البداية والنهاية/الجزء الثالث/فصل في دخول علي بن أبي طالب على زوجته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وذلك في سنة ثنتين بعد وقعة بدر لما رواه البخاري ومسلم من طريق الزهري، عن علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن علي بن أبي طالب.
قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي ﷺ أعطاني شارفا مما أفاء الله من الخمس يومئذٍ فلما أردت ابتني فاطمة بنت النبى ﷺ واعدت رجلا صواغا من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بأذخر فأردت أن أبيعه من الصواغين فأستعين به في وليمة عرسي، فبينا أنا أجمع لشارفي من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناختان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار حتى جمعت ما جمعت، فإذا أنا بشارفي قد أجبت أسنمتهما وبقرت خواصرهما وأخذ من أكبادهما، فلم أملك عيني حين رأت المنظر فقلت: من فعل هذا؟
قالوا: فعله حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت وهو في شرب من الأنصار وعنده قينته وأصحابه، فقالت في غنائها:
ألا يا حمز للشرف النواء *
فوثب حمزة إلى السيف فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما.
قال علي: فانطلقت حتى أدخل على النبي ﷺ وعنده زيد بن حارثة فعرف النبي ﷺ الذي لقيت فقال: «مالك؟».
فقلت يا رسول الله: ما رأيت كاليوم عدا حمزة على ناقتي فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وها هو ذا في البيت معه شرب.
فدعا النبي ﷺ بردائه فارتداه، ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن عليه فأذن له فطفق النبي ﷺ يلوم حمزة فيما فعل فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه فنظر حمزة إلى النبي ﷺ، ثم صعد النظر فنظر إلى ركبتيه، ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه.
ثم قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيدا لأبي فعرف النبي ﷺ أنه ثمل فنكص رسول الله ﷺ على عقبيه القهقرى فخرج وخرجنا معه.
هذا لفظ البخاري في كتاب (المغازي).
وقد رواه في أماكن أخر من (صحيحه) بألفاظ كثيرة وفي هذا دليل على ما قدمنا من أن غنائم بدر قد خمست لا كما زعمه أبو عبيد القاسم ابن سلام في كتاب (الأموال) من أن الخمس إنما نزل بعد قسمتها وقد خالفه في ذلك جماعة منهم: البخاري وابن جرير وبينا غلطه في ذلك في التفسير وفيما تقدم والله أعلم.
وكان هذا الصنع من حمزة وأصحابه رضي الله عنهم قبل أن تحرم الخمر بل قد قتل حمزة يوم أحد كما سيأتي وذلك قبل تحريم الخمر والله أعلم.
وقد يستدل بهذا الحديث من يرى أن عبادة السكران مسلوبة لا تأثير لها لا في طلاق ولا إقرار ولا غير ذلك كما ذهب إليه من ذهب من العلماء كما هو مقرر في كتاب (الأحكام).
وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن رجل سمع عليا يقول: أردت أن أخطب إلى رسول الله ﷺ ابنته فقلت: مالي من شيء ثم ذكرت عائدته وصلته فخطبتها إليه فقال: «هل لك من شيء؟».
قلت: لا.
قال: «فأين درعك الخطيمة التي أعطيتك يوم كذا وكذا؟».
قال: هي عندي.
قال: «فأعطنيها».
قال: فأعطيتها إياه.
هكذا رواه أحمد في (مسنده) وفيه رجل مبهم.
وقد قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، ثنا عبدة، ثنا سعيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما تزوج علي فاطمة رضي الله عنهما قال له رسول الله ﷺ: «أعطها شيئا».
قال: ما عندي شيء.
قال: «أين درعك الخطيمة؟».
ورواه النسائي عن هارون بن إسحاق، عن عبدة بن سليمان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أيوب السختياني به.
وقال أبو داود حدثنا كثير بن عبيد الحمصي، ثنا أبو حيوة، عن شهيب بن أبي حمزة، حدثني غيلان بن أنس من أهل حمص، حدثني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن رجل من أصحاب النبي ﷺ أن عليا لما تزوج فاطمة بنت رسول الله ﷺ أراد أن يدخل بها فمنعه رسول الله ﷺ حتى يعطيها شيئا فقال: يا رسول الله ليس لي شيء.
فقال له النبي ﷺ: «أعطها درعك».
فأعطاها درعه ثم دخل بها.
وقال البيهقي في (الدلائل): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن علي.
قال: خطبت فاطمة إلى رسول الله ﷺ، فقالت مولاة لي: هل علمت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله ﷺ.
قلت: لا.
قالت: فقد خطبت فما يمنعك أن تأتي رسول الله ﷺ فيزوجك.
فقلت: وعندي شيء أتزوج به؟
فقالت: إنك إن جئت رسول الله ﷺ زوجك.
قال: فوالله ما زالت ترجيني حتى دخلت على رسول الله ﷺ، فلما أن قعدت بين يديه أفحمت فوالله ما استطعت أن أتكلم جلالة وهيبة.
فقال رسول الله ﷺ: «ما جاء بك ألك حاجة؟».
فسكتّ، فقال: «لعلك جئت تخطب فاطمة؟».
فقلت: نعم!
فقال: «هل عندك من شيء تستحلها به؟».
فقلت: لا والله يا رسول الله!
فقال: «ما فعلت درع سلحتكها».
فوالذي نفس علي بيده أنها لخطيمة ما قيمتها أربعة دراهم، فقلت: عندي.
فقال: «قد زوجتكها فابعث إليها بها فاستحلها بها»، فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله ﷺ.
قال ابن إسحاق: فولدت فاطمة لعلي حسنا وحسينا ومحسنا - مات صغيرا - وأم كلثوم وزينب.
ثم روى البيهقي: من طريق عطاء بن السائب، عن أبيه، عن علي قال: جهز رسول الله ﷺ فاطمة في خميل وقربة ووسادة أدم حشوها أذخر.
ونقل البيهقي من كتاب (المعرفة) لأبي عبد الله بن منده أن عليا تزوج فاطمة بعد سنة من الهجرة وابتنى بها بعد ذلك بسنة أخرى.
قلت: فعلى هذا يكون دخوله بها في أوائل السنة الثالثة من الهجرة فظاهر سياق حديث الشارفين يقتضي أن ذلك عقب وقعة بدر بيسير فيكون ذلك كما ذكرناه في أواخر السنة الثانية والله أعلم.