا عبدالعزيز بن محمد عن محمد بن زيد بن المهاجر عن عبدالله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال مر رسول الله بقبر حديث فسأل عنه فقيل قبر فلانة المسكينة قال فهلا آذنتموني أصلي عليها فقالوا يا رسول الله كنت نائما فكرهنا أن نوقظك قال فقال رسول الله ادعوني لجنائزكم أو قال اعلموني بجنائزكم فصف وصف الناس خلفه وصلى عليها.

وحدثناه عبدالله بن محمد قال حدثنا عبدالحميد بن أحمد قال حدثنا الخضر ابن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال حدثنا أبو ثابت محمد بن عبدالله والقعنبي جميعا قالا حدثنا عبدالعزيز بن محمد عن "محمد" بن زيد عن عبدالله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال مر رسول الله بقبر حديث فذكر مثله سواء.

وأما حديث ابن عباس فحدثناه خلف بن سعيد قال حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبدالعزيز قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا شعبة. وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبدالله بن روح المدائني قال حدثنا عثمان بن عمر قال حدثنا شعبة عن سليمان الشيباني قال سمعت الشعبي يقول أخبرني من مر مع النبي على قبر منبوذ فكبر عليه قال فقلت للشعبي يا أبا عمرو من أخبرك بهذا قال أخبرني بذلك ابن عباس.

وحدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا خالد بن عبدالله قال حدثنا الشيباني عن عامر عن ابن عباس أن رسول الله مر بقبر حديث عهد بدفن فسأل عنه فقالوا مات ليلا فكرهنا أن نوفظك فنشق عليك فقام رسول الله وصفنا خلفه فصلينا عليه.

وأخبرنا عبدالرحمن بن أبان قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عبدالرزاق قال حدثنا الثوري عن سليمان الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس أن رسول الله صلى على جنازة بعدما دفنت.

وأما حديث أنس فحدثناه خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن زكرياء المقدسي قال حدثنا مضر بن محمد الأسدي قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا غندر عن شعبة عن حبيب بن الشهيد وعن ثابت عن أنس أن النبي صلى على قبر امرأة بعدما دفنت.

وحدثناه أبو العباس أحمد بن قاسم بن عيسى المقرىء قال حدثنا عبيدالله ابن محمد بن حبابة البغدادي قال حدثنا البغوي قال حدثنا إبراهيم "بن هانىء قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن حبيب بن" الشهيد وعن ثابت عن أنس أن النبي صلى على قبر بعد ما دفن.

وقد روينا عن النبي أنه صلى على قبر من ثلاثة أوجه سوى هذه الستة الأوجه المذكورة وكلها حسان منها "حديث" لزيد بن ثابت الأنصاري والحصين بن وحوح وأبي أمامة بن ثعلبة الأنصاري فالله أعلم أيها أراد أحمد بن حنبل.

أخبرنا أبو القاسم عبدالرحمن بن عبدالله بن خالد قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك البغدادي قال حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا هشيم قال أخبرني عثمان بن حكيم عن خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت

قال خرجنا مع رسول الله فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد فسأل عنه فقيل فلانة فعرفها فقال أفلا آذنتموني قالوا يا رسول الله كنت قائلا نائما فكرهنا أن نؤذنك فقال لا تفعلوا لايموتنّ فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي عليه له رحمة قال ثم أتى القبر فصفنا خلفه فكبر أربعا.

وأخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبدالله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا أحمد بن حباب قال حدثنا عيسى بن يونس قال حدثنا سعيد بن عثمان البلوي عن عروة بن سعيد الأنصاري عن أبيه عن الحصين بن وحوح أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي يعوده في الشتاء في برد وغيم فلما انصرف قال لأهله إني ما أرى طلحة إلا وقد حدث به الموت فآذنوني به حتى أشهده وأصلي عليه وعجلوا به فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله فلم يبلغ النبي بني سالم حتى توفي وجن عليه الليل فكان مما قال طلحة ادفنوني "وألحقوني" بربي ولا تدعوا رسول الله فإني أخاف عليه "اليهود" أن يصاب بشيء فأخبر النبي حين أصبح فجاء حتى وقف على قبره "في" قطاره بالعصبة فصف وصف الناس معه ثم رفع يديه وقال اللهم ألق طلحة تضحك "إليه" ويضحك إليك ثم انصرف.

وذكر أبو جعفر العقيلي "قال" أخبرنا هارون بن العباس الهاشمي قال حدثنا موسى بن محمد بن حيان قال حدثنا ابن مهدي عن عبدالله بن المنيب عن جده عبدالله بن أبي أمامة الحارثي "عن أبي أمامة الحارثي" أن رسول الله صلى على قبر بعدما دفن.

قال وأخبرنا عبدالله "بن أحمد بن حنبل قال أخبرنا يحيى بن معين قال حدثنا عبدالرحمن بن مهدي قال حدثنا عبدالله" بن المنيب "المدني" عن جده عبدالله بن أبي أمامة عن أبيه أبي أمامة بن ثعلبة قال رجع النبي من بدر وقد توفيت يعني أم أبي أمامة فصلى عليها.

وأما العمل من الصحابة بهذا فقد تقدم عن عائشة وعلي وابن مسعود وقرظة بن كعب وأبي موسى وغيرهم.

وذكر أبو بكر أحمد بن محمد بن هانىء الأثرم الطائي الوراق قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير أن أنس بن سيرين حدثه أن أنس بن ملك أتى جنازة وقد صلى عليها فصلى عليها.

قال وحدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عبدالله بن إدريس قال سمعت أبي عن الحكم قال جاء سلمان بن ربيعة وقد صلى على جنازة فصلى عليها".

قال وحدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا الضحاك ابن مخلد قال حدثنا سفيان بن سعيد عن شبيب بن غرقدة عن المستظل بن حصين أن عليا صلى على جنازة بعدما صلي عليها.

وأخبرنا عبدالله بن محمد بن يوسف قال حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال أخبرنا محمد بن الحسين الأنصاري قال أخبرنا الزبير بن أبي بكر القاضي قال حدثني يحيى بن محمد قال توفي الزبير بن هشام بن عروة بالعقيق في حياة أبيه فصلى عليه بالعقيق ودعا له وأرسل إلى المدينة يصلي عليه في موضع الجنائز ويدفن بالبقيع.

وأخبرنا عبدالله بن محمد بن عبدالمؤمن قال أخبرنا عبدالحميد بن أحمد الوراق قال أخبرنا الخضر ابن داود قال حدثنا أبو بكر قال أخبرنا الوليد قال حدثنا المثنى بن سعيد الضبعي عن أبي جمرة الضبعي قال انطلقت أنا ومعمر بن سمير اليشكري وكان من أصحاب الدرهمين في خلافة عمر فانطلقنا نطلب جنازة نصلي عليها فاستقبلنا أصحابنا وقد فرغوا ورجعوا قال أبو جمرة فذهبت أرجع فقال امض بنا فمضينا إلى القبر فصلينا عليه.

قال وأخبرنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا وهيب قال حدثنا أيوب عن محمد قال إذا فاتته الصلاة على الجنازة انطلق إلى القبر فصلى عليه قال وهيب ورأيت أيوب يفعله ومسلم أيضا.

قال وحدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا إسماعيل ابن إبراهيم قال أخبرنا أيوب عن نافع قال توفي عاصم بن عمر وابن عمر غائب فقدم بعد ذلك قال أيوب أحسبه قال بثلاث فقال أروني قبر أخي فأروه فصلى عليه هكذا قال عن أحمد عن ابن علية عن أيوب وهو عندي وهم لا شك فيه لأن معمرا ذكر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر أتى قبر أخيه ودعا له وهذا هو الصحيح المعروف من مذهب ابن عمر من غير ما وجه عن نافع وقد يحتمل أن تكون رواية ابن علية عن أيوب فصلى عليه بمعنى فدعا "له" لأن الصلاة دعاء وهو أصلها في اللغة فإذا كان هذا فليس بمخالف لما روى معمر.

وكذلك روى عبيدالله بن عمر "عن نافع" قال كان ابن عمر إذا انتهى إلى جنازة قد صلى عليها دعا وانصرف ولم يعد الصلاة وقد يحتمل ما ذكرنا عن عائشة من صلاتها على قبر أخيها عبدالرحمن أنها دعت "له" فكنى القوم عن الدعاء بالصلاة لأنهم كانوا عربا وهذا سائغ في اللغة والشواهد عليه محفوظة مشهورة فأغنى ذلك عن ذكرها هاهنا وإذا احتمل هذا فغير نكير أن يقال فيما ذكرنا من الآثار المرفوعة وغيرها أنه أريد بذكر الصلاة على القبر فيها الدعاء إلا أن يكون حديثا مفسرا يذكر فيه أنه صف بهم وكبر ورفع يديه ونحو هذا من وجه المعارضة ولكن الصحيح في النظر أن ذكر الصلاة على الجنائز إذا أتى مطلقا فالمراد به الصلاة المعهودة على الجنائز ومن ادعى غير ذلك كانت البينة عليه وليس ما ذكرنا من الآثار عن الصحابة والتابعين ما يرد قول مالك أن الصلاة على القبر جاء وليس عليه العمل لأنها كلها آثار بصرية وكوفية وليس منها شيء مدني أعني "عن الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنهم.

ومالك رحمه الله إنما حكى أنه ليس" عليه العمل عندهم بالمدينة في عصره وعصر شيوخه وهو كما قال ما وجدنا عن مدني ما يرد "حكايته هذه والله تعالى قد نزهه عن التهمة والكذب وحباه بالأمانة والصدق"

قال أبو عمر : من صلى على قبر أو على جنازة قد صلى عليها فمباح له ذلك لأنه قد فعل خيرا لم يحظره الله ولا رسوله ولا اتفق الجميع على المنع منه "وقد" قال الله تعالى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} وقد صلى رسول الله على قبر ولم يأت عنه نسخه ولا اتفق الجميع على المنع منه فمن فعل فغير حرج ولا معنف بل هو في حل وسعة وأجر جزيل إن شاء الله إلا أنه ما قدم عهده فمكروه الصلاة عليه لأنه لم يأت عن النبي ولا عن أصحابه أنهم صلوا على القبر إلا بحدثان ذلك وأكثر ما روى فيه شهر.

وقد أجمع العلماء أنه لا يصلى على ما قدم من القبور وما أجمعوا عليه فحجة ونحن نتبع ولا نبتدع والحمد لله.

وقد قال ابن حبيب فيمن نسي أن يصلي عليه حتى دفن "أو" فيمن دفنه يهودي أو نصراني دون أن يغسل ويصلى عليه ثم خشي عليه التغير أن يصلى على قبره وإن لم يخف عليه التغير نبش وغسل وصلى عليه إذا كان بحدثان ذلك.

وقال عيسى بن دينار من دفن ولم يصل عليه من قتيل أو ميت فإني أرى أن يصلي على قبره قال وقد بلغني ذلك عن عبدالعزيز بن أبي سلمة وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يصلى على جنازة مرتين إلا أن يكون الذي صلى عليها غير وليها فيعيد وليها الصلاة "عليها" إن كانت لم تدفن وإن كانت قد دفنت أعادها على القبر.

وقال يحيى بن معين قلت ليحيى بن سعيد ترى الصلاة على القبر قال لا ولا أرى على من صلى عليه شيئا وليس الناس على هذا اليوم وأنا أكره أن أفعل شيئا أخالف الناس فيه

ابن شهاب عن مالك بن أوس حديث واحد متصل[عدل]

وهو مالك بن أوس بن الحدثان النصري من بني نصر بن معاوية أدرك أبا بكر وعمر ولأبيه أوس بن الحدثان صحبة ورواية ولمالك بن أوس أيضا رؤية رسول الله وهو ثقة حجة فيما نقل وبالله التوفيق.

مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري أنه أخبره أنه التمس صرفا بمائة دينار قال فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف مني وأخذ الذهب يقلبها في يده ثم قال حتى يأتيني خازني من الغابة وعمر بن الخطاب يسمع فقال عمر لا والله لا تفارقه حتى تأخذ منه ثم قال قال رسول الله الذهب بالورق ربا الا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء .

والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء لم يختلف عن مالك في هذا الحديث حدثنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن عبدالله حدثنا عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز حدثنا هارون بن عبدالله حدثنا معن بن عيسى وروح بن عبادة وعبدالله بن نافع قالوا حدثنا مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء الحديث هكذا قال مالك ومعمر "والليث" وابن عيينة في هذا الحديث عن الزهري الذهب بالورق

ولم يقولوا الذهب بالذهب والورق بالورق وهؤلاء هم الحجة الثابتة في ابن شهاب على "كل" من خالفهم.

وأخبرنا عبدالوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال قال لنا أبو بكر بن أبي شيبة أشهد على ابن عيينة أنه قال لنا الذهب بالورق ولم يقل الذهب بالذهب يعني في حديث ابن شهاب هذا عن مالك بن أوس عن عمر.

ورواه محمد بن إسحاق عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر مثله إلا أنه قال فيه الذهب بالذهب مثلا بمثل هاء وهاء والفضة بالفضة مثلا بمثل هاء وهاء والبر بالبر مثلا بمثل هاء وهاء والشعير بالشعير مثلا بمثل هاء وهاء والتمر بالتمر مثلا بمثل هاء وهاء لا فضل بينهما هكذا رواه يزيد بن هارون وغيره عن ابن إسحاق ورواية أبي نعيم لهذا الحديث عن ابن عيينة في الذهب بالذهب مثل رواية ابن إسحاق ولم يقله أحد عن ابن عيينة غير أبي نعيم والله أعلم.

وقد روى هذا الحديث بنحو ذلك همام بن يحيى عن يحيى بن أبي كثير عن الأوزاعي "عن مالك بن أنس عن الزهري" عن مالك بن أوس قال سمعت عمر بن الخطاب يقول قال رسول الله الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء والفضة بالفضة ربا إلا هاء وهاء من زاد أو ازداد فقد أربى.

وعلى ذا كان الناس يروي النظير عن النظير والكبير عن الصغير رغبة في الازدياد من العلم .

وحدثنا عبدالوارث وسعيد "بن نصر" قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال "حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا عفان قال حدثنا شعبة قال" أخبرني حبيب بن "أبي" ثابت قال سمعت أبا المنهال قال سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف

فكلاهما يقول نهى رسول الله عن بيع الذهب بالورق دينا.

وفي هذا الحديث أن الرجل الكبير الشريف العالم قد يلي البيع والشراء بنفسه وإن كان له وكلاء وأعوان يكفونه وفيه المماكسة في البيع والمراوضة وفيه تقليب السلعة وأن يتناولها المشتري بيده ليقلبها وينظر فيها وهذا كله دليل على الاجتهاد في أن لا يغبن الانسان.

وفيه أن المهاجرين كانوا قد اكتسبوا الأرض بالمدينة وبواديها.

وفيه أن علم البيوع من علم الخواص لا من علم العوام لجهل طلحة به وموضعه من الجلالة موضعه.

وفيه أن الخليفة والسلطان من كان واجب عليه إذا سمع أو رأى ما لا يجوز في الدين أن ينهى عنه ويرشد إلى الحق فيه.

وفيه ما كان عليه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه من تفقد أحوال رعيته في دينهم والاهتمام بهم.

وفيه أنه كان من خلقهم وسيرهم أنهم كانوا إذا عزموا على أمر حلفوا عليه وأكدوه باليمين بالله عز وجل.

وفيه أن الحجة على من خالفك في حكم من الأحكام أو أمر من الأمور حديث رسول الله فيما لا نص فيه من كتاب الله عز وجل.

وفيه أن الحجة بخبر الواحد لازمة.

وفيه أن النساء لا يجوز في بيع الذهب بالورق وإذا كان الذهب والورق وهما جنسان مختلفان يجوز فيهما التفاضل بإجماع ولا يجوز فيهما النساء فأحرى أن لا يجوز ذلك في الذهب بالذهب الذي هو جنس واحد "ولا في الورق بالورق لأنه جنس واحد" وهذا أمر مجتمع عليه لا خلاف فيه والحمد لله.

وقد قال رسول الله الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم والفضة بالفضة تبرها وعينها والذهب بالذهب تبرها وعينها مثلا بمثل وزنا بوزن يدا بيد من زاد أو ازداد فقد أربى .

وقد جاء في هذا الباب شيء مردود بالسنة عن ابن عباس ومعاوية وقد مضى رده وبيان فساده في باب حميد بن قيس وباب زيد بن أسلم من هذا الكتاب والحمد لله.

فاستقر الأمر عند العلماء على أن الربا في الإزدياد في الذهب بالذهب وفي الورق بالورق كما هو في النسيئة سواء في بيع أحدهما بالآخر وفي بيع بعض كل واحد منهما ببعض وهذا أمر مجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه مع توتر الآثار عن النبي بذلك.

حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ "قال حدثنا محمد بن وضاح" قال حدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة قال قال رسول الله الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد

وكذلك رواه عبد الرزاق وعبد الملك بن الصباح عن الثوري عن خالد عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة قال سمعت رسول الله يقول الذهب بالذهب وزنا بوزن "والفضة بالفضة" وزنا بوزن والبر بالبر مثلا بمثل والشعير بالشعير مثلا بمثل والتمر بالتمر مثلا بمثل والملح بالملح مثلا بمثل وبيعوا الذهب بالفضة يدا بيد كيف شئتم والبر بالشعير يدا بيد كيف شئتم والتمر بالملح يدا بيد كيف شئتم .

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل "الترمذي" قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا ابن جدعان عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله الذهب بالذهب مثلا بمثل والورق بالورق مثلا بمثل والتمر بالتمر مثلا بمثل والشعير بالشعير مثلا بمثل حتى خص الملح بالملح مثلا بمثل فمن زاد أو ازداد فقد أربى.

وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا محمد بن أبي العوام حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن رجلين أحدهما مسلم بن يسار عن عبادة بن الصامت فذكر مثله.

قال أبو عمر : فقول رسول الله هاء وهاء وقوله يدا بيد سواء.

واختلف العلماء في حد قبض الصرف وحقيقته فقال ابن القاسم عن مالك لا يصح الصرف إلا يدا بيد فإن لم ينقده ومكث معه من غدوة إلى ضحوة قاعدا وقد تصارفا غدوة فتقابضا ضحوة لم يصح هذا ولا يكون الصرف إلا عند الإيجاب بالكلام ولو انتقلا من ذلك المكان إلى موضع غيره لم يصح تقابضهما هذا كله قول مالك وجملة مذهبه في ذلك أنه لا يجوز عنده تراخي القبض في الصرف سواء كانا في المجلس أو تفرقا ومحل قول عمر عنده "والله أعلم" والله لا نفارقه حتى تأخذ منه أن ذلك على الفور لا على التراخي وهو المعقول من لفظ رسول الله هاء وهاء عنده والله أعلم.

وقال أبو حنيفة والشافعي يجوز التقابض في الصرف مالم يفترقا وإن طالت المدة وانتقلا إلى موضع آخر واحتجوا بقول عمر والله لا تفارقه حتى تأخذ وجعلوه تفسيرا لما رواه عن النبي من قوله الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء واحتجوا بقوله أيضا وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره قالوا فعلم من قوله هذا أن المراعى الإفتراق.

واختلف الفقهاء أيضا من معنى هذا الحديث في الدينين يصارف عليهما فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إذا كان له عليه دراهم وله على الآخر دنانير جاز أن يشتري أحدهما ما عليه بما على الآخر لأن الذمة تقوم مقام العين الحاضرة وليس يحتاج ها هنا إلى قبض فجاز التطارح.

وقال الشافعي والليث بن سعد لا يجوز لأنه دين بدين واستدلوا بقول عمر لا تبيعوا منها غائبا بناجز قالوا فالغائب بالغائب أحرى أن لا يجوز

ومن حجة مالك عليهما أن الدين في الذمة كالمقبوض.

واختلفوا من معنى هذا الحديث أيضا في أخذ الدراهم عن الدنانير فقال مالك وأصحابه فيمن له على رجل دراهم حالة فإنه يأخذ دنانير "بها" وإن كانت مؤجلة لم يجز أن يبيعها بدنانير وليأخذ في ذلك عرضا إن شاء.

وإنما جاز هذا في الحال ومنعها في المؤجل فرارا من الدين بالدين وقال الشافعي إذا حل دينه أخذ به ما شاء منه من جنسه ومن غير جنسه من بيع كان أو قرض وإن لم يحل دينه لم يجز لأنه دين بدين وقال أبو حنيفة فيمن أقرض رجلا دراهم له أن يأخذ بها دنانير إن تراضيا فأتى الدنانير في المجلس.

وقال البتي يأخذها بسعر يومه.

وقال الأوزاعي بقيمته يوم يأخذه وهو قول الحسن البصري وقال ابن شبرمة لا يجوز أن يأخذ عن دنانير دراهم ولا عن دراهم دنانير وإنما يأخذ ما أقرض وروي عن ابن مسعود وابن عباس مثله وروي عن ابن عمر أنه لا بأس به وأجاز ابن شبرمة لمن باع طعاما بدين فجاء الأجل أن يأخذ بدراهمه "طعاما".

واختلف قول الثوري في ذلك والأصل في هذا الباب حديث ابن عمر وهو ثابت صحيح حدثناه خلف بن القاسم الحافظ رحمه الله قال حدثنا أحمد بن محمد حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس قال حدثنا أبو معن ثابت بن نعيم قال حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن سعيد ابن جبير عن ابن عمر قال كنت أبيع الإبل بالبقيع فآخذ مكان الدنانير دراهم ومكان الدراهم دنانير فسألت رسول الله عن ذلك فقال لا بأس به إذا افترقتما وليس بينكما شيء.

واختلف الفقهاء في اعتبار المذكورات في هذا الحديث وفي المعنى المقصود إليه بذكرها فقال العراقيون العلة في الذهب والورق أنهما أثمان المبيعات وقيم المتلفات وليس كذلك شيء من الموزونات لأنه جائز أن تسلم ما شئت من الذهب والورق فيما عداهما من سائر الموزونات ولا يسلم بعضها في بعض فبطل قياسها عليهما وردها إليهما.

قال وأما البر والتمر والشعير فالعلة عندي فيهما الأكل لا الكيل فكل مأكول أخضر كان أو يابسا مما يدخر كان أو مما لا يدخر فغير جائز بيع الجنس منه بعضه ببعض متفاضلا ولا نساء وحرام فيه التفاضل والنساء جميعا قياسا على البر بعضه ببعض وعلى الشعير بعضه ببعض "وعلى التمر بعضه ببعض" لا يجوز ذلك في واحد منهما بالإجماع والسنة الثابتة.

قال وأما إذا اختلف الجنسان من المأكول فجائز حينئذ فيهما التفاضل وحرام فيهما النساء وحجته في ذلك نهي رسول الله عن الطعام بالطعام إلا يدا بيد وأما أصحابنا من عصر إسماعيل بن إسحاق "إلى" هلم جرا ومن قبلهم من أصحاب مالك وأصحاب أصحابه فالذي حصل عندي من تعليلهم لهذه المذكورات بعد اختلافهم في شيء من العبارات عن ذلك أن الذهب والورق القول فيهما "عندهم" كالقول عند الشافعي لا يرد إليهما شيء من الموزونات لأنهما قيم المتلفات وأثمان المبيعات ولاشيء غيرهما كذلك فارتفع القياس عنهما لارتفاع العلة إذ القياس لا يكون عند جماعة القياسيين إلا على العلل لا على الأسماء وعللوا البر والتمر والشعير بأنها مأكولات مدخرات أقوات فكل ما كان قوتا مدخرا حرم التفاضل والنساء في الجنس الواحد منه وحرم النساء في الجنسين المختلفين دون التفاضل وما لم يكن مدخرا قوتا من المأكولات لم يحرم فيه التفاضل وحرم فيه النساء سواء كان جنسا أو جنسين.

قال أبو عمر : وهذا مجتمع عليه عند العلماء أن الطعام بالطعام لا يجوز إلا يدا بيد مدخرا كان أو غير مدخر إلا إسماعيل بن علية فإنه شذ فأجاز التفاضل والنساء في الجنسين إذا اختلفا من المكيل ومن الموزون قياسا على إجماعهم في إجازة بيع الذهب أو الفضة بالرصاص والنحاس والحديد والزعفران والمسك وسائر المزونات نساء وأجاز على هذاالقياس نصا في كتبه بيع البر بالشعير والشعير بالتمر والتمر بالأرز وسائر ما اختلف اسمه ونوعه بما يخالفه من المكيل والموزون متفاضلا نقدا ونسيئة سواء كان مأكولا أو غير مأكول ولم يجعل الكيل والوزن علة ولا الأكل والاقتيات وقاس ما اختلفوا فيه على ما أجمعوا عليه مما ذكرنا.

وذكر عن ابن جريج عن إسماعيل بن علية وأيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر أنه باع صاعي تمر بالغابة بصاع حنطة بالمدينة وإسماعيل بن علية هذا له شذوذ كثير ومذاهب عند أهل السنة مهجورة وليس قوله عندهم مما يعد خلافا ولا يعرج عليه لثبوت السنة بخلافه من حديث عبادة وغيره على ما قدمنا في هذاالباب ذكره من قوله فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد وبيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدا بيد وبيعوا التمر بالملح كيف شئتم يدا بيد.

وحدثنا عبدالله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا همام عن قتادة عن أبي الخليل عن مسلم المكي عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة بالفضة تبرها وعينها مثلا بمثل وزنا بوزن والبر بالبر مدى بمدى والشعير بالشعير مدى بمدى "والتمر بالتمر مدى بمدى" والملح بالملح مدى بمدى فمن زاد أو ازداد فقد أربى ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا ولا باس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد

وأما نسيئة فلا فهذه الأحاديث كلها ترد قول ابن علية في إجازته بيع الطعام بعضه ببعض نسيئة.

وكان مالك رحمه الله يجعل البر والشعير والسلت صنفا واحدا فلا يجوز شيء من هذه الثلاثة بعضها ببعض عنده إلا مثلا بمثل يدا بيد كالجنس الواحد وحجته في ذلك حديث زيد أبي عياش عن سعد في البيضاء بالسلت أيهما أكثر فنهاه وحديثه عن "سعد" أنه فنى علف حماره فأمر غلامه أن يأخذ من حنطة أهله فيبتاع بها شعيرا ولا يأخذ إلا مثلا بمثل ذكر ذلك كله في موطئه.

وذكر عن معيقيب الدوسي وعبدالرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وسليمان بن يسار مثل ذلك وخالفه جمهور فقهاء الأمصار فجعلوا البر صنفا والشعير صنفا وأجازوا فيهما التفاضل يدا بيد للأحاديث المذكورة في هذا الباب عن عبادة وممن قال بذلك أبو حنيفة والثوري والشافعي وأحمد وأبو ثور وكان داود بن علي لا يجعل للمسميات علة ولا يتعدى المذكورات إلى غيرها فقوله أن "الربا والتحريم غير جائز في شيء من المبيعات لقول الله عز وجل {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} إلا في الستة الأشياء المنصوصات وهي الذهب والورق والبر والشعير والتمر المذكورات في حديث عمر هذا والملح المذكور معها في حديث عبادة بن الصامت وهي زيادة يجب قبولها "قال" فهذه الستة الأشياء لا يجوز بيع الجنس الواحد منها بعضه ببعض متفاضلا ولا نساء الثابت عن رسول الله في ذلك وهو حديث عمر هذا وحديث عبادة ولاجماع الأمة أيضا على ذلك إلا من شذ ممن لا يعد خلافا

ولا يجوز النسا في الجنسين المختلفين منها لحديث عمر في الذهب ولحديث عبادة لان الأمة لا خلاف بينهما في ذلك ويجوز فيهما التفاضل وما عدا هذه الأصناف الستة فجائز فيها الزيادة "عنده" والنسيئة وكيف شاء المتبايعان في الجنس وفي الجنسين فهذا اختلاف العلماء في أصل الربا الجاري في المأكول والمشروب والمكيل والموزون مختصرا وبالله التوفيق.

ابن شهاب عن سعيد بن المسيب القرشي المخزومي المدني[عدل]

سبعة عشر حديثا منها سبعة متصلة وستة مرسلة ومنها ما شركه فيها أبو سلمة بن عبدالرحمن أربعة أحاديث حديثان متصلان مسندان وحديثان مرسلان.

وهو سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم يكنى أبا محمد ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب وذلك سنة أربع عشرة هذا أشهر شيء في مولده وأصحه وقد قيل ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر وعلى الأول أهل الأثر وأما الحسن البصري فولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر وذكر ابن البرقي عن ابن عبدالحكم عن ابن وهب عن مالك أن سعيد بن المسيب ولد لثلاث سنين بقيت من خلافة عمر قال وحدثنا ابن عبدالحكم قال سمعت مالكا يقول كان يقال لسعيد بن المسيب راوية عمر قال وتوفي سعيد بن المسيب سنة أربع وتسعين هكذا قال "ابن" البرقي وخالفه غيره وسنذكر ذلك في آخر باب أخباره هاهنا إن شاء الله.

حدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا عبدالرحمن بن إبراهيم دحيم قال حدثنا عبدالأعلى أبو مسهر قال حدثنا سعيد بن عبدالعزيز قال لما مات ابن عمر وابن عباس كان عالم المدينة سعيد بن المسيب قال وحدثنا دحيم قال حدثنا سهل بن هاشم قال حدثنا الأوزاعي قال سئل الزهري ومكحول من أفقه من أدركتما فقالا سعيد بن المسيب وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو الميمون قال حدثنا أبو زرعة قال حدثني عبدالرحمن بن إبراهيم دحيم فذكر الخبرين جميعا هذا والذي قبله.

أخبرنا عبدالله بن محمد بن يوسف قال حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال أنبأنا محمد بن الحسن قال أنبأنا الزبير بن بكار قال حدثني عبدالله بن عبيدالله بن عبدالله بن عنبسة عن عبدالرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال رمقت سعيد بن المسيب بعد جلد هشام بن إسماعيل إياه فما رأيته يفوته معه سجود ولا ركوع ولا زال يصلي معه بصلاته قال الزبير وحدثني ذؤيب بن عمامة عن معن بن عيسى عن محمد بن هلال عن سعيد بن المسيب أنه قال ما لقيت "قط" المنصرفين من الصلاة منذ أربعين سنة وروى الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يسمى راوية عمر بن الخطاب لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه وأقضيته.

قال يحيى بن سعيد وكان عبدالله بن عمر إذا سئل عن شيء يشكل عليه قال سلوا سعيد بن المسيب حدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد قال سمعت سعيد بن المسيب يقول ولدت لسنتين مضتا من خلافة عمر وحدثنا عبدالوارث قال حدثنا قاسم "قال" حدثنا أحمد بن زهير "قال حدثنا إبراهيم" بن المنذر الحزامي قال حدثنا معن بن عيسى عن مالك بن أنس أن سعيد بن المسيب ولد في زمن عمر بن الخطاب وكان احتلامه أيام مقتل عثمان.

وروى شعبة عن إياس بن معاوية قال قال لي سعيد بن المسيب ممن أنت قلت "من" مزينة قال إني لأذكر يوم نعى عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن على المنبر وسنذكر رواية سعيد عن عمر في باب يحيى بن سعيد إن شاء الله وذكر الحسن بن علي الحلواني في كتاب المعرفة قال حدثنا يزيد بن هارون عن حماد ابن سلمة عن علي بن زيد قال كان الحسن لا يرجع عن فتيا يفتي بها إلا أن يبلغه أن سعيد بن المسيب أفتى بخلافها فإنه يترك قوله ويرجع إلى قول سعيد ويقول إن ذلك رجل طلب العلم في مظانه قال الحسن وسمعت يزيد بن هارون وعبدالرزاق يقولان كان سعيد بن المسيب سيد التابعين قال وحدثنا عفان حدثنا سليم بن أخضر عن ابن عون عن محمد بن سيرين قال كان في سعيد بن المسيب كزازة قال محمد ولو رفقوا به لاستخرجوا منه علما كبيرا حدثنا عبدالوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عبدالرزاق عن معمر قال سمعت الزهري يقول أدركت أربعة بحور سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبا سلمة بن عبدالرحمن وعبيدالله بن عبدالله قال وحدثنا عبدالرحمن بن مبارك

قال حدثنا قريش بن حيان العجلي قال حدثنا عمرو بن دينار قال سمعت قتادة يقول ما جمعت علم الحسن إلى علم أحد من العلماء إلا وجدت له فضلا عليه غير أنه كان إذا أشكل عليه شيء كتب إلى سعيد بن المسيب يسأله قال وحدثنا عبدالله بن جعفر الرقي قال حدثنا أبو المليح عن ميمون بن مهران قال قدمت المدينة فسألت عن أفقه أهلها فدفعت إلى سعيد بن المسيب قال وحدثنا يحيى بن معين قال حدثنا الأصمعي عن مالك بن أنس عن الزهري قال قال لي عبدالله بن ثعلبة بن صغير تريد هذا الأمر؟ عليك بسعيد بن "المسيب"

قال وحدثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي وأبو سلمة موسى بن إسماعيل المنقري قالا حدثنا إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي عن سعيد قال سمعته يقول ما بقي أحد أعلم بكل قضاء قضاه رسول الله وكل قضاء قضاه أبو بكر وكل قضاء قضاه عمر قال وأحسبه قال وعثمان "منى" قال أبو بكر أحمد بن زهير سمعت يحيى بن معين يقول مات سعيد بن المسيب سنة خمس ومائة وكذلك "قال" علي بن محمد المدائني أبو الحسن وحدثنا أحمد بن حنبل قال سمعت يحيى بن سعيد قال وسعيد بن المسيب سنة إحدى أو اثنتين وتسعين يعني مات قال أبو نعيم مات سعيد بن المسيب سنة ثلاث وتسعين

وكذلك ذكر البخاري عن علي بن المديني وزاد وهو ابن بضع وثمانين قال الواقدي مات سعيد بن المسيب سنة أربع وتسعين وهو ابن بضع وثمانين قال وفيها مات عروة وعلي بن حسين وكان يقال سنة الفقهاء وروى ابن وهب والأصمعي وابن أبي الوزير عن مالك عن ابن شهاب قال كنت أجالس عبدالله بن ثعلبة بن صعير أتعلم منه النسب فسألته يوما عن شيء "من الفقه" فقال إن كنت تريد هذا ولك به حاجة فعليك بذلك الشيخ وأشار إلى سعيد بن المسيب فتحولت إليه فجالسته تسع "سنين" لا أحسب أن عالما غيره زاد الأصمعي ثم تحولت إلى عروة ففجرت منه بحرا

وروى عبدالرحمن بن مهدي هذا الخبر عن مالك فجعل موضع عبدالله بن ثعلبة بن صعير ثعلبة بن أبي مالك فوهم فيه وغلط والقول عندهم قول الأصمعي وابن وهب وابن أبي الوزير واسم ابن أبي الوزير "محمد" بن عمر "هاشمي".

وأخبار سعيد بن المسيب وفضائله في علمه "ودينه" وزهده وفهمه وورعه كثيرة جدا وسنذكرها "إن شاء الله" في كتاب أخبار أئمة الأمصار أعان الله على ذلك بفضله ونعمته

حديث أول لابن شهاب عن سعيد بن المسيب متصل[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها قال رسول الله ما بين لابتيها حرام .

"لم يختلف رواة الموطأ في إسناده ولامتنه"

وفي هذا الحديث من الفقه تحريم المدينة وإذا كانت حراما لم يجز فيها الاصطياد ولا قطع الشجر كهيئة مكة إلا أنه لا جزاء فيه عند العلماء كذلك قال مالك والشافعي وأصحابهما وقال أبو حنيفة صيد المدينة غير محرم وكذلك قطع شجرها وهذا الحديث حجة عليه مع سائر ما في " تحريم" المدينة من الآثار واحتج لأبي حنيفة بعض من ذهب مذهبه بحديث سعد بن أبي وقاص عن النبي أنه قال من وجدتموه يصيد في حدود المدينة أو يقطع من شجرها فخذوا سلبه وأخذ سعد سلب من فعل ذلك قال وقد اتفق الفقهاء على أنه لا يؤخذ سلب من صاد في المدينة فدل ذلك على أنه منسوخ قال وقد يحتمل أن يكون معنى النهي عن صيد المدينة وقطع شجرها لأن الهجرة كانت إليها فكان بقاء الصيد والشجر مما يزيد في زينتها ويدعو إلى ألفتها كما روى عن نافع عن ابن عمر أن النبي نهى عن هدم آطام المدينة فإنها من زينة المدينة.

قال أبو عمر : ليس في هذا كله حجة لأن حديث سعد ليس بالقوي ولو صح لم يكن في نسخ أخذ السلب ما يسقط ما صح من تحريم المدينة وما تأوله في زينة المدينة فليس بشيء لأن الصحابة تلقوا تحريم "المدينة" بغير هذا التأويل "وسعد قد عمل بما روى فأي نسخ هاهنا" وفي قول أبي هريرة "ما ذعرتها" دليل على أنه لا يجوز ترويع الصيد في حرم المدينة كما لا يجوز ترويعه في الحرم والله أعلم. وكذلك نزع زيد بن ثابت من يد الرجل النهس وهو طائر كان صاده بالمدينة دليل على أن الصحابة فهموا مراد رسول الله في تحريمه صيد المدينة فلم يجيزوا فيها الاصطياد ولا تملك ما يصطاد ولذلك نزع زيد النهس وسرحه من يد صائده يقال أن ذلك الرجل شرحبيل بن سعيد وقال ابن مهدي "عن مالك" حرم المدينة بريد في بريد يعني "من الشجر" قال واللابتان هما الحرتان وقال ابن حبيب اللابة الحرة وهي الأرض التي ألبست الحجارة السود الجرد وجمع اللابة لابات فإذا كثرت جدا فهي لوب

قال وتحريم النبي ما بين لابتي "المدينة" إنما يعني في الصيد فأما في قطع الشجر فبريد في بريد في دور المدينة كلها محرم كذلك أخبرني مطرف عن مالك وعمر بن عبدالعزيز فقول رسول الله ما بين لا بتيها يعني حرتيها الشرقية والغربية وهي حرار أربع لكن القبلية والجوفية متصلتان بها وقد ردها حسان بن ثابت إلى حرة واحدة لاتصالها فقال :

لنا حرة مأطورة بجبالها ... بنى العز فيها بيته فتأثلا

قال وقوله مأطورة بجبالها يعني معطوفة بجبالها لاستدارة الجبال بها وإنما جبالها تلك الحجارة السود التي تسمى الحرار.

قال أبو عمر : وكذلك فسر ابن وهب ما بين لابتيها "قال" ما بين حرتيها قال وهو قول مالك قال ابن وهب وهذا الذي حرمه رسول الله فيها إنما هو في قتل الصيد قيل لابن وهب فما حرمه فيها في قطع الشجر

قال حد ذلك بريد في بريد بلغني ذلك عن عمر بن عبدالعزيز وقال ابن نافع اللابتان هما الحرتان إحداهما التي ينزل بها الحاج إذا رجعوا من مكة وهي بغربي المدينة والأخرى مما يليها من شرقي المدينة قال فما بين هاتين الحرتين حرام أن يصاد فيها طير أو صيد قال ابن نافع وحرة أخرى مما يلي قبلة المدينة وحرة رابعة من جهة الجوف فما بين هذه الحرار كلها في الدور محرم أن يصاد فيها ومن فعل ذلك أثم ولم يكن عليه جزاء ما صاده كما يكون عليه في حرم مكة إذا صاد فيه وجملة مذهب مالك والشافعي في صيد المدينة وقطع شجرها أن ذلك مكروه لا جزاء فيه "وقال مالك لا يقتل الجراد في حرم المدينة" وكان يكره أكل ما قتل الحلال من الصيد في حرم المدينة" وقال أبو حنيفة وأصحابه صيد المدينة غير محرم وكذلك "قطع" شجرها واحتج الطحاوي لهم بحديث أنس يا أبا عمير ما فعل النغير قال فلم ينكر صيده وإمساكه.

قال أبو عمر : "هذا" قد يجوز أن يكون صيد في غير حرم المدينة فلا حجة فيه واحتج أيضا بحديث يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد عن عائشة كان لرسول الله وحش فإذا خرج لعب واشتد وأقبل وأدبر فإذا أحس برسول الله ربض فلم يترمرم كراهية أن يؤذيه والقول عندي في هذا الحديث كالقول في حديث النغير والله أعلم قال إسماعيل بن إسحاق بعد أن ذكر الآثار في تحريم ما بين لابتي المدينة إني لأعجب ممن رد هذه الأحاديث بحديث أنس ياأبا عمير ما فعل النغير؟.

قال أبو عمر : قد زدنا هذا الباب بيانا عند ذكر قوله في حديث مالك عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس اللهم إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها وليس في سقوط الجزاء عمن اصطاد بالمدينة دليل على سقوط تحريم صيدها ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله

عليه وسلم إني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة قال إسماعيل وغيره لم يبلغنا أنه كان في شريعة إبراهيم جزاء صيد وظاهر الآية يدل على أنه أمر شرعه الله لهذه الأمة بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} إلى قوله {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} قال إسماعيل حدثنا محمد بن أبي بكر قال حدثنا الفضيل بن سليمان قال حدثنا محمد بن أبي يحيى عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال قال رسول الله ما بين لابتي المدينة حرام كما حرم إبراهيم مكة اللهم اجعل البركة فيها بركتين وبارك لهم في صاعهم ومدهم .

حديث ثان لابن شهاب عن سعيد بن الـمسيب ـ متصل[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن الـمسيب عن أبـي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : «صَلاَةُ الْـجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا» .

هكذا هو فـي الـموطأ عند جميع الرواة. ورواه جويرية بن أسماء عن مالك باسناده فقال : «فضل صلاة الـجماعة علـى صلاة احدكم خمس وعشرون صلاة». ورواه عبد الـملك بن زياد النصيبـي يحيى بن مـحمد بن عباد عن مالك عن الزهري عن أبـي سلـمة عن أبـي هريرة عن النبـي مثله. ورواه الشافعي وروح بن عبادة وعمار بن مطر عن مالك عن أبـي الزناد عن الاعرج عن أبـي هريرة.

فـي هذا الـحديث من الفقه معرفة فضل الـجماعة والترغيب فـي حضورها. وفـيه دلـيل علـى أن الـجماعة كثرت أو قلت سواء، لأنه لـم يخص جماعة من جماعة، والقول علـى عمومه.

وقد قال : «إثنان فما فوقهما جماعة». وقال : «صلاة الـجماعة تفضل علـى صلاة بكذا وكذا درجة» لـم يقصد جماعة من جماعة ولا موضعا من الـمسجد من موضع. وأما حديث أبـي بن كعب : «صلاة الرجل مع الرجل ازكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلـين أزكى من صلاته مع الرجل، وصلاته مع الثلاثة، أزكى من صلاته مع الرجلـين، ولكما كثر فهو أزكى وأطيب». فهو حديث لـيس بالقوي لا يحتـج بمثله.

وفـي هذا الـحديث ـ أعنـي حديث مالك هذا دلـيل علـى جواز صلاة الفذ وحده وإن كانت الـجماعة أفضل، وإذا جازت صلاة الفذ وحده بطل أن يكون شهود صلاة الـجماعة فرضا لأنه لو كان فرضا لـم تـجز للفذ صلاته، كما أن الفذ لا يجزئه يوم الـجمعة أن يصلـي قبل صلاة الامام ظهرا ولا غيرها، إذا كان مـمن يجب علـيه اتـيان الـجمعة. قد احتـج بهذا جماعة من العلـماء، وأكثر الفقهاء بالـحجاز والعراق والشام يقولون : إن حضور صلاة الـجماعة فضيلة وفضل وسنة مؤكدة لا ينبغي تركها ولـيست بفرض.

ومنهم من قال : إنها فرض علـى الكفاية. واختلف اصحاب الشافعي فـي هذه الـمسألة : فمنهم من قال : شهود الـجماعة فرض علـى الكفاية ومنهم من قال : شهدها سنة مؤكدة لا رخصة فـي تركها للقادر علـيها، إلا من عذر. ولهم فـي ذلك دلائل يطول ذكرها للقولـين جميعا.

وقال أهل الظاهر منهم داود : أن حضور صلاة الـجماعة فرض متعين كالـجماعة سواء، أنه لا يجزىء الفذ صلاة، إلا بعد صلاة الناس فـي الـمسجد. وإن صلاها قبلهم أعاد، واستدل بظاهر آثار رويت فـي ذلك، سنذكر ما روى منها مالك فـي موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله.

قال أبو عمر : لا يخـلو قوله : «صلاة الـجماعة تفضل صلاة الفذ» من أحد ثلاثة أوجه : أما أن يكون الـمراد بذلك صلاة النافلة، أو يكون الـمراد بذلك من تـخـلف من عذر عن الفريضة، أو يكون الـمراد بذلك من تـخـلف عنها بغير عذر.

فإذا احتمل ما ذكرنا وكان رسول الله ، قد قال : «صلاة الـمرء فـي بـيته أفضل من صلاته فـي مسجدي هذا إلا الـمكتوبة»، علـمنا أنه لـم يرد صلاة النافلة بتفضيله صلاة الـجماعة علـى الفذ، إنما أراد بذلك الفرض.

وكذلك لـما قال : «من غلبه علـى صلاته نوم كتب له أجرها». وكذلك قوله : «إذا كان للعبد عمل يعمله فمنعه منه مرض أمر الله كاتبـيه أن يكتبا له ما كان يعمل فـي صحته».

وكذلك قوله فـي غزوة تبوك لاصحابه : «إن بالـمدينة قوما، ما سلكتم طريقا، ولا قطعتم واديا، ولا انفقتم نفقة، إلا وهم معكم، حبسهم العذر».

علـمنا بهذه الآثار وما كان فـي معناها أن الـمتـخـلف بعذر لـم يقصد الـى تفضيل غيره علـيه، وإذا بطل هذان الوجهان، صح أن الـمراد بذلك هو الـمتـخـلف عن الواجب علـيه بغير عذر، وعلـمنا أن النبـي لـم يفاضل بـينهما إلا ـ وهما جائزان، غير أن أحدهما أفضل من الآخر. ومـما يدل علـى ما ذكرنا حديث مـحجن الديلـي حين قال له رسول الله  : «ما منعك أن تصلـي معنا؟ ألست برجل مسلـم؟» قال : بلـى، ولكنـي قد صلـيت فـي رحلـي. فعلـم انه إنما صلـى فـي رحله منفردا.

وكذلك قوله «إذا حضرت العشاء واقـيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء». وقد يكون من العذر الـمطر والظلـمة لقوله : «ألا صلوا فـي الرحال». ومن العذر أيضا مدافعة الأخبثـين : الغائط والبول. وقد ذكرنا كثـيرا من هذه الآثار فـي مواضعها من كتابنا، ومضى القول هناك فـي معانـيها والـحمد لله كثـيرا.

حديث ثالث لابن شهاب عن سعيد بن المسيب متصل[عدل]

"مالك" عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله قال ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب .

هكذا هو في الموطأ عند جماعة رواته "فيما علمت" ورواه شيخ يسمى حاتم بن منصور عن مطرف عن مالك عن الزهري عن حميد بن عبدالرحمن عن أبي هريرة فأخطأ فيه على مالك وإنما رواية مالك فيه عن ابن شهاب عن سعيد بن "المسيب" عن أبي هريرة وكذلك رواه أبو أويس وعبدالرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة وخالفهم يونس وعقيل ومعمر وشعيب بن أبي حمزة والزبيدي فرووه عن الزهري عن حميد بن عبدالرحمن عن أبي هريرة.

وحدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أبو عبدالله أحمد بن الحسين الكرخي قال حدثنا إسحاق ابن موسى قال حدثنا معن بن عيسى قال حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله قال ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب .

وفي هذا الحديث من الفقه فضل الحلم وفيه دليل على أن الحلم كتمان الغيظ وأن العاقل من ملك نفسه عند الغضب لأن العقل في اللغة ضبط الشيء وحبسه منه قيل عقال الناقة ومعناه في الشريعة ملك النفس وصرفها عن شهواتها المردية لها وحبسها عما حرم "الله" عليها والله أعلم وقد جعل رسول الله للذي يملك نفسه ويغلبها من القوة ما ليس للذي يغلب غيره

وفي هذا دليل على أن مجاهدة النفس أصعب مراما وأفضل من مجاهدة على أن مجاهدة النفس أصعب مراما وأفضل من مجاهدة العدو والله أعلم وأما قوله الصرعة فإنه يعني الكثير القوة الذي يصرع كل من صارعه ومثله من قول العرب هذا رجل نومة يعني كثير النوم وحفظة يعني كثير الحفظ وقال ابن حبيب الصرعة تثقيل الكلمة بالحركات معناه الذي يصرع الناس قال والصرعة بالتخفيف الرجل الضعيف النحيف الذي يصرعه الناس حتى لا يكاد يثبت وكذلك الضحكة بالتثقيل الذي يضحك بالناس والضحكة بالتخفيف الذي يضحك منه الناس "وبالله التوفيق".

حديث رابع لابن شهاب عن سعيد بن المسيب متصل[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله نعى النجاشي للناس في اليوم الذي مات فيه فخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات .

هكذا "هو" في جميع الموطآت بهذا الإسناد وقد أخبرنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا أبو بكر الشافعي محمد بن عبدالله بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن شداد المسمعي حدثنا خالد بن مخلد القطواني وابن قعنب قالا حدثنا مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب

وأبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة قال نعى رسول الله النجاشي إلى الناس في اليوم الذي مات فيه وصف الناس في المصلى وكبر عليه أربع تكبيرات تفرد به محمد بن شداد بهذا الإسناد وروى هذا الحديث أيضا عن عبدالله بن نافع عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وليس في الموطأ إلا عن سعيد وحده وهو محفوظ في حديث الزهري عن سعيد وأبي سلمة جميعا عن أبي هريرة رواه عقيل وصالح بن كيسان وقد روى مكي بن إبراهيم وحباب بن جبلة في هذا الحديث إسنادا آخر عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله كبر على النجاشي أربعا وليس هذا الإسناد في الموطأ لهذا الحديث ولا أعلم أحدا حدث به هكذا عن مالك غيرهما والله أعلم.

حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن علان حدثنا ابن يعلى أحمد بن علي بن المثنى قال سمعت سهل بن زنجلة الرازي يسأل ابن أبي سمينة عن حديث بن عمر أن النبي صلى على النجاشي

قال هذا منكر وقال له ابن أبي سمينة من رواه عن نافع فقال ابن زنجلة مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى على النجاشي فقال ابن أبي سمينة عمن حملته عن مالك قال حدثناه مكي بن إبراهيم قال أنبأنا مالك فسكت ابن أبي سمينة.

قال أبو عمر : لا أعلم أحدا روى هذا الحديث عن مكي بن إبراهيم وحباب بن جبلة وإنما الصحيح فيه عن مالك ما في الموطأ.

النجاشي ملك الحبشة قال ابن إسحاق النجاشي اسم الملك كما يقال كسرى وقيصر قال واسمه أصحمة وهو بالعربية عطية.

وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة كبير وذلك أن يكون النبي علم بموته في اليوم الذي مات فيه على بعد ما بين الحجاز وأرض الحبشة ونعاه للناس في ذلك اليوم وكان نعى رسول الله النجاشي في رجب سنة تسع من الهجرة كذلك قال أهل السير الواقدي وغيره وفيه إباحة الإشعار بالجنازة والإعلام بها والاجتماع لها وهذا أقوى من حديث حذيفة أنه كان إذا مات له ميت قال لا تؤذنوا به أحدا فإني أخاف أن يكون نعيا فإني سمعت رسول الله ينهى عن النعي وإلى هذا ذهب جماعة من السلف

قد تقدم ذكر بعضهم في حديث "مالك عن" ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف وروى عن ابن عمر أنه كان إذا مات له ميت تحين غفلة الناس ثم خرج بجنازته وقد روى عنه خلاف هذا في جنازة رافع بن خديج لما نعى له قال وكيف تريدون أن تصنعوا "به" قالوا نحبسه حتى نرسل إلى قباء وإلى قريات حول المدينة ليشهدوا جنازته قال نعم ما رأيتم وجاء عن أبي هريرة أنه "كان" يمر بالمجالس فيقول أن أخاكم قد قبض فاشهدوا جنازته والأصل في هذا الباب قوله في حديث ابن شهاب عن أبي أمامة هلا آذنتموني بها وقوله في هذا الحديث نعى النجاشي للناس والنظر يشهد لهذا لأن "شهود" الجنائز أجر وخير ومن دعا إلى ذلك فقد دعا إلى خير وأعان عليه وفيه أن من السنة أن تخرج الجنازة إلى المصلى ليصلي عليها هناك وفي ذلك دليل على أن صلاته على سهيل بن بيضاء في المسجد إباحة ليس بواجب وسيأتي القول في ذلك في باب أبي النضر إن شاء الله.

وفيه الصلاة على الميت الغائب وأكثر أهل العلم يقولون "إن" هذا خصوص للنبي وقد أجاز بعضهم الصلاة على الغائب إذا بلغه الخبر بقرب موته ودلائل الخصوص في هذه المسألة واضحة لا يجوز أن يشرك النبي فيها غيره لأنه والله أعلم أحضر روح النجاشي بين يديه حيث شاهدها وصلى عليها أو رفعت له جنازته كما كشف له عن بيت المقدس حين سألته قريش عن صفته وقد روى أن جبريل عليه السلام أتاه بروح جعفر أو جنازته وقال قم فصل عليه

ومثل هذا كله يدل على أنه مخصوص به لا يشاركه فيه غيره وعلى هذا أكثر العلماء في الصلاة على الغائب وفيه الصف في الصلاة على الجنائز وقد روى عن النبي أنه قال ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب رواه حماد بن زيد عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبدالله اليزني عن مالك بن هبيرة قال قال رسول الله فذكره قال وكان مالك إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف الحديث

وفي هذا الحديث أيضا دليل على الاستكثار من الناس في شهود الجنائز وذلك لا يكون إلا بالأشعار والأعلام والله أعلم وفيه أن النجاشي ملك الحبشة أسلم ومات مسلما لأن رسول الله لا يصلي إلا على مسلم وذكر سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال لما صلى رسول الله على النجاشي طعن في ذلك المنافقون فنزلت "هذه الآية" {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} إلى آخرها قال ابن جريج وقال آخرون نزلت في عبدالله بن سلام ومن معه وقال معمر عن قتادة في قوله {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ} الآية إلى قوله {سَرِيعُ الْحِسَابِ}

قال هذه الآية نزلت في النجاشي وأصحابه ممن آمن بالنبي حدثني خلف بن قاسم قال حدثنا ابن الورد "عبدالله بن جعفر" قال بن دورويه الدمشقي قال حدثنا المسيب بن واضح قال حدثنا معتمر بن سليمان عن حميد عن أنس قال لما جاءت وفاة النجاشي إلى رسول الله قال لأصحابه صلوا عليه فقام رسول الله وقمنا معه فصلى عليه فقالوا صلى على علج مات فنزلت {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ} الآية

وحدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا الحسين بن جعفر الزيات قال حدثنا "يوسف بن يزيد قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا" ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن جابر قال لما مات النجاشي قال النبي قد مات اليوم عبد صالح فقوموا فصلوا على اصحمة فكنت "في الصف" الأول أو الثاني وفي صلاة رسول الله على النجاشي وأمره أصحابه بالصلاة عليه وهو غائب أوضح الدلائل على تأكيد الصلاة على الجنائز وعلى أنه لا يجوز أن يترك جنازة مسلم دون صلاة ولا يحل لمن حضره أن يدفنه دون أن يصلي عليه وعلى هذا جمهور علماء المسلمين "من السلف والخالفين"

إلا أنهم اختلفوا في تسمية وجوب ذلك فقال الأكثر هي فرض على الكفاية وقال بعضهم سنة واجبة على الكفاية يسقط وجوبها بمن حضرها عمن لم يحضرها وأجمع المسلمون على أنه لا يجوز ترك الصلاة على جنائز المسلمين من أهل الكبائر كانوا أو صالحين وراثة عن نبيهم "" قولا وعملا واتفق الفقهاء على ذلك إلا في الشهداء وأهل البدع والبغاة فإنهم اختلفوا في الصلاة على هؤلاء حسبما يأتي في مواضعه من هذا الكتاب إن شاء الله

حدثنا محمد بن عبدالله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبدالحميد بن أبي العشرين قال حدثنا الأوزاعي قال حدثنا يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو قلابة قال حدثني أبو المهاجر قال حدثني عمران بن حصين أن رسول الله قال إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه فقام رسول الله وصففنا خلفه فكبر "عليه" أربعا وما نحسب الجنازة إلا بين يديه.

وفيه التكبير على الجنائز "أربع لا غير وهذا أصح ما يروى عن النبي في التكبير على الجنازة" وقد ثبت عنه أنه كبر على قبر أربعا وأنه كبر على جنازة أربعا

حدثنا خلف بن القاسم الحافظ قال حدثنا أحمد بن صالح المقرىء قال حدثنا أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال حدثنا العباس بن الوليد بن صبح الخلال قال حدثنا يحيى بن صالح قال حدثنا سلمة بن كلثوم قال حدثنا الأوزاعي قال أخبرني يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى على جنازة فكبر عليها أربعا ثم أتى القبر من "قبل" رأسه فحثا فيه ثلاثا قال أبو بكر بن أبي داود ليس يروي عن النبي حديث صحيح أنه كبر على جنازة أربعا إلا هذا ولم يروه إلا سلمة بن كلثوم وهو ثقة من كبار أصحاب الأوزاعي قال وإنما يروى عن النبي من وجه ثابت أنه كبر على قبر "أربعا" وأنه كبر على النجاشي أربعا وأما على جنازة أربعا هكذا فلا إلا حديث سلمة بن كلثوم هذا.

قال أبو عمر : أما صحيح فلا كما قال ابن أبي داود وقد جاءت أحاديث ضعاف أن رسول الله كبر على جنازة أربعا منها حديث رواه المغيرة بن عبدالرحمن المخزومي الفقيه المدني المفتي بها وكان ثقة عن خالد بن

الياس وهو ضعيف عند جميعهم عن إسماعيل بن عمرو بن سعد بن العاص وكان ثقة عن عثمان بن عبدالله بن الحكم عن عثمان بن عفان أن النبي صلى على عثمان بن مظعون فكبر عليه أربعا".

قال أبو عمر : اختلف السلف في عدد التكبير على الجنازة ثم اتفقوا على أربع تكبيرات وما خالف ذلك شذوذ يشبه البدعة والحدث حدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية عن وكيع عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل قال جمع عمر الناس فاستشارهم في التكبير على الجنازة وجمعهم على أربع تكبيرات قال وحدثنا وكيع عن مسعر عن عبدالملك الشيباني عن إبراهيم قال اجتمع أصحاب محمد في بيت "أبي" مسعود فأجمعوا على أن التكبير أربع

وحدثنا عبدالوارث حدثنا قاسم حدثنا ابن وضاح حدثنا عبدالملك بن حبيب المصيصي حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن مغيرة عن إبراهيم عن عبدالله قال أجمعوا على أربع قال المغيرة بلغني أن عمر جمعهم وسألهم عن أحدث جنازة كبر عليها رسول الله فشهدوا أنه صلى على أحدث جنازة وكبر عليها أربعا حدثنا سعيد بن نصر حدثنا ابن أبي دليم حدثنا ابن وضاح حدثنا يوسف بن عدي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال سئل عبدالله عن التكبير على الجنازة فقال كل ذلك قد صنع فرأيت الناس قد اجتمعوا على أربع.

قال أبو عمر : يكبر خمسا احتج بحديث زيد بن أرقم أن رسول الله كبر على جنازة خمسا وهو حديث يرويه عمرو بن مرة عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن زيد بن أرقم رواه عن عمرو بن مرة جماعة منهم شعبة وقد قال يحيى القطان عن شعبة كان عمرو بن مرة يعرف وينكر وقد جاء عن زيد بن أرقم ما يعارض حديث عمرو بن مرة هذا

أخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا شريك عن عثمان بن أبي زرعة المؤذن قال توفي أبو سريحة الغفاري فصلى عليه زيد بن أرقم فكبر أربعا فهذا يدل على أن ذلك ليس مما يحتج به عن زيد بن أرقم لأنه لو لم يكن عنده عن النبي غيره ما خالفه وعلى أن حديث عمرو بن مرة عن عبدالرحمن بن أبي ليلى إنما فيه أن زيد بن أرقم كان يكبر على جنائزهم أربعا وأنه "مرة" كبر خمسا فقيل له ما هذا فقال فعله رسول الله ففي هذا ما يدل على أن تكبيره علىالجنائز كان أربعا وأنه إنما كبر خمسا مرة واحدة ولا يوجد هذا عن النبي إلا من هذا الوجه والله أعلم

وليس مما يحتج به على ما ذكرنا من إجماع الصحابة واتفاقهم على الأربع دون ما سواها والتكبير على الجنائز أربع هو قول عامة الفقهاء إلا ابن أبي ليلى وحده فإنه قال خمسا ولا أعلم له في ذلك سلفا إلا زيد بن أرقم وقد اختلف عنه في ذلك وحذيفة وأبو ذر وفي الإسناد عنهما من لا يحتج به وقد ذكر أبو بكر الأثرم عن النبي أنه كبر أربعا من حديث سهل بن حنيف على قبر ومن حديث جابر ومن حديث ابن عباس قال ابن عباس آخر جنازة صلاها رسول الله كبر عليها أربعا وعن أبي بكر الصديق أنه كبر أربعا وعن عمر أنه كبر على أبي بكر أربعا وعن علي أنه كبر على ابن المكفف أربعا "وعن أبي هريرة والبراء بن عازب وحذيفة وابن مسعود وأبي مسعود أنهم كبروا أربعا"

وعن علي أيضا أنه كبر أربعا وعن زيد بن ثابت أنه كبر على أمه أربعا وذكر حديث إبراهيم النخعي قال اجتمع أصحاب رسول الله في بيت أبي مسعود واجتمع رأيهم على أن التكبير على الجنائز أربع

قال الأثرم وحدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى قال كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعا ثم كبر على جنازة خمسا فسألته فقال كان رسول الله يكبرها أو قال كبرها قال وحدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا عبدالواحد قال حدثنا الشيباني قال حدثنا عامر عن علقمة قال قيل لعبدالله أن أصحاب معاذ يكبرون على الجنائز خمسا فلو وقت لنا فقال عبدالله إذا تقدم أمامكم "فكبر" فكبروا ما كبر فإنه لا وقت ولا عدة.

ومن حديث محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا وكيع قال لم يرو شعبة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس إلا حديثين أحدهما أن ابن عباس قال يكبر على الجنائز ثلاثا والآخر أن ابن عباس قال ليس على أهل الكتاب حد قال وكيع حدثناه شعبة وذكر الفزاري عن حميد عن أنس أنه صلى على جنازة فكبر ثلاثا ثم سلم فقيل له إنما كبرت ثلاثا فاستقبل القبلة فكبر الرابعة ثم سلم

حدثنا "خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن إبراهيم بن علي أبو العباس الكندي حدثنا أبو محمد الهيثم بن خلف الدوري حدثنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن عمرو عن أبي معبد عن ابن عباس أنه كبر على الجنازة ثلاثا"

وقال مالك وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومن اتبعه والثوري والأوزاعي والحسن بن حي والليث بن سعد وأحمد بن حنبل وداود والطبري وهو قول سعيد بن المسيب وأبي سلمة وابن سيرين والحسن وسائر أهل الحديث التكبير أربع قال إبراهيم النخعي قبض رسول الله والناس مختلفون فمنهم من يقول كبر النبي أربعا ومنهم من يقول خمسا وآخر يقول سبعا فلما كان عمر جمع الصحابة فقال لهم انظروا أمرا تجتمعون عليه فأجمع أمرهم على أربع تكبيرات وقال سعيد بن المسيب كل ذلك قد كان خمس وأربع فأمر عمر الناس بأربع

فإن احتج محتج بابن مسعود قيل له قد روى عنه أنه ليس في التكبير شيء معلوم وروى عنه أنه كبر أربعا وهو أولى وإن احتج محتج بعلي رضي الله عنه قيل له إنما كبر أكثر من أربع على قوم دون آخرين وذلك أنه كان يكبر على أهل بدر ستا أو سبعا وعلى سائر أصحاب رسول الله خمسا وعلى سائر الناس أربعا وقد روى أبو معاوية عن الأعمش عن يزيد بن أبي زياد عن عبدالله بن معقل قال كبر علي في سلطانه أربعا أربعا على الجنازة إلا على سهل بن حنيف فإنه كبر عليه خمسا "ثم التفت" فقال إنه بدري والأحاديث عن علي في هذا مضطربة وما جمع عمر عليه الناس أصح وأثبت مع صحة السنن فيه عن النبي أنه كبر أربعا وهو العمل المستفيض بالمدينة ومثل هذا يحتج فيه بالعمل لأنه قل يوم أو جمعة إلا وفيه جنازة وعليه الجمهور وهم الحجة وبالله التوفيق

واختلفوا إذا كبر الإمام خمسا فروى عن مالك والثوري أنهما قالا قف حيث وقفت السنة قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك لا يكبر معه الخامسة ولكنه لا يسلم إلا بسلامه وعن الحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن نحو ذلك وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إذا كبر الإمام خمسا قطع المأموم بعد الأربع بسلام ولم ينتظروا تسليمه وقال زفر التكبير على الجنائز أربع فإن كبر الإمام خمسا كبر معه وهو قول الثوري في رواية وقد روى عن الثوري أنه لا يكبر ولكنه يسلم "كما" قال أبو حنيفة "سواء"

وروى عن أبي يوسف أنه رجع إلى قول زفر وقال الشافعي لا يكبر إلا أربعا فإن كبر الإمام خمسا فالمأموم بالخيار إن شاء سلم وقطع وإن شاء انتظر تسليم الإمام فسلم بسلامه ولا يكبر خامسة ألبتة وقال الأثرم قلت لأحمد بن حنبل فإن كبر الإمام خمسا أكبر معه قال نعم قال ابن مسعود كبر ما كبر إمامك قيل لأبي عبدالله أفلا ننصرف إذا كبر الخامسة فقال سبحان الله النبي كبر خمسا رواه زيد بن أرقم

ثم قال ما اعجب الكوفيين سفيان رحمنا الله وإياه يقول ينصرف إذا كبر الخامسة وابن مسعود "يقول" ما كبر إمامكم فكبروا وقال أبو عبدالله الذي نختاره يكبر أربعا فإن كبر "الإمام" خمسا كبرنا معه لما رواه زيد بن أرقم ولقول ابن مسعود قيل له فإن كبر ستا أو سبعا أو ثمانيا قال أما هذا فلا وأما خمس فقد روى عن النبي وأجمع هؤلاء الفقهاء على أن من فاته بعض التكبير فإنه يكبر مع الإمام ما أدرك منه ويقضي ما فاته وهو قول ابن شهاب واختلفوا إذا وجد الإمام قد سبقه ببعض التكبير فروى أشهب عن مالك أنه يكبر "أولا" ولا ينتظر الإمام وهو قول الشافعي والليث والأوزاعي وأبي يوسف وقال أبو حنيفة ومحمد ينتظر الإمام حتى يكبر فإذا كبر كبر معه وإذا سلم قضى ما عليه ورواه ابن القاسم عن مالك

وحجة من قال هذا قوله ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا فلو كبر قبل أن يكبر إمامه في الجنازة "ثم" قضى ما فاته على عموم هذا الحديث صارت خمسا وحجة رواية أشهب ومن قال بها أن التكبير الأول بمنزلة الإحرام فينبغي أن يفعله على كل حال ثم يقضي ما فاته بعد سلام إمامه وقال أحمد كل ذلك سهل لا بأس به روى وكيع عن سفيان عن مغيرة عن الحرث العكلي قال إذا جئت وقد كبر الإمام على الجنازة فقم ولا تكبر حتى يكبر واختلفوا إذا رفعت الجنازة فقال مالك والثوري يقضي ما فاته "من التكبير" نسقا متتابعا ولا يدع فيما بين ذلك بشيء رفع النعش أو لم يرفع وقال أبو حنيفة والشافعي يقضي ما بقي عليه "من التكبير ما لم يرفع ويدعو ما بين التكبير وقال الليث كان الزهري يقول يقضي ما فاته" وكان ربيعة يقول لا يقضي وقال الليث يقضي وقال الأوزاعي لا يقضي وقال أحمد "ابن حنبل" ان قضى قبل أن يرفع فحسن وإلا فلا شيء عليه وقد استدل بعض شيوخنا على أن الجنازة لا يصلى عليها في المسجد بهذا الحديث لخروج رسول الله بأصحابه إلى المصلى للصلاة على النجاشي.

قال أبو عمر : استدل بهذا وهو ممن يقول بأن عمل أهل المدينة أقوى من الخبر المنفرد وهو يروى من حديث مالك وغيره أن رسول الله صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد وعلى أخيه سهل أيضا كذلك وأن أبا بكر صلى عليه في المسجد وأن عمر صلى عليه في المسجد وهذه نصوص سنة وعمل وليس للدليل المحتمل للتأويل مدخل مع النصوص وقد قال قائل هذه المقالة أن أبا بكر وعمر إنما صلى عليهما في المسجد من أجل أنهما دفنا في المسجد فيلزمه أن يجيز الصلاة في المسجد على من يدفن فيه وإذا جاز أن يصلي على الجنازة في المسجد ثم يدفن فيه لم يكن المنع من الدفن في المسجد بمانع من الصلاة لأن الدفن "فيه" ليس بعلة للصلاة "فيه" فافهم والأصل في الأشياء الإباحة حتى يصح المنع بوجه لا معارض له ودليل غير محتمل للتأويل وستأتي هذه المسألة في موضعها من كتابنا هذا إن شاء الله.

حديث خامس لابن شهاب عن سعيد متصل[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله قال لا يموت لأحد من المسلمين "ثلاثة من الولد" فتمسه النار إلا تحلة القسم .

هكذا روي هذا الحديث مالك وغيره عن ابن شهاب.

وفيه أن المسلم تكفر خطاياه وتغفر له ذنوبه بالصبر على مصيبته ولذلك زحزح عن النار فلم تمسه لأن من لم تغفر له ذنوبه لم يزحزح عن النار والله أعلم أجارنا الله منها وإنما قلت ذلك بدليل قوله لا يزال المومن يصاب في ولده وحامته حتى يلقى الله ولـيست علـيه خطيئة».

وإنما قلت : إن ذلك بالصبر والاحتساب والرضى لقولـه : «من صبر علـى مصيبته واحتسب كان جزاؤه الـجنة».

وقد روى ابن سيرين وغيره هذا الـحديث عن أبـي هريرة عن النبـي ، فقالوا فـيه : «من مات لـه ثلاثة من الولد لـم يبلغوا الـحنث، كانوا لـه حجابا من النار».

وفـي بعض الفاظ حديث أبـي هريرة هذا عن النبـي ، قال : «ما من الـمسلـمين من يموت لـه ثلاثة من الولد لـم يبلغوا الـحنث، إلا أدخـلـه اللـه الـجنة، بفضل رحمته اياهم، يجاء بهم يوم القـيامة فـيقال لـهم : ادخـلوا الـجنة، فـيقولون : حتـى يدخـل آباؤنا، فـيقال لـهم ادخـلوا انتم وآباؤكم بفضل رحمتـي». وقد روى أنس بن مالك عن النبـي مثلـه.

حدثنا عبد اللـه بن مـحمد قال : حدثنا سعيد بن عثمان قال : حدثنا مـحمد ابن يوسف قال : حدثنا البخاري قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علـية قال : حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللـه ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد "لم يبلغوا" الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم ففي قوله في هذه الأحاديث لم يبلغوا الحنث ومعناه عند أهل العلم لم يبلغوا الحلم ولم يبلغوا أن يلزمهم حنث دليل على "أن" أطفال المسلمين في الجنة لا محالة والله أعلم

لأن الرحمة إذا نزلت بآبائهم من أجلهم استحال أن يرحموا من أجل من ليس بمرحوم ألا ترى إلى قوله بفضل رحمته إياهم فقد صار الأب مرحوما بفضل رحمتهم وهذا على عمومه لأن لفظه في هذه الأحاديث لفظ عموم وقد أجمع العلماء على ما قلنا من أن أطفال المسلمين في الجنة فأغنى ذلك عن كثير من الإستدلال ولا أعلم عن جماعتهم في ذلك خلافا إلا فرقة شذت من المجبرة فجعلتهم في المشيئة وهو قول شاذ "مهجور" مردود بإجماع الجماعة وهم الحجة الذين لا تجوز مخالفتهم ولا يجوز على مثلهم الغلط في مثل هذا إلى ما روي عن النبي من أخبار الآحاد الثقات العدول فمنها ما ذكرنا ومنها قوله إني مكاثر بكم الأمم حتى بالسقط يظل محبنطئا يقال له ادخل الجنة فيقول لا حتى يدخلها أبواي فيقال له ادخل أنت وأبواك

وعن أبي هريرة عن النبي أنه قال صغاركم دعاميص الجنة وقد روي شعبة عن معاوية بن قرة بن إياس المزني عن أبيه عن النبي أن رجلا من الأنصار مات له ابن صغير فوجد عليه فقال له رسول الله أما يسرك أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته يستفتح لك فقالوا يا رسول الله أله خاصة أم للمسلمين عامة قال بل للمسلمين عامة وهذا حديث ثابت صحيح بمعنى ما ذكرناه وقد ذكرنا آثار هذا الباب وما قالته الفرق في ذلك واعتقدته في باب أبي الزناد والحمد لله وفي هذه الآثار مع إجماع الجمهور دليل على أن قوله الشقي من شقى في بطن أمه وإن الملك ينزل فيكتب أجله ورزقه ويكتب شقيا أو سعيدا في بطن أمه مخصوص مجمل وإن من مات من أطفال المسلمين قبل الإكتساب فهو ممن سعد في بطن أمه لم يشق بدليل ما ذكرنا من الأحاديث والإجماع.

وفي ذلك أيضا دليل واضح على سقوط حديث طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت أتى رسول الله بصبي من صبيان الأنصار ليصلى عليه فقلت طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءا قط ولم يدركه ذنب فقال النبي أو غير ذلك يا عائشة إن الله عز وجل خلق الجنة وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها خلقا وهم في أصلاب آبائهم الله أعلم بما كانوا عاملين

وهذا حديث ساقط ضعيف مردود بما ذكرنا من الآثار والإجماع وطلحة بن يحيى ضعيف لا يحتج به وهذا الحديث مما انفرد به فلا يعرج عليه ومعنى قوله الله أعلم بما كانوا عاملين أخبار بأن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون وما لا يكون لو كان كيف يكون والمجازاة إنما تكون على الأعمال وحديث شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه حديث ثابت صحيح وعليه الناس وهو يعارض حديث طلحة بن يحيى ويدفعه.

حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ببغداد قال حدثنا عبدالله بن محمد البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال أنبأنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه أن رجلا جاء بابنه إلى النبي فقال له رسول الله أتحبه فقال أحبك الله كما أحبه يا رسول الله فتوفي الصبي ففقده النبي فقال أين فلان فقالوا يا رسول الله توفي ابنه فقال له رسول الله أما ترضى أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا جاء حتى يفتحه لك فقالوا يا رسول الله أله وحده أم لكلنا فقال لا بل لكلكم وقد روينا عن علي بن أبي طالب ولا مخالف له في ذلك من الصحابة أنه قال في قول الله عز وجل {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ}

قال هم أطفال المسلمين حدثناه خلف بن أحمد قال حدثنا أحمد بن سعيد وأحمد بن مطرف قالا حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال حدثنا المؤمل بن إسماعيل عن سفيان عن الأعمش عن عثمان بن موهب عن زاذان عن علي في قوله {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} قال أصحاب اليمين أطفال المسلمين ورواه وكيع عن سفيان بإسناده مثله بمعناه.

وقد اختلف العلماء في أطفال المشركين وفي أطفال المسلمين أيضا على ما ذكرناه ومهدناه في باب أبي الزناد من هذا الكتاب وأما قوله في حديثنا المذكور في هذا الباب إلا تحلة القسم فهو يخرج في التفسير المسند لأن القسم المذكور في هذا الحديث معناه عند أهل العلم قول الله عز وجل {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} قسما واجبا وكذلك قال السدي ورواه عن مرة عن عبدالله بن مسعود أنه قال ذلك من ظاهر قوله "فتمسه النار" يدل على أن الورود الدخول والله أعلم لأن المسيس حقيقته في اللغة المباشرة وقد يحتمل على الاتساع أن يكون القرب.

وقد اختلف العلماء في الورود فقال منهم قائلون الورود الدخول وممن قال ذلك ابن عباس وعبدالله بن رواحة وقد اختلف في ذلك عن ابن عباس ولم يختلف عن ابن رواحة وروى ابن المبارك وغيره عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أن عبدالله بن رواحة بكى فقالت له امرأته ما يبكيك فقال قد علمت أني داخل النار ولا أدري أناج "أنا" منها أم لا؟

قال أبو عمر : قال الله عز وجل {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً}

وهذا يحتمل والله أعلم أنها تكون بردا وسلاما على المؤمنين وينجون منها سالمين.

وذكر ابن جرير عن عطاء عن ابن عباس قال إن الورود الذي ذكر الله عز وجل في القرآن الدخول ليردنها كل بر وفاجر ثم قال ابن عباس في القرآن أربعة أوراد قوله {فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} وقوله {حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} وقوله {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً} وقوله {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} قال ابن عباس والله لقد كان من دعاء من مضى اللهم أخرجني "من النار سالما وأدخلني" الجنة غانما وروى مجاهد عن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن قول الله عز وجل {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}

فقال ابن عباس واردها داخلها فقال نافع يرد القوم ولا يدخلون فاستوى ابن عباس جالسا وكان متكئا فقال له أما أنا وأنت فسنردها فانظر هل ننجو منها أم لا أما تقرأ قول الله {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} افتراه ويلك أوقفهم على شفيرها والله تعالى يقول {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}

وقد روى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر وابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن أم مبشر أن رسول الله قال لا يدخل "النار" أحد شهد بدرا وبايع تحت الشجرة فقالت له حفصة ألم تسمع الله يقول {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فقال رسول الله أما تسمعين الله يقول {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} .

وقال خالد بن معدان إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا ألم تقل "إنا نرد النار" فيقال قد وردتموها فألفيتموها رمادا".

وأخبرنا عبدالله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ببغداد حدثنا عبدالله بن أحمد ابن حنبل حدثنا أبي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا غالب ابن سليمان أبو صالح عن كثير بن زياد البرساني عن أبي سمية أنه سأل جابر بن عبدالله عن الورود فقال سمعت رسول الله يقول الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً}

عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} قال الممر على الصراط وممن قال "أيضا أن" الورود الممر على الصراط عبدالله بن مسعود وكعب الأحبار والسدي ورواه السدي عن مرة عن ابن مسعود عن النبي وروى عن كعب أنه تلا {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فقال أتدرون ما ورودها قالوا الله أعلم قال ذلك أن يجاء بجهنم فتمسك للناس كأنها متن اهالة يعني الودك الذي يجمد على القدر من المرقة حتى إذا استقرت عليها أقدام الخلائق برهم وفاجرهم نادى مناد أن خذي أصحابك "وذري أصحابي فيخسف بكل ولي لها فهي أعلم بهم من الوالدة بولدها وينجو المؤمنون ندية ثيابهم"

وروى هذين الحديثين عن أبي نضرة وزاد وهو معنى قوله تعالى {فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} وروى وكيع عن شعبة عن عبدالله بن السائب عن رجل عن ابن عباس أنه قال في قول الله عز وجل {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} قال هو خطاب للكفار وروى عنه أنه كان يقرأ وإن منهم إلا واردها ردا على الآيات التي قبلها في الكفار قوله {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً} و {يُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً} {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً} وقال ابن الأنباري محتجا لمصحف عثمان وقراءة العامة جائز في اللغة يرجع من مخاطبة الغائب إلى لفظ المواجهة بالخطاب كما قال تعالى {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} فأبدل الكاف من الهاء

قال أبو عمر : "وترجع العرب من مواجهة الخطاب إلى لفظ الغائب قال الله تعالى" {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} وهذا "كثير" في القرآن وأشعارالعرب وأحسن ما قيل في ذلك قول الشاعر :

إذا لم يكن للقوم جد ولم يكن ... لهم رجل عند الإمام مكين

فكونوا كأيد وهن الله بطشها ... ترى أشملا ليست لهن يمين

وقد جاء عن مجاهد "أنه قال" في تأويل قول الله عز وجل {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} قال الحمى من فيح جهنم وهي حظ المؤمن من النار.

حدثنا سعيد بن نصر "حدثنا" ابن أبي دليم حدثنا ابن وضاح حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا يحيى بن يمان عن عثمان بن الأسود عن مجاهد أنه قال الحمى حظ المؤمن من النار ثم قرأ {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} قال الحمى في الدنيا الورود فلا يردها في الآخرة.

قال أبو عمر : ومن حجة من قال بهذا القول ما حدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيدالله الأشعري عن أبي هريرة أن النبي عاد مريضا ومعه أبو هريرة من وعك كان به فقال له النبي "أبشر فإن الله تبارك وتعالى يقول هي ناري اسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الآخرة" .

وحدثنا خلف بن أحمد قال حدثنا أحمد بن مطرف حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا علي بن معبد بن نوح حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف عن الحصين عن أبي صالح الأشعري عن أبي أمامة عن النبي قال : الحمى كير من جهنم فما أصاب المؤمن منها كان حظه من النار

أبو الحصين هذا مروان بن رؤية الثعلبي وأبو صالح الأشعري مولى عثمان قاله ابن معين وغيره.

وحدثنا خلف قال حدثنا أحمد قال حدثنا سعيد حدثنا علي بن معبد حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا عصمة بن سالم الهنابي وكان صدوقا عاقلا قال حدثنا الأشعث بن جابر الحراني عن شهر بن حوشب عن أبي ريحانة الأنصاري قال قال رسول الله "الحمى كير من جهنم وهي نصيب المؤمن من النار" وقال قوم الورود للمؤمنين أن يروا النار ثم ينجي منها الفائز ويصلاها من قدر عليه دخولها ثم يخرج منها بشفاعة محمد أو بغيرها من رحمة الله.

واحتج بقول رسول الله في مخاطبة أصحابه ومن جرى مجراهم من المؤمنين إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال "له" هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة هذا حديث ابن عمر وقد روى أبو هريرة وغيره إن المؤمن يعرض عليه مقعده من النار فيقال له انظر ما نجاك الله منه ثم يفتح "له" إلى الجنة فيقال انظر ما تصير إليه هذا معنى الحديث فهذه الأقاويل كلها "قد" جاءت في معنى الورود في قوله عز وجل {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} وقد يحتمل أن يكون قوله "الا تحلة القسم" استثناء منقطعا بمعنى لكن تحلة القسم وهذا معروف في اللغة وإذا كان ذلك كذلك فقوله لن تمسه النار إلا تحلة القسم أي لا تمسه النار أصلا كلاما تاما ثم ابتدأ الا تحلة القسم أي لكن تحلة القسم لا بد منها في قول الله عز وجل {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} وهي الجواز على الصراط أو الرؤية والدخول دخول سلامة فلا يكون في شيء من ذلك مسيس يؤذى.

وقال بعض أهل العلم في قول الله {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ}

معناه لكن ما ذكيتم من غير ما ذكر في هذه الآية ذكاة تامة وقد ذكرنا ذلك فيما سلف من كتابنا "هذا" وذكرنا هناك تعارف ذلك في لسان العرب وذلك في باب زيد بن أسلم ومما يدل على "أن" الاستثناء "هاهنا" منقطع وأنه غير عائد إلى النار "لا تمس من مات له ثلاثة من الولد فاحتسبهم" حديثه الآخر وهو قوله "لا يموت لأحدكم ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا كانوا له جنة من النار فقالت امرأة يا رسول الله أو اثنان قال أو اثنان والجنة الوقاية والستر ومن وقى النار وستر عنها فلن تمسه أصلا ولو مسته ماكان موقى وإذا وقيها وستر عنها فقد زحزح وبوعد بينه وبينها وهذا إنما يكون لمن صبر واحتسب ورضى وسلم والله أعلم وبهذا الحديث يفسر الأول لأن فيه ذكر الحسبة قوله فيحتسبهم ولذلك جعله مالك بأثره مفسرا له والوجه عندي في هذا الحديث وما أشبهه من الآثار إنها لمن حافظ على أداء فرائضه واجتنب الكبائر والدليل على ذلك أن الخطاب في ذلك العصر لم يتوجه إلا إلى قوم الأغلب من أعمالهم ما ذكرنا وهم الصحابة رضوان الله عليهم

حديث سادس لابن شهاب عن سعيد "بن المسيب" مسند[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن سائلا سأل رسول الله عن الصلاة في ثوب واحد فقال رسول الله أو لكلكم ثوبان؟

لم يختلف الرواة عن مالك في استناد هذا الحديث ولا متنه" رواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله سواء وكذلك رواه ابن جريج "ورواه يونس وعقيل عن ابن شهاب عن سعيد وابن سلمة عن أبي هريرة عن النبي مثله ورواه ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي مثله سواء"

وهذا الحديث حجة لإجازة الصلاة في ثوب "واحد" وكل ثوب ستر العورة والفخدين من الرجل جازت الصلاة فيه على ظاهر الحديث لأنه يقع عليه اسم ثوب وقد أجمعوا أنه من صلى مستور العورة فلا إعادة عليه وإن كانت امرأة فكل ثوب يغيب ظهور قدميها ويستر جميع جسدها وشعرها فجائز لها الصلاة فيه لأنها كلها عورة إلا الوجه والكفين على هذا أكثر أهل العلم وقد أجمعوا على أن المرأة تكشف وجهها في الصلاة والإحرام

وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وهو قول الأوزاعي وأبي ثور على المرأة أن تغطي منها ما سوى وجهها وكفيها وقال أبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها حدثناه أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا الفضل بن الصباح قال حدثنا عبدالله بن رجاء عن ابن عجلان عن سمي مولى أبي بكر ابن عبدالرحمن عن أبي بكر بن عبدالرحمن قال كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها

قال أبو عمر : قول أبي بكر هذا خارج عن أقاويل أهل العلم لإجماع العلماء على أن للمرأة أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله منها تباشر الأرض به وأجمعوا "على" أنها لا تصلى متنقبة ولا عليها أن تلبس فقازين في الصلاة وفي هذا أوضح الدلائل على أن ذلك منها غير عورة وجائز أن ينظر إلى ذلك منها كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه وأما النظر للشهورة فحرام تأملها من فوق ثيابها لشهوة إلى وجهها مسفرة

وقد روى نحو قول أبي بكر بن عبدالرحمن "عن أحمد" بن حنبل قال الأثرم سئل أحمد بن حنبل عن المرأة تصلي وبعض شعرها مكشوف وقدمها قال لا يعجبني إلا أن تغطي شعرها وقدميها قال وسمعته يسأل عن أم الولد كيف تصلي؟ فقال تغطي رأسها وقدميها لأنها لا تباع وهي تصلي كما تصلي الحرة قال وسمعته يسأل عن الرجل يصلي في قميص واحد غير مزرور فقال ينبغي أن يزره قيل فإن كانت لحيته تغطي ولم يكن القميص متسع الجيب أو نحو هذا فقال إن كان يسيرا فجائز قال مالك إن صلت المرأة الحرة وشعرها مكشوف أو قدماها أو صدرها أعادت ما دامت في الوقت وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد تعيد أبدا إن انكشف شيء من شعرها أو صدرها أو صدور قدميها وقال أبو حنيفة وأصحابه قدم المرأة ليست بعورة فإن صلت وقدمها مكشوفة فلا شيء عليها وإن صلت وجل شعرها مكشوف فصلاتها فاسدة وإن كان الأقل من شعرها مكشوفا فلا شيء عليها وإن انكشف شيء منها غير ما ذكرنا فصلت بذلك فصلاتها فاسدة علمت أم لم تعلم وقال إسحاق إن علمت فسدت صلاتها وإن لم تعلم فلا إعادة عليها والأصل في هذا الباب أن أم سلمة سئلت ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب

فقالت تصلي في الدرع والخمار السابغ الذي يغيب ظهور قدميها وعن عائشة وميمونة مثل ذلك درع وخمار وهذه الآثار عن أم سلمة وعائشة وميمونة في الموطأ فحديث عائشة من بلاغات مالك وحديث ميمونة عن الثقة عنده عن بكير بن الأشج عن بسر بن سعيد عن عبيدالله الخولاني عن ميمونة أنها كانت تصلي في درع وخمار دون إزار

وحديث أم سلمة رواه مالك عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه سألت أم سلمة ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب فقالت تصلي في درع وخمار سابغ إذا غيب ظهور قدميها وقد روى حديث أم سلمة مرفوعا والذين وقفوه على أم سلمة أكثر وأحفظ منهم مالك وابن اسحاق وابن أبي ذئب وبكر بن مضر وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر كلهم رووه عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة موقوفا قال أبو داود ورفعه عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار عن محمد بن زيد "عن أمه"

عن أم سلمة أنها سألت النبي "فذكره" "عبدالرحمن هذا ضعيف عندهم الا أنه قد خرج البخاري بعض حديثه" والاجماع في هذا الباب أقوى من الخبر "فيه"

وحدثنا عبدالوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن ابن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة أن رسول الله قال لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار .

قال أبو عمر : اختلف العلماء في تأويل قول الله عز وجل {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فروى عن ابن عباس وابن عمر إلا ما ظهر منها الوجه والكفان وروى عن ابن مسعود {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} الثياب قال لا يبدين قرطا ولا قلادة ولا سوارا ولا خلخالا إلا ما ظهر من الثياب وقد روى عن أبي هريرة في قوله تعالى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال القلب والفتخة رواه ابن وهب عن جرير

ابن حازم قال حدثني قيس بن سعد أن أبا هريرة كان يقول فذكره قال جرير بن حازم القلب السوار والفتخة والخاتم وقال جابر بن زيد هي كحل في عين أو خاتم في خنصر وقال سعيد بن جبير الجلباب والرداء وعن عائشة مثل قول أبي هريرة وقد روى عن ابن مسعود ولا يصح البنان والقرط والدملج والخلخال والقلادة "يريد موضع ذلك" والله أعلم واختلف التابعون فيها أيضا على هذين القولين وعلى قول ابن عباس وابن عمر الفقهاء في هذا الباب.

فهذا ما جاء في المرأة وحكمها في الإستتار في صلاتها وغير صلاتها وأما الرجل فإن اهل العلم يستحبون أن يكون على عاتق الرجل ثوب إذا لم يكن متزرا لئلا تقع عينه على عورة نفسه ويستحبون للواحد المطيق على الثياب أن يتجمل في صلاته ما استطاع بثيابه وطيبه وسواكه قال معمر عن أيوب عن نافع رآني ابن عمر أصلي في ثوب واحد فقال ألم أكسك ثوبين قلت بلى فقال أرأيت لو أرسلتك إلى فلان كنت ذاهبا في هذا الثوب قلت لا فالله أحق من تزين له أو من تزينت له

وقد جاء عن النبي مثل هذا ومحمله عندنا على الأفضل ولا سيما إن كان إماما

حدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عيسى بن السكن الواسطي قال حدثنا المثنى بن معاذ عن أبيه عن شعبة وأخبرنا عبدالوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري قال أنبأنا عبيدالله ابن معاذ قال حدثنا أبي قال حدثنا شعبة واللفظ لحديث المثنى عن أبيه عن شعبة عن توبة العنبري عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله إذا أراد أحدكم أن يصلي فليتزر وليرتد

حدثنا عبدالوارث بن سفيان ويعيش بن سعيد قالا حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن محمد البرتي حدثنا أبو معمر حدثنا عبدالوارث قال حدثنا أيوب عن نافع قال شغلني شيء فجاء ابن عمر وأنا أصلي في ثوب واحد قال فأمهلني حتى فرغت من الصلاة ثم قال ألم تكس ثوبين قلت بلى قال فلو أرسلت خارجا من الدار أكنت تذهب في ثوب واحد قلت لا قال فالله أحق أن تزين له أم الناس قلت بل الله قال ثم حدث بحديث أكثر ظني أنه ذكر النبي قال إذا وجد أحدكم ثوبين فليصل فيهما وإن لم يجد إلا ثوبا واحدا فليتزر به اتزارا ولا يشتمل اشتمال اليهود وفي قوله أو لكلكم ثوبان دليل على أن من كان معه ثوبان يتزر بالواحد ويلبس الآخر أنه حسن في الصلاة وإنما قلنا حسن ولم نقل واجب لأن رسول الله وأصحابه قد صلوا في ثوب واحد ومعهم ثياب وحسبك بأبي هريرة وهو راوي "هذا" الحديث

ذكر مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال سئل أبو هريرة هل يصلي الرجل في ثوب واحد قال نعم فقيل له هل تفعل أنت ذلك قال نعم إني لأصلي في ثوب واحد وإن ثيابي لعلى المشجب وقد حدثنا محمد بن عبدالملك قال حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي قال حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني "قال حدثنا سفيان" بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شيء

وأخبرنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم السمري قال حدثنا جعفر بن عون قال أنبأنا هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة قال رأيت رسول الله في بيت أم سلمة يصلي في ثوب واحد واضعا طرفيه على عاتقيه وروى عكرمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا صلى أحدكم في ثوب فليخالف بطرفيه على عاتقيه من حديث يحيى بن أبي كثير عن عكرمة.

قال أبو عمر : فهذه سنة الصلاة في الثوب الواحد إذا كان واسعا وإن كان ضيقا فحديث جابر وحديث ابن عمر أما حديث جابر فرواه أبو حزرة يعقوب بن مجاهد عن عبادة بن الوليد قال أنبأني جابر أن رسول الله قال له إن كان واسعا فخالف بين طرفيه وإن كان ضيقا فاشدده عليك وبعضهم يقول "فيه" فاشدده على حقوك

وعند مالك حديث جابر هذا بلاغا عن جابر عن النبي وقال في آخره وإن كان قصيرا فليتزر به وقد ذكرنا هذا الخبر في بلاغات مالك والحمد لله

وأما حديث ابن عمر فرواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله أو قال عمر إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما وإن لم يكن له إلا ثوب فليتزر به ولا يشتمل اشتمال اليهود وروى أبو المنيب "عبيدالله العتكي" عن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال نهى رسول الله أن يصلى في سراويل ليس عليها رداء وهذا خبر لا يحتج به لضعفه ولو صح كان معناه الندب لمن قدر وقد جاء ما يعارضه روى أبو حصين عن أبي صالح عن عائشة أن رسول الله صلى في ثوب بعضه عليها وهذا لا محالة دون السراويل

ويرده أيضا حديث جابر وحديث ابن عمر قوله وإن كان ضيقا فليتزر به وقد روى سلمة بن الأكوع "أن رسول الله قال له صل في قميص وبعضهم يقول في حديث سلمة هذا أنه قال قلت" يا رسول الله اني أتصيد أفأصلي في القميص الواحد قال نعم وزره ولو بشوكة وروى ابن عباس عن علي أن رسول الله قال إذا كان إزارك واسعا فتوشح به وإن كان ضيقا فاتزر به

وهذه الآثار كلها تبين لك ما قلناه وفسرناه وبالله التوفيق وروى عن جابر وابن عمر وابن عباس ومعاوية وسلمة بن الأكوع وأبي أمامة وأبي هريرة وطاوس ومجاهد وإبراهيم وجماعة من التابعين أنهم أجازوا الصلاة في القميص الواحد إذا كان لا يصف وهو قول عامة فقهاء الأمصار في جميع الأقطار ومن العلماء من استحب الصلاة في ثوبين واستحبوا أن يكون المصلى مخمر العاتقين وكرهوا أن يصلي الرجل في ثوب واحد مؤتزرا به ليس على عاتقه منه شيء إذا قدر على غيره وأجمع جميعهم أن صلاة من صلى بثوب يستر عورته جائزة وكان الشافعي يقول إذا كان الثوب ضيقا يزره أو يخلله بشيء لئلا يتجافى القميص فيرى من الجيب العورة وان لم يفعل ورأى عورته أعاد الصلاة وهو قول أحمد وقد رخص مالك في الصلاة في القميص محلول الإزار ليس عليه سراويل ولا أزار وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور وكان سالم يصلي محلول الإزار

وقال داود الطائي إذا كان عظيم اللحية فلا بأس به وأجمعوا على أن ستر العورة فرض واجب بالجملة على الآدميين واختلفوا هل هي من فروض الصلاة أم لا فقال أكثر أهل العلم وجمهور فقهاء الأمصار أنها من فروض الصلاة وإلى هذا ذهب أبو الفرج عمرو بن محمد المالكي واستدل بأن الله عز وجل قرن أخذ الزينة بذكر المساجد يعني الصلاة والزينة المأمور بها في قول الله عز وجل {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} هي الثياب الساترة للعورة لأن الآية نزلت من أجل الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء وأخبرنا عبدالله بن محمد قال حدثنا حمزة بن محمد قال أنبأنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا محمد بن بشار قال حدثنا غندر عن شعبة عن سلمة قال سمعت مسلما البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة وتقول :

اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله

فنزلت {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}

قال أبو عمر : لا يختلف العلماء بتأويل القرآن أن قوله عز وجل {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} نزلت في القوم الذين كانوا يطوفون بالبيت "عراة" روينا عن مجاهد وطاوس وأبي صالح ومحمد بن كعب القرظي ومحمد بن شهاب الزهري في ذلك معنى ما نورده بدخول كلام بعضهم في بعض وأكثره على لفظ ابن شهاب قال كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس قريش وأحلافهم فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه فطاف في ثوبي أحمسي يستعيرهما منه فإن لم يجد من يعيره استأجر من ثيابهم فإن لم يجد من يستأجر منه ثوبه من الحمس ولا من يعيره ذلك كان بين أحد أمرين إما أن يلقى عنه ثيابه ويطوف عريانا وإما أن يطوف في ثيابه فإن طاف في ثيابه ألقاها عن نفسه إذا قضى طوافه وحرمها عليه فلا يقربها "ولا يقربها" غيره فكان ذلك الثوب يسمى اللقى وفي ذلك يقول بعضهم.

كفى حزنا كرى عليه كأنه ... لقى بين ايدي الطائفين حريم

والمرأة في ذلك والرجل سواء إلا أن النساء كن يطفن بالليل والرجال بالنهار فقدمت امرأة لها هيئة وجمال فطافت عريانة وقال بعضهم بل كان عليها من ثيابها ما ينكشف عنها فجعلت تقول :

اليوم يبدو بعضه أو كله ... فما بدا منه فلا أحله

فكانوا على ذلك حتى بعث الله نبيه

وأنزل عليه {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وأمر رسول الله مناديا فنادى أن لا يطوف بالبيت عريان وقال مجاهد كانت قريش تطوف عراة ولا يلبس أحدهم ثوبا طاف فيه وقال غيره ما ذكرناه.

قال أبو عمر : استدل من جعل ستر العورة من فرائض الصلاة بالإجماع على إفساد من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلى عريانا وقال آخرون ستر العورة فرض عن أعين المخلوقين لا من أجل الصلاة وستر العورة سنة مؤكدة من سنن الصلاة ومن ترك الاستتار وهو قادر على ذلك وصلى عريانا فسدت صلاته كما تفسد صلاة من ترك الجلسة الوسطى عامدا وإن كانت مسنونة ولكلا الفريقين اعتلال يطول ذكره والقول الأول أصح في النظر وأصح أيضا من جهة الأثر وعليه الجمهور

واختلفوا في العورة من الرجل ما هي فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والأوزاعي وأبو ثور ما دون السرة إلى الركبة عورة وقال أبو حنيفة الركبة عورة وقال الشافعي ليست السرة ولا الركبتان من العورة وحكى أبو حامد الترمذي للشافعي في السرة قولين واختلف المتأخرون من أصحابه في ذلك أيضا على ذينك القولين فطائفة قالت السرة من العورة وطائفة قالت ليست السرة عورة وقال عطاء الركبة عورة وقال مالك السرة ليست بعورة وأكره للرجل أن يكشف فخذه بحضرة زوجته

وقال ابن أبي ذئب العورة من الرجل الفرج نفسه القبل والدبر دون غيرهما وهو قول داود وأهل الظاهر وقول ابن علية والطبري فمن حجة من قال أن الفخذ ليست بعورة حديث عائشة أن النبي كان جالسا في بيته كاشفا عن فخذه فاستأذن أبو بكر ثم عمر فأذن لهما وهو على تلك الحال ثم استأذن عثمان فسوى عليه ثيابه "ثم أذن له" فسئل عن ذلك فقال ألا أستحيى ممن تستحي منه الملائكة وهذا حديث في ألفاظه اضطراب

واحتج البخاري في ذلك بحديث أنس بن مالك قال حسر النبي على فخذه حتى إني لأرى بياض فخذ نبي الله "

ومن حجة من قال ما بين السرة والركبة عورة قوله الفخذ عورة رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس ومحمد بن جحش وجرهد الأسلمي وقبيصة بن مخارق كلهم عن النبي قالوا والركبة ليست من الفخذ واحتجوا أيضا بأن أبا هريرة قبل سرة الحسن بن علي وقال أقبل منك ما كان رسول الله يقبل منك فلو كانت السرة عورة ما قبلها أبو هريرة ولا مكنه منها الحسن ومحال أن يقبلها حتى ينظر إليها.

"أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل بن العباس قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الجعد "الوشاء" قال حدثنا عبدالأعلى بن حماد "الرنسي" قال حدثنا معمر بن سليمان قال حدثنا حميد عن أنس قال صلى النبي خلف أبي بكر رحمه الله في ثوب واحد قال معتمر أظنه في مرضه"

حديث سابع لابن شهاب عن سعيد متصل[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله قال قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .

في هذا الحديث إباحة الدعاء على أهل الكفر وتحريم السجود على قبور الأنبياء وفي معنى هذا أنه لا يحل السجود لغير الله عز وجل ويحتمل الحديث أن لا تجعل قبور الأنبياء قبلة يصلى إليها وكل ما أحتمله الحديث في اللسان العربي فممنوع منه لأنه إنما دعا على اليهود محذرا لأمته عليه السلام من أن يفعلوا فعلهم.

وقد زعم قوم أن في هذا الحديث ما يدل على كراهية الصلاة في المقبرة وإلى القبور وليس في ذلك عندي حجة وقد مضى القول في الصلاة إلى القبور في باب زيد ابن

أسلم "في مرسلاته وأتينا بآثار هذا الباب في باب زيد بن أسلم" أيضاً عن غطاء بن يسار فأغنى ذلك عن إعادة شيئ من ذلك ها هنا وبالله العصمة والتوفيق لا شريك له.

حديث ثامن لابن شهاب عن سعيد "بن المسيب" "مرسل"[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله حين قفل من خيبر أسرى حتى إذا كان من آخر الليل عرس وقال لبلال اكلأ لنا الصبح ونام رسول الله وأصحابه وكلأ بلال ما قدر له ثم استند إلى راحلته وهو مقابل الفجر فغلبته عيناه فلم يستيقظ رسول الله ولا بلال ولا أحد من الركب حتى ضربتهم الشمس ففزع رسول الله فقال بلال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك فقال رسول الله اقتادوا فبعثوا رواحلهم واقتادوا شيئا ثم أمر رسول الله بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح ثم قال حين قضى الصلاة من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تبارك وتعالى يقول {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} .

هكذا روى هذا الحديث عن مالك مرسلا جماعة رواة الموطأ عنه لا خلاف بينهم في ذلك وكذلك رواه سفيان بن عيينة ومعمر في رواية عبدالرزاق عنه "عن الزهري" مرسلا كما رواه مالك.

وقد وصله أبان "العطار" عن معمر ووصله الأوزاعي أيضا ويونس عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة وعبدالرزاق أثبت في معمر من أبان العطار.

وقد وصله محمد بن إسحاق عن الزهري فيما حدثنا به أحمد بن محمد "قال" حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا الحسن بن علي الرافقي حدثنا أبو شعيب صالح ابن زياد السوسي بالرقة حدثنا يعلى عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال أقبل رسول الله من خيبر حتى إذا كان ببعض الطريق أراد التعريس من آخر الليل فاضطجع رسول الله وأسند بلال ظهره إلى بعيره فاستقبل الشرق فغلبته عينه فنام فلم يوقظه إلا الشمس فكان أولهم رفع رأسه رسول الله قال " ماذا صنعتبنا يا بلال" قال أخذ بنفسي يا رسول الله الذي أخذ بنفسك فقال صدقت فاقتاد غيركبير فتوضأ وتوضأ الناس ثم صلى الصبح ثم أقبل عليهم فقال إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها فإن الله تعالى يقول {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} .

وأما حديث يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله حين قفل من خيبر سار ليله حتى إذا أدركه الكرى عرس وقال لبلال اكلأ لنا الصبح وساق الحديث بتمامه إلى آخره قال يونس وسمعت ابن شهاب يقرؤها للذكرى

ووصل من هذا الحديث ابن عيينة ومعمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي قوله من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} .

وقد روى عن النبي في نومه عن الصلاة في السفر آثار كثيرة من وجوه شتى رواها عنه جماعة من أصحابه منهم ابن مسعود وأبو مسعود وابو قتادة وذو مخبر الحبشي وعمران بن حصين وأبو هريرة وقد ذكرناها في باب زيد بن أسلم.

وبعضهم ذكر أنه أذن وأقام ولم يذكر ذلك بعضهم وبعضهم ذكر أنه ركع ركعتي الفجر وبعضهم لم يذكر ذلك والحجة في قول من ذكر لا في قول من قصر وقد ذكرنا ذلك كله وما للعلماء فيه في باب مرسل زيد بن أسلم فلا معنى لإعادة شيء من ذلك ههنا

وقول ابن شهاب في هذا الحديث عن سعيد بن المسيب أن رسول الله حين قفل من خيبر أصح من قول من قال أن ذلك "كان" مرجعه من حنين لأن ابن شهاب أعلم "الناس" بالسير والمغازي وكذلك سعيد بن المسيب ولا يقاس بهما المخالف "لهما" في ذلك وكذلك ذكر ابن اسحاق وأهل السير أن نومه عن الصلاة في سفره كان في "حين" قفوله من خيبر

وقد اختلف عن مالك في ذلك فروى عنه في هذا الحديث حين قفل من خيبر والقفول الرجوع من السفر ولا يقال "قفل" إذا سافر مبتدئا قال صاحب العين قفل الجند قفولا وقفلا إذا رجعوا وقفلتهم أنا أيضا هكذا "على وزن ضربتهم" وهم القفل.

وفيه أيضا خروج الإمام بنفسه في الغزوات وذلك سنة وكذلك إرساله السرايا كل ذلك سنة مسنونة وأما قوله أسرى ففيه لغتان سرى وأسرى قال الله عز وجل {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فهذا رباعي وقال امرؤ القيس :

سريت بهم حتى تكل مطيهم ... وحتى الجياد ما يقدن بأرسان

وهذا ثلاثي وقرىء أن أسر بعبادي بالوصل والقطع على الثلاثي والرباعي جميعا وقال النابغة :

أسرت عليه من الجوزاء سارية ... تزجى الشمال عليه جامد البرد

فجمع بين اللغتين والسري مشي الليل وسيره وهي لفظة مؤنثة قال الشاعر :

وليل وصلنا بين قطريه بالسرى ... وقد جد شوق مطمع في وصالك

أربت علينا من دجاه حنادس ... أعدن الطريق النهج وعر المسالك

وقال غيره

يفوت الغنى من لا ينام عن السرى ... وآخر يأتي رزقه وهو نائم

ولا يقال لمشي النهار سرى ومنه المثل السائر عند الصباح يحمد "القوم" السرى

فأما قوله حتى إذا كان من آخر الليل عرس فالتعريس النزول في آخر الليل كما في الحديث ولا تسمى العرب نزول أول الليل تعريسا كذلك قال أهل اللغة وكذلك في حديث عطاء بن أبي رباح الذي ذكرناه حتى إذا كان آخر "الليل" نزلوا للتعريس فكلهم قال آخر الليل وهو المعروف عند العرب وأما قوله اكلأ لنا الصبح فمعناه ارقب لنا الصبح واحفظ علينا وقت صلاتنا وأصل الكلاية الحفظ والرعاية والمنع وهي كلمة مهموزة منه قوله عز وجل {قُلْ مَنْ يَكْلَأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} ومنها قول ابن هرمة

إن سليمى والله يكلؤها ... ضنت بشيء ما كان يرزؤها

وفي هذا الحديث أيضا إباحة الاستخدام بالصاحب في السفر وإن كان حرا لأن بلالا كان في ذلك الوقت حرا كان أبو بكر اشتراه بمكة فأعتقه وله ولاؤه وذلك قبل الهجرة وكانت خيبر في سنة ست من الهجرة

وفيه أن رسول الله كان ينام أحيانا نوما يشبه "نوم" الآدميين وذلك إنما كان منه غبا لمعنى يريد الله إحداثه وليسنّ لأمته سنة تبقى بعده يدلك على ذلك قوله إني لأنسى أو أنسى لأسن وقوله في حديث العلاء بن خباب أن النبي قال لو شاء الله لأيقظنا ولكن أراد أن تكون "سنة لمن بعدكم وأما طبعه وجبلته وعادته المعروفة منه ومن الأنبياء قبله فما حكاه عن نفسه إن عيني تنامان ولا ينام قلبي فأطلق ذلك عن نفسه إطلاقاً غير مقيد بوقت.

وفي حديث آخر إنا معاشر الأنبياء تنام أعيينا ولا تنام قلوبنا فأخبر أن كل الأنبياء كذلك ومما يصحح ذلك قوله لأصحابه تراصوا في الصف فإني أراكم من وراء ظهري فهذه جبلته وخلقته وعادته فأما نومه في السفر عن الصلاة

فكان خرق عادته ليسن لأمته ويعرفهم بما يحب على من نام منهم عن صلاته حتى يخرج وقتها وكيف العمل في ذلك وجعل الله نومه سببا بما جرى له في ذلك النوم من تعليمه أمته وتبصيرهم وقد ذكرنا الآثار الواردة في هذا المعنى في باب زيد بن أسلم من هذا الكتاب ولا سبيل إلى حملها على الائتلاف والاتفاق إلا على ما ذكرناه وغير جائز حمل أخباره إذا صحت عنه على التناقض عند أهل الإسلام لأنه لا يجوز فيها النسخ

حدثنا أحمد بن عبدالله قال حدثنا الحسيني قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المزني قال سمعت الشافعي يقول رؤيا الأنبياء وحي وقد روينا عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال رؤيا الأنبياء وحي وتلا إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر وهذا يدل على أن قلوبهم لا تنام ألا ترى إلى حديث ابن عباس أن رسول الله نام حنى نفخ ثم صلى ولم يتوضأ ثم قال إن عيني تنامان ولا ينام قلبي والنوم إنما يحكم له بحكم الحدث إذا خمر القلب وخامره وكان رسول الله لا يخامر النوم قلبه

وقوله إني لست كهيئتكم إني أبيت أطعم وأسقى ومثل هذا كثير فإن قال قائل إن في قوله من يكلأ لنا الصبح دليلا على أن عادته النوم قيل له لم تمعن النظر ولو أمعنته لعلمت أن المعنى "من" يرقب لنا انفجار الصبح فيشعرنا به في أول طلوعه لأن من نامت عيناه لم ير هذا في أوله ونوم العين يمنع من مثل هذا لا نوم القلب وكان شأنه التغليس بالصبح وكان بلال من أعلم الناس بذلك فلذلك أمره بمراقبة الفجر لا أن عادته كانت النوم المعروف من سائر الناس والله أعلم

ذكر ابن أبي شيبة "أبو بكر" عن محمد بن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن تميم بن سلمة عن مسروق "قال" ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بصلاة رسول الله بعد طلوع الشمس وذكره أيضا عن عبيدة بن حميد عن يزيد بن أبي زياد عن تميم بن سلمة عن مسروق عن ابن عباس وهذا عندي والله أعلم

لأنه أعلم أمته أن مراد الله تعالى من الصلاة أن تقضى في وقت آخر كما قال تعالى في الصيام {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وليس كالحج وعرفة والضحايا والجمار وقد أوضحنا هذا المعنى في كتاب الاستذكار وليس في تخصيص النائم والناسي بالذكر في قضاء الصلاة ما يسقط قضاءها عن العامد لتركها حتى يخرج وقتها بل فيه أوضح الدلائل على أن العامد "المأثوم" أولى أن يؤمر بالقضاء من الناسي المتجاوز عنه و "النائم" المعذور وإنما ذكر النائم والناسي لئلا يتوهم متوهم أنهما لما رفع عنهما الاثم سقط القضاء عنهما فيما وجب عليهما فأبان أن ذلك غير مسقط عنهما قضاء الصلاة وأنها واجبة عليهما متى ما ذكراها والعامد لا محالة ذاكر لها فوحب عليه قضاؤها والاستغفار من تأخيرها لعموم قوله فإن الله تعالى يقول {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}

وقد قضاها عليه السلام بعد خروج وقتها يوم الخندق من غير نسيان ولا نوم إلا أنه شغل عنها وأجاز لمن أدرك ركعة من العصر أن يصلي تمامها بعد خروج وقتها وقد زدنا هذا بيانا وإيضاحا في كتاب الإستذكار والحمد لله وفي فزع رسول الله دليل على أن ذلك لم يكن من عادته منذ بعث والله أعلم

ولا معنى لقول من قال إن فزع رسول الله "كان" من أجل العدو الذي يتبعهم لأن رسول الله لم يتبعه عدو في انصرافه من خيبر ولا في انصرافه من حنين ولا ذكر ذلك أحد من أهل المغازي بل كان منصرفه في كلتا الغزوتين غانما ظافرا قد هزم عدوه وظفر به وقمعه والحمد لله وأما فزع أصحابه في غير هذا الحديث فلما رأوا من فزعه وقد فزعوا حين قدموا عبدالرحمن بن عوف يصلي لهم في غزوة تبوك حين خرج رسول الله مع المغيرة بن شعبة فتوضأ ومسح على خفيه وانتظروه وخشوا فوات الوقت فقدموا عبدالرحمن بن عوف يؤمهم فجاء رسول الله وقد صلى بهم عبدالرحمن ركعة ففزع الناس فلما فرغ رسول الله قال أحسنتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها

هكذا نقله جماعة من أصحاب ابن شهاب وقد قام رسول الله إلى صلاة الكسوف فزعا يجر ثوبه ويحتمل أن يكون فزعهم شفقة وتأسفا على ما فاتهم من وقت الصلاة ولعلهم حسبوا أن الصلاة قد فاتتهم أصلا فلحقهم الفزع والحزن لفوت الأجر والفضل ولم يعرفوا أن خروج الوقت لايسقط فرض الصلاة حتى قال لهم رسول الله من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها كما كان يصليها لوقتها فأخبرهم أنها غير ساقطة عنهم وإذا لم تسقط عنهم صلوها وإذا صلوها أدركوا أجرها إن شاء الله

وأعلمهم في حديث أبي قتادة أن الإثم عنهم في ذلك ساقط بقوله ليس التفريط في النوم وإنما التفريط في اليقظة وفي بعض ألفاظ "حديث" أبي قتادة أن رسول الله قال إن الصلاة لا تفوت النائم إنما تفوت اليقظان ثم توضأ وصلى بهم وفي هذا "الحديث" تخصيص لقوله عليه السلام رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ وبيان "ذلك" أن رفع القلم "عنه" ههنا من جهة رفع المأثم لا من جهة رفع الفرض عنه وأن ذلك ليس من باب قوله وعن الصبي حتى يحتلم

وإن كان ذلك جاء في أثر واحد فقف على هذا الأصل وأما قول بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك يقول إذا كنت أنت في منزلتك من الله قد غلبتك عينك وقبضت نفسك فأنا أحرى بذلك وفي هذا دليل على أن طلب الحجة والادلاء بها ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن علي بن حسين قال دخل رسول الله على علي وفاطمة وهما نائمان فقال ألا تصلوا فقال علي يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا أراد أن يبعثها بعثها فانصرف عنهما وهو يقول {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} .

ورواه الليث عن عقيل عن الزهري عن علي بن حسين أن الحسين بن علي حدثه عن علي بن أبي طالب أن رسول الله طرقه وفاطمة فذكر الحديث وفي آخره فانصرف رسول الله حين قلت له ذلك فسمعته وهو مدبر يضرب فخذه وهو يقول {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} .

وأما قول بلال في هذا الحديث أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك فمعناه قبض نفسي الذي قبض نفسك والباء زائدة أي توفى نفسي متوفي نفسك والتوفي هو القبض نفسه يعني أن الله عز وجل قبض نفسه وهذا قول من جعل النفس الروح وجعلهما شيئا واحدا لأنه قد قال في غير هذا الحديث إن الله قبض أرواحنا "فنص" على أن المقبوض هو الروح وفي القرآن {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} "ومن قال إن النفس غير الروح تأول قول بلال أخذ بنفسي من النوم ما أخذ بنفسك منه" وقد تقدم القول في النفس والروح مستوعبا في باب زيد ابن أسلم من كتابنا هذا فأغنى عن إعادته فأما قوله اقتادوا شيئا فمعناه عند أهل المدينة ما ذكره زيد بن أسلم في حديثه وهو قوله إن هذا واد به شيطان وقد تقدم القول في هذا في باب مرسل زيد بن أسلم من كتابنا هذا فأغنى عن اعادته وقال أهل العراق معنى اقتياد النبي وأصحابه رواحلهم

حتى خرجوا من الوادي إنما كان تأخيرا للصلاة لأنهم انتبهوا في وقت لا تجوز فيه صلاة وذلك عند طلوع الشمس "وزعموا أن نهي رسول الله عن الصلاة عند طلوع الشمس" وعند غروبها يقتضي الفريضة والنافلة وكل صلاة مفروضة ومسنونة واحتجوا من الآثار بنحو حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله كان يقول إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب وتأولوا هذا على الفرائض وغيرها وقد مضى الرد عليهم في تأويلهم هذا في غير موضع من كتابنا هذا فأغنى عن إعادته ومما يبين لك أن خروج رسول الله وخروج أصحابه من ذلك الوادي لم يكن كما ذكره العراقيون أنهم لم يستيقظوا حتى ضربهم حر الشمس والشمس لا تكون لها حرارة إلا وقد ارتفعت وحلت الصلاة.

وهذه اللفظة محفوظة في حديث للزهري وفي غير ما حديث من الأحاديث المروية في نوم النبي عن الصلاة منها حديث جبير بن مطعم وحديث ابن مسعود وحديث أبي قتادة وقد ذكرناها في باب زيد بن أسلم.

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا أحمد بن سعيد وحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبدالله بن محمد قالا حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب قال لما قفل رسول الله من خيبر أسرى ليلة حتى إذا كان من آخر الليل عدل عن الطريق ثم عرس وقال من يحفظ علينا الصبح فقال بلال أنا يا رسول الله فجلس يحفظ عليهم فنام النبي "وأصحابه" فبينما بلال جالس غلبته عينه فما أيقظهم إلا حر الشمس ففزعوا فقال النبي أنمت يا بلال فقال يا رسول الله أخذ نفسي الذي أخذ أنفسكم قال فاقتادوا رواحلهم وارتحلوا عن المكان الذي أصابتهم فيه الغفلة ثم صلى بهم الصبح فلما فرغ قال من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}

قال معمر وكان الحسن يحدث نحو هذا الحديث ويذكر أنهم ركعوا ركعتي "الفجر" ثم صلى بهم الصبح ففي قوله فما أيقظهم إلا حر الشمس وقوله ارتحلوا عن المكان الذي أصابتهم فيه الغفلة دليل على صحة ما ذهب إليه أهل المدينة ودليل آخر هو قوله عليه الصلاة والسلام من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح

وحدثنا عبدالوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا عبدالله بن مسرة ومحمد بن عبد السلام قالا حدثنا أبو موسى الزمن محمد بن المثنى قال حدثنا "محمد" بن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة أن النبي قال إذا أدركت ركعة من صلاة "الفجر" قبل أن تطلع الشمس فصل إليها أخرى ومعلوم أن الأخرى مع طلوع الشمس وأي شيء أبين من هذا ودليل آخر وهو ما ذكره عطاء أن النبي ركع في ذلك الوادي ركعتي الفجر ثم سار ساعة ثم صلى الصبح ومعلوم أن كل وقت تجوز فيه النافلة يجوز فيه قضاء المنسية المفروضة

وهذا ما لا خلاف فيه ودليل آخر لا مدفع له وهو قوله في آخر هذا الحديث من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فهذا اطلاق أن يصلي المنتبه والذاكر في كل وقت على ظاهر الحديث صلاته التي انتبه إليها وذكرها

وقد اختلف العلماء من هذا المعنى فيمن ذكر الصلاة فاتته وهو في آخر وقت صلاة أو ذكر صلاة وهو في صلاة فجملة مذهب مالك أنه من ذكر صلاة وقد حضر وقت صلاة أخرى بدأ بالتي نسي إذا كان ذلك خمس صلوات فأدنى وإن فات وقت هذه وإن كان أكثر من ذلك بدأ بالتي حضر وقتها وعلى هذا النحو مذهب أبي حنيفة والثوري والليث إلا أن أبا حنيفة وأصحابه قالوا الترتيب عندنا واجب في اليوم والليلة إذا كان في الوقت سعة للفائتة ولصلاة الوقت فإن خشي فوات صلاة الوقت بدأ بها فإن زاد على صلاة يوم وليلة لم يجب الترتيب عندهم والنسيان عندهم يسقط الترتيب وقال أبو حنيفة وأصحابه من ذكر صلاة فائتة وهو في صلاة أخرى من الصلوات الخمس فإن كان بينهما أكثر من خمس صلوات مضى فيما هو فيه ثم قضى التي عليه وإن كان أقل من ذلك قطع ما هو فيه وصلى التي ذكر إلا أن يكون في آخر وقت التي دخل "فيها" يخاف فوتها أن تشاغل بغيرها فإن كان كذلك أتمها ثم قضى التي ذكر وقال أبو حنيفة ومحمد أن ذكر الوتر في صلاة الصبح فسدت عليه وإن ذكر فيها ركعتي الفجر لم تفسد عليه.

وقال أبو يوسف لا تفسد عليه بذكر الوتر ولا بركعتي الفجر وبه أخذ الطحاوي وقد روى عن الثوري وجوب الترتيب ولم يفرق بين القليل والكثير واختلف في ذلك عن الأوزاعي وقال الشافعي الاختيار أن يبدأ بالفائتة ما لم يخف فوات هذه فإن لم يفعل وبدأ بصلاة الوقت أجزأه وذكر الأثرم أن الترتيب عند أحمد بن حنبل واجب في صلاة ستين سنة وأكثر وقال لا ينبغي لأحد أن يصلي "صلاة" وهو ذاكر لما قبلها لأنها تفسد عليه

قال أبو عمر : ثم نقض هذا الأصل فقال أنا آخذ بقول سعيد بن المسيب ويعجبني في الذي يذكر صلاة في وقت صلاة كرجل ذكر العشاء في آخر وقت الفجر قال يصلي الفجر ولا يضيع صلاتين أو قال يضيع مرتين وقال إذا خاف طلوع الشمس فلا يضيع هذه لقول سعيد بن "المسيب" يضيع مرتين فهذا يصلي الصبح وهو ذاكر العشاء وفي ذلك نقض لأصله وقال داود والطبري الترتيب غير واجب وهو تحصيل مذهب الشافعي

ذكر الأثرم قال حدثنا إبراهيم بن حمزة قال حدثنا عبدالعزيز بن محمد أنه سمع ربيعة يقول في الذي ينسى الظهر والعصر حتى لا يجد إلا موضع سجدة قبل الغروب "قال" يصلي العصر ثم يصلي الظهر إذا غابت الشمس قال وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا هشيم قال أنبأنا يونس ومنصور عن الحسن أنه كان يقول فيمن نام عن صلاة العشاء فاستيقظ عند طلوع الشمس قال يصلي الفجر ثم يصلي العشاء قال وسمعت أحمد بن حنبل يقول أما الحسن فيقول يصلي تلك وإن فاتت هذه.

قال أبو عمر : وأما الذي يذكر صلاة وهو وراء إمام فكل من قال بوجوب الترتيب ومن لم يقل به فيما علمت يقول يتمادى مع الإمام حتى يكمل صلاته ثم اختلفوا فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل يصلي التي ذكر ثم يعيد التي صلى مع الإمام إلا أن يكون بينهما أكثر من خمس صلوات على ما قدمنا ذكره عن الكوفيين وهو مذهب جماعة من أصحاب مالك المدنيين وذكر الخرقي عن أحمد بن حنبل أنه قال من ذكر صلاة وهو في أخرى أتمها وقضى المذكورة وأعاد الصلاة التي كان فيها إذا كان الوقت مبقي فإن خشي خروج الوقت اعتقد وهو فيها أن لا يعيدها وقد أجزأته ويقضي التي عليه.

قال الأثرم قيل لأبي عبدالله إن بعض الناس يقول إذا دخلت في صلاة فأحرمت بها ثم ذكرت صلاة نسيتها لم تقطع التي دخلت فيها ولكنك إذا فرغت منها قضيت التي نسيت وليس عليك إعادة هذه فأنكره وقال ما أعلم أحدا قال بهذا إنما أعرف أن من الناس من قال أنا أقطع وإن كنت خلف الإمام وأصلي التي ذكرت لقول النبي فليصلها إذا ذكرها قال وهذا شنيع أن يقطع وهو خلف الإمام قيل له فما تقول أنت قال يتمادى مع الإمام وإن كان وحده قطع وذكر الأثرم قال حدثنا الحكم بن موسى قال حدثنا هقل قال حدثنا الأوزاعي قال سمعت الزهري يقول في الذي ينسى الظهر ولا يذكرها حتى يدخل في العصر قال يمضي في صلاة الإمام فإذا انصرف استقبل الظهر فصلاها ثم يصلي العصر.

قال أبو عمر : هذا ابن شهاب يفتي بقول ابن عمر وهو الذي يروي قول رسول الله من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} وقد رأى تماديه مع الإمام ثم رأى إعادتها "لا" أدري إن كان استحبابا أو إيجابا وقد يحتمل "هذا" الحديث إيجاب الترتيب ويحتمل أن يكون معناه الإعلام بأنها غيرساقطة بالنوم والنسيان

وقد أجمعوا على أن الترتيب فيما كثر غير واجب فدل ذلك على أنه مستحب في القليل والله أعلم ويدلك على أن ذلك عندهم استحباب لأنهم يأمرونه إذا ذكرها وهو وحده في صلاة أن يقطعها وإن ذكرها وراء إمام تمادى مع الإمام والأصل في التمادي مع الإمام عند أكثرهم اتباع ابن عمر "وحديثه في ذلك ما رواه مالك عن نافع أن عبدالله بن عمر" كان يقول من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فإذا سلم الإمام فليصل الصلاة التي نسي ثم ليصل "بعدها" الصلاة الأخرى ولا مخالف له في هذه المسألة من الصحابة مع دلالة قول رسول الله فليصلها إذا ذكرها.

وقد روى من حديث أبي جمعة واسمه حبيب بن سباع وله صحبة قال صلى رسول الله المغرب يوم الأحزاب فلما سلم قال هل علم أحد منكم أنى صليت العصر قالوا لا يا رسول الله قال فصلي العصر ثم أعاد المغرب وهذا حديث منكر يرويه ابن لهيعة عن مجهولين وقال الشافعي والطبري وداود يتمادى مع الإمام ثم يصلي التي ذكر ولا يعيد هذه وليس الترتيب عند هؤلاء بواجب فيما قل ولا فيما كثر ومن حجتهم "أن" الترتيب إنما يجب في اليوم وأوقاته فإذا خرج الوقت سقط الترتيب استدلالا بالإجماع "على" أن شهر رمضان تجب الرتبة فيه والنسق لوقته فإذا انقضى سقطت الرتبة عمن كان عليه "منه شيء بسفر أو علة" وجائز أن يأتي به على غير نسق ولا رتبة متفرقا فكذلك الصلوات المذكورات الفوائت والله أعلم.

واحتج داود وأصحابه بأن رسول الله صلى ركعتي الفجر ذاكرا للصبح في حين نومه في سفره قالوا فقد صلى رسول الله وهو ذاكر صلاة واجبة عليه ركعتي الفجر وهما غير واجبتين عليه وهذا عندي لا حجة فيه لأنه لم يذكر في ركعتي الفجر صلاة قبلها وإنما المراعاة أن يذكر في الصلاة ما قبلها ولكل واحد منهم حجج من جهة النظر في أكثرها تشعيب وتطويل وفيما ذكرت لك من أقاويلهم ما تقف به على المراد من معنى حديث هذا الباب إن شاء الله

وأما قوله في حديث مالك ثم أمر بلالا فأقام الصلاة يحتمل أن يكون فأقام ولم يؤذن ويحتمل أن يكون أقام الصلاة بما تقام به من الأذان والإقامة والطهارة وقد روى عن النبي من وجوه أنه أمر بلالا فأذن وأقام في حين نام عن الصلاة في السفر وقد ذكرناها وقد روى أبان العطار عن معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة هذا الحديث وذكر فيه أن النبي صلى الركعتين قبل صلاة الفجر ثم أمر بلالا فأقام فصلى الفجر وهذا ليس بمحفوظ في حديث الزهري إلا من رواية أبان العطار عن معمر وأبان ليس بحجة ولا تقبل زيادته على عبدالرزاق لأن عبدالرزاق أثبت الناس في معمر عندهم وقد ذكرنا اختلاف العلماء في الأذان لما فات من الصلوات والحجة لكل فريق منهم في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا وذكر أبو قرة عن مالك فيمن نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس أنه لايركع ركعتي الفجر ولا يبدأ بشيء قبل الفريضة

قال مالك لم يبلغنا أن النبي صلى ركعتي الفجر حين نام عن الصبح حتى طلعت الشمس.

قال أبو عمر : ليس في حديث ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله ركع ركعتي الفجر في ذلك اليوم من وجه يصح وقد روى ذلك من وجوه كثيرة صحيحة وقد تقدم ذكرنا لها ولجميع معاني هذا الباب مستوعبة مبسوطة في باب مرسل زيد بن أسلم من كتابنا هذا فلذلك اختصرناها في هذا الباب والله الموفق للصواب.

حديث تاسع لابن شهاب عن سعيد "بن المسيب" مرسل[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله قال من أكل من هذه الشجرة فلا يقرب مساجدنا يؤذينا بريح الثوم هكذا هو في الموطأ عند جميعهم مرسل إلا ما رواه محمد بن معمر عن روح بن عبادة عن صالح بن أبي الأخضر ومالك بن أنس عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة "مرة" موصولا وقد وصله معمر ويونس وإبراهيم بن سعد عن ابن شهاب

فأما رواية معمر فذكرها عبدالرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله من أكل "من" هذه الشجرة يعني الثوم فلا يؤذينا في مسجدنا وذكره ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب كذلك "سواء" مسندا

وحدثنا أحمد بن عبدالله بن محمد قال حدثنا مسلة بن القاسم قال حدثنا أبو عبدالله الحسين بن إسماعيل المحاملي ببغداد قال حدثنا فضل الأعرج قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي قال من أكل من هذه الشجرة فلا يؤذينا في مسجدنا يعني الثوم قال يعقوب وذكر أبي عن أبيه أنه ذكر معه الكراث والبصل.

قال أبو عمر : روى النهي عن أكل الثوم بألفاظ متقاربة المعاني عن النبي جماعة منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وحذيفة وابن عمر وجابر وأنس وأبو سعيد والمغيرة بن شعبة ومعقل بن يسار وأم أيوب فأما حديث ابن عمر فرواه عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي قال في غزوة خيبر من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقربن مسجدنا ذكره البخاري عن مسدد عن يحيى عن عبيدالله

قال البخاري وحدثنا أبو معمر حدثنا عبدالوارث عن عبدالعزيز قال سأل رجل أنس بن مالك ما سمعت "من" نبي الله في الثوم فقال قال النبي من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولايصلينّ معنا وحدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر أن النبي قال من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن المساجد .

قال أبو عمر : اختلف العلماء في معنى هذا الحديث فقال بعضهم إنما خرج النهي عن مسجد النبي من أجل جبريل عليه السلام ونزوله فيه على النبي عليه السلام وقال آخرون وهم الأكثرون مسجد النبي وسائر المساجد غيره في ذلك سواء وملائكة الوحي في ذلك "وغيرها" سواء "لأنه" قد أخبر أنه يتأذى بنو آدم وقال إن الملائكة تتأذى بما يتأذى منه بنو آدم وقال يؤذينا بريح الثوم ولا يحل أذى الجليس المسلم حيث كان.

قال أبو عمر : في هذا الحديث من الفقه معرفة كون البقول والخضر بالمدينة فلما "لم" ينقل أحد عن النبي أنه أخذ منها الزكاة دل على أن الزكاة ساقطة عن الخضر وعما أخرجت الأرض غير القوت المدخر وقد أوضحنا هذه المسألة وذكرنا وجوهها واختلاف العلماء فيها في أول بلاغات مالك وذلك قوله أنه بلغه عن سليمان بن يسار "وبسر بن سعيد" أن رسول الله قال فيما سقت السماء العشر الحديث

وفي هذا الحديث "أيضا" من الفقه أن أكل الثوم ليس بمحرم لأن الحرام لا يقال فيه من فعله فلا يفعل كذا لشيء غيره لأن هذا لفظ إباحة لا لفظ منع وليس هذا من باب ما روي عنه من شرب الخمر فليشقص الخنازير في شيء لأن شرب الخمر وتشقيص الخنازير كلاهما محرم وقد اختلف العلماء في أكل الثوم فذهبت طائفة من أهل الظاهر القائلين بوجوب الصلاة في الجماعة فرضا إلى تحريم أكل الثوم "في وقت يوجد ريحه منه في المسجد" وقالوا نهى رسول الله عن أكل الثوم نهى تحريم فلا يجوز لأحد أكله لأنه لا يجوز لأحد التأخر عن صلاة الجماعة إذا كان قادرا على شهودها ولايحل له التخلف عنها إذا سمع النداء بها مع الاستطاعة على المشي إليها قالوا وكل منع من إتيان الفرض والقيام به فحرام عمله والتشاغل به كما أنه حرام على الإنسان فعل كل ما يمنعه من مشاهدة الجمعة واحتجوا بأن رسول الله قد سماها خبيثة والله عز وجل قد وصف نبيه عليه الصلاة والسلام بأنه يحرم الخبائث

وذكروا حديث يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر عن النبي أنه" قال من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا وقوله من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين فلا يقربن مساجدنا وذهب جماعة فقهاء الأمصار وجمهور علماء المسلمين من أهل الفقه والحديث إلى إباحة أكل الثوم لدلائل منها حدث علي بن أبي طالب

أخبرنا أحمد بن قاسم بن عبدالرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو النضر قال حدثنا إسرائيل عن مسلم الأعور عن حبة العرني عن علي رضي الله عنه قال أمرنا رسول الله أن نأكل الثوم وقال لولا أن الملك ينزل على لاكلته فقد بان بهذا الحديث أنه ليس بمحرم وأنه مباح وأن النهي عنه إنما ورد من أجل أن الملك كان يتأذى به

ومنها "أيضا" حديث أبي سعيد الخدري ذكره عبدالرزاق عن معمر عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقربن مسجدنا ولا يأتينا يمسح جبهته قال فقلت يا أبا سعيد أحرام هي قال "لا" إنما كرهها النبي من أجل ريحها وهذا نص عن صاحب عرف مخرج النهي

ومثله حديث جابر ذكره البخاري "قال" حدثنا عبدالله بن محمد حدثنا أبو عاصم قال أنبأنا ابن جريج قال أخبرني عطاء قال سمعت جابر بن عبدالله قال قال النبي من أكل من هذه الشجرة يريد الثوم فلا يغشانا في مساجدنا قلت ما يعني به قال يعني إلا نيئه قال وقال مخلد بن يزيد عن ابن جريج إلا نتنه قال وحدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عطاء أن جابر بن عبدالله زعم أن النبي قال من أكل ثوما "أو بصلا" فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا وأن النبي أتى بقدر فيه خضروات من بقول فوجد لها ريحا قال فأخبر ما فيها من البقول فقال قربوها إلى بعض أصحابه كان معه فلما رآه كره أكلها قال كل فاني أناجي من لا تناجي.

قال أبو عمر : هذا بين في الخصوص "له" والإباحة لمن سواه وهذا الحديث ذكره أبو داود "قال" حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال حدثني "عطاء" بن أبي رباح أن جابر بن عبدالله قال أن رسول الله قال من أكل ثوما أو بصلا فذكره سواء إلى آخره

قال أبو داود حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو أن بكر بن سوادة حدثه أن أبا النجيب مولى عبدالله بن سعد حدثه أن أبا سعيد الخدري حدثه أنه ذكر عند رسول الله الثوم والبصل وقيل يا رسول الله وأشد ذلك كله الثوم أفتحرمه فقال النبي كلوه ومن أكله منكم فلا يقرب هذاالمسجد حتى يذهب ريحه منه

ومثل هذا أيضا حديث أم أيوب الأنصارية حدثنا سعيد بن نصر "قال" حدثنا قاسم بن أصبغ "قال" حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي "قال" حدثنا الحميدي "قال" حدثنا سفيان قال حدثني عبيدالله بن أبي يزيد قال أخبرني أبي أن أم أيوب الأنصارية أخبرته قالت نزل علينا رسول الله فتكلفنا له طعاما فيه بعض هذه البقول فكرهه وقال لأصحابه إني لست كأحد منكم فإني أكره أن أوذي صاحبي

قال الحميدي قال سفيان رأيت رسول الله في النوم فقلت يا رسول الله هذا الحديث الذي تحدث به أم أيوب عنك أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم قال حق ومثل هذا حديث مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار قال كان رسول الله لا يأكل الثوم ولا الكراث ولا البصل من أجل أن الملائكة تأتيه ومن أجل أنه يكلم جبريل عليه السلام رواه عبدالله بن يوسف "والقعنبي" وطائفة عن مالك "في الموطأ هكذا

ورواه محمد بن إسحاق البكري عن يحيى بن يحيى النيسابوري عن مالك" أنه قرأ عليه عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله كان لا يأكل الثوم ولا الكراث ولا البصل من أجل أن الملائكة تأتيه وأنه يكلم جبريل عليه السلام قال الدارقطني هذا مما انفرد به محمد بن إسحاق البكري بهذا الإسناد وهو ضعيف وما جاء به وهم لأنه في الموطأ عن الزهري عن سليمان بن يسار مرسل

وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا إسحاق بن منصور قال أنبأنا يحيى عن ابن جريج قال حدثنا عطاء عن جابر قال قال رسول الله من أكل من هذه الشجرة قال أول يوم الثوم ثم قال الثوم والبصل والكراث فلا يقربنا في مساجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس

وحدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سفيان بن فروخ قال حدثنا أبو الهلال قال حدثنا حميد بن هلال عن أبي بردة عن المغيرة بن شعبة قال أكلت ثوما فأتيت مصلى رسول الله وقد سبقت بركعة فلما دخلت المسجد وجد رسول الله ريح الثوم فلما قضى رسول الله صلاته قال من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها فلما قضيت الصلاة جئت إلى رسول الله فقلت يا رسول الله والله لتعطيني يدك "قال" فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري فإذا أنا معصوب "الصدر" فقال إن لك عذرا

قال أبو داود وحدثنا مسدد قال حدثنا الجراح أبو وكيع عن أبي إسحاق عن "شريك بن حنبل" عن علي قال نهى رسول الله عن أكل الثوم إلا مطبوخا وحدثنا عبد الوارث وسعيد قالا حدثنا قاسم "بن أصبغ" قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق وبكر قالا حدثنا مسدد قال حدثنا أبو وكيع عن أبي إسحاق عن شريك بن حنبل عن علي فذكره.

قال أبو عمر : "ففي" هذه الأحاديث أوضح الدلائل على أن أكل الثوم ليس به بأس وأنه مباح وقد أكله جماعة من الصحابة والتابعين وأجاز أكله جمهور علماء المسلمين أخبرنا أحمد بن عبدالله بن محمد بن علي أن أباه أخبره قال أنبأنا أحمد بن خالد قال أنبأنا الحسن بن أحمد قال حدثنا محمد ابن عبيد قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا سعيد بن أبي صدقة وقد ذكره أيوب عن محمد أن ابن عمر سئل عن الثوم والبصل فقال اذهبوا واقطعوا عنكم ريحها بالنضج

وحدثنا أحمد بن عبدالله قال حدثني أبي قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا الحسن بن أحمد قال حدثنا محمد بن عبيد بن حساب قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا أيوب عن نافع أن ابن عمر أصابه بهر زمن أذربيجان فنعت له الثوم فكنا ننظمه فنجعله في حساء له

وأخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد "بن" الفضل الدينوري قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن عبدالله بن عبد الحكم قال حدثنا أبي وشعيب بن الليث "عن الليث" بن سعد عن يزيد بن الهادي قال قلت لنافع هل كان ابن عمر يأكل الثوم في اللحم قال نعم فهذا ابن عمر قد روى الحديث في الثوم وكان يأكله فدل على أنه قد علم المراد وعرف المقصد

أخبرنا خلف بن القاسم أنبأنا أحمد بن محمد بن أبي الموت حدثنا أبو صالح حدثنا أبو يوسف محمد بن أحمد ابن الحجاج حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأوزاعي عن أبي عبيد عن نعيم بن سلامة قال دخلت على عمر بن عبد العزيز فوجدته يأكل ثوما مسلوقا بماء وملح وزيت ولو ذكرنا الآثار عن العلماء في ذلك لطولنا وأمللنا والأمر الواضح لا وجه للتطويل فيه وفي هذا الحديث من الفقه أيضا أن حضور الجماعة ليس بفرض لأنه لو كان فرضا ما كان أحد ليباح له ما يحبسه عن الفرض وقد أباحت السنة لآكل الثوم التأخر عن شهود الجماعة وقد بينا أن أكله مباح فدل ذلك على ما وصفنا وبالله عصمتنا ألا ترى أن الجمعة إذا نودي لها حرم على المسلمين كل ما يحبس عنها من بيع وقعود ورقاد وصلاة وكل ما يشتغل به المرء عنها

وكذلك من كان "من أهل المصر" حاضرا فيه لا عذر له في التخلف عن الجمعة أنه لا يحل له أن يدخل على نفسه ما يحبسه عنها فلو كانت الجماعة فرضا لكان أكل الثوم في حين وقت الصلاة حراما وقد ثبتت إباحته فدل ذلك على أن حضور الجماعة ليس بفرض والله أعلم وإنما حضورها سنة وفضيلة وعمل بر ومما يدل على أن حضور الجماعة ليس بفرض قول رسول الله إذا حضر العشاء وسمعتم الإقامة بالصلاة فابدؤا بالعشاء

وفي الحديث المذكور أيضا من الفقه أن آكل الثوم يبعد من المسجد ويخرج عنه لأن رسول الله قال لا يقرب "مسجدنا أو" مساجدنا لأنه يؤذينا بريح الثوم وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يتأذى به ففي القياس أن كل ما يتأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب اللسان سفيها عليهم في المسجد مستطيلا أو كان ذا ريحة قبيحة لا تريمه لسوء صناعته أو عاهة موذية كالجذام وشبهه وكل ما يتأذى به الناس إذا وجد في أحد جيران المسجد وأرادوا إخراجه عن المسجد وإبعاده عنه كان ذلك لهم ما كانت العلة موجودة فيه حتى تزول فإذا زالت بإفاقة أو توبة أو أي وجه زالت كان له مراجعة المسجد

وقد شاهدت شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هاشم رحمه الله أفتى في رجل شكاه جيرانه وأثبتوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه ويده فشور فيه فأفتى بإخراجه عن المسجد وإبعاده عنه وأن لا يشاهد معهم الصلاة إذ لا سبيل مع جنونه واستطالته إلى السلامة منه فذاكرته يوما أمره وطالبته بالدليل فيما أفتى به من ذلك وراجعته فيه القول فاستدل بحديث الثوم وقال هو عندي أكثر أذى من آكل الثوم وصاحبه يمنع من شهود الجماعة في المسجد

وذكر الحديث أنه كان إذا وجد من أحد ريح ثوم في مسجد رسول الله أخرج عنه وربما أبعد حتى يبلغ به البقيع أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعيد قال حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا هشام قال حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة أن عمر بن الخطاب قال إنكم أيها الناس تأكلون من شجرتين ما أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم ولقد رأيت نبي الله إذا وجد ريحها من الرجل أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلها فليمتهما طبخا فهذا عمر بن الخطاب يجيز أكل البصل والثوم مطبوخين على حسبما ذكرنا وهذا هو الصحيح في هذا الباب والله الموفق للصواب

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا همام بن يحيى قال حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني عن معدان بن أبي طلحة العمري أن عمر قام على المنبر يوم جمعة فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر الحديث بمعنى ما تقدم سواء إلى آخره وروى جرير بن عبد الحميد وزهير بن معاوية عن مطرف بن طريف عن أبي الجهم عن أبي القاسم مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال لما افتتحت خيبر أكلوا من الثوم فقال رسول الله من أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا حتى يذهب ريحها من فيه.

حديث عاشر لابن شهاب عن سعيد مرسل[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله قال لا يغلق الرهن هكذا رواه كل من روى الموطأ عن مالك فيما علمت إلا معن بن عيسى فإنه وصله "فجعله عن سعيد" عن أبي هريرة ومعن ثقة إلا أني أخشى أن يكون الخطأ فيه من علي بن عبد الحميد الغضائري

حدثنا خلف بن قاسم حدثنا علي بن الحسن ابن علان وأحمد بن محمد بن يزيد الحلبي قالا حدثنا علي ابن عبد الحميد الغضائري حدثنا مجاهد بن موسى حدثنا معن بن عيسى عن مالك عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله لا يغلق الرهن وهو لصاحبه

حدثنا عبدالرحمن بن عبدالله بن خالد قال حدثنا محمد بن العباس بن يحيى الحلبي قال حدثنا علي بن عبدالحميد وحدثنا إسماعيل بن عبدالرحمن القرشي قال محمد بن العباس بن يحيى الحلبي قال حدثنا أبو بكر بن جعفر وعلي بن عبدالحميد قالا حدثنا مجاهد ابن موسى قال حدثنا معن بن عيسى قال حدثنا مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله لا يغلق الرهن وهو من صاحبه وزاد فيه أبو عبدالله بن عمروس عن الأبهري بإسناده له غنمه وعليه غرمه وهذه اللفظة قد اختلف الرواة في رفعها فرفعها ابن أبي ذئب ومعمر وغيرهما في هذا الحديث لكنهم رووه مرسلا على اختلاف في ذلك عن ابن أبي ذئب نذكره إن شاء الله

ورواية معن عن مالك موافقة لذلك وقد روى ابن وهب هذا الحديث فجوده وبين أن هذا اللفظ ليس مرفوعا روى سحنون ويونس بن عبدالأعلى ومحمد بن عبدالله بن عبدالحكم عن ابن وهب قال سمعت مالكا ويونس بن يزيد وابن أبي ذئب يحدثون عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله قال لا يغلق الرهن وقال يونس قال ابن شهاب وكان سعيد بن المسيب يقول الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه فتبين برواية ابن وهب عن يونس بن يزيد أن هذا من قول سعيد بن المسيب فالله أعلم

إلا أن معمرا "قد" ذكره عن ابن شهاب مرفوعا ومعمر من أثبته الناس في ابن شهاب وقد تابعه على ذلك يحيى بن أبي أنيسة فرفع هذا اللفظ ووصل الحديث عن أبي هريرة ويحيى ليس بالقوي

وقد روي من حديث محمد بن كثير ومن حديث زيد بن الحباب عن مالك عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال قضى رسول الله أن لا يغلق الرهن له غنمه وعليه غرمه ذكر ذلك شيخنا ابن قاسم عن شيوخه عنهما وذكره الدارقطني وغيره

وقد حدثني إسماعيل بن عبدالرحمن قال حدثنا محمد بن العباس الحلبي قال حدثنا علي بن عبدالحميد قال حدثنا عبدالله بن عمران العابدي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعيد عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله لا يغلق الرهن له غنمه وعليه غرمه وفيما أخبرني أبو عبدالله إجازة عن علي بن عمر الحافظ قال حدثنا علي بن أحمد بن الفتح الوراق حدثنا محمد بن إبراهيم "بن يعقوب الأنطاكي حدثنا محمد بن المبارك الأنباري حدثنا أحمد بن إبراهيم" بن أبي سكينة الحبلي حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله لا يغلق الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه

وحدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم "بن أصبغ" قال حدثنا محمد بن أحمد بن زهير قال حدثنا عبدالله بن عمران بن زريق المكي قال حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي قال لا يغلق الرهن وحدثنا إسماعيل بن عبدالرحمن قال حدثنا "محمد" ابن العباس قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبدالله الطائي بحمص قال حدثنا محمد بن خالد بن خلي قال حدثنا بقية عن إسماعيل بن عياش عن عباد يعني ابن كثير عن محمد بن عبدالرحمن يعني ابن أبي ذئب عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله قال لا يغلق الرهن لصاحبه غنمه وعليه غرمه.

قال أبو عمر : أما حديث إسماعيل بن عياش فهذا أصله وقد روى عن إسماعيل بن عياش عن ابن أبي ذئب ولم يسمعه إسماعيل من ابن أبي ذئب وإنما سمعه من عباد بن كثير عن ابن أبي ذئب وعباد بن كثير عندهم ضعيف لا يحتج به وإسماعيل بن عياش "عندهم" أيضاً غير مقبول الحديث إذا حدث عن غير أهل بلده فإذا حدث عن الشاميين فحديثه مستقيم وإذا حدث عن المدنيين وغيرهم ما عدا الشاميين ففي حديثه خطأ كثير واضطراب ولا أعلم بينهم خلافا أنه ليس بشيء فيما روى عن غير أهل بلده وقد اختلفوا فيه إذا روى عن أهل بلده والصواب ما ذكرت لك إن شاء الله.

وقد روى هذا الحديث، عن إسماعيل بن عياش ، عن الزبيدي، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي . ولوصح عن إسماعيل ، لكان حسناً ولكن أهل العلم بالحديث يقولون : إنه إنما رواه عن ابن أبي ذئب ،ولم يروه عن الزبيدي ، وقد أوضحت لك أصل روايته في هذا الحديث عن ابن أبي ذئب إلا أنه قد روى عن ابن أبي ذئب من وجه صالح حسن غير هذا الوجه.

حدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثني يحيى بن أبي طالب الأنطاكي وجماعة من أهل الثقة قالوا حدثنا عبدالله بن نصر الأصم الأنطاكي قال حدثنا شبابة قال حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله لا يغلق الرهن، الرهن لمن رهنه له غنمه وعليه غرمه ورواه عن شبابة هكذا جماعة وأما رواية ابن عيينة لهذا الحديث متصلا عن زياد بن سعد فإن الأثبات من أصحاب ابن عيينة يروونه عن ابن عيينة لا يذكرون فيه أبا هريرة ويجعلونه عن سعيد مرسلا وهذا الحديث عند أهل العلم بالنقل مرسل وإن كان قد وصل من جهات كثيرة فإنهم يعللونها وهو مع هذا حديث لا يرفعه أحد منهم وإن اختلفوا في تأويله ومعناه وبالله التوفيق.

قال أبو عمر : الرواية في هذا الحديث لا يغلق الرهن برفع القاف على الخبر أي ليس يغلق الرهن ومعناه لا يذهب ويتلف باطلا والأصل في ذلك الهلال والنحويون يقولون غلق الرهن إذا لم يوجد له تخلص قال امرؤ قيس :

غلقن برهن من حبيب به أدعت ... سليمى وأمسى حبلها قد تبترا

وقال زهير :

وفارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا

وقال آخر وهو قعنب بن أم صاحب وهو أحد المنسوبين إلى أمهاتهم وهو قعنب بن حمزة أحد بني عبدالله بن غفطان :

بانت سعاد وأمسى دونها عدن ... وغلقت عندها من قبلك الرهن

وقال آخر :

كأن القلب ليلة قيل يغدى ... بليلى العامرية أو يراح

قطاة غرها شرك فباتت ... تجاذبه وقد غلق الجناح

وقال آخر :

أجارتنا من يجتمع يتفرق ... ومن يك رهنا للحوادث يغلق

وقال أعشى تغلب :

لما رأى أهلها أنى علقت بها ... واستيقنوا أننى في حبلها غلق

بانت نواهم شطونا عن هواي له ... فما دلوفي ميسورا ولا رفق"

قال أبو عبيد لا يجوز في كلام العرب أن يقال للرهن إذا ضاع قد غلق إنما يقال قد غلق إذا استحقه المرتهن فذهب به قال وهذا كان من فعل "أهل" الجاهلية فأبطله النبي بقوله لا يغلق الرهن ثم ذكر نحو قول مالك وسفيان في تفسير هذا الحديث وفسر مالك هذا الحديث بأن قال وتفسير ذلك فيما نرى والله أعلم أن يرهن الرجل الرهن عند الرجل بالشيء وفي الرهن فضل عما رهن "به" فيقول الراهن للمرتهن إن جنتك بحمقك إلى أجل كذا يسميه له وإلا فالرهن لك بما فيه.

قال مالك فهذا لا يصلح ولا يحل وهذا الذي نهى عنه وإن جاء صاحبه بالذي رهن فيه بعد الأجل فهو له وأرى هذا الشرط منفسخا وعلى نحو هذا فسره الزهري وسفيان الثوري وطاوس وإبراهيم النخعي وشريح القاضي أخبرنا عبدالله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن يحيى بن عمر قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن طاوس قال إذا رهن الرجل الرهن فقال لصاحبه إن لم آتك إلى كذا وكذا فالرهن لك

قال ليس بشيء ولكن يباع فيأخذ حقه ويرد ما فضل وذكر عبدالرزاق عن معمر "عن الزهري" عن ابن المسيب أن رسول الله قال لا يغلق الرهن ممن رهنه قال معمر قلت للزهري أرأيت قوله لا يغلق الرهن أهو الرجل يقول ان لم آتك بمالك فهذا الرهن لك قال نعم قال معمر ثم بلغني عنه أنه قال إن هلك لم يذهب حق هذا إنما هلك من رب "الرهن" له غنمه وعليه غرمه وروى عبدالرزاق وعبدالملك بن الصباح جميعا عن الثوري عن ابن أبي ذئب "عن الزهري" عن ابن المسيب قال قال رسول الله لا يغلق الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه زاد عبد الملك عن الثوري قال إن لم يأته بماله فلا يغلق الرهن.

قال أبو عمر : فعلى هذا تفسير أهل العلم في قوله لا يغلق الرهن أن ذلك إنما قصد به القائم أي لا يستغلقه المرتهن فيأخذه بشرطه المذكور إذ قد أبطلت "ذلك" الشرط السنة وليس ذلك في الرهن يتلف عند المرتهن لأن الذي تلف لا يغلق لأنه قد ذهب وإنما قيل فيما كان باقيا موجودا لا يغلق أي لا يأخذه المرتهن إذا حل الأجل بما له عليه ولا يكون أولى به من صاحبه وروى هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال إذا أقرض الرجل قرضا ورهنه رهنا وقال إن آتيتك بحقك إلى كذا وكذا "وإلا" فهو لك بما فيه فقال ليس هذا بشيء هو رهن على حاله لا يغلق.

قال أبو عمر : اختلف العلماء قديما وحديثا من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين في الرهن يهلك عند المرتهن ويتلف من غير جنايته "منه" ولا تضييع فقال مالك بن أنس والأوزاعي وعثمان البتي إن كان الرهن مما يخفي هلاكه نحو الذهب والفضة والحلي والمتاع والثياب والسيوف ونحو ذلك مما يغاب عليه ويخفى هلاكه فهو مضمون إذا خفي هلاكه ويترادان الفضل فيما بينهما، إن كانت قيمة الرهن "أكثر من الدين ذهب الدين كله، ورجع الراهن على المرتهن بفضل قيمة الرهن، وإن كانت قيمة الرهن" مثل الدين ذهب بما فيه، وإن كانت قيمته أقل من الدين رجع المرتهن على الراهن بباقي دينه إلا أن مالكا وابن القاسم يقولان إن قامت البينة على هلاك ما يغاب عليه فليس بمضمون إلا أن يتعدى فيه المرتهن أو يضيعه فيضمن وقال أشهب كل ما يغاب عليه مضمون على المرتهن خفي هلاكه أو ظهر وهو قول الأوزاعي والبتي.

قال أبو عمر : فإن اختلف الراهن والمرتهن في قيمة الرهن فهو باب غير هذا ولا يجمل بنا ذكر مسائل الرهون كلها لخروجنا بذلك عن تأليفنا وإنما نذكر من المسائل في كتابنا ما كان في معنى الحديث المذكور لا غير وقد جود مالك مذهبه في اختلاف الراهن والمرتهن في قيمة الرهن وفي مقدار الدين جميعا في كتابه الموطأ

وقد ذكرنا ما للعلماء من خلافه وموافقته ووجه قول كل واحد منهم في كتاب الاستذكار والحمد لله. فإن كان الرهن مما يظهر هلاكه نحو الدار والأرضين والحيوان فهو من مال الراهن ومصيبته منه والمرتهن فيه أمين ودين المرتهن "فيه" ثابت على حاله هذا كله قول مالك وعثمان البتي والأوزاعي وروى هذا القول الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وقال ابن أبي ليلى وعبيدالله بن الحسن وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد يترادان الفضل بينهما مثل قول الأوزاعي ومالك والبتي سواء إلا أنه لا فرق عندهم بين ما يظهر هلاكه وبين ما يغاب عليه والرهن مضمون عندهم على كل حال حيوانا كان أو غيره هو عندهم مضمون بنفسه يترادان الفضل فيه إن نقصت قيمته عن الدين أو زادت والقول قول المرتهن في ذلك إن لم تقم بينه ويروى هذا القول أو معناه عن علي بن أبي طالب من حديث قتادة عن خلاس عن علي ويروي أيضا عن ابن عمر من حديث إدريس الأودي عن إبراهيم بن عميرة وهو مجهول عن ابن عمر.

وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي إن كان الرهن مثل الدين أو أكثر منه فهو بما فيه وإن كان أقل من الدين ذهب من الدين بقدره ورجع المرتهن على الراهن بما نقص والرهن عندهم مضمون بقيمة الدين فما دون وما زاد على الدين فهو أمانة وروى مثل هذا القول كله أيضا عن علي بن أبي طالب من حديث عبدالأعلى عن محمد بن الحنفية عن علي وهو أحسن الأسانيد في هذا الباب عن علي وتأويل قوله له غنمه وعليه غرمه عند هؤلاء أبي حنيفة وأصحابه ومن قال بقولهم أنه لا يكون للمرتهن ويكون للراهن وغنمة عندهم ما فضل من الدين وعليه غرمه ما نقص من الدين

وهذا كله عندهم في سلامة الرهن لا في عطبه على ما تقدم ذكرنا له فالرهن عند هؤلاء في الهلاك مضمون بالدين لا بنفسه وقيمته ومن حجتهم أن المرتهن لما كان أحق به من سائر الغرماء عند الفلس علم أنه ليس كالوديعة وأنه مضمون لأنه لو كان أمانة لم يكن "المرتهن" أحق به وقال شريح وعامر الشعبي وغير واحد من الكوفيين يذهب الرهن بما فيه كانت قيمته مثل الدين أو أكثر "منه" أو أقل ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء وهو قول الفقهاء السبعة المدنيين إلا أنهم إنما يجعلونه بما فيه إذا هلك وعميت قيمته ولم تقم بينه على ما فيه وإن قامت بينه على ما فيه ترادا الفضل

وهكذا قال الليث بن سعد مذهبه في هذا ومذهب السبعة سواء قال الليث وبلغني ذلك عن علي بن أبي طالب والحيوان عند الليث لا يضمن إلا أن يتهم المرتهن في دعوى الموت والإباق وقال الليث يكون بالموت ظاهرا معلوما قال فإن أعلم المرتهن الراهن بإباقه أو موته أو أعلم السلطان إن كان صاحبه غائبا حلف وبرىء

وقالت طائفة من أهل الحجاز منهم سعيد بن المسيب والزهري وعمرو بن دينار ومسلم بن خالد والشافعي وهو قول أحمد بن حنبل وأبي ثور وعامة أصحاب الأثر وداود بن علي الرهن كله أمانة قليله وكثيره ما يغاب عليه منه وما يظهر إذا ذهب من غير جناية المرتهن فهو من مال الراهن ولا يضمن إلا بما يضمن به الودائع وسائر الأمانات ودين المرتهن ثابت على حاله قالوا والحيوان في ذلك والعقار والحلي والثياب وغير ذلك سواء

وحجتهم في ذلك حديث سعيد "بن المسيب" عن أبي هريرة قالوا وهو مرفوع صحيح "عن الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه" وقد وصله قوم عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قالوا وهو مرفوع صحيح عن النبي ومراسيل سعيد عندهم صحاح ومعنى قوله له غنمه أي له غلته ورقبته وفائدته كلها وعليه غرمه فكاكه ومصيبته فعلى هذا المعنى هذا القول عندهم غنمه لصاحبه وغرمه عليه قالوا والمرتهن ليس بمعتد في حبسه فيضمن وإنما يضمن من تعدى والأمانة لا تضمن بغير التعدي فهو عند هؤلاء كله أمانة وعند أبي حنيفة وأصحابه ما زاد على قيمته فأمانة

وعند مالك ما لا يغاب عليه أمانة لا تضمن إلا بما تضمن به الأمانات من التعدي والتضييع وكذلك ما يغاب عليه إذا ظهر هلاك لم يجب على المرتهن ضمانه والفرق بين ما يغاب عليه وما لا يغاب عليه في المشهور من مذهب مالك وأصحابه أن ما لا يغاب عليه من الرهون كالحيوان وشبهه والعقار ومثله إذا ادعى المرتهن هلاكه ولم يتبين كذبه قبل قوله وإذا ادعى هلاك ما قد غاب عليه عند نفسه لم يقبل قوله فيه لأنه إنما أخذه وثيقة لنفسه ولم يأخذه وديعة ليحفظه على ربه فلا يقبل قوله في ضياعه إلا ببينة وأمر ظاهر وتلزمه قيمته يقاص بها من دينه والقول قوله مع يمينه في قيمته إن نزل فيها اختلاف بينهما وعميت ويترادان الفضل في ذلك ومعنى قوله له غنمه عند مالك وأصحابه أي له غلته وخراج ظهره وأجرة عمله ومعنى قوله غرمه أي نفقته ليس الفكاك

والمصيبة قالوا لأن الغنم إذا كان الخراج والغلة كان الغرم ما قابل ذلك من النقفة قالوا والأصل أن المرتهن غير مؤتمن ولا متعد فيضمن ما خفي هلاكه من حيث ضمنه المستعير سواء وفي معنى قوله له غنمه وعليه غرمه قوله الرهن مركوب ومحلوب أي أجرة ظهره لربه وكسبه له ولا يجوز أن يكون ذلك للمرتهن لأنه ربا من أجل الدين الذي له ولا يجوز أن يلي الراهن ذلك لأنه يصير غير مقبوض حينئذ والرهن لا بد أن يكون مقبوضا ولو ركبه لخرج من الرهن فقف على هذا كله فهو مذهب مالك وأصحابه وفرق مالك بين الولد وبين الغلة والخراج فجعل ولد الأمة وسخل الماشية رهنا مع الأمهات كما هي في الزكاة تبعا للأمهات وليس كذلك صوفها ولبنها ولا ثمر الأشجار لأنها ليست تبعا لأصولها في الزكاة ولا هي في صورتها "ولا معناها" ولا تقوم مقامها ولها حكم نفسها "لا حكم الأصل" وليس كذلك الولد والسخل والله أعلم بصواب ذلك".

حديث حادي عشر لابن شهاب عن سعيد مرسل يتصل من وجوه[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله نهى عن المزابنة والمحاقلة .

والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر والمحاقلة اشتراء الزرع بالحنطة واستكراء الأرض بالحنطة.

هكذا هذا الحديث مرسل في الموطأ "عند" جميع الرواة وكذلك رواه أصحاب ابن شهاب عنه ورواه أحمد بن أبي طيبة عن مالك "عن الزهري" عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي وجاء فيه من تفسير المزابنة والمحاقلة ما فيه مقنع لمن فهم ولا خلاف علمته في هذا التأويل وهو أحسن تفسير في المزابنة والمحاقلة وأعمه وقد مضى في كتابنا هذا من تفسير المزابنة ههنا وقد تقدم في باب ربيعة منا القول في كراء الأرض مستوعبا والحمد لله وقد روى النهي عن المزابنة والمحاقلة عن النبي جماعة من الصحابة منهم جابر وابن عمر وأبو هريرة ورافع بن خديج وكل هؤلاء سمع منه سعيد بن المسيب والله أعلم؟

وقد يكون العالم إذا اجتمع له جماعة عن النبي أو غيره في حديث واحد يرسله إلى المعزي إليه الحديث ويستثقل أن يسنده أحيانا عن الجماعة الكثيرة ألا ترى إلى ما ذكرنا في صدر هذا الديوان عن إبراهيم النخعي أنه قيل له مرة تقول قال عبدالله بن مسعود ومرة تسمى من حدثك عنه فقال إذا أسندت لك الحديث عنه فقد حدثني من سميت لك عنه وأن لم أسم لك أحدا فاعلم أنه حدثنيه جماعة هذا أو معناه كلام إبراهيم

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو الأحوص عن طارق عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال نهى رسول الله عن المحاقلة والمزابنة وقال إنما يزرع ثلاثة رجل له أرض فهو يزرعها ورجل منح أرضا فهو يزرع ما منح ورجل استكرى أرضا بذهب أو فضة

أخبرنا أحمد بن عبدالله قال أنبأنا الميمون بن حمزة حدثنا الطحاوي حدثنا المزني حدثنا الشافعي أنبأنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء ما المحاقلة قال المحاقلة في الزرع كهيئة المزابنة في النخل سواء بيع الزرع بالقمح قال ابن جريج فقلت لعطاء فسر لكم جابر في المحاقلة كما أخبرتني قال نعم وقد مضى ما للعلماء من المذاهب في المحاقلة والمزابنة في باب داود بن الحصين والحمد لله والقضاء فيما وقع من المزابنة والمحاقلة أنه إن أدرك ذلك فسخ وإن قبض وفات رجع صاحب المكيلة على صاحب النخل والزرع بمثل صفة ما قبض منه في كيله ورجع صاحب النخل والزرع بقيمة ثمرة أو قيمة زرعه على صاحب المكيلة يوم قبضه بالغا ما بلغت.

حديث ثاني عشر لابن شهاب عن سعيد مرسل[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله قال ليهود خيبر : "أقركم ما أقركم الله على أن الثمر بيننا وبينكم" قال فكان رسول الله يبعث عبدالله بن رواحة فيخرص بينه وبينهم ثم يقول إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي فكانوا يأخذونه.

هكذا روى هذا الحديث بهذا الإسناد "عن مالك" عن ابن شهاب عن سعيد جماعة رواة الموطأ وكذلك رواه أكثر أصحاب الزهري وقد وصله منهم صالح بن أبي الأخضر عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله لما افتتح خيبر دعا اليهود فقال نعطيكم الثمر على أن تعملوها أقركم ما أقركم الله وكان رسول الله يبعث عبدالله بن رواحة فيخرصها عليهم ثم يخيرهم أيأخذون بخرصه أم يتركون.

وقال معمر عن الزهري في هذا الحديث خمس رسول الله خيبر ولم يكن له ولا لأصحابه عمال يعملونها ويزرعونها فدعا يهود خيبر وكانوا أخرجوا منها فدفع إليهم خيبر على أن يعملوها على النصف يؤدونه إلى النبي عليه السلام وأصحابه وقال لهم أقركم على ذلك ما أقركم الله فكان يبعث إليهم عبدالله بن رواحة فيخرص النخل حين يطيب ثم يخير يهود خيبر يأخذونها بذلك الخرص أم يدفعونها بذلك الخرص.

قال : وإنما أمر رسول الله بذلك لكي يحصى الزكاة قبل أن يؤكل التمر ويفرق فكانوا كذلك وذكر تمام الخبر.

قال أبو عمر : أجمع العلماء من أهل الفقه والأثر وجماعة أهل السير على أن خيبر كان بعضها عنوة وبعضها صلحا وأن رسول الله قسمها فما كان منها صلحا أو أخذ بغير قتال كالذي جلا عنه أهله عمل في ذلك كله بسنة الفيء وما كان منها عنوة عمل فيه بسنة الغنائم إلا أن ما فتح الله عليه منها عنوة قسمه بين أهل الحديبية وبين من شهد الوقعة

وقد رويت في فتح خيبر آثار كثيرة ظاهرها مختلف وليس باختلاف عند العلماء على ما ذكرت لك إلا أن فقهاء الأمصار اختلفوا في القياس على خيبر سائر الأرضين المفتتحة عنوة فمنهم من جعل خيبر أصلا في قسمة الأرضين ومنهم من أبى من ذلك وذهب إلى إيقافها وجعلها قياسا على ما فعل عمر بسواد الكوفة وسنبين ذلك كله في هذا الباب إن شاء الله فأما الآثار عن أهل العلم والسير بأن بعض خيبر كان عنوة

وبعضها بغير قتال فمن ذلك ما روى ابن وهب عن مالك عن ابن شهاب أن خيبر كان بعضها عنوة وبعضها صلحا قال فالكتيبة أكثرها عنوة وفيها صلح قلت لمالك وما الكتيبة قال من أرض خيبر وهي أربعون ألف عذق قال مالك وكتب أمير المؤمنين يعني المهدي أن تقسم الكتيبة مع صدقات النبي فهم يقسمونها في الأغنياء والفقراء فقيل لمالك أفترى ذلك للأغنياء قال لا ولكن أرى أن يفرقوها على الفقراء قال إسماعيل بن إسحاق وكانت خيبر جماعة حصون فافتتح بعضها بقتال وبعضها سلمه أهله على أن نحقن دماءهم وقال موسى بن عقبة كان من أفاء الله على رسوله من خيبر نصفها كان النصف لله ورسوله

والنصف الآخر للمسلمين فكان الذي لله ولرسوله النصف وهي الكتيبة والوطيح وسلالم ووخدة وكان الباقي للمسلمين نطاة والشوق قال موسى بن عقبة ولم يقسم من خيبر شيء إلا لمن شهد الحديبية قال ابن عقبة وقد ذكروا والله أعلم أنه قدم على رسول الله ناس كثير بخيبر فرأى أن لا يخيب مسيرهم وسأل أصحابه أن يشركوهم قال ولما قدم رسول الله من الحديبية مكث عشرين ليلة أو قريبا منها ثم خرج غازيا إلى خيبر وكان الله وعده إياها وهو بالحديبية وقال ابن إسحاق كانت قسمته خيبر "لأهل الحديبية مع من شهدها من المسلمين ممن حضر خيبر أو غاب عنها من أهل الحديبية" وذلك أن الله أعطاهم إياها في سفره ذلك قال ابن إسحاق وحدثني نافع مولى ابن عمر أن عمر قال أيها الناس أن رسول الله عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا

فمن كان له مال فليلحق به فإنى مخرج يهود فأخرجهم وروى ابن وهب عن أسامة بن زيد الليثي عن نافع عن ابن عمر قال لما افتتحت خيبر سألت يهود رسول الله أن يقرهم على أن يعملوا على النصف مما يخرج منها فقال رسول الله أقركم فيها ما شئنا فكانوا على ذلك وكان التمر يقسم على السهام من نصف خيبر يريد والله أعلم ما افتتح عنوة منها بالغلبة والقتال قسم على السهام كما يقسم السبي وما كان فيئا كان له ولأهله ولنوائب المسلمين وعلى هذا تأتلف معاني الآثار في ذلك عند أهل العلم

حدثنا عبدالله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا يعقوب بن إبراهيم وزياد بن أيوب أن إسماعيل بن إبراهيم حدثهم عن عبدالعزيز بن صهيب عن أنس أن رسول الله غزا خيبر فأصبناها عنوة "مجمع السبي" وليس هذا بخلاف لما ذكرنا

ألا ترى إلى ما ذكر ابن إسحاق عن الزهري وعبدالله بن أبي بكر أن حصونا من خيبر لما رأى أهلها ما افتتح عنوة منها تحصنوا وسألوا رسول الله أن يحقن دماءهم ويسيرهم ففعل فسمع بذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك فكانت لرسول الله "خاصة" لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وخرج عنها أهلها للرعب فهذا قول ابن شهاب وهو القائل فيما حكاه عنه يونس ومعمر قال خمس رسول الله خيبر ثم قسم سائرها على من شهدها ومن غاب عنها من أهل الحديبية

ومعلوم أنه لا يخمس ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ولا يجعل نصفها لنوائبه ونصفها للمسلمين على ما قال بشير بن يسار "وغيره" وهي عنوة فهذا كله يدل على أن ما كان منها مأخوذا بالغلبة قسم على أهل الحديبية ومن شهدها وخمس وما كان منها مما انجلى عنه أهله وأسلموه بلا قتال حكم فيه رسول الله بحكم الفيء واستخلص منه لنفسه كما فعل بفدك فقف على هذا وتدبر الآثار تجدها على ذلك إن شاء الله

وحدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا أحمد بن دحيم قال حدثنا إبراهيم بن حماد قال حدثني عمي إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة قال كانت خيبر لأهل الحديبة خاصة قال وحدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن النبي قسم خيبر على ستة وثلاثين سهما فجعل لنفسه النصف ثمانية عشر سهما وللناس النصف.

قال أبو عمر : روى هذا الحديث الثوري عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال قسم رسول الله خيبر نصفين نصفا لنوائبه وحاجته ونصفا بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما قال إسماعيل وحدثنا إبراهيم بن حمزة قال حدثنا حاتم "بن" إسماعيل عن أسامة بن يزيد عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثنان قال قال عمر بن الخطاب كان لرسول الله ثلاث صفايا بني النضير وخيبر وفدك قال إسماعيل يعني خيبر ما كان بغير قتال فجرى مجرى بني النضير قال وكذلك فدك إنما صالح أهلها حين بلغهم ما كان من أمر خيبر فصالحوا رسول الله حتى حقن دماءهم قال ولم تختلف الرواية في أن خيبر قسمت على أهل الحديبية من حضر خيبر ومن لم يحضر وإنما اختلفت الرواية فيمن حضر "فتح" خيبر ولم يحضر الحديبية فقال بعضهم قد أدخلوا في قسمتها وقال بعضهم لم يدخلوا في ذلك قال إسماعيل فإذا كان أمر خيبر على هذه الصفة وعلى هذا الخصوص الذي وقع فيها فكيف يجوز أن يجعل أصلا يقاس عليه ما افتتح بعدها من السواد وغيره

قال ويجب على من قاس أمر السواد وغيره على أمر خيبر أن يقسم السواد على من حضر الوقعة وعلى من لم يحضرها قسمت خيبر على من حضر الوقعة وعلى من لم يحضرها من أهل الحديبية وهذا الموضع الذي ذكرت أنه لم تختلف الرواية فيه قال وكيف يجوز أن يترك ظاهر ما أنزل الله على رسوله فيما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ويحتج في ذلك بأمر خيبر الذي هذه صفته.

قال أبو عمر : وزعم أبو جعفر الطحاوي أن خيبر لم تقسم في عهد رسول الله وإنما قسمت في زمن عمر "بن الخطاب" قال وأما ما كان على ذلك من رسول الله فيها فإنما هو قسمة جمع لأنه جعل كل مائة سهم كسهم واحد ثم جزأ غلاتها على ذلك ولم يقسم الأرض أخبرنا بذلك أحمد بن عبدالله قال حدثنا الميمون بن حمزة قال سمعت الطحاوي فذكره.

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا ابن فضيل عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن رجال من أصحاب رسول الله أدركهم أن رسول الله لما ظهر على خيبر وصارت خيبر لرسول الله وللمسلمين ضعفوا عنها فدفعها رسول الله إلى اليهود على أن له النصف ولهم النصف فجعلها رسول الله نصفين فكان في ذلك النصف سهام المسلمين وسهم النبي معها وجعل النصف الآخر لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس

أخبرنا عبدالله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن مسكين اليمامي قال حدثنا يحيى بن حسان حدثنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن رسول الله لما أفاء الله عليه خيبر قسمها ستة وثلاثين سهما جمع للمسلمين الشطر ثمانية عشر سهما جمع كل سهم مائة سهم والنبي معهم كسهم أحدهم وعزل رسول الله ثمانية عشر سهما وهو الشطر لنوائبه وما ينزل من أمر الناس فكان ذلك الوطيح والكتيبة والسلالم وتوابعها فلما صارت الأموال بيد النبي لم يكن لهم عمال يكفونهم عملها فدعا رسول الله اليهود فعاملهم.

وهذا الحديث أهذب ما روي في هذا الباب "معنى وأحسنه إسنادا وهو يوضح ما ذكرنا وبالله توفيقنا وقد روى [بن] هذا الحديث عن بشير عن سهل بن أبي حثمة رواه وكيع عن الثوري عن يحيى بن سعيد عن بشير عن سهل مختصرا" وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم "ابن أصبغ" قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قال حدثني عبدالله بن أبي بكر عن عبدالله بن مكتف أحد بني حارثة قال لما أخرج عمر يهود خيبر ركب في المهاجرين والأنصار وخرج معه بجبار بن صخر بن أمية بن كعب و كان خارص المدينة وحاسبهم وزيد بن ثابت فهما قسما خيبر على أهلها على أصل جماعة السهمان التي كانت عليها.

وقال إسماعيل وأما قول أبي عبيد أنه يجوز للإمام أن يقسم ما افتتح عنوة كما قسمت خيبر ويجوز أن لا يقسم ذلك ويفعل كما فعل عمر في أرض السواد فهو كلام من لا يحصل ما يقول لأن الذي يحصل كلامه لا يقول في رجل ملكه الله شيئا إن للإمام إن شاء أعطاه وإن شاء منعه هذا ما لا يجوزعند ذي نظر ولا فهم.

قال أبو عمر : أراد إسماعيل بقوله هذا أن الأرض ليس للغانمين فيها شيء لأنه لو كان لهم فيها شيء ما أعطى "رسول الله " ذلك الشيء أو بعضه لغيرهم ولما منعوه والذي ذهب إليه إسماعيل تخصيص آية الأنفال في قوله {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية وإن هذا لفظ عموم بقوله "من شيء" يريد به الخصوص والمراد بذلك عنده الذهب والفضة وسائر الأمتعة "والسعي" وأما الأرض فغير داخلة في عموم هذا اللفظ واستدل على ما ذهب إليه من ذلك بأشياء منها ظاهر قوله عز وجل {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} الآية إلى قوله {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} إلى قوله {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} الآية

ومنها فعل عمر بن الخطاب في توقيفه أرض السواد ومنها أن الغنائم التي أحلت للمسلمين هي التي كانت محرمة على الأمم قبلهم وهي التي كانت النار تأكلها قال ولم تختلف الرواية في أن هارون عليه السلام أمر بني إسرائيل أن يحرقوا ما كان بأيديهم من متاع فرعون فجمعوه وأحرقوه وألقى السامري "فيه" القبضة التي كانت بيده من أثر "الرسول" يقال من أثر جبريل فصارت عجلا له خوار ومعلوم أن الأرض لم تجر هذا المجرى لأن الله عز وجل يقول {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} الآية وقال {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ}

وهذا الذي ذهب إليه إسماعيل واحتج له وهو مذهب مالك وأصحابه وهو الصحيح في هذا الباب إن شاء الله لأن عمر بن الخطاب لم يقسم أرض السواد ومصر والشام وجعلها مادة للمسلمين ولمن يجيء بعد الغانمين واحتج بالآية التي في سورة الحشر التي احتج بها إسماعيل ولا أعلم أحدا من الصحابة روي عنه بعد عمر إنكار لفعل عمر حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو علي محمد بن القاسم بن معروف قال حدثنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا أحمد بن سنان حدثنا عبدالرحمن بن مهدي حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال لولا آخر الناس ما افتتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله خيبر.

حدثنا عبدالله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبدالرحمن بن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا وقسمتها كما قسم رسول الله خيبر وكذلك رواه عبدالله بن إدريس عن مالك عن زيد عن أبيه عن عمر كما رواه ابن مهدي وغيرهما يرسله عن مالك عن زيد عن عمر

ومما يصحح هذا المذهب أيضا ما رواه أبو هريرة عن النبي أنه قال منعت العراق قفيزها ودرهمها الحديث بمعنى ستمنع فدل ذلك على أنها لا تكون للغانمين لأن ما ملكه الغانمون لا يكون فيه قفيز ولا درهم ولو كانت الأرض تقسم كما تقسم الأموال ما بقي لمن جاء بعد الغانمين شيء والله تعالى يقول {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} وذلك دليل على أن الأرض لا تقسم وإنما يقسم ما ينقل من موضع إلى موضع

قال إسماعيل حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم كانت تنزل نار من السماء فتأكلها وذكر تمام الخبر.

حدثنا عبد الوارث وسعيد قالا حدثنا قاسم حدثنا محمد حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم كانت تنزل نار من السماء فتأكلها .

أخبرنا عبدالله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير يعني ابن معاوية قال أخبرني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة "قال" قال رسول الله منعت العراق قفيزها ودرهمها ومنعت الشام مديها و دينارها ومنعت مصر أردبها ودينارها ثم عدتم من حيث بدأتم شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه

قال أبو جعفر الطحاوي منعت بمعنى ستمنع واحتج بهذا الحديث لمذهب عمر في إيقاف الأرض وضرب الخراج عليها على مذهب الكوفيين وكان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه يذهبون إلى أن الإمام بالخيار إن شاء قسمها وأهلها بين الغانمين وإن شاء أقر أهلها عليها وجعل عليها وعليهم الخراج وتكون الأرض ملكا لهم يجوز بيعهم لها وشراؤهم وقال الشافعي ما كان عنوة فخمسها لأهلها وأربعة أخماسها للغانمين فمن طاب نفسا عن حقه جاز لإمامه أن يجعلها وقفا على المسلمين ومن لم تطب نفسه بذلك فهو أحق بماله وكان الشافعي يذهب إلى أن الأرض العنوة غير مملوكة ولا يجوز بيعها ولا رهنها وهو قول ابن شبرمة وعبيد الله "في جملة بيعها ولا رهنها وهو قول ابن شبرمة وعبيد الله بن الحسن وقول مالك بن أنس أيضا "في جملة أرض العنوة" على ما ذكرنا من أقوالهم في قسمتها أو توقيفها فإذا قسمت ملك كل نصيبه في قول من أجاز قسمتها

فإن وقفت على الوجوه التي ذكرنا عن طيب نفس من الغانمين أو على مذهب عمر في قول مالك وغيره فهي غير مملوكة وذهب أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى إلى أنها مملوكة لأهلها الذين أقرت في أيديهم على ما ذكرنا عنهم وأجاز مالك بيع أرض الصلح ورهنها وجعلها ملكا لأهلها الذين صالحوا عليها قال ومن أسلم منهم كان أحق بأرضه وماله قال ومن أسلم من أهل العنوة أحرز نفسه وصارت أرضه للمسلمين لأن بلادهم صارت فيئا للمسلمين وحكم الأرض عندهم حكم الفيء

وقال الشافعي كل ما حصل من الغنائم من أهل دار الحرب من شيء قل أو كثر من دار أو أرض أو متاع أو غير ذلك قسم إلا الرجال البالغون فإن الإمام فيهم مخير بين أن يمن أويقتل أو يفادي أو يسبي وسبيل ما سبى منهم أو أخذ من شيء على إطلاقهم سبيل الغنيمة ومن الحجة لمن قال تقسم الأرض كما تقسم سائر الغنائم عموم قول الله عز وجل {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية

والأرض مغنومة لا محالة كسائر الغنيمة فوجب أن تقسم كما تقسم الغنائم كلها وقد قسم رسول الله ما افتتح عنوة من خيبر على قسمة الغنائم الأربعة أخماس لأهل الحديبية وهم الذين وعدهم الله بها وشهدوا فتحها قالوا وهذا أمر يستغنى فيه عن نقل الإسناد لشهرته عند جميع أهل السير والأثر ولم يستثن الله عز وجل أرضا من غيرها من الغنائم ولو جاز أن يدعى الخصوص في الأرض جاز أن يدعى في غير الأرض

فيبطل "حكم" الآية قالوا ولا معنى لما احتج به مخالفنا من آية سورة الحشر لأن ذلك إنما هو في الفيء لا في الغنيمة وجملة الفيء ما رجع إلى المسلمين من المشركين بلا قتال مثل من يترك بلاده ويخرج عنها لما لحقه من الرعب الذي به نصر رسول الله "قال " نصرت بالرعب مسيرة شهر ومثل ما صالح عليه أهل الكفر وما يؤخذ منهم من الجزية وما تأتي به الريح من مراكب العدو بغير أمان أويموت منهم ميت في بلاد المسلمين لا وارث له فكل هذا وما كان مثله مما يفيء الله على المسلمين بغير قتال ولا مؤونة حرب فهو الفيء الذي قصد بالآية التي في سورة الحشر فقسم على ما ذكر فيها نحو قسم خمس الغنيمة ولم يقصد بذلك إلى الأرض المغنومة قالوا ولا دليل في الآية على ما ذهب إليه مخالفنا لأن قوله عز وجل {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ}

إنما هو استئناف كلام للدعاء لهم بدعائهم لمن سبقهم بالإيمان لا لغير ذلك قالوا وليس يخلو فعل عمر رضي الله عنه في توقيفه الأرض من أحد وجهين "إما" أن تكون غنيمة استطاب أنفس أهلها فطابت بذلك فوقفها وكذلك روى جرير أن عمر استطاب نفوس أهلها وكذلك صنع رسول الله في سبي هوازن استطاب أنفس الغانمين عما كان بأيديهم على ما نقله ثقات العلماء "وإما أن يكون ما وقفه عمر فيئا فلم يحتج في ذلك إلى مراضاة أحد"

قال أبو عمر : القول في هذه المسألة طويل بين العلماء المختلفين فيها وفيما ذكرنا منها كفاية لمن فهم فهذا ما أوجبه العلم من القول في فتح خيبر وما جرى مجراها من أرض الغنائم حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر أنه قال أفاء الله على رسوله خيبر فأقرهم رسول الله كما كانوا وجعلها بينهم وبينه وبعث عبدالله بن رواحة فخرصها عليهم

حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا عبيد بن عبدالواحد بن شريك قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قال حدثني نافع عن ابن عمر قال خرجت أنا والزبير والمقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبر نتعهدها فلما قدمنا تفرقنا في أموالنا قال فعدي على تحت الليل وأنا نائم ففدعت يداي من مرفقي فلما أصبحت استصرخ على صاحباي فأتياني فسألاني من صنع هذا بك فقلت لا أدري قال فأصلحا من يدي "ثم قدما بي على عمر فقال هذا عمل يهود" ثم قام في الناس خطيبا فقال أيها الناس إن رسول الله كان عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا

وقد عدوا على عبدالله بن عمر ففدعوا يديه كما قد بلغكم مع عدوتهم على الأنصار قبله لا نشك أنهم أصحابه ليس لنا عدو غيرهم فمن كان "له" مال "بخيبر" فليلحق به فإني مخرج يهود فأخرجهم وروى الحجاج بن أرطاة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله دفع خيبر إلى أهلها بالشطر فلم يزل معهم حياة رسول الله كلها وحياة أبي بكر كلها حتى بعثني إليهم عمر لأقاسمهم فسحروني فتكوعت يداي فانتزعها عمر منهم وأما قوله في هذا الحديث أقركم ما أقركم الله فالمعنى في ذلك والله أعلم أنه كان يكره أن يكون بأرض العرب غير المسلمين وكان يحب أن لا يكون فيها دينان كنحو محبته في استقبال الكعبة حتى نزلت { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} الآية

وكان لا يتقدم في شيء إلا بوحي وكان يرجو أن يحقق الله رغبته ومحبته فذكر لليهود ما ذكر منتظرا للقضاء فيهم بإخراجهم عن أرض العرب فلم يوح إليه في ذلك شيء إلى أن حضرته الوفاة فأتاه في ذلك ما أتاه فذكر أن لا يبقى دينان بأرض العرب وأوصى بذلك وقد ذكر معمر عن ابن شهاب في هذا الحديث ما يدل على "نحو" ما قلنا

ذكر عبدالرزاق قال حدثنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن النبي دفع خيبر إلى اليهود على أن يعملوا فيها ولهم شطرها قال فمضى على ذلك رسول الله وأبو بكر وصدرا من خلافة عمر ثم أخبر عمر أن النبي قال في وجعه الذي مات فيه لا يجتمع دينان بأرض الحجاز أو قال بأرض العرب ففحص عنه حتى وجد "عليه" الثبت فقال من كان عنده عهد من رسول الله فليأت به وإلا فإني مجليكم فأجلاهم عمر قال عبدالرزاق وأنبأنا ابن جريج قال أنبأنا موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن عمر أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز وكان رسول الله لما ظهر على خيبر أراد أن يخرج اليهود منها وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين وأراد إخراج اليهود منها فسألت اليهود رسول الله أن يقرهم بها على أن يكفوه عملها ولهم نصف الثمر فقال رسول الله نقركم على ذلك ما شئنا فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحا

قال عبدالرزاق وأخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمع عمر بن الخطاب رجلا من اليهود يقول قال لي رسول الله كأني "بك" وقد وضعت كورك على بعيرك ثم سرت ليلة بعد ليلة فقال عمر إنه والله لا تمسون بها فقال اليهودي ما رأيت كلمة كانت أشد على من قالها ولا أهون على من قيلت له "منها"

قال أبو عمر : ليس في قوله في هذا الحديث أقركم ما أقركم الله دليل على جواز المساقاة إلى غير أجل معلوم ومدة غير معينة لأن السنة قد أحكمت معاني الإجارات وسائر المعاملات من الشركة والقسمة وأنواع أبواب الربا والعلة بينه في قصة اليهود وذلك انتظار حكم الله فيهم فدل على خصوصهم في هذا الموضع لأنه موضع خصوص لا سبيل إلى أن يشركهم فيه غيرهم والذي عليه العلماء بالمدينة أن المساقاة لا تجوز إلا إلى أجل معلوم وسنين معدودة إلا أنهم يكرهونها فيما طال من السنين مثل العشر فما فوقها وقد قيل إن رسول الله " إنما" قال أقركم ما أقركم الله وكان يخرص عليهم لأن الله كان قد أفاءها عليه بغير قتال أو بعضها على ما تقدم وصفنا له وكان أهلها له ولمن استحق شيئا منها كالعبيد لأنه سباهم ومن عليهم"

وجائز بين السيد وعبده ما لا يجوز بينه وبين غيره لأن ماله له وله انتزاعه منه ألا ترى أنه ليس بين العبد وسيده ربا وإن كره ذلك لهما عندنا وأما الخرص في المساقاة فإن ذلك غير جائز عند أكثر العلماء في القسمة والبيوع "إلا أن أصحابنا يجيزون ذلك عند اختلاف أغراض الشركاء ولهم في ذلك ما نورده بعد عنهم في هذا الباب إن شاء الله وأكثر العلماء يجيزون الخرص للزكاة" وإنما يجوز "ذلك" عندهم في الزكاة لأن المساكين ليسوا شركاء معينين وإنماالزكاة كالمعروف وأهلها فيها أمناء وأما قسمة الثمار في رؤوس الأشجار "في المساقاة أو غيرها" فلا يصلح عند أكثر العلماء إلا أن لأصحابنا في إجازة قسمة ذلك اختلافا سنذكره عنهم وعمن سلك سبيلهم في ذلك بعد في هذا الباب إن شاء الله تعالى وإنما لم يجز أكثر العلماء القسمة في ذلك إلا كيلا فيما يكال أو وزنا فيما يوزن لنهى رسول الله عن المزابنة وعن بيع التمر بالتمر إلا مثلا بمثل "وأما حكاية قول أصحابنا في ذلك"

فكان ابن القاسم يقول ويرويه عن مالك لا يجوز من قسمة الثمار في رؤوس النخل إذا اختلفت حاجة الشريكين إلا التمر والعنب فقط وأما الخوخ والرمان والسفرجل والقثاء والبطيخ وما أشبه ذلك من الفواكه التي يجوز فيها التفاضل يدا بيد فإنه لم يجز مالك اقتسامه على التحري وكان يقول المخاطرة تدخله حتى يبين فضل أحد النصيبين على صاحبه حكى ذلك ابن حبيب عن ابن القاسم قال ابن حبيب وقال مطرف وابن الماجشون وأشهب ولا بأس باقتسامه إذا تحرى وعدل أو كان على التجاوز والرضى بالتفاضل قال وهو قول أصبغ وبه أقول لأن ما جاز فيه التفاضل جازت قسمته بالتحري

وذكر سحنون عن ابن القاسم عن مالك أنه سأله غير مرة عن قسمة الفواكه بالخرص فأبى أن يرخص في ذلك قال وذلك أن بعض أصحابنا ذكر أنه سأل مالكا عن قسمة الفواكه بالخرص فأرخص فيه فسألته عن ذلك فأبى أن يرخص "لي" فيه قال أشهب سألت مالكا مرات عن ثمرة النخل وغيرها من الثمار تقسم بالخرص فكل ذلك يقول لي إذا طابت الثمرة من النخل وغيرها قسمت بالخرص واختار هذه الرواية يحيى بن عمر قياسا عن جواز بيع العرايا في غير النخل والعنب كما يجوز في النخل والعنب ويجوز بيع ذلك كله بخرصه إلى الجذاذ قال يحيى بن عمر أشهب لا يشترط في الثمار إلا طيبها ثم يقسمها بين أربابها بالخرص ولا يلتفت إلى اختلاف حاجاتهم ورواه عن مالك "قال" وابن القاسم يقول لا يجوز أن يقسم بينهم بالخرص إلا أن يختلف غرض كل واحد منهم فيريد أحدهم أن يبيع والآخر أن ييبس ويدخر والآخر أن يأكل فحينئذ يجوز لهم قسمتها بالخرص إذا وجد من أهل المعرفة من يعرف الخرص وإن لم تختلف حاجاتهم لم يجز ذلك لهم وإن اتفقوا على أن يبيعوا أو على أن يأكلوا رطبا أو تمرا أو على أن يجذوها تمرا لم يقسموها ولا بالخرص "وقال سائر أهل العلم لا تجوز القسمة في شيء من ذلك كله إلا على أصله مع اختلافهم في ذلك أيضا" "

وأما الشافعي فتحصيل مذهبه أن الشركاء في النخل والشجر المثمر إذا اقتسمت الأصول بما فيها من الثمرة جاز لأن الثمرة تبع للأصول وكان كل واحد منهم قد باع حصته من عراجين النخل وأغصان الشجر بحصة شريكه في الثمر وكذلك الأرض إذا قسمت عنده مزروعة كان الزرع تبعا للأرض في القسمة والقسمة عنده مخالفة البيوع قال لأنها تجوز بالقرعة والبيع لو وقع على شرط لم يجز أيضا فإن الشريك يجبر على القسم ولا يجبر على البيع وأيضا فإن التحابي في قسمة الثمرة وغيرها جائز وذلك معروف وتطوع ولا يجوز ذلك في البيع ولا يجوز عند الشافعي قسمة الثمرة قبل طيبها بالخرص على حال ويجوز عنده قسمتها مع الأصول على ما ذكرنا وقد قال في كتاب الصرف يجوز قسمتها بالخرص إذا طابت وحل بيعها والأول أشهر في مذهبه عند أصحابه"

وقد قيل إن خرص رسول الله على اليهود كان من أجل الزكاة الواجبة في تلك الثمرة لا لغير ذلك والله أعلم "فكان يبعث من يخرص الثمار على أربابها توسعة عليهم ورفقا بهم لأنهم لو منعوا من أجل سهم المساكين من أكلها رطبا ومن التصرف فيها بالصلة والصدقة والأكل لأضر بهم ذلك وكانت عليهم فيه مشقة كبيرة ولو تركوا والتصرف فيها بالأكل وغيره لأضر ذلك بالمساكين وأتلف كثير مما تجب فيه الزكاة ولهذا ما كان "من" توجيه رسول الله للخارص وإرساله إياه لذلك والله أعلم والأصل أن أرباب الأموال أمناء والخرص لا يخرجهم عن ذلك لأنهم لم يخرص عليهم إلا رفقا بهم وإحسانا إليهم على حسب ما ذكرنا من إطلاقهم للتصرف في ثمارهم وحفظ ما يجب للمساكين فيها من حين طيبها فإن تبين لرب المال بعد الخرص زيادة على ما خرص الخارص أداها لأن الخرص حكم على الظاهر والاجتهاد

فإذا جاءت الحقيقة بخلاف ذلك رجع إليها وفي هذا اختلاف بين السلف والخلف والصواب ما ذكرت والله أعلم" ذكر عبدالرزاق أخبرنا ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يقول خرص ابن رواحة أربعين ألف وسق وزعم أن اليهود لما خيرهم أخذوا الثمر وأدوا عشرين ألف وسق؟ قال ابن جريج قلت لعطاء فحق على الخارص إذا استكثر رب المال الخرص أن يخيره كما خير ابن رواحة اليهود قال أي لعمري وأي سنة خير من سنة رسول الله قال وقلت لعطاء متى يخرص النخل قال حين تطعم قال وأخبرنا ابن جريج عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت وهي تذكر شأن خيبر كان النبي يبعث عبدالله بن رواحة إلى اليهود فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه "ثم يخبر يهود أن يأخذوها بذلك الخرص أو يدفعوها إليه بذلك وإنما كان أمر النبي عليه السلام بالخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق".

واختلف الفقهاء في الخرص على صاحب النخل والعنب للزكاة بعد إجماعهم على أن الخرص لا يكون في غير النخل والعنب لحديث عتاب بن أسيد حدثناه خلف بن القاسم قال حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا خالد بن النضر بالبصرة قال حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا يزيد بن زريع وبشر بن المفضل قالا حدثنا عبدالرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن رسول الله بعث عتاب بن أسيد وأمره أن يخرص العنب وتؤدي زكاته زبيبا كما تؤدي زكاة النخل تمرا فتلك سنة رسول الله في النخل والعنب

وقال بشر بن منصور عن عبدالرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد قال أمرني رسول الله فذكره واستدل بعضهم على أن الزيتون لا زكاة فيه لأنه مما اجتمع على أنه لا يخرص ولو كانت فيه الزكاة لخرص لأن ثمرته بادية وما عدا النخل والعنب مما اجتمع على زكاته فثمرته ليست ببادية وقد أجاز بعض المتأخرين الخرص في الزيتون ودفع الإجماع فيما ذكرنا

ورواه عن الزهري والأوزاعي وممن أجاز الخرص في النخل والعنب للزكاة مالك والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي ومحمد بن الحسن قال الطحاوي وقال في الإملاء أنه قول أبي حنيفة وقال داود بن علي الخرص للزكاة جائز في النخل وغيره جائز في العنب ودفع حديث عتاب بن أسيد وكره الثوري الخرص ولم يجزه بحال وقال الخرص غير مستعمل قال وإنما على رب الحائط أن يودي عشر ما يصير في يده للمساكين إذا بلغ خمسة أوسق "وروى الثوري وغيره عن الشيباني عن الشعبي قال الخرص اليوم بدعة.

قال أبو عمر : كأنه يرى أنه منسوخ بالنهي عن المزابنة والله أعلم هذا على أن الثوري مع قوله إنما على رب الحائط أن يؤدي عشر ما يصير في يده للمساكين إذا بلغ خمسة أوسق" يقول أن صاحب الثمرة والأرض يحسب عليه ما أكله وهو قول أبي حنيفة وزفر ومالك وأصحابه وقال أبو يوسف إذا أكل صاحب الأرض وأطعم جاره وصديقه أخذ منه عشر ما بقي إذا بلغ خرصه ما فيه الزكاة وإن أكل الجميع لم يكن عليه شيء فإن بقي منها قليل أو كثير فعليه عشره أو نصف عشره

وقال مالك لا يترك الخراص لأرباب الثمار شيئا لمكان ما يأكلون ولا يترك لهم من الخرص شيء ذكره ابن القاسم "وغيره عنه"

وقال الليث في زكاة الحبوب يبدأ بها قبل النفقة وما أكل من فريك هو وأهله فإنه لا يحسب عليه بمنزلة الرطب الذي يترك لأهل الحوائط يأكلون ولا يخرص عليهم وقول الشافعي في ذلك "كله" كقول الليث سواء في خرص الثمار والترك لأهلها ما يأكلون رطبا ولا يحسب عليهم والحجة لمن ذهب هذا المذهب ظاهر قوله عز وجل {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}

وهذا يوجب مراعاة وقت "الحصاد والجذاذ لا ما قبله وما رواه شعبة قال أخبرني حبيب بن عبدالرحمن قال سمعت عبدالرحمن بن مسعود بن دينار يقول جاء سهل بن أبي حثمة إلى مسجدنا فحدث أن رسول الله قال إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع رواه عن شعبة جماعة من أصحابه وذكره أبو داود وغيره وهذا الحديث حجة على من أنكر الخرص للزكاة ومثل حديث أبي حميد الساعدي في خرص رسول الله وأصحابه على المرأة للزكاة خرصوا عليها عام تبوك في حديقتها عشرة أوسق فقد ذكرنا الخبر في غير هذا الموضع وروى ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله قال خففوا في الخرص فإن في المال العرية والواطية والأكلة والوصية والعامل والنوائب وروى سفيان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار قال كان عمر بن الخطاب يأمر الخراص أن يخرصوا ويرفعوا عنهم قدر ما يأكلون وقال الحسن كان المسلمون يخرص عليهم ثم يوخذ منهم على ذلك الخرص والآثار عن السلف في الخرص كثيرة جدا واختلف الفقهاء في المساقاة أيضا فممن أجازها من فقهاء الأمصار مالك والشافعي وأصحابهما وجماعة أهل الحديث والثوري والأوزاعي والليث بن سعد والحسن بن حي وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وكرهها أبو حنيفة "وزفر" والحجة عليهما ثابتة بسنة رسول الله

حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى القطان عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع قال حدثنا قتيبة بن سعيد عن الليث عن محمد بن عبدالرحمن بن غنم عن نافع عن ابن عمر أن النبي دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم وأن رسول الله شطر ثمرها لم يذكر في هذا الخبر أنه أخذ من الأرض شيئا "وإنما أخذ من الثمرة"

وهو حجة لمالك في الغابة البياض للعامل وقوله أن البياض كان بخيبر بين النخل تبعا لها والله أعلم والأحاديث في المساقاة متواترة والمساقاة عند مالك والشافعي جائزة سنين لأن المساقاة لما انعقدت فيما لم يخلق من الثمرة في عام كان كذلك ما بعده من الأعوام ما لم يطل على حسبما ذكرناه فيما تقدم من هذا الباب

وقد أجمعوا على أنه لا تجوز المساقاة في ثمر قد بدا صلاحه لأنه يجوز بيعه إلا قوله عن الشافعي وفرقة والمشهور عن الشافعي أن ذلك لا يجوز وأجمعوا على أنه لا تجوز المساقاة إلا على جزء معلوم قل أو كثر واختلفوا فيما تجوز فيه المساقاة فقال مالك تجوز المساقاة في كل أصل نحو النخل والرمان والتين والفرسك والعنب والورد والياسمين والزيتون وكل ما له أصل ثابت يبقى قال ولا تجوز المساقاة فيكل ما يجنى ثم يخلف نحو القصب والبقول والموز لأن بيع ذلك جائز وبيع ما يجنى بعده وقال مالك كان بياض خيبر يسيرا بين أضعاف سوادها فإذا كان البياض قليلا فلا بأس أن يزرعه العامل من عنده قال ابن القاسم فما نبت منه كان بين المساقين على حسب شركتهما في المساقاة قال وأحل ذلك أن يلغي البياض اليسير في المساقاة للعامل فيزرعه لنفسه فما نبت من شيء كان له وهو قول مالك وقدر اليسير أن يكون قدر الثلث من السواد

قال مالك وتجوز المساقاة في الزرع إذا استقل وعجز صاحبه عن سقيه ولا تجوز مساقاة إلا في هذه الحال بعد عجز صاحبه عن سقيه

قال مالك ولا بأس بمساقاة القثاء والبطيخ إذا عجز عنه صاحبه ولا تجوز مساقاة الموز ولا القصب حكى هذا كله عنه ابن القاسم "وابن عبدالحكم" وابن وهب وقال محمد بن الحسن تجوز المساقاة في الطلع ما لم يتناه عظمه فإذا بلغ حالا لا يزيد بعد ذلك لم يجز وإن لم يرطب وقال في الزرع جائز مساقاته ما لم يستحصد فإن استحصد لم يجز وقال الشافعي لا تجوز المساقاة إلا في النخل والكرم لأن ثمرها بائن من شجره ولا حائل دونه يمنع لإحاطة النظر إليه وثمر غيرهما متفرق بين أضعاف ورق شجره لا إليه وإذا ساقاه على نخل فيها بياض عند الشافعي فإنه قال إن كان لا يوصل إلى عمل البياض إلا بالدخول على النخل وكان لا يوصل إلى سقيه إلا بشرك النخل في الماء وكان غير مثمر جاز أن يساقي عليه في النخل لا منفردا وحده قال ولولا الخبر بقصة خيبر لم يجز ذلك قال وليس لمساقي النخل أن يزرع البياض إلا بإذن ربه فإن فعل كان كمن زرع أرض غيره

واختلفوا في مساقاة البعل فأجازها مالك وأصحابه والشافعي ومحمد بن الحسن والحسن بن حي وذلك عندهم على التلقيح والزبر والحفر والحفظ وما يحتاج إليه من العمل وقال الليث لا تجوز المساقاة إلا فيما يسقي قال الليث ولا تجوز المساقاة في الزرع استقل أو لم يستقل قال وتجوز في القصب لأن القصب أصل وأجاز الليث وأحمد بن حنبل وجماعة المساقاة في النخل والأرض بجزء معلوم كان البياض يسيرا أو كثيرا وقد بينا مذهب هؤلاء وغيرهم في كراء الأرض في باب داود وربيعة والحمد لله واختلفوا في الحين الذي لا تجوز فيه المساقاة في الثمار فقال مالك لا يساقى من النخل شيء إذا كان فيها ثمر قد بدا صلاحه وطاب وحل بيعه ويجوز قبل أن يبدو صلاحه ويحل بيعه واختلف قول الشافعي فقال مرة يجوز وإن بدا صلاحه وقال مرة لا يجوز ولا يجوز عند الشافعي أن يشترط على العامل في المساقاة ما لا منفعة فيه في أصل الثمرة وفيما يخرجه.

حديث ثالث عشر لابن شهاب عن سعيد بن المسيب[عدل]

مرسل "متصل" من وجوه

مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة فقال الذي قضى عليه كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك بطل فقال رسول الله إنما هذا من إخوان الكهان هكذا روى هذا الحديث جماعة الرواة عن مالك في موطئه مرسلا ولا أعلم أحدا وصله بهذا الإسناد إلا ما رواه أبو سبرة المدني عن مطرف عن مالك عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة وما ذكره الدارقطني قال حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق وأحمد بن كامل القاضي قالا حدثنا أبو قلابة عبدالملك بن محمد حدثنا أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فألقت جنينا وقال ابن كامل أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل فتعايرتا فرمت إحداهما الأخرى بحجر فألقت جنيناً وقالا فقضى رسول الله في الجنين بغرة عبد أو وليدة هكذا رواه أبو قلابة عن أبي عاصم عن مالك وإنما في الموطأ حديث سعيد مرسل وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة.

وقد وصل حديث سعيد ثقات من أصحاب ابن شهاب وغيره وهو حديث اختصره مالك فذكر منه دية الجنين التي عليها الأمر المجتمع عليه "عنده" وترك قصة المرأة إذ ضربت فألقت الجنين المذكور لأن فيه من رواية ابن شهاب إثبات شبه العمد وإلزام العاقلة الدية وهذا شيء لا يقول به مالك لأنه وجد الفتوى والعمل بالمدينة على خلافه فكره أن يذكر في موطأه بمثل هذا الإسناد الصحيح ما لا يقول به "ويقول بت" غيره وذكر قصة الجنين لاغير لأنه أمر مجتمع عليه في الغرة.

وهذا الحديث عند ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة جميعا عن أبي هريرة عن النبي فطائفة من أصحابه يحدثون "به" عنه هكذا "وطائفة يحدثون به عنه عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ولا يذكرون أبا سلمة" وطائفة يحدثون به عنه عن أبي سلمة عن أبي هريرة ولا يذكرون سعيدا ومالك أرسل عنه حديث سعيد هذا ووصل حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي إلا أنه لم يذكر قصة المرأة لا في حديث سعيد "هذا" المرسل ولا في حديث أبي سلمة واقتصر منهما على ذكر قصة الجنين وديته لا غير لما ذكرنا من العلة ولما شاء الله مما هو أعلم بت.

والحديث محفوظ لأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي من حديث ابن شهاب "وغيره ولسعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي من حديث ابن شهاب" وهو حديث صحيح رواه جماعة من الصحابة عن النبي منهم عمر بن الخطاب وابن عباس وجابر والمغيرة بن شعبة وأبو هريرة وحمل بن مالك بن النابغة ومحمد بن مسلمة إلا أن محمد بن مسلمة حديثه في الجنين لا غير ولسنا نذكر ههنا إلا حديث أبي هريرة خاصة لأنه لم يرو مالك غيره.

أخبرنا عبدالله بن محمد بن أسد قال حدثنا سعيد بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا البخاري قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة بن عبدالرحمن أن أبا هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى النبي فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى أن دية المرأة على عاقلتها.

قال البخاري وحدثنا عبدالله بن يوسف قال حدثنا الليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله أن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها.

أخبرنا أبو محمد عبدالله بن محمد بن عبدالمؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا وهب بن بيان وأبي السرح قالا" حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها فاختصموا إلى رسول الله فقضى "رسول الله" بأن دية جنينها غرة عبد أو وليدة أو قضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معه فقال حمل بن النابغة الهذيلي يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل فقال رسول الله إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع.

قال أبو داود وحدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة في هذه القصة قال ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله أن ميراثها لبنيها والعقل على عصبتها.

قال أبو عمر : فقد ذكرنا ما يجب من القول في قصة قتل المرأة والاختلاف في ذلك من جهة الأثر واختلاف العلماء في ديتها وقتلها وما لهم في شبه العمد من الأقاويل والوجوه في كتاب "الأجوبة عن المسائل المستغربة" فمن أراده نظر إليه وتأمله هناك ولم نذكر ههنا شيئا من ذلك لأنه ليس في حديث مالك ذكر قتل المرأة وإنما فيه قصة الجنين ونحن نذكر ما للعلماء في ذلك من الأقوال والوجوه ههنا وبالله عوننا وتوفيقنا.

فمن أحكام الجنين ما أجمع العلماء عليه ومنها ما اختلفوا فيه فمما أجمعوا عليه من ذلك أن الجنين إذا ضرب بطن أمه فألقته حيا ثم مات بقرب خروجه وعلم أن موته كان من أجل الضربة وما فعل بأمه وبه في بطنها ففيه الدية كاملة وأنه يعتبر فيه الذكر والأنثى وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار وفي إجماعهم على ما ذكرنا دليل واضح على أن الجنين الذي قضى فيه رسول الله بغرة عبد أو أمة كانت قد ألقته "أمه" ميتا ومع هذا الدليل نصان أحدهما من جهة الإجماع أن الغرة واجبة في الجنين إذا رمته ميتا وهي حية

والنص الثاني ما في حديث سعيد بن المسيب أن رسول الله قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة والمقتول في بطن أمه لا تطرحه إلا ميتا لا محالة وإن لم تلقه وماتت وهو في جوفها لم يخرج فلا شيء فيه ولا حكم له وهذا أيضا إجماع لا خلاف فيه فإن ألقته ميتا وهي حية فالحكم "فيه" ما ثبتت به السنة عن النبي على ما ذكر في هذا الحديث عبد أو أمة وقد كان للغرة أصل معروف في الجاهلية لمن لم يبلغ بشرفه أن يودي دية كاملة قال مهلهل بن ربيعة واسمه عدي وإنما قيل له مهلهل لأنه أول من أرق الشعر وقصده فيما ذكروا قال في قتل أخيه كليب بن ربيعة.

كل قتيل في كليب غرة ... حتى ينال القتل آل مرة

يعني مرة بن هذيل بن شيبان بن ثعلبة وكان جساس بن مرة قتل كليب بن ربيعة التغلبي.

واختلف العلماء في الغرة وقيمتها فقال مالك الغرة تقوم بخمسين دينارا أو ست مائة درهم نصف عشر دية الحر المسلم الذكر وعشر دية أمه الحرة وهو قول ابن شهاب وربيعة وسائر أهل المدينة وقال أبو حنيفة وأصحابه وسائر الكوفيين قيمة الغرة خمسمائة درهم وهو قول إبراهيم والشعبي وقال مغيرة خمسون دينارا وقال الشافعي سن الغرة سبع سنين أو ثماني سنين وليس عليه أن يقبلها معيبة وقال داود كل ما وقع عليه اسم غرة واختلفوا في صفة الجنين الذي تجب فيه الغرة ما هو فقال مالك ما طرحته من مضغة أو علقة أو ما يعلم أنه ولد ففيه الغرة وقال الشافعي لا شيء فيه حتى يتبين من خلقه شيء

قال مالك إذا سقط الجنين فلم يستهل صارخا ففيه الغرة وسواء تحرك أو عطس ففيه الغرة أبدا حتى يستهل صارخا "فإن استهل صارخا" ففيه الدية كاملة وقال الشافعي وسائر الفقهاء إذا علمت حياته بحركة أو بعطاس أو باستهلال أو بغير ذلك مما تستيقن به حياته ثم مات ففيه الدية "كاملة" وجماعة فقهاء الأمصار يقولون في المرأة إذا ماتت من ضرب بطنها ثم خرج الجنين ميتا بعد موتها أنه لا يحكم فيه بشيء وأنه هدر إذا ألقته بعد موتها إلا الليث بن سعد وداود فإنهما قالا إذا ضرب بطن المرأة وهي حية فألقت جنينا ميتا ففيه الغرة وسواء رمته بعد موتها أو قبل موتها اعتبرا حياة أمه في وقت ضربها لا غير وهو قول أهل الظاهر وأما سائر الفقهاء فإنهم اعتبروا حالها في وقت القائها للجنين لا غير فإن ألقته ميتا وهي ميتة فلا شيء فيه عندهم وإن ألقته ميتا وهي حية ففيه الغرة وأما إذا ألقته وهي حية فقد ذكرنا حكمه وأنه لا خلاف أن فيه الدية واحتج أبو جعفر الطحاوي علي الليث بن سعد لسائر الفقهاء بأن قال قد أجمعوا والليث معهم على أنه لوضرب بطنها وهي حية فماتت والجنين في بطنها ولم يسقط أنه لا شيء فيه ما لم يسقط فكذلك إذا أسقطته بعد موتها قال أبو جعفر ولا يختلفون أيضا أنه لو ضرب بطن امرأة ميتة حامل فألقت جنينا ميتا أنه لا شيء فيه فكذلك إذا كان الضرب في حياتها ثم ماتت ثم ألقته ميتا قال فبطل بذلك قول الليث.

واختلفوا في الذي تجب عليه الغرة فقال مالك وأصحابه هي في مال الجاني وهو قول الحسن بن حي ومن حجتهم في ذلك رواية من روى هذا الحديث فقال الذي قضى عليه كيف أغرم وهذا يدل على أن الذي قضى عليه معين وأنه واحد وهو الجاني لا يعطي ظاهر هذا اللفظ غير هذا ولو أن دية الجنين قضى بها على العاقلة لقال في الحديث فقال "الذين" قضى عليهم وفي القياس إن كان جان جنايته عليه إلا ما قام بخلافه الدليل الذي لا معارض له مثل إجماع لا يجوز خلافه أو نص أو سنة من جهة نقل الآحاد العدول لا معارض لها فيجب الحكم بها وقد قال الله عز وجل {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

وقال لأبي رمثة في ابنه انك لا تجني عليه ولا يجني عليك وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما الغرة على العاقلة ومن حجتهم ما حدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحسن بن سلام السواق قال حدثنا أبو عمر الحوضي عن شعبة عن منصور عن إبراهيم عن عبيد بن نضيلة عن المغيرة بن شعبة أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها فاختصما إلى النبي فقال" أحد الرجلين كيف" ندي من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل فقال اسجع كسجع الأعراب فقضى فيه بغرة وجعله على عاقلة المرأة وهذا نص ثابت صحيح في موضع الخلاف يوجب الحكم ولما كانت دية المضروبة على العاقلة كان الجنين أحرى بذلك في القياس والنظر.

وأجمع الفقهاء أن الجنين إذا خرج حيا ثم مات وكانت فيه الدية أن فيه الكفارة مع الدية واختلفوا في الكفارة إذا خرج ميتا فقال مالك فيه الغرة والكفارة إذا خرج ميتا وقال أبو حنيفة والشافعي ان خرج حيا ففيه الكفارة والدية وإن خرج ميتا ففيه الغرة ولا كفارة وهو قول داود بن علي وهذا على أصولهم التي قدمنا ذكرها أن نلقيه أمه وهي حية.

واختلفوا في كيفية ميراث الغرة في الجنين فقال مالك والشافعي وأصحابهما الغرة في الجنين موروثة عن الجنين لأنها ديته على كتاب الله عز وجل واحتج الشافعي في ذلك بقوله في الحديث كيف أغرم من لا أكل ولا شرب ولا استهل قال فالمضمون الجنين لأن العضو لا يعترض فيه بهذا وكان ابن هرمز يقول ديته لأبويه خاصة لأبيه ثلثاها ولأمه ثلثها من كان منهما حيا كان ذلك له فإن كان أحدهما قد مات كانت للباقي منهما أبا كان أو أما لا يرث الإخوة منها شيئا وقال أبو حنيفة وأصحابه الغرة للأم ليس لأحد معها فيها شيء وليست دية وإنما هي بمنزلة جناية جنى عليها فقطع عضو من أعضائها "وهو قول ربيعة بن أبي عبدالرحمن" ومن حجتهم في أنها ليست دية لأنه لم يعتبر فيها هل هو ذكر أو أنثى كما يلزم في الديات فدل على أن ذلك كالعضو "ولهذا كانت ذكاة الشاة ذكاة لما في بطنها من الأجنة ولولا ذلك كانت ميتة" وقول داود وأهل الظاهر في هذا كقول أبي حنيفة واحتج داود بأن الغرة لم يملكها الجنين فتورث عنه.

قال أبو عمر : تدخل عليه دية المقتول خطأ هو لم يملكها وهي تورث عنه وقول مالك والشافعي في هذه المسألة "أولى" وبالله العصمة والهدى.

وقد استدل قوم من أهل الحديث بأن الحياة فيه لا تعلم إلا بما ذكر من المعاني وهي الأكل والشرب والاستهلال والنطق لقوله كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل وقد يحتمل أن يكون نزع بهذه الحياة لأنها أسباب الحياة وعلاماتها فكل ما علمت به الحياة كان مثلها وقد اختلف الفقهاء في المولود لا يستهل صارخا إلا أنه تحرك حين سقط من بطن أمه وعطس ونحو ذلك ولم ينطق ولا صرخ مستهلا فقال بعضهم لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث إلا أن يستهل صارخا وممن قال ذلك مالك وأصحابه وقال آخرون كل ما عرفت به حياته فهو كالاستهلال والصراخ ويورث ويرث ويصلى عليه إذا استوقنت حياته بأي شيء صحت من ذلك كله وهو قول الشافعي والكوفي وأصحابهم.

وفي هذا الحديث أيضا من المعاني إنكار الكلام إذا لم يكن في موضعه وكان جهلا من قائله وقد زعم قوم أن في هذا الحديث ما يدل على كراهية التسجيع إنما كره رسول الله تسجيع الهذلي في هذا الحديث لأنه كلام اعترض به قائله على رسول الله اعتراض منكر وهذا لا يحل لمسلم أن يفعله وإنما ترك رسول الله التغليظ عليه في الإنكار لأنه كان أعرابيا لا علم له بأحكام الدين فقال له قولا لينا وتلك شيمته أن لا ينتقم لنفسه وأن يعرض عن الجاهلين

وفي قوله في هذا الحديث إنما هذا من إخوان الكهان دليل على أن الكهان كانوا كلهم يسجعون أو كان الأغلب منهم السجع وهذا معروف عن كهان العرب يغني عن الاستشهاد عليه وكل ما نقل عن شق وسطيح وغيرهما من كهان العرب في الجاهلية فكلام مسجع "كله" وإنما ينكر على الإنسان الخطيب أو غيره في المتكلمين أن يكون كلامه "كله" تسجيعا أو أكثره وأما إذا كان السجع أقل كلامه فليس بمعيب بل هو مستحسن محمود وقد روى عن النبي "أنه" قال في بعض جراحاته.

هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت

وقال النبي  : أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبدالمطلب

وقال  : اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة

ومثل هذا كثير عنه وعن أصحابه رضي الله عنهم وهذا دليل على أن السجع كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح وكذلك الشعر كلام منظوم فالحسن منه حسن وحكمة والقبيح منه ومن المنثور غير جائز النطق به عصمنا الله برحمته.

أخبرنا محمد بن عبدالملك قال حدثنا ابن الأعرابي قال حدثنا سعدان بن نصر قال حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس عن جندب قال كنا مع النبي في غار فنكبت أصبعه فقال :

هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت

وقال كتاب الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق وقال اللهم أني أعوذ بك من علم لا ينفع ودعاء لا يسمع وقلب لا يخشع ونفس لا تشبع أعوذ بك يا رب من شر هذه الأربع وقال اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنها بيست البطانة ومثل هذا كثير وفيه دليل على أن حسن السجع حسن وقبيحه قبيح كسائر الكلام المنظوم والمنثور وأما جنين الأمة فاختلاف العلماء فيه لا يشبه اختلافهم في جنين الحرة فأما مالك وأهل المدينة والشافعي ومن قال بقولهم فقالوا في جنين الأمة إن وقع ميتا من ضربة الضارب لأمه ففيه عشر قيمة أمه ذكرا كان الجنين أو أنثى وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه إن كان جنين الأمة غلاما ففيه نصف عشر قيمة نفسه لا قيمة أمه فإن كانت أنثى فعشر قيمتها "نفسها" لو كانت حية أو كان حيا وقال داود لا شيء في جنين الأمة وللتابعين في ذلك أقاويل متقاربة، سأذكرها إن شاء اللـه فـي غير هذا الكتاب، وباللـه التوفـيق.

حدثنا خـلف بن قاسم حدثنا مـحمد بن القاسم بن شعبان حدثنا أحمد بن شعيب النسوي قال : أخبرنا علـي ابن سعيد بن مسروق قال : حدثنا يحيى بن أبـي زائدة عن إسرائيل عن مغيرة عن إبراهيم فـي امرأة عالـجت نفسها حتـى أسقطت، فقال : تعطي أباه غرة.