ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الثاني/تتمة فصل في حكم العدل

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


  • قال علي: إلا أن قائل هذا قد نسي نفسه فتناقض، وهدم ما بنى في قوله: نرجح الخبر بأن يكون راويه أضبط وأتقن، وتركوا ذلك في هذا المكان، وقد قال الأكابر من أصحاب ابن عباس رحمة الله عليه إذ حدثوا بحديث ميمونة المذكور وإنما رواه عنها يزيد بن الأصم

فقالوا: كلا لا نترك حديثاً حدثناه البحر عبد الله بن العباس لحديث رواه أعرابي بوال على عقبيه.

  • قال علي: فإن كان كون أحد الرواة أعدل واجباً أن نترك له رواية من دونه في العدالة، فليتركوا ها هنا رواية يزيد بن الأصم لرواية ابن عباس، فلا خلاف عند من له أدنى مسكة عقل أن البون بين ابن عباس وبين يزيد بن الأصم، كما بين السماء والأرض، وإن كان لا معنى لذلك، فلا ترجحوا بكون أحد الراويين أعدل.
  • قال أبو محمد: ونسوا أنفسهم أيضاً؛ فتركوا ما رجحوا به ها هنا من تغليب رواية من باشر على رواية من لم يباشر، في قول أنس: أنا سمعت رسول الله وركبتي تمس ركبته وأنا إلى جنبه رديف لأبي طلحة، وهو يقول: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجّاً، لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجّاً» وفي قول البراء بن عازب إذ يقول: سألت رسول الله عن كيفية حجه فقال له رسول الله  : «إِنِّي سُقْتُ الهَدْيَ وَقَرَنْتُ» .

وفي قول حفصة أم المؤمنين له: لم تحل من عمرتك، فصدقها النبي في ذلك وبين عليها لم فعل ذلك، فتركوا ما سمع أنس بن مالك من لفظ رسول الله ، وما أخبر به رسول الله عن نفسه، لكلام عن عائشة لم تدع أنها سمعته، وقد اضطرب عنها أيضاً فيه، فروي عنها مثل ما قال أنس والبراء وحفصة رضي الله عن جميعهم، ولكلام عن جابر لم يدع أنه سمعه، وهو مع ذلك أيضاً يحتمل التأويل، وقد اضطرب عنه أيضاً في ذلك ولا شك عند ذي عقل أنه أعلم بأمر نفسه من جابر وعائشة، وأن أنساً والبراء وحفصة الذين ذكروا أنهم سمعوا من لفظه ذلك، وباشروه يقول ذلك أيقن من جابر فيما لم يدع أنه سمعه، ولكن هكذا يكون من اعتقد قولاً قبل أن يعتقد برهانه: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً } .

وقالوا: نرجح أحد الخبرين بأن يكون أحدهما قولاً لم يختلف فيه، والآخر فعلاً مختلفاً فيه، ومثلوا ذلك برواية عثمان رضي الله عنه: لا يَنْكح المحرم ولا يُنْكح ولا يَخْطب، وبالرواية في نكاح ميمونة مرة بأنه كان حلالاً، ومرة بأنه كان محرماً.

  • قال أبو محمد: وهذا لا معنى له، لأن العدل إذا روى شيئاً قد بيّنا أنه لا يبطله خلاف من خالفه، ولا كثرة من خالفه، وليس العمل في الأخبار كدراهم قمار تلقى درهم بدرهم ويبقى الفضل للغالب، لكن خبر واحد يستثنى منه أخبار كثيرة، ويستثنى هو من أخبار كثيرة، أو يؤخذ به إذا كان زائداً عليها، أو يؤخذ بها إن كانت زائدة عليه. لأن قائلها كلها وقائل ذلك واحد، أو فاعلها وفاعله، أو قائلها وفاعله، أو فاعلها وقائله واحد وهو رسول الله عن واحد هو الله عز وجل، وليس تكرار قوله بموجب منه ما لم يكن يجب لولا تكراره، وتركه تكرار ما لم يكرر لا يخرج ما لم يكرر عن وجوب الطاعة له، وإذا قال القول مرة واحدة فقد لزم فرضاً كما لو كرره ألف مرة ولا مزيد، وإذا فعل الفعل مرة واحدة فالفضل في الائتساء به فيه، كما لو فعله ألف مرة ولا مزيد ولا فرق.

ولم يخص الله تعالى إذا أمرنا بطاعة رسوله فيما كرر دون ما لم يكرر، بل ألزمنا الطاعة لأمره، وأمره مرة يسمى أمراً كما لو كرره ألف مرة، كل ذلك يقع عليه اسم أمر، ولا خص لنا تعالى إذا حضنا على الائتساء بنبيه ما فعله مرات دون ما فعله مرة، ولا ما فعله مرة دون ما فعله مرات، بل إذا فعل الفعل مرة فقد وقع عليه اسم أنه فعله ألف ألف مرة ، كل ذلك يقع عليه اسم فعل، ومن قال غير هذا فقد تعدى حدود الله عز وجل، وشرع ما لم يأذن به الله عز وجل، وقفا ما لا علم له به، واستحق اسم الظلم والوعيد، وبالله تعالى نعتصم.

ونسأل أيضاً من أتى بهذا الهوس فنقول له: إذا سقط عندك ما صح أن رسول الله فعله مرة ثم لم يفعله بعدها، ولا نهى عنه بأنه لم يعد إليه، فما تقول فيما صح أنه فعله مرتين، ثم لم يعد إليه ولا نهى عنه ؟ فإن تركه من أجل ترك العود، سألناه عما فعله ثلاث مرات ثم لم يعد إليه ولا نزال نزيده مرة بعد مرة حتى يبدو سخف قوله إلى قول إلى كل ذي فهم، أو يترك قوله الفاسد ويرجع إلى الحق.

  • قال أبو محمد: وإنما أخذنا بالمنع من نكاح المحرم برواية عثمان رضي الله عنه لأنها زائدة على معهود الأصل، لأن الأصل إباحة النكاح على كل حال بقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ }

فجاء النهي من طريق عثمان من أن ينكح المحرم فتيقنا ارتفاع الحالة الأولى بلا شك، واستثنينا النهي حالة الإحرام عن النكاح من جملة العموم بإباحة النكاح، وشككنا هل نسخ هذا النهي بعد وجوبه أو لا ؟ فلم يجز لأحد ترك ما أيقن وجوبه بظن لم يصح، فصح يقيناً لا مرية فيه أن حكم حديث ابن عباس في نكاح ميمونة قد نسخ وبطل بلا شك، ومن ادعى عود المنسوخ وبطلان الناسخ فقد كذب وأفك.

ثم حتى لو شككنا هل نسخ هذا النهي بعد وجوبه أو لا؟ لم يجز لأحد ترك ما أيقن وجوبه بظن ولم يصح، وحتى ولو صح قول ابن عباس أنه نكحها وهو محرم دون أن تخبر ميمونة على أنه عليه السلام نكحها وهو محرم لما وجب بذلك ترك ما قد تيقناه من النهي عن نكاح المحرم الناسخ للإباحة المتقدمة لأمر لا ندري أقبله كان أم بعده، وترك اليقين للشك وتغليب الظن على الحقيقة باطل وحرام لا يحل وهذا ما لا يُخيل على ذي لب، وبالله تعالى التوفيق.

وأيضاً فحتى لو صح أن نكاحه عليه السلام ميمونة رضي الله عنها كان حرماً وأنه كان بعد نهيه عن نكاح المحرم لما كان ذلك مبيحاً لإنكاح المحرم غيره، ولا لخطبته على نفسه، وعلى غيره، ولكان نكاح المحرم حينئذ منسوخاً مستثنى من النهي الوارد عن نكاحه وإنكاحه وخطبته، ولكان باقي الحديث واجباً لازماً لا يحل مخالفته، وهذه كلها وجوه لائحة واضحة، والحمد لله رب العالمين.

وقالوا: نرجح أحد الخبرين، بأن يكون أحدهما اختلف على راويه فيه، والآخر لم يختلفوا على راويه فيه، ومثلوا ذلك بحديث ابن عمر، فإن زادت الإبل على عشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون، وبحديث عليّ فإن زادت الإبل على عشرين ومائة واحدة، ففي كل أربعين بنت لبون وفي خمسين حقة.

  • قال أبو محمد: وهذا بيِّن ليس من أجل الاختلاف فقد أبطلنا ذلك في الفصل الذي قبل هذا ولكن لأن حديث ابن عمر هو الزائد حكماً على حديث علي رضي الله عنهما.

وقالوا أيضاً: نرجح أحد الخبرين بأن يكون أحدهما قد قيل فيه إنه من كلام الراوي، ولم يقل ذلك في الآخر، فأخذ بالذي لم يقل ذلك فيه، ومثلوا بحديث عتق الشقص الذي أحدهما من طريق ابن عمر دون أن يكون فيه ذكر الاستسعاء.

والآخر من طريق أبي هريرة وفيه ذكر الاستسعاء.

قالوا وقد قيل: إن الاستسعاء من لفظ سعيد بن أبي عروبة، لأن شعبة وهماماً روياه عن قتادة ولم يذكر ذلك فيه، وقد قيل إنه من لفظ قتادة.

  • قال أبو محمد: وهذا خطأ قد تابع سعيداً على ذكر الاستسعاء جرين بن حازم الأزدي، وأبان بن يزيد العطار، ويزيد بن زريع، وحجاج بن حجاج، وموسى بن خلف كلها لم يذكر فيه الاستسعاء عن قتادة مسنداً إلى النبي ، فالأخذ بالاستسعاء واجب لا يجوز تركه، لأنه حكم زائد ثابت، وليس في حديث ابن عمر ما يضاده ولا ينافيه، وإنما فيه: «فَقَدْ عُتِقَ مِنْهُ مَا عُتِقَ» ولا يصح ما زاد فيه بعضهم من قوله: «وقد رق ما رق» ولا أتى ذلك من طرق تصح أصلاً.
  • قال أبو محمد: وتناقض في هذا الخبر أصحاب مالك وأصحاب أبي حنيفة تناقضاً فاحشاً، فجعل أصحاب أبي حنيفة ذكره السائمة مسقطاً للزكاة عما في حديث الآخر من عموم الزكاة في جميع الغنم، ولم يجعلوا قوله في حديث ابن عمر: «فَقَدْ عُتِقَ مِنْهُ مَا عُتِقَ» موجباً لإرقاق سائره، وقد كان يجب أن يطلبوا لقوله  : «فَقَدْ عُتِقَ مِنْهُ مَا عُتِقَ» فائدة تنبىء أن ما لم يعتق منه لم يعتق كما قالوا في السائمة، ولم يجعل أصحاب مالك ذكر السائمة مسقطاً للزكاة في غير السائمة بالعموم الذي في حديث ابن عمر في ذكره الغنم، وجعلوا قوله عليه السلام: «فقد عتقوا منه ما عتق» مسقطاً لعتق باقيه المذكور في حديث أبي هريرة بالاستسعاء.

وقالوا: نرجّح أحد الخبرين، بأن يكون أحدهما اجتمع فيه الأمر والفعل، وانفرد الآخر بأحدهما، فيكون الذي اجتمعا فيه أولى، ومثلوا ذلك بما روي من أنه سعى وأمر بالسعي بين الصفا والمروة، وبما روي من قوله  : «الحَجُّ عَرَفَةُ» .

  • قال أبو محمد: وهذا لا معنى له، لأن الحديث الذي فيه إيجاب السعي إنما صح من طريق أبي موسى، وهو زائد على ما روي من أن الحج عرفة، فوجب الأخذ بالشريعة الزائدة، وليس في حديث: «الحَجُّ عَرَفَةُ» ما يمنع من وجوب الإحرام والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بمزدلفة.
  • قال أبو محمد: وقد تناقضوا ههنا فأوجبوا السعي فرضاً، ولم يسقطوا وجوبه، لما روي من أن الحج عرفة ولم يوجبوا الوقوف بمزدلفة، وذكر الله عز وجل فيها، وقد جاء النص الصحيح من القرآن والسنة بإيجاب ذلك فرضاً، فأما القرآن فقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ }

وأما السنة فقوله لعروة بن مضرس: «مَنْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ ههنا يعني بمزدلفة مَعَ النَّاسِ وَالإِمَامِ فَقَدْ أَدْرَكَ، وَإِلاَّ فَلَمْ يُدْرِكْ» أو كما قال وتحكم أصحاب التقليد وأهل القياس أكثر من أن يحصيه إلا خالقهم الذي أحصى عدد القطر وورق الشجر ومكايل البحار، لا إله إلا هو.

وقالوا: نرجح أحد الخبرين بأن يوافقه عمل أهل المدينة.

  • قال أبو محمد: وهذا باطل، وقد أفردنا له فصلاً بعد كلامنا هذا في هذا الباب وبالله تعالى التوفيق، ومثلوا ذلك بأخبار رويت في الأذان والإقامة.
  • قال أبو محمد: ولا يصح في ذلك خبر مسند إلا حديث أنس بن مالك رضوان الله عليه: «أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة» وبه نأخذ.

وقالوا: نرجح أحد الخبرين بأن يكون أحدهما قد علق الحكم فيه بالاسم، ويكون الآخر قد علق الحكم فيه بالمعنى، فيكون الذي علق الحكم فيه بالمعنى أولى.

  • قال أبو محمد: وهذا لا معنى له، لأنها دعوى بلا برهان، وإذ لو عارضهم معارض فقال: بل الذي علق فيه الحكم بالاسم أولى، لما انفصلوا منه، ومثلوا ذلك بقوله  : «من بدَّل دينه فاقتلوه» مع نهيه عن قتل النساء.
  • قال أبو محمد: وإنما أخذنا بقتل النساء المرتدات، لأن النهي عن قتل النساء عموم، والأمر بقتل من غيَّر دينه مخصوص من ذلك العموم، على ما قدمنا قبل من استثناء الأقل معاني من الأكثر معاني، وأيضاً فقد اتفقت الأمة على أن نهيه عن قتل النساء ليس على ظاهره، واتفقوا أنها إن زنت وهي محصنة أنها تقتل، وإن قتلت مسلماً أنها تقتل، وأيضاً فإن نهيه عن قتل النساء، إنما هو داخل في جملة قوله: «دِماؤُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فهو بعض تلك الجملة، واستثنى كل من ورد أمر بإيجاب قتله أو إباحته من باغ أو شارب خمر بعد أن حُدَّ فيها ثلاثاً، أو زانٍ محصن، أو قاتل عمداً أو مرتد، وصح أن النهي عن قتل النساء إنما هو من الأسارى من أهل دار الحرب.

وقالوا: نرجح أحد الخبرين بأن يكون أحدهما منصوصاً بنسبته إلى النبي ، والآخر إنما ينسب إلى النبي استدلالاً.

  • قال أبو محمد: وهذا لا إشكال فيه، ولا يجوز أن يؤخد بشيء لم ينص عليه أنه عن النبي أو يوقن بأنه عنه ببرهان لا يحتمل إلا وجهاً واحداً، ولا يجوز أن يكون عن غيره إلا أن يكون إجماع في شيء مّا، فيؤخذ به، والإجماع أيضاً راجع إلى التوقف منه عليه السلام، لا بد من ذلك.
  • قال أبو محمد: ومثلوا ذلك بالتشهد المروي عن عمر رضي الله عنه، أنه كان يعلمه الناس وهو على المنبر، وبالتشهد المروي عن ابن عباس وعائشة وأبي موسى وابن مسعود مسنداً إلى النبي .
  • قال أبو محمد: وليس في تعليم عمر رضي الله عنه الناس التشهد على المنبر ما يدل على أنه عن النبي ، وقد نهى عمر رضوان الله عليه وهو على المنبر عن المغالاة في مهور النساء، وعلم الناس ذلك، ولا شك عند أحد في أن نهيه عن ذلك ليس عن النبي ، وأن ذلك من اجتهاد عمر فقط، وقد أقرّ رحمه الله بذلك في ذلك الوقت، ورجع عن النهي عنه، إذ ذُكِرَ أن نهيه مخالف لما في القرآن، وأما التشهدات المروية عن ابن عباس، وعائشة وابن مسعود، وأبي موسى رضوان الله عليهم، فهي التي لا يحل تعديها لصحة سندها إلى النبي ، وقد خالف تشهد عمر الذي علمه الناس على المنبر ابنه عبد الله، وابن مسعود وابن عباس وعائشة، وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم، وقد شهدوه يخطب به، وغاب عنهم من أنه حجة إجماعية ما ادعى هؤلاء لأنفسهم من فهمه، ومن أنه يغيب عنهم، وهذا كما نرى.

وقالوا: ونرجح أحد الخبرين بأن يكون أحدهما قد ثبت فيه الخصوص، والآخر لم يثبت فيه الخصوص، فغلب الذي لم يثبت فيه الخصوص، على الذي ثبت فيه، ومثلوا ذلك بآية النهي عن الجمع بين الأختين مع الآية التي فيها إباحة ذلك بملك اليمين.

  • قال أبو محمد: الآية التي فيها إباحة ملك اليمين، أكثر معاني من الآيات التي فيها النهي عن وطء الحريمة بنسب أو صهر، ومن التي فيها النهي عن الجمع بين الأختين، والأم وابنتها، والمرأة المشتركة، ووطء الحائض والصائمة والمحرمة والزانية، ووطء الذكور المماليك، والبهائم المملوكة والمشتركة، فوجب استثناء كل ذلك، لأنه أقل معاني مما أبيح بملك اليمين، فخرج كل ما ذكرنا بالتحريم، وتبقى الآية المسلمة التي ليس فيها شيء من الصفات التي ذكرنا على الإباحة، وكذلك الآية التي فيها: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } أكثر معاني من الآيات التي ذكرنا، فوجب استثناء كل ذلك بالتحريم، لأنه أقل معاني مما أبيح بالنكاح، فنكون على يقين من استعمالنا جميع النصوص الواردة، وأننا لم نخالف منها شيئاً ولا تناقضنا في تخصيص ما خصصنا، واستثنائنا ما استثنينا، وبالله تعالى التوفيق.

وقالوا: ونرجح أحد الخبرين بأن يكون أحدهما ورد جواباً، والآخر ورد ابتداءً، فنغلب الذي ورد جواباً على الذي ورد ابتداءً.

  • قال أبو محمد: هذا خطأ، لأنه قبل كل شيء تحكم بلا برهان، والبرهان أيضاً على بطلان هذا الحكم قائم، وذلك أن رسول الله بعث معلماً، وقد سئل عن شيء فأجاب عن أشياء كثيرة، وقد سئل عن شحوم الميتة فأجاب عنها ولعن اليهود، ونهى أيضاً في ذلك الحديث عن بيع ما حرم من الميتات، ولم يكن سئل عن كل ذلك، ومثل هذا كثير، ولا فرق بين ما ورد قوله جواباً، وبين ما ورد ابتداء، وكل ذلك محمول على عمومه، وعلى ما فهم من لفظه لا يحل أن يقتصر به على بعض ما يقع عليه ذلك اللفظ دون بعض، إلا بنص أو إجماع، وكذلك القول فيما ورد من القرآن جواباً عن سؤال متقدم، وقد سئل عن اليتامى فأجاب تعالى فيهم، ثم قال عز وجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } فأخبرهم عن النساء زائداً على ما سألوا عنه.

فقالوا: ونرجح أحد الخبرين بأن يكون أحدهما من رواية من يختص بذلك المعنى، والآخر برواية من لا يختص به، ومثلوا ذلك برواية عائشة رضي الله عنها في الغسل من الإكسال على خبر من روى أن لا غسل منه.

  • قال أبو محمد: وهذا باطل، لأن الراوين أن لا غسل منه مختصون بالوطء لنسائهم كاختصاص النساء ولا فرق ولأن كل عالم نفر للتفقه فهو مختص بالسؤال عن الحيض كسؤال المرأة عنه ولا فرق، وحرص العالم على أن يتعلم كحرص الممتحن بالنازلة التي يسأل عنها ولا فرق، وإنما أوجبنا الغسل من الإكسال لحديث أبي هريرة لأنه زائد على سائر الأحاديث، لأن الأصل أن لا غسل على أحد، وجاء حديث أبي هريرة بإيجاب الغسل، فكان شريعة واردة زائدة بيقين، ثم لم يصح أنها نسخت، ولو لم يكن في ذلك إلا حديث عائشة رضي الله عنها لما وجب به الغسل، لأنه ليس فيه إلا: فعلت أنا ورسول الله فاغتسلنا. وليس في هذا الحديث إيجاب الغسل، وإنما فيه أن الغسل فضل فقط.

وقد روي وصح أنه كان ربما اغتسل بين كل وطأتين وليس ذلك واجباً، فلو لم يكن هنا إلا قول عائشة رضي الله عنها لكان اغتساله عليه السلام من الإكسال كاغتساله بين كل وطأتين ولا فرق، وإنما هو عمل يؤجر من ائتسى به ، ولا يأثم من لم يفعله غير راغب عنه، وبالله تعالى التوفيق.

وقالوا: نرجح أحد الخبرين على الآخر، بأن يكون أحد المختلفين استعمل كل واحد من الخبرين في موضع الخلاف، فيكون أولى ممن لا يستعملها، ومثلوا ذلك بقوله  : «كُلُّ امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَليّها فَنِكَاحُها بَاطِلٌ» مع قوله  : «الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِها مِنْ وَلِيِّها» .

  • قال أبو محمد: وهذا الذي ذكروا لا معنى له، بوجه من الوجوه هو كلام ساقط زائف، لأنه ليس عمل أحد الخصمين حجة على الآخر، إلا أن يأتي ببرهان يصحح عمله، وأما الحديثان اللذان ذكروا فإنما حملناهما على ظاهرهما فأبطلنا نكاح كل امرأة نكحت بغير إذن مواليها ثيِّباً كانت أو بكراً، على عموم الحديث. وظاهر لفظه المفهوم منه في بطلان نكاحها بغير إذنهم، وهو الذي لا يحل لأحد تعديه، وقلنا الأيم أحق بنفسها من وليها في اختيار نكاح من شاءت، والإذن فيه أورده فلا اعتراض لوليها في ذلك عليها، ولا على كل بالغ من بكر ذات أب أو يتيمة بأحاديث أخر وآي مضافة بعضها إلى بعض، فاستثنينا الإنكاح وحده وهو المنصوص عليه من سائر أحوالها، لأنه الأخص فاستثني من الأعم، وكانت أحق بنفسها في سائر أمورها كلها من وليها حاشا عقد الإنكاح وحده، وهذا هو لفظ الحديثين نصاً بلا مزيد.

وقالوا: نرجح أحد الخبرين بأن يكون أحدهما يعضده قول الأئمة، والآخر يعضده قول غيرهم، فيكون الذي أيده قول الأئمة أولى، ومثلوا لذلك بالتكبير في العيدين سبعاً في الأولى، وخمساً في الثانية، وبما روي من طريق حذيفة من تكبير ثلاث في الأولى قبل القراءة، وأربع في الثانية بعد القراءة.

  • قال أبو محمد: وهذا لا معنى له، لما قد أبطلناه في باب إبطال الاحتجاج بعمل أهل المدينة من هذا الباب، وبما قد أبطلناه من القول بالتقليد في باب التقليد من هذا الكتاب، وإنما أخذنا بتكبير سبع وخمس، لأنه فعل في الخير زائد وذكر لله تعالى ولأن الخبر المروي في ذلك لا بأس به.

وأما خبر حذيفة فليس يقوم بسنده حجة لما سنبينه في أمر موضعه من الكلام في أشخاص الأحاديث إن شاء الله.

وقالوا: نرجح أحد الخبرين بأن يكون يميل إليه الأكثر من الناس.

  • قال أبو محمد: وهذا لا معنى له، لما سنبينه في باب الإجماع من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، ولأن كثرة القائلين بالقول لا تصحح ما لم يكن صحيحاً قبل أن يقولوا به، وقلة القائلين بالقول لا تبطل ما كان حقاً قبل أن يقول به أحد، وقد بيَّنا هذا جداً في باب إبطال قول من رجح الخبر بعمل أهل المدينة في آخر هذا الباب، وأيضاً فإن القول قد يكثر القائلون به بعد أن كانوا قليلاً، ويقلون بعد أن كانوا كثيراً، فقد كان جميع أهل الأندلس على مذهب الأوزاعي رحمه الله، ثم رجعوا إلى مذهب مالك، وقد كان جمهور أهل إفريقية ومصر على مذهب أبي حنيفة، وكذلك أهل العراق، ثم غلب على إفريقية مذهب مالك، وعلى مصر والعراق مذهب الشافعي، فيلزم على هذا أن القول إذا كثر قائلوه صار حقاً، وإذا قلوا كما ذكرنا عاد باطلاً، وهذا هو الهذيان نفسه.

وقد احتج نصراني على مسلم بكثرة أهل القسطنطينية، وأنهم لم يكونوا لتجتمع تلك الأعداد على باطل، وهذا لا يلزم لمن رجح الأقوال بالكثرة، ونحن نبرأ إلى الله تعالى من هذا القول، بل الحق حق وإن لم يقل به أحد، والباطل باطل ولو اتفق عليه جميع أهل الأرض.

  • قال أبو محمد: ويكفي من كشف غمة من اغتر بالكثرة أن نقول له: لا تغتر بكثرة من ترى من أصحاب المذاهب، فإنما هم ثلاثة رجال فقط: مالك والشافعي وأبو حنيفة، ولا مزيد فقد حصلنا من كل ما نرى على ثلاثة رجال فقط، وبالله تعالى التوفيق.

وهم يخالفون هذا كثيراً، لأنهم أخذوا بقول زيد في إبطال الردّ على ذوي الأرحام، وتركوا قول عمر، وعثمان، وعائشة، وابن مسعود، وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين في ذلك. وأخذوا بقول من قال: إن القرء هو الطهر، وإنما قال به نحو ثلاثة من الصحابة، والجمهور على أنه الحيض، وقد ترك أيضاً، أصحاب أبي حنيفة قول الجمهور في أشياء كثيرة.

وقالوا: نرجح أحد الخبرين بأن يعضد أحدهما خبر مرسل.

  • قال أبو محمد: وهذا لا معنى له، لأن المرسل في نفسه لا تجب به حجة، فكيف يؤيد غيره ما لا يقوم بنفسه ؟.

وقالوا: نرجح أحد الخبرين، بأن يكون راوي أحدهما أشد تقصياً للحديث، ومثلوا ذلك بحديث جابر، يعني الحديث الطويل في الحج.

  • قال أبو محمد: هذا لا معنى له، لأن من حفظ أشياء كثيرة فليس ذلك بمانع أن يحفظ غيره بعض ما غاب عنه، مما جرى في تلك الأشياء التي حفظ أكثرها، وقد سمع أنس، والبراء، وحفصة من فم النبي في تلك الحجة ما لم يسمع جابر، وثقفوا ما لم يثقفه جابر، فالواجب قبول الزيادة التي عند هؤلاء على ما عند جابر، وقبول الزيادة التي عند جابر على ما عند هؤلاء، فنأخذ بروايتهم كلها ولا نترك منها شيئاً، وكلهم عدل صادق، وهذا الذي لا يجوز غيره.

وقالوا: نرجح أحد النصين، بأن يكون أحدهما مكشوفاً، ويكون الآخر فيه حذف، فنأخذ بالمكشوف، ومثلوا ذلك بقوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }

مع قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } .

قالوا: لأن هذه الأخيرة فيها حذف، كأنه قال تعالى: فإن أحصرتم فأحللتم.

  • قال أبو محمد: وهذا الذي ذكروا خطأ، لأن آية الإحصار أخصّ من آية الإتمام، لأن المحصرين هم بعض المعتمرين والحجاج، فواجب ضرورة أن يستثنوا منهم، مع ما روي عن النبي في ذلك من قوله  : «مَنْ كَسَرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ» والحذف الذي ذكروا لا يعتد به إلا جاهل لأن ما تيقن فقد يحذف في كلام العرب كثيراً، عن ذلك قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

فلا خلاف بين أحد من الأمة في أن في هذه الآية حذفاً كأنه قال تعالى : أو على سفر فأحدثتم، لأن كون المرء مريضاً، أو مسافراً لا يوجب عليه وضوءاً إلا أن يحدث، ومن ذلك قوله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

لا يختلف مسلمان في أن في هذه الآية حذفاً، وأن معناه: إذا حلفتم فحنثتم، أو أردتم الحنث، كلا المعنيين قد قال به قوم، لأن الحلف لا يوجب كفارة إلا بالحنث أو بإرادته. ومن ذلك قوله عز وجل: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ، {فَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ } لا خلاف عند ذي عقل في أن في كلتا الآيتين حذفاً، وأنه كأنه تعالى قال: فضرب فانفلق، وضربت فانبسجت، فمثل هذا الحذف لا يتعلل به في كلام الله تعالى، وفي كلام رسوله ، وفي كلام كل متكلم إلا جاهل مظلم الجهل لا علم له بمواقع اللغة وهو كالمذكور الذي لم يحذف سواء بسواء.

ومن ذلك أيضاً قوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } ، ونحن نقول في كل وقت قال تعالى، وقال ، ولا يذكر اسم الله تعالى في ذلك، ولا اسم نبيه ، اكتفاء منا بفهم السامع، وأن ذلك لا يخيل عليه البتة وكذلك قال تعالى : {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } ولم يذكر الشمس اكتفاء بأن السامع قد علم المراد ضرورة.

وقالوا: نرجح أحد الخبرين بأن يكون أحدهما ورد في لفظه حكمه، والآخر لم يرد في لفظه حكمه، ومثلوا ذلك بقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

وقوله  : «أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةٌ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيائِهِمْ» وقوله  : «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ» فذكر الصبي حتى يحتلم: والمجنون حتى يفيق.

  • قال أبو محمد: ليس في قوله  : «وَرُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاثٍ» ما يوجب سقوط الحقوق عن أموالهم، وإنما فيه سقوط العبادات عن أبدانهم، وقد قالوا بإخراج الديات والأروش وزكاة ما خرج من الأرض من مال الصبي والمجنون، وهو داخل في جملة الأغنياء وأسقطوا عنه زكاة الناض تحكماً بلا برهان، فهلا قاسوا وجوب زكاة الناض عليه بوجوب زكاة ما أخرجت ثماره، وبوجوب زكاة الفطر عليه؟

وهم يدينون الله تعالى بالقياس، ويعصون أوامر الله تعالى وأوامر رسوله ، ولكن هكذا يتناقض من اتبع السبل فتفرقت بهم عن سبيل الله.

وقالوا: نرجح أحد النصين بأن يكون مؤثراً في الحكم، والآخر غير مؤثر، ومثلوا ذلك بالاختلاف في زوج بريرة أحراً كان أم عبداً.

  • قال أبو محمد: وهذا لا يعقل، لأن التأثير الذي ذكروا تحكم بلا دليل، وليس في كونه عبداً ما يمنع من تخييرها تحت الحر، وحتى لو اتفق النقلة كلهم على أنه كان عبداً لما أوجب ذلك ألا تخيير تحت حر إذا جاء ما يوجب ذلك. وإنما نص النبي على تخيير الأمة المتزوجة إذا أعتقت، ولم يقل إنما خيرتها لأنها تحت عبد، فوجب بالنص تخيير كل أمة متزوجة إذا أعتقت، ولا نبالي تحت من كانت، وليس من قال: إنها خيرت لأنها كانت تحت عبد، بأولى ممن قال: بل لأنها كانت أسود، وكل هذا لا معنى له، فكيف ولا اختلاف في الروايات، وكلها صحيح، فالذي روى أنه كان عبداً أخبر عن حاله في أول أمره، والذي روى أنه كان حراً أخبر بما صار إليه، وكان ذلك أولى لأنه كان عنده علم من تحريره زائداً على من لم يكن عنده علم ذلك.

وقالوا نرجح أحد الخبرين بأن يكون منقولاً من طرق بألفاظ شتى، والآخر لم ينقل إلا من طريق واحد. ومثلوا ذلك بحديث وابصة بن معبد الأسدي في إعادة المنفرد خلف الصف ، وبحديث أبي بكرة في تكبيره دون الصف، وحديث ابن عباس في ردّه إياه عن شماله إلى يمينه، وحديث صلاة جدة أنس منفردة خلف النبي .

  • قال أبو محمد: أما كثرة الرواة فقد قدمنا إبطال الاحتجاج بها، لأنهم يتركون أكثر ما نقله أهل الأرض برهم وفاجرهم وهو ظاهر القرآن لما نقله واحد، فكيف يجوز لمن فعل ذلك أن يغلب ما نقله ثلاثة على ما نقله واحد ؟ وليس في التناقض وقلب المعقول أكثر من هذا، وأما الأحاديث التي ذكروا فلا حجة لهم فيها، وبعضها حجة عليهم.

أما حديث أبي بكرة فقد نهاه النبي عن ذلك نصاً وقال له: «زَادَكَ الله حِرْصاً وَلا تَعُدْ» فنهاه عن العودة إلى التكبير خلف الصف وحده، ولم يأمره بإعادة الصلاة.

قال قوم: لأن أبا بكرة جهل الحكم في ذلك قبل أن يعلمه النبي أن فعله ذلك لا يجوز، فأعلمه بنهيه إياه عن أن يعود لذلك كما أمر النبي الذي أساء الصلاة في حديث رافع بالإعادة مرة بعد مرة، فلما قال له: يا رسول الله ، والله ما أدري غير هذا فعلمني، فعلمه، ولم يأمره حينئذ الإعادة، ولو أن أبا بكرة يعود لما نهاه عنه رسول الله لبطلت صلاته بلا شك، لأنه كان يكون مؤدياً لصلاة لم يؤمر بها غير الصلاة التي أمر بها بحكم ضرورة العقل، وقد قال  : «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ» .

والذي نقول به، وبالله تعالى التوفيق: أن خبر أبي بكرة موافق لمعهود الأصل في إباحة الصلاة حيث شاء وأنه حينئذ ثبت الأمر بالمنع من الصلاة خلف الصف، فجازت صلاته الكائنة قبل ورود الأمر، ولزم النهي عنه في المستأنف، ولأن النهي عن الصلاة خلف الصف أمر وارد، وحكم زائد، وشرع حادث بلا شك، فهو ناسخ للإباحة المتقدمة بيقين، وأما الذي علمه النبي الصلاة بعد قوله: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» فإن الأمر بالصلاة ثابت عليه ولا بد، ولازم حتى يؤديه كما أمره عليه السلام، وليس في ذلك الخبر أنه أسقط عنه لجهله ما كان أمره به من الصلاة ما دام وقتها قائماً. فلا يجوز أن يسقط أمر متيقن بظن كاذب، وبالله تعالى التوفيق.

وأما حديث جدة أنس بن مالك، فإنما ذلك حكم النساء، وهكذا نقول: إن حكم النساء في ذلك مخالف لحكم الرجال، وإن حكم المرأة والنساء ألا يصلين مع رجل في صفه، وهذا ما لا خلاف فيه، فأخذنا بحديث جدة أنس بن مالك في النساء، وبحديث وابصة في الرجال، لأنه جاء منصوصاً في رجل صلى خلف الصف، فأخذنا بكلا الحديثين؛ وأطعنا أمره في جميع الوجهين، ولم نعص شيئاً من أحكامه ولا ضربنا بعضها ببعض ، ولا أبطلنا بعضها ببعض، ولم نجعل فيها اختلافاً وليس من ترك حديث وابصة لحديث جدة أنس بأولى من أن يكون مصيباً ممن ترك حديث جدة أنس لحديث وابصة، فأبطل ذلك على المرأة كإبطاله على الرجل، وكل ذلك لا يجوز، وليس أحد الحديثين أولى بالطاعة من الآخر، والغرض أن يستعملا جميعاً فيما ورد فيه، فيؤمر الرجل الذي يصلي خلف الصف وحده بالإعادة، ولا تؤمر المرأة.

وأما حديث ابن عباس: فإنه كبر مع النبي منفرداً في مكان لا يصلح له الوقوف فيه، وهو جاهل بذلك غير عالم بالسنة فيه، فرده رسول الله إلى المكان الذي حقه أن يقف فيه، ولم يبطل ما عمل متأولاً بغير علم، وكذلك نقول في الرجل المأمور بالإعادة؛ إنه لولا أن النهي من رسول الله كان قد تقدم عن ذلك لما أمر بالإعادة.

وقد اعترض بعضهم باعتراضين غثين فقالوا: لعل أمر النبي لأبي بكر ألا يعود، إنما كان من سعيه بالكد إلى الصلاة، فقيل لهم: نعم كذلك نقول: إنه عليه السلام نهاه بقوله : «لا تَعُدْ» عن كل عمل عمله على غير الواجب ، وكان من أبي بكرة رضي الله عنه في ذلك الوقت أعمال منهي عنها، أحدها سعيه إلى الصلاة، والثاني تكبيره دون الصف، والثالث مشيه في الصلاة فعن كل ذلك نهاه بقوله: «وَلا تَعُدْ» لا سيما وقد روينا نص قولنا بلا إشكال .

كما حدثنا عبد الله بن ربيع قال: ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان الأسدي، ثنا أحمد بن جعفر، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا الحجاج بن المنهال السلمي، حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي، عن عبد الله بن بدر، عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان/ عن أبيه علي بن شيبان قال: صلينا مع رسول الله فقضى الصلاة، ورجل فرد يصلي خلف الصف. فوقف عليه رسول الله حتى قضى الرجل صلاته ثم قال له رسول الله : «اسْتَقْبِلْ صَلاتَكَ فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ» .

والاعتراض الثاني أن قالوا: لعل المأمور بالإعادة إنما أمره عليه السلام بذلك لعمل مّا، غير انفراده في الصف.

فقيل لهم: هذا تكهن لا دليل عليه، والراوي الذي نقل ذلك من الصحابة رضي الله عنهم إنما أخبر أن سبب أمره بالإعادة كان انفراده، ولم يذكر غير ذلك، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } ولو ساغ هذا لساغ لغيرهم أن يقول لعل ما روي من لَعْن رسول الله من وشم في الوجه، ومن غيّر منار الأرض، إنما لعنه لأمر ما غير هذين الفعلين، ولعله جلد الأمة التي زنت، ورجم ماعزاً، ورجم الغامدية لغير الزنى، ولشيء ما لم يذكر لنا. ومثل هذا من الاعتراض فإنما هو عناد ظاهر وجهل شديد وإن العجب ليطول من أصحاب أبي حنيفة الذين يأمرون المرأة إذا صلت مع الرجل إلى جنبه أن يعيد الرجل، ومن أصحاب مالك الذين يأمرون الإمام إذا صلى في مكان مرتفع والناس تحته أن يعيد، فإن سئلوا عن الحجة في ذلك قالوا: لأنهما صليا حيث لم يبح لهما، ولا يأمرون المنفرد خلف الصف والمصلي في مكان مغصوب بالإعادة، وكلاهما قد صلى على الحقيقة في مكان لم يبح له بلا شك، وأما الإمام المصلي في المكان المرتفع، والرجل الذي صلت المرأة إلى جنبه بصلاته وهو غير راض بذلك فما صليا إلا كما أمر، وكما أبيح لهما، فلو عكس هؤلاء القوم أكثر مذاهبهم لأصابوا فكيف وقد صح نص قولنا عن النبي ، كما حدثنا عبد الله بن ربيع قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن السليم، حدثنا ابن الأعرابي، ثنا أبو داود السجستاني، ثنا حميد بن مسعدة: أن يزيد بن زريع حدثهم قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن زياد الأعلم، قال: أنبأنا الحسن وهو البصري أن أبا بكرة حدثه قال: إنه دخل المسجد ونبي الله راكع فركعت دون الصف، فقال النبي  : «زَادَكَ الله حِرْصاً وَلا تَعْدُ» .

  • قال أبو محمد: وحتى لو صح هذا الترجيح الفاسد الذي ذكرنا في أول كلامنا هذا، لكان حديث وابصة هو الذي يجب أن يؤخذ به، لأن الأحاديث الواردة من طرق جمة وألفاظ شتى في تسوية الصفوف وإيجاب ذلك، والوعيد الشديد على خلافه مؤيدة كلها لحديث وابصة وموافقة له، ومبطلة لصلاة من لم يقم الصف من الرجال، وكل من صلى وحده منفرداً خلف الصف فلم يقم الصف، وتلك الأحاديث التي ذكرناها رواها جابر بن سلمة، وأبو مسعود البدري، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، والنعمان بن بشير، وأبو هريرة من طرق في غاية الصحة.

وروي ذلك أيضاً من طريق ابن عمرو، وأبي مالك الأشعري، والعرباض بن سارية، والبراء بن عازب، كلهم عن النبي ، وقد ذكرنا أن حديث أبي بكر موافق لحديث وابصة، فثبت حديث وابصة لا معارض له، وصار بكثرة من ذكرنا من رواة معناه، والحكم الواجب فيه منقولا نقل التواتر، موجباً للعلم الضروري، لأنه رواه اثنا عشر صاحباً، منهم الكوفي والبصري والرقي والشامي والمدني من طرق شتى، وهذه صفة نقل الكافة، وبالله تعالى التوفيق.

وقالوا: نرجح أحد النصين بأن يكون أحدهما أبعد من الشناعة، ومثلوا ذلك بقوله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } الآية مع قوله عز وجل: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ الآَثِمِينَ } .

  • قال أبو محمد: وهذا لا معنى له، ولا شناعة إلا المخالفة لله ولرسول الله ، والتحكم بالآراء الفاسدة على ما أمرنا به، فهذه هي الشُّنْعة التي لا شنعة غيرها. وقوله تعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ الآَثِمِينَ }

مستثنى من آية النهي عن قبول خبر الواحد الفاسق فلا يقبل فاسق أصلاً إلا في الوصية في السفر فقط، فإنه يقبل فيها كافران خاصة دون سائر الفساق، ولا شنعة أعظم ولا أفحش ولا أقبح ولا أظهر من بطلان قول من قال: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ الآَثِمِينَ }

أي من غير قبيلتكم، تعالى الله عن هذا الهذر علوّاً كبيراً، وليت شعري أي قبيلة خاطب الله عز وجل بهذا الخطاب خاصة دون سائر القبائل، وقد قال تعالى في أول الآية: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }

وما علمنا الذين أمنوا قبيلة بعينها. بل في الذين آمنوا: عرب، وفرس، وقبط، ونبط، وروم، وصقلب، وخزر، وسودان حبشة، وزنج، ونوبة، وبجاة، وبربر، وهند، وسند، وترك، وديلم، وكرد، فثبت بضرورة لا مجال للشك فيها، أن غير الذين آمنوا: هم الذين كفروا، ولا ينكر ذلك إلاَّ من سفه نفسه، وأنكر عقله، وقال على ربه تعالى بغير علم ولا برهان؛ ولعمري لقد كان ينبغي أن يستحي قائلمن غيركم من غير قبيلتكم؛ من هذا التأويل الساقط الظاهر عواره؛ الذي ليس عليه من نور الحق أثر.

والعجب يكثر من أصحاب أبي حنيفة الذين يقبلون اليهود والنصارى في جميع الحقوق بعضهم على بعض، وقد نهاهم الله تعالى عن قبول الفاسقين، ثم لا يقبلونهم في الوصية في السفر؛ وقد جاء نص القرآن بقبولهم فيها، وحسبنا الله وما عسى أن يقال في هذا المكان أكثر من وصف هذا القول البشيع الشنيع الفظيع، فإن ذكره كاف من تكلف الرد عليه، وبالله تعالى التوفيق.

وقالوا: ونرجع بأن يكون الاشتقاق يؤيد أحد النصين؛ ومثلوا ذلك بالشفق، وادعوا أن اشتقاقه يؤيد أنه الحمرة.

  • قال أبو محمد: ما سمعنا هذا في علم اللغة ولا علمناه؛ ولا سمع لغوي قط أن الشفق مشتق من الحمرة، وإنما عهدنا الشعراء يسمون الحمرة والبياض المختلطين في الجدود بالشفق على سبيل التشبيه فقط، وإنما قلنا: إن وقت العشاء الآخرة يدخل بمغيب الحمرة، لأن الحمرة تسمى شفقاً والبياض يسمى شفقاً، فمتى غاب ما يقع عليه اسم شفق من حمرة أو بياض فقد غاب الشفق ودخل وقتها الخبر في ذلك عن النبي . وهذا هو القول بالعموم والظاهر.

وأما من قال: حتى يغيب كل ما يسمى شفقاً فقد خصص الحديث بلا معنى ولا برهان، وادعى أن المراد بذلك بعض ما يسمى شفقاً وهو البياض، وأنه قد يغيب الشفق ولا يكون ذلك وقتاً للعتمة؛ وذلك مغيب الحمرة. وهذا تخصيص للحديث بلا دليل؛ وإنما بيّنا هذا لئلا يموه مموه فيقول لنا: أنتم خصصتم الظاهر في هذا المكان؛ ولئلا يدعوا أنهم قالوا بعمومه في هذا المكان.

وقالوا: نرجح أحد الخبرين بأن يكون أحدهما يضيف إلى السلف نقصاً والآخر لا يضف إليهم ذلك، فيكون الذي لا يضيف إليهم ذلك النقص أولى، ومثلوا ذلك بمثال لا يصح، فذكروا حديثين وردا في إعادة الوضوء من القهقهة في الصلاة؛ وفي إسقاط الوضوء منها وكلا الحديثين ساقط لا يصح. أحدهما رواه الحسن بن دينار وهو ضعيف، وروي مرسلاً من طريق أبي العالية وقد بينا أن المرسل لا تقوم به حجة، والآخر رواه أبو سفيان عن جابر، وأبو سفيان طلحة بن نافع ضعيف.

ولكنا نمثل في ذلك مثالاً يصح، وذلك الحديث المروي أن امرأة مخزومية سرقت، فشفع فيها أسامة ألا تقطع يدها، فأنكر على أسامة رضي الله عنه وقال له: «يا أُسَامَةُ أَتَشْفَعُ فِي حَدَ مِنْ حُدُودِ الله تَعَالَى» .

وروي أيضاً: أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده، فأمر رسول الله بقطع يدها، فشفع فيها أسامة، فقال من رجح إحدى الروايتين بما ذكرنا، محال أن يزجر النبي أسامة عن أن يشفع في حد ثم يعود لمثل ذلك، فراموا أن يثبتوا بذلك أنها قصة واحدة وامرأة واحدة، وأنها قطعت للسرقة لا لجحد العارية.

  • قال أبو محمد: هذا لا معنى له ولا حجة فيه، لأننا لم نقل إن أسامة رضي الله عنه أقدم على ذلك وهو يعلمه حداً، وليس في الحديث زجر، وإنما فيه تعليم ولسنا ننكر على أسامة وغير أسامة جهل شريعة ما حتى يعلمه إياها رسول الله ، ومن قال في خبر ورد في سارقة، وخبر ورد في مستعيرة إنها قصة واحدة، فقد كان كابر وقال بغير برهان، وقفا ما ليس له به علم.

وأما نحن فنقول يقيناً بغير شك: إن حال المستعيرة غير حال السارقة، وإن العارية والجحود غير السرقة، وإنهما قضيتان متغايرتان بلا شك، ثم لسنا نقطع على أنهما امرأتان، ولا على أنها امرأة واحدة، لأن كل ذلك ممكن، وقد يمكن ولو كانت امرأة واحدة أن تكون سرقت مرة فقطعت يدها، ثم استعارت فجحدت فقطعت يدها الثانية، والله تعالى أعلم، وإنما نقول ما روينا وصحح عندنا، ولا نزيد من رأينا ما لم نسمع، ولا قام به برهان، فنحصل في حد الكذب، ونعوذ بالله من ذلك، إلا أننا نقول : إنا قد روينا بالسند الصحيح أن رسول الله أمر بقطع يد امرأة استعارت المتاع وجحدته، فنحن نقطع يد كل مستعير جاحد إذا قامت عليه بذلك بيّنة، أو علم بذلك الحاكم، أو أقر هو بذلك.

ونقول: قد روينا أنه قطع يد من سرق، فنحن نقطع يد من سرق إذا ثبت عليه شيء مما ذكرنا. هذا على أن حديث قطع المستعيرة قد روي من غير طريق عائشة رضي الله عنها بسند صحيح؛ ليس فيه ذكر شفاعة أسامة ولا شيء مما في حديث السارقة، وبالله تعالى التوفيق.

  • قال أبو محمد: ولهم ترجيحات فاسدة جداً، والتي ذكرنا تستوعبها كلها، وقد بينا سقوطها بالبراهين الواضحة وبتعري دعاويهم من الأدلة، وعلى ذلك فكل ما رجحوا به في مكان ما فقد تركوه في أمكنة كثيرة، وقد بينا الوجوه التي بها يرفع التعارض المظنون عن النصوص من القرآن والحديث، بياناً لائحاً والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه

  • قال أبو محمد: قد بيّنا فيما قبل هذا بحول الله تعالى وقوته كيف يستثنى ما جاء في الحديث مما جاء في القرآن، وما جاء في القرآن مما جاء في الحديث، وما جاء في كل واحد منهما من خاص مما جاء فيهما من عام، ووجه الأخذ بالزائد في كل ذلك، وذكر تخبط من خالف تلك الطريقة في حيرة التناقض وغلبة الشكوك على أقوالهم، وبقي من خبال قولهم شيء نذكره ههنا إن شاء الله تعالى، وهو أن بعضهم رأى أن يرد بعض ما بلغه عن النبي مما قد أخذ بمثله فيما بيّن من المواضع، فقال: لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر عن النبي ، وقد بينا فيما خلا أن القوم إنما حسبهم نصر المسألة التي بين أيديهم فقط، بأي شيء أمكنهم، وإن هدموا على أنفسهم ألف مسألة مما يحتجون به في هذه، ثم لا يبالون إذا تناولوا مسألة أخرى أن يحققوا ما أبطلوا في هذه ويبطلوا ما حققوا فيها، فهم أبداً كما ترى يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً. ولقد كان ينبغي لمن ترك قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

لحديث الوضوء بالنبيذ المسكر الحرام، وهو لا يصح أبداً، ولمن ترك قول الله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

فقال: بل يتبعه بالضرب بالسياط والنفي في البلاد، ومثل هذا كثير أن يستحي من أن يقول: لا أخصص القرآن بالحديث الصحيح الذي نقله الثقات.

وإن العجب ليطول ممن أبى قبول خبر الواحد في الحكم باليمين مع الشاهد وفي تمام صيام الآكل ناسياً، وفي التحريم بخمس رضعات، وفي قضاء الصيام عمن مات وعليه صوم، وفي ألا يحنط المحرم الميت، وفي مئين من الأحكام، ثم لا يستحي من أن يقول: لا أجلد الزاني المحصن. وقد جاء القرآن بجلد كل زان ولم يخص محصناً من غيره، فقال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } ولم يخص تعالى من ذلك إلا الإماء والعبيد فقط.

فتركوا القرآن كما ترى والسنة الصحيحة من طريق عبادة في إيجاب الجلد على الزاني محصناً كان أو غير محصن، لظنَ ظنوه في أن ماعزاً رجم ولم يجلد، وقد علمنا وجه قول المعتزلة لا نأخذ بالحديث إلا حتى نجد حكمه في القرآن، وما علمنا وجهاً لقول من قال لا نأخذ بالقرآن حتى يأتي حكمه في الحديث.

وهذا هو نفس قول إخواننا، وفقهم الله في هذا المسألة، وإنما روي أن رسول الله لم يجلد ماعزاً، من طريق ساقطة لا يقوم به حجة.

وقد فعل مثل ذلك أيضاً بعضهم، فسمع القرآن قد نزل بقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }

فقالوا: لا نستعيذ إذا قرأنا في الصلاة، لأنه لم يأت خبر بإيجاب الاستعاذة، فمرة يتركون الأخبار الصحاح لأنها لم تذكر أحكامها في القرآن، ومرة يتركون القرآن لأن حكمه لم يأت به خبر، فأين تطلب مذاهب هؤلاء القوم، وكيف يستجيزون هذه العظائم الشنيعة التي لا تطرد مع خطئها، وعدم الحجة عليها وقيام البرهان على بطلانها. وقد اعترض بعضهم في ترك الاستعاذة بما روي عن النبي  : «كان يفتتح القرآن بالحمد لله رب العالمين» .

  • قال أبو محمد: وهذا من غريب احتجاجهم، وليت شعري متى قلنا لهم إن الاستعاذة قراءة يحتجون علينا بها، وإنما قلنا لهم: إن الاستعاذة قبل القراءة، وبعد ما روي من التوجيه والدعاء أثر التكبير، وأما استفتاح القراءة فبالحمد لله رب العالمين بلا شك، ولا نقول غير ذلك.
  • قال أبو محمد: فإن قالوا لنا: أتقولون إن ماعزاً جلده النبي ، وأنه كان يستعيذ قبل القراءة في الصلاة ؟

قلنا لهم وبالله تعالى التوفيق: إنا نقول ونقطع أن الله عز وجل قد أمر بجلد كل زان على كل حال، وأن رسول الله قد حكم على الزاني المحصن بالجلد مع الرجم، وأنه لم يخالف ربه قط، ولا شك عندنا في أن ماعزاً جلد مع الرجم، ولا ندري إن كان أمره بعد ورود النص بالجلد مع الرجم وقد يمكن أن يكون رجمه قبل نزول آية الجلد، فقد روينا بأصح طريق أنه قيل لبعض الصحابة رضوان الله عليهم في رجم رسول الله المحصن والمحصنة أكان ذلك قبل نزول سورة النور أم بعد نزولها؟ فقال: لا أدري، فصح قولنا، وكذلك فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد النبي فإنه جلد شراحة الهمدانية ثم رجمها.

وكذلك نقول أيضاً إن الله عز وجل قد أمر كل قارىء بالاستعاذة، وأن رسول الله لم يخالف أمر ربه قط، ولا شك عندنا في وجوب الاستعاذة في الصلاة وقد استعاذ قبل القراءة جماعة من الصحابة.

روينا ذلك عنهم بالسند الصحيح، وما روي إنكار ذلك عن أحد منهم، ولا يبطل ما صح بقول القائل لعله نسخ، ولا بأن يروى أنه كرره وكذلك إن كان أمراً فلا يبطل بألا يروى أنه فعله، وقد بينا أن الأمر ساعة وروده يلزم ما لم يتيقن نسخه، ولو كان الأمر لا يصح إلا بأن يكرر للزم مثل ذلك في التكرار، وفي تكرار التكرار إلى ما لا نهاية له، وللزم مثل ذلك في الأفعال، فكان لا تصح شريعة أبداً. وهذا قول يؤدي إلى إبطال جميع الشرائع وإلى الكفر، وليس الأمر الثاني بأوكد من الأول أصلاً.

  • قال أبو محمد: ثم نعكس عليهم هذا السؤال الفاسد فنقول لمن كان منهم مالكياً أتقول: إن رسول الله أخذ الزكاة من زيت الفجل، ومن الفول والعَلَس ومن عروض التجارة، وقد كان ذلك موجوداً بالمدينة، وكانت التجارة هي الغالبة على المهاجرين، ومعاش جميع أهل مكة لا نحاشي منهم أحداً في أيامه وهل حكم رسول الله بالشفعة في الثمار، وقد كانت تتبايع على عهده بالمدينة بلا شك ؟.

ونقول له إن كان حنفياً: أتقول إنه أخذ الزكاة من القثاء والرمان والخضروات والقطن.

ونقول لمن كان منهم شافعياً: هل تقول إنه بسمل ولا بد في كل ركعة قبل أم القرآن ؟.

فإن قالوا: قد قام الدليل على كل ما ذكرنا ولا ينسب إلى رسول الله خلاف ما أوجبه القرآن، وخلاف ما جاء به أمره، قلنا لهم: هذا قولنا نفسه في جلد ماعز، وفي الاستعاذة.

فإن قالوا: نعم، قد فعل ذلك كله رسول الله

قالوا: ما لم يأت في شيء من الروايات أنه فعله فلا ينكروا هذا على من قاله فيما جاء به نص كلام الله عز وجل، وإن قالوا: لم يفعله ولكنا أوجبناه بالدلائل، أقروا على أنفسهم بالكفر وبإحداث شريعة لم يأذن بها الله تعالى، ولا علمها الرسول وصرحوا بأن النبي خالف أمر ربه جاهراً وضيع الواجب، وأنهم استدركوا ذلك وعملوا بأمر ربهم، وهذا لا يقوله مسلم، والله الموفق للصواب.

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الثاني

فصل في المرسل | فصل في أقسام السنن | فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل بذلك | فصل في حكم العدل | تتمة فصل في حكم العدل | فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقناً | فصل أجاز بعض أصحابنا أن يرد الحديث الصحيح | فصل ليس كل قول الصحابي إسناداً | فصل في قوم لا يتقون الله فيما ينسب إلى النبي | فصل ليس كل من أدرك النبي ورآه صحابياً | فصل في حكم الخبر عن النبي | فصل في زيادة العدل | فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملـهم أيضاً | فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة | فصل في فضل الإكثار من الرواية للسنن | فصل في صفة الرواية | فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالواهذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان