ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الرابع/فصل في تشكيك قوم في معاني النسخ

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


وقد تشكك قوم في معاني النسخ والتخصيص والاستثناء، فقوم جعلوها كلها نوعاً واحداً. قال أبو محمد: وهذا خطأ لأن النسخ هو رفع حكم قد كان حقّاً، وسواء عرفنا أنه سيرفع عنها أو لم نعرف بذلك وقد أعلم الله تعالى موسى وعيسى عليهما السلام أنه سيبعث نبيّاً يسمى محمداً بشرائع مخالفة لشرائعهما، فهذا نسخ قد علمنا به، وأما التخصيص: فهو أن يخص شخص أو أشخاص من سائر النوع، كما خص عليه السلام بفرض التهجد، وإباحة تسع نسوة وكما خص أبو هاشم وبنو المطلب بتحريم الصدقة، وأبو بردة تجزىء عنه الجزعة في الأضحية.

وأما الاستثناء: فهو ما جاء بلفظ عام، ثم استثني منه بعض ما يقع عليه ذلك اللفظ. كقوله تعالى: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } وما أشبه ذلك. إلا أن التخصيص إذا حقق فيه النظر فهو استثناء صحيح، والفرق بين النسخ والاستثناء هو أن الجملة المستثنى منها بعضها، ولم يرد قط تعالى إلزامنا إياها بعمومها، ولا أراد إلا ما بقي منها بعد الاستثناء. وأما النسخ: فالذي نهينا عنه اليوم قد كان مراد منا بالأمس بخلاف الاستثناء. وبالله تعالى التوفيق. فإن قال قائل: إن النسخ استثناء الزمان الثاني من إطلاق الفعل على التأييد، قيل له وبالله تعالى التوفيق: ليس هذا مما نجعله مع الاستثناء المطلق نوعاً واحداً لما ذكرنا من أن المستثنى لم يرد قط منا بوجه من الوجوه، وأن المنسوخ قد كلفناه، هذا فرق ظاهر بيّن، فإن كان هذا المخالف يريد أن يقول: إن النسخ نوع من أنواع الاستثناء، لأن استثناء زمان تخصيصه بالعمل سائر الأزمان لم نأب عليه ذلك، ويكون حينئذ صواب القول: إن كل نسخ استثناء وليس كل استثناء نسخاً. وهذا صحيح.

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الرابع

في أقل الجمع | في الاستثناء | في الكناية بالضمير | في الإشارة | في المجاز والتشبيه | فصل في التشبيه | في أفعال رسول الله | الكلام في النسخ | فصل في الأوامر في نسخها وإثباتها | فصل في قول الله تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيةٍ | فصل في اختلاف الناس على النسخ | فصل في تشكيك قوم في معاني النسخ | فصل في إمكان النسخ ثم إيجابه ثم امتناعه | فصل هل يجوز نسخ الناسخ ؟ | فصل في مناقل النسخ | فصل في آية ينسخ بعضها، ما حكم سائرها ؟ | فصل لا يضر كون الآية المنسوخة متقدمة في الترتيب | فصل في نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف | فصل في نسخ الفعل بالأمر والأمر بالفعل | فصل في متى يقع النسخ عمن بعد عن موضع نزول الوحي | فصل في النسخ بالإجماع | فصل في رد المؤلف على من أجاز نسخ القرآن والسنة بالقياس | في المتشابه من القرآن والفرق بينه وبين المتشابه في الأحكام | في الإجماع، وعن أي شيء يكون الإجماع وكيف ينقل الإجماع | فصل في اختلاف الناس في وجوه من الإجماع | فصل ذكر الكلام في الإجماع إجماع من هو | فصل في ما إذا اختلف أهل عصر ما في مسألة ما | فصل في اختلاف أهل عصر ما ثم إجماع أهل عصر ثان | فصل في من قال إن افترق أهل عصر على أقوال كثيرة | فصل فيمن قال: ما لا يعرف فيه خلاف فهو إجماع | فصل في من قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن بعدهم لا يعد خلافاً | فصل في قول من قال: قول الأكثر هو الإجماع ولا يعتد بقول الأقل | فصل في إبطال قول من قال: الإجماع هو إجماع أهل المدينة | فصل فيمن قال إن الإجماع هو إجماع أهل الكوفة | إن قول الواحد من الصحابة إذا لم يعرف له مخالف فهو إجماع | فصل في من قال ليس لأحد أن يختار بعد أبي حنيفة | فصل في معنًى نسبوه إلى الإجماع | فصل واختلفوا: هل يدخل أهل الأهواء أم لا ؟