ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الثاني/الجزء الثالث/الباب الثامن والثلاثون (12)

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


وأيضاً فإنهم في التشابه الموجب للحكم مختلفون، فبعضهم يجعل صفة ما علة لذلك الحكم، وبعضهم يمنع من ذلك ويأتي بعلة أخرى، وهذا كله تحكم بلا دليل. وقد صحح بعضهم العلة بطردها في معلولاتها، وهذا تخليط تام، لأن الطرد إنما يصحح بعد صحة العلة، لأن الطرد إنما هو فرع يوجبه صحة العلة، وإلا فهو باطل ومن المحال ألا يصح الأصل إلا بصحة الفروع. وأيضاً فإنهم إذا اختلفوا في طرد تلك العلة، فليس من طردها ليصححها بأولى ممن لم يطردها ليبطلها وطرد غيرها، وهذا كله تحكم في الدين لا يجوز، وذلك نحو طرد الشافعي علة الأكل في الربا، ومنع أبي حنيفة ومالك من ذلك، وطرد أبي حنيفة علة الوزن والكيل، ومنع مالك والشافعي من ذلك، وطرد مالك علة الادخار والأكل، ومنع أبي حنيفة والشافعي من ذلك. فإن قالوا: فأرونا جمع النوازل منصوصاً عليها.

قلنا لو عجزنا عن ذلك لما كان عجزنا حجة على الله تعالى، ولا على رسوله إذ لم ندع لكم ــــ الواحد فالواحد منه ــــ الإحاطة بجميع الفتن، لكن حسبنا أننا نقطع بأن الله تعالى بين لنا كل ما يقع من أحكام الدين إلى يوم القيامة، فكيف ونحن نأتيكم بنص واحد فيه كل نازلة وقعت أو تقع إلى يوم القيامة، وهو الخبر الصحيح الذي ذكرناه قبل بإسناده وهو قوله : «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ» فصح نصّاً أن ما لم يقل فيه النبي فليس واجباً، لأنه لم يأمر به، وليس حراماً لأنه لم ينه عنه، فبقي ضرورة أنه مباح، فمن ادعى أنه حرام مكلف أن يأتي فيه بنهي من النبي ، فإن جاء سمعنا وأطعنا، وإلا فقوله باطل، ومن ادعى فيه إيجاباً كلف أن يأتي فيه بأمر من النبي فإن جاء به سمعنا وأطعنا، وإن لم يأت به فقوله باطل، وصح بهذا النص أن كل ما أمر به فهو فرض علينا إلا ما لم نستطع من ذلك، وأن كل ما نهانا عنه فحرام حاشا ما بينه أنه مكروه أو ندب فقط، فلم يبق في الدين حكم إلا وهو ههنا منصوص جملة. ثم نعكس عليهم هذا السؤال وهذا القول فنقول لهم: أنتم تقولون: لا نازلة إلا ولها نظير في القرآن أو السنة، فنحن نعكس السؤال عن تلك النوازل التي تريدون سؤالنا عنها، من دينار وقع في محبرة وسائر تلك الحماقات، فأرونا نظائرها في القرآن والسنة، وأنتم تقرون أنه لا نصوص فيها، فخبرونا كيف تصنعون فيها أتحكمون فيها بقولكم؟ فهذا دينكم لا دين الله ففي هذا ما فيه، فظهر فساد كل سؤال لهم والحمد لله رب العالمين كثيراً.

وقال من سلف من أصحابنا رحمهم الله: يقال لمن قال بالقياس قد أجمعتم ــــ أنتم وجميع المسلمين بلا خلاف من أحد منهم، على أن الأحكام كلها في الديانة جائز أن تؤخذ نصّاً، واتفقوا كلهم ــــ بلا خلاف من واحد منهم لا من القائلين بالقياس ولا من غيرهم، على أن أحكام الديانة كلها لا يجوز أن تؤخذ قياساً، ولا بد عندهم من نص يقاس عليه، فيقال لأصحاب القياس، عندكم حقّاً فمن ههنا ابدؤوا به فقيسوا ما اختلفنا فيه من المسائل التي جوزتم القياس فيها، ومنعنا نحن منها، على ما اتفقنا عليه من المسائل التي أقررتم أنها لا يجوز أن تؤخذ قياساً، فإن لم تفعلوا فقد تركتم القياس، وإن فعلتم تركتم القياس، ولسنا نقول إن هذا العمل صحيح عندنا ولكن صحيح على أصولكم ولا أبطل من قول نقض بعضه بعضاً. ويقال لهم وجدنا مسائل كثيرة قد أجمعتم وأنتم وجميع الأمة على ترك القياس فيها، كقاتل تاب قبل أن يقدر عليه وندم، فلا يسقط عنه القصاص عند أحد، ولم تقيسوا ذلك على محارب تاب قبل أن يقدر عليه، فالحد في الحرابة عنه ساقط، وكذلك اتفقوا على ألا يقاس الغاصب على السارق، وكلاهما أخذ مالاً محرماً عمداً، أو كترك قياس تعويض الإطعام من الصيام في قتل الخطأ على تعويضه من الصيام في الظهار، ومثل هذا كثير جداً، بل هو أكثر مما قاسوا فيه، فلو كان القياس حقّاً ما جاز الإجماع على تركه، كما لا يجوز الإجماع على ترك الحق الذي هو القرآن، أو كلام الرسول مما صح عنه، فإنه لم يجمع قط على ترك شيء منه إلا لنص آخر ناسخ له فقط، وهذا يوجب بطلان القياس ضرورة. ويقال لهم أخبرونا عن القياس، أيخلو عندكم أن يحكم للشيء الذي لا نص فيه ولا إجماع بمثل الحكم الذي فيه نص أو إجماع، إما لعلة فيهما معاً، هي في المحكوم فيه علامة الحكم، وإما لنوع من الشبه بينهما، وإما مطارفة لا لعلة ولا لشبه ولا سبيل إلى قسم رابع أصلاً؟ فإن قالوا: مطارفة لا لعلة ولا لشبه كفونا مؤنتهم، وصار قائل هذا ضحكة ومهزأة، ولم يكن أيضاً أولى بما يحكم به من غيره، يحكم في ذلك الأمر بحكم آخر، وهذا ما لا يقوله أحد منهم. فإن قالوا: بل لنوع من الشبه، قيل لهم: وما دليلكم على أن ذلك النوع من الشبه يجب به ذلك الحكم، ولا سبيل إلى وجود ذلك الدليل، وتعارضون أيضاً بشبه آخر يوجب حكماً آخر، وهذا أبداً. فإن قالوا: بل لعلة جامعة بين الحكمين، سألناهم: ما الدليل على أن الذي تجعلونه علة الحكم هي علة الحقيقة؟ فإن ادعوا نصّاً فالحكم حينئذ للنص، ونحن لا ننكر هذا إذا وجدناه.

فإن قالوا: غير النص قلنا: هذا الباطل والدعوى التي لا برهان على صحتها وما كان هكذا فهو ساقط بنص القرآن، وبحكم الإجماع والعقول، وإن قالوا: طرد حكم العلة دليل على صحتها، قيل لهم: طردكم أنتم، أو طرد أهل الإسلام. فإن قالوا: طرد أهل الإسلام، قيل: هذا إجماع لا خلاف فيه، ولسنا نخالفكم في صحة الإجماع إذا وجد يقيناً، وإن قالوا: بل طردنا نحن قيل لهم: ما طردكم أنتم حجة على أحد، فهاتوا برهانكم على صحة دعواكم إن كنتم صادقين، وهذا ما لا مخلص منه أصلاً. والحمد الله رب العالمين. قال أبو محمد وقال جاءت نصوص بإبطال القياس. فمن ذلك قول الله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } وقال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } وقال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } وقال تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } وهذه نصوص مبطلة للقياس، وللقول في الدين بغير نص، لأن القياس على ما بينا قَفْوٌ لما لا علم لهم به، وتقدم بين يدي الله تعالى ورسوله واستدراك على الله تعالى ورسوله ما لم يذكراه. فإن قال أهل القياس: فلعل إنكاركم للقياس قول بغير علم، وقَفْوٌ لما لا علم لكم به، وتقدم بين يدي الله ورسوله. قيل لهم، وبالله تعالى التوفيق: نحن نريكم إنكارنا للقياس أنه قول بعلم وبنص وبيقين، وذلك أن الله عز وجل قال: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } فصح يقيناً لا شك فيه أن الناس خرجوا إلى الدنيا لا يعلمون شيئاً أصلاً بنص كلام الله عز وجل. وقال تعالى: {كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } فصح يقيناً أن الله أرسل محمداً رسوله إلينا ليعلمنا ما لم نعلم. فصح ضرورة أن ما علمنا الرسول من أمور الدين فهو الحق، وما لم يعلمنا منها فهو الباطل، وحرام القول به وقال تعالى يعني به إبليس اللعين: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .

فصح بنص القرآن أننا خرجنا إلى الدنيا لا نعلم شيئاً ثم حرم علينا القول على الله تعالى بما لا نعلم، وأخبرنا تعالى أن إبليس يأمرنا بأن نقول على الله ما لا نعلم، فقد صح بهذه النصوص، ضرورة أن القول بقياس وبغير القياس، كمن أثبت العنقاء والغول والكيميا وكقول الروافض في الإمام، وكقول من قال بالإلهام وكل هذا، فالقول به على الله تعالى في الدين حرام. مقرون بالشرك أمر من أمر إبليس. إلا ما علمنا رسول الله . فهو الحق الذي نقوله على الله تعالى. ولا يحل لنا أن نقول عليه غيره، فإذ لم يأمرنا عليه السلام بالقياس فهو حرام من أمر الشيطان بلا شك، وقد بينا فيما خلا، كل ما شغبوا مما أرادوا التمويه به فيه بالحديث فحرم القول بالقياس البتة. وبهذا بطل كل قول بلا برهان على صحته، حتى لو لم يقيم برهان بإبطاله، فلو لم يكن لنا برهان على إبطال القياس لكان عدم البرهان على إثباته برهاناً في إبطاله، لأن الفرض علينا ألا نوجب في الدين شيئاً إلا ببرهان، وإذ ذلك كذلك فالفرض علينا أن نبطل كل قول قيل في الدين، حتى يقوم برهان بصحته، وهذا برهان ضروري لا محيد عنه، وبالله تعالى التوفيق.

وقد اعترض بعضهم في قول الله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } بما روي عن رسول الله يوم الخميس قبل موته بأربعة أيام: «اِئتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا مِنْ بَعْدِي» وبما روي عن عائشة رضي الله عنها قولها: «لم يكن الوحي قط أكثر منه قبيل موت النبي » فقالوا: هذه أشياء زائدة على ما كان حين قوله تعالى في حجة الوداع: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . واعترض آخرون من أهل الجهل على الحديث المذكور بالآية المذكورة، وصوبوا فعل عمر وقوله في ذلك اليوم.

قال أبو محمد: وهذان الاعتراضان من هاتين الطائفتين لا يشبهان اعتراض المسلمين، وإنما يشبهان اعتراض أهل الكفر والإلحاد، وبعيد عندنا أن يعترض بها مسلم صحيح الباطن، لأن الطائفة الأولى مكذبة لله عز وجل في قوله إنه أكمل ديننا، مدعية أنه كانت هنالك أشياء لم تكمل، والطائفة الثانية مجهلة لرسول الله مدعية عليه الكذب في أمر الكتاب الذي أراد أن يكتبه، أو التخطيط في كلامه، وأن قول عمر أصوب من قول رسول الله وكلا هذين القولين كفر مجرد. وكل هذه النصوص حق لا تعارض بين شيء منها بوجه من الوجوه، لأن الآية المذكورة نزلت يوم عرفة في حجة الوداع قبل موته بثلاثة أشهر، وحتى لو نزلت بعد ذلك شرائع لما كان نزولها معارضاً للآية المذكورة، لأن الدين في كل وقت تام كامل، ولله تعالى أن يمحو من الدين ما يشاء، وأن يزيد فيه، وأن يثبت وليس ذلك لغيره؛ بل قد صح أمر النبي قبيل موته بساعة بإخراج الكفار من جزيرة العرب، وألا يبقى فيها دينان، ولمن يكن هذا الشرع ورد قبل ذلك. ولو ورد لما أقرهم رسول الله ، وإنما غرضنا في هذه الآية أن الله تعالى تولى إكمال الدين، وما أكمله الله تعالى فليس لأحد أن يزيد فيه رأياً ولا قياساً لم يزدهما الله تعالى في الدين، وهذا بين. وبالله تعالى التوفيق.

وأما أمر الكتاب الذي أراد رسول الله أن يكتبه يوم الخميس قبل وفاته بأربعة أيام، فإنما كان في النص على أبي بكر رضي الله عنه، ولقد وهَلَ عمر وكل من ساعده على ذلك، وكان ذلك القول منهم خطأ عظيماً، ولكنهم الخير أرادوا، فهم معذورون مأجورون، وإن كانوا قد عوقبوا على ذلك بأمر رسول الله إياهم بالخروج عنه، وإنكاره عليهم التنازع بحضرته. ولقد ولد الامتناع من ذلك الكتاب من فرقة الأنصار يوم السقيفة ما كاد يكون فيه بوار الإسلام، لولا أن الله تداركنا بمنه، وولد من اختلاف الشيعة وخروج طوائف منهم عن الإسلام، أمراً يشجي نفوس أهل الإسلام، فلو كتب ذلك الكتاب لانقطع الاختلاف في الإمامة، ولما ضل أحد فيها، لكن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. وقد أبى ربك إلا ما ترى. وهذه زلة عالم، نعني قول عمر رضي الله عنه يومئذ، قد حذرنا من مثلها، وعلى كل حال فنحن نثبت ونقطع ونوقن، ونشهد بشهادة الله تعالى، ونبرأ من كل من لم يشهد، بأن الذي أراد أن يُملَّه في ذلك اليوم، في الكتاب الذي أراد أن يكتبه، لو كان شرعاً زائداً من تحريم شيء لم يتقدم تحريمه، أو تحليل شيء تقدم تحريمه، أو إيجاب شيء لم يتقدم إيجابه، إو إسقاط إيجاب شيء تقدم إيجابه، لما ترك بيانه ولا كتابه لقول عمر، ولا لقول أحد من الناس. فصح ضرورة أنه فيما قد علم بوحي الله تعالى إليه أنه سيتم من ولاية أبي بكر، وذلك بين قوله في حديث عائشة الذي قد ذكرنا قبل: «ويأبى الله والمؤمنون» وروي أيضاً «والنبيون إلا أبا بكر» فوضح البرهان بصحة قولنا يقيناً. والحمد لله كثيراً.

وأما تتابع الوحي فإنما كان بلا شك تأكيداً في التزام ما نزل من القرآن قبل ذلك. ومثل ما روي من: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً } ونزول: {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } وآية الكلالة التي قد تقدم حكمها. فصح أنه لا تعارض بين شيء من هذه النصوص. والحمد لله رب العالمين. فإن قالوا: فأرونا كل نازلة تنزل على ما تقولون في نص القرآن والسنة. قلنا لهم: نعم، وبالله تعالى التوفيق، وهذا واجب علينا وأول ذلك: أن نقرر ما الديانة؟ وهي أن نقول: إن أحكام الشريعة كلها ــــ أولها عن آخرها ــــ تنقسم ثلاثة أقسام لا رابع لها: وهي فرض لا بد من اعتقاده، والعمل به مع ذلك، وحرام لا بد من اجتنابه قولاً وعقداً وعملاً، وحلال مباح فعله ومباح تركه. وأما المكروه والمندب إليه فداخلان تحت المباح على ما بينا قبل، لأن المكروه لا يأثم فاعله، ولو أثم لكان حراماً، ولكن يؤجر فاعله. والمندوب إليه لا يأثم تاركه، ولو أثم لكان فرضاً، ولكن يؤجر فاعله. فهذه أقسام الشريعة بإجماع من كل مسلم، وبضرورة وجود العقل في القسمة الصحيحة، إلى ورود السمع بها، فإذ لا شك في هذا، فقد قال الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وقال تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ } فصح بهاتين الآيتين أن كل شيء في الأرض، وكمل عمل فمباح حلال، إلا ما فصل الله تعالى لنا تحريمه اسمه نصّاً عليه في القرآن، وكلام النبي المبلغ عن ربه عز وجل والمبيِّن لما أنزل عليه. وفي إجماع الأمة كلها المنصوص على اتباعه في القرآن، وهو راجع إلى النص على ما بينا قبل، فإن وجدنا شيئاً حرمه النص بالنهي عنه أو الإجماع باسمه حرمناه، وإن لم نجد شيئاً منصوصاً على النهي عنه باسمه ولا مجمعاً عليه فهو حلال بنص الآية الأُولى.

وقد أكد الله تعالى هذا في غير ما موضع من كتابه فقال عز وجل: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } فبيَّن الله تعالى أن كل شيء حلال لنا إلا ما نص على تحريمه، ونهانا عن اعتداء ما أمرنا تعالى به، فمن حرم شيئاً لم ينص الله تعالى ولا رسوله على تحريمه والنهي عنه، ولا أجمع على تحريمه، فقد اعتدى وعصى الله تعالى، ثم زادنا تعالى بياناً فقال: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَـذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } فصح بنص هذه الآية صحة لا مرية فيها أن كل ما لم يأت النهي فيه باسمه من عند الله تعالى على لسان رسوله فهو حلال لا يحل لأحد أن يشهد بتحريمه.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } وقال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } فبيَّن الله تعالى أن ما أمرنا به في القرآن أو على لسان نبيه فهو واجب طاعته، وضد الطاعة المعصية فمن لم يطع فقد عصى، ومن لم يفعل ما أمر به فلم يطع، ونهانا عن أن نسأل عن شيء جملة البتة ولم يدعنا في لبس أن يقول قائل: إن هذه الآية نزلت في السؤال عن مثل ما سأل عنه عبد الله بن حذافة: «مَنْ أَبَى؟» فأكذب الله ظنونهم لكن قال الله تعالى: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } فصح أن ذلك في الشرائع التي يكفر في جحدها، ويضل من تركها، فصح أن ما لم يأت به نص أو إجماع فليس واجباً علينا.

فأي شيء بقي بعد هذا؟ وهل في العالم نازلة تخرج من أن يقول قائل: هذا واجب؟ فنقول له: إن أتيت على إيجابه بنص من القرآن أو بكلام صحيح عن رسول الله أو إجماع، فسمعاً وطاعة، وهو واجب، ومن أبى عن إيجابه حينئذ فهو كافر، وإن لم يأت على إيجابه بنص ولا إجماع، فإنه كاذب وذلك القول ليس بواجب أو يقول قال: هذا حرام، فنقول له: إن أتيت على النهي عنه بنص أو إجماع فهو حرام، وسمعاً وطاعة، ومن أراد استباحته حينئذ فهو آثم كاذب عاص، وإن تأت على النهي عنه بنص ولا إجماع فأنت كاذب، وذلك الشيء ليس حراماً. فهل في العالم حكم يخرج عن هذا؟ فصح أن النص مستوعب لكل حكم يقع أو وقع إلى يوم القيامة، ولا سبيل إلى نازلة تخرج عن هذه الأحكام الثلاثة، وبالله تعالى التوفيق. ثم قد جاءت الأحاديث عن رسول الله بمثل ما جاءت به هذه الآيات، كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني، ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد البلخي، ثنا محمد بن يوسف، ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا إسماعيل هو ابن أبي أويس، ثنا مالك بن أنس، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة/ عن النبي قال: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . قال أبو محمد: فهذا حديث جامع لكل ما ذكرنا، بيَّن فيه أنه إذا نهى عن شيء فواجب أن يجتنب، وأنه إذا أمر بأمر فواجب أن يؤتى منه حيث بلغت الاستطاعة، وأن ما لم ينه عنه، ولا أمر به، فواجب ألا يبحث عنه في حياته ، وإذ هذه صفته ففرض على كل مسلم ألا يحرمه ولا يوجبه، وإذا لم يكن حراماً، ولا واجباً، فهو مباح ضرورة، إذ لا قسم إلا هذه الأقسام الثلاثة، فإذا بطل منها اثنان وجب الثالث، ولا بد ضرورة، وهذه قضية النص، وقضية السمع، وقضية العقل التي لا يفهم العقل غيرها، إلا الضلال والكهانة والسخافة التي يدعيها أصحاب القياس أنهم يفهمون من الوطء الأكل ومن الثمر الجلوز ومن قطع السرقة مقدار الصداق، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ثم نعكس عليهم سؤالهم فنقول لهم: إذا جوزتم وجود نوازل لا حكم لها في قرآن ولا سنة، فقولوا لنا: ماذا تصنعون فيها؟ فهذا لازم لكم وليس يلزمنا، لأن هذا عندنا باطل معدوم لا سبيل إلى وجوده أبداً، فأخبرونا إذا وجدتم تلك النوازل أتتركون الحكم فيها؟ فليس هذا قولكم، أم تحكمون فيها؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث، فإن حكمتم فيها فأخبرونا عن حكمكم فيها أبحكم الله تعالى وحكم رسوله حكمتم فيها؟ فإن قلتم: نعم، قلنا: قد تناقضتم لأنكم قلتم ليس فيها نص بحكم الله تعالى ولا لرسوله ، وقد كذب آخر قولكم أوله، وإن قلتم: بغير حكم الله تعالى أو بغير حكم رسوله ، نحن برآء إلى الله تعالى من كل حكم في الدين لم يحكم به الله عز وجل، وفي هذا كفاية لمن عقل فوضح لنا وبطل ما سواه، والحمد لله رب العالمين.

وبهذا جاءت الأحاديث كلها مؤكدة متناصرة، كما ثنا حمام بن أحمد، ثنا عبد الله بن إبراهيم، ثنا أبو زيد المروزي، ثنا الفربري، ثنا البخاري، ثنا عبد الله بن زيد المقرىء، ثنا سعيد، ثنا عقل، عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه أن النبي قال: «إِنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ جُرْماً مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» فنص كما تسمع أن كل ما لم يأت به تحريم من الله تعالى فهو غير محرم. وهكذا أخبر في الواجب أيضاً، كم ثنا عبد الله بن يوسف بن نامي، ثنا أحمد بن فتح، ثنا عبد الوهاب بن عيسى، ثنا أحمد بن محمد الفقيه الأشقر، ثنا أحمد بن علي القلانسي، ثنا مسلم بن الحجاج، حدثني زهير بن حرب، ثنا يزيد بن هارون، ثنا الربيع بن مسلم القرشي، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة قال: «خطبنا رسول الله فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ الله عَلَيْكُم الحَجَّ فَحُجَّوا. فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله : لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ، ثم قال: ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» .

قال أبو محمد: فنص رسول الله على أن ما لم يوجبه فهو غير واجب، وما أوجبه بأمره فواجب ما أُستطيع منه، وأن ما لم يحرمه فهو حلال، وأن ما نهى عنه فهو حرام، فأين للقياس مدخل؟ والنصوص قد استوعبت كل ما اختلف الناس فيه، وكل نازلة تنزل إلى يوم القيامة باسمها وبالله تعالى التوفيق. وقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . قال أبو محمد: فصح بالنص أن كل ما لم ينص عليه، فهو شيء لم يأذن به الله تعالى، وهذه صفة القياس، وهذا حرام. وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللًّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } .

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الثاني/الجزء الثالث

في دليل الخطاب (1) | في دليل الخطاب (2) | في دليل الخطاب (3) | في دليل الخطاب (4) | في دليل الخطاب (5) | في إبطال القياس في أحكام الدين(1) | في إبطال القياس في أحكام الدين(2) | في إبطال القياس في أحكام الدين(3) | في إبطال القياس في أحكام الدين(4) | في إبطال القياس في أحكام الدين(5) | في إبطال القياس في أحكام الدين(6) | في إبطال القياس في أحكام الدين(7) | في إبطال القياس في أحكام الدين(8) | في إبطال القياس في أحكام الدين(9) | في إبطال القياس في أحكام الدين(10) | في إبطال القياس في أحكام الدين(11) | في إبطال القياس في أحكام الدين(12) | في إبطال القياس في أحكام الدين(13) | في إبطال القياس في أحكام الدين(14) | في إبطال القياس في أحكام الدين(15) | في إبطال القياس في أحكام الدين(16) | في إبطال القياس في أحكام الدين(17)