ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء االثاني/فصل في قوم لا يتقون الله فيما ينسب إلى النبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


  • قال علي : وقد ذكر قوم لا يتقون الله عز وجل أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام، وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله وإباحة الكذب عليه ، وهو ما حدثنا المهلب بن أبي صفرة، حدثنا ابن مناس، ثنا محمد بن مسرور القيرواني، ثنا يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، أخبرني شمر بن نمير، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب أن رسول الله قال: «سَيَأْتِي نَاسٌ يُحَدِّثُونَ عَنِّي حَدِيثاً، فَمَنْ حَدَّثَكُمْ حَدِيثاً يُضَارِعُ القُرْآنَ فَأَنَا قُلْتُهُ، وَمَنْ حَدَّثَكُمْ بِحَدِيثٍ لا يُضَارِعُ القُرْآنَ فَلَمْ أَقُلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ حَسْوَةٌ مِنَ النَّارِ» .
  • قال أبو محمد : الحسين بن عبد الله ساقط منهم بالزندقة، وبه إلى ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن الأصبغ بن محمد أبي منصور أنه بلغه أن رسول الله قال: «الحَدِيثُ عَنِّي عَلَى ثَلاثٍ، فَأَيُّما حَدِيثٍ بَلَغَكُمْ عَنِّي تَعْرِفُونَهُ بِكِتَابِ الله تعالى فَاقْبَلُوهُ، وَأَيُّما حَدِيثٍ بَلَغَكُمْ عَنِّي لا تَجِدُونَ في القُرْآنِ ما تُنْكِرُونَهُ بِهِ وَلا تَعْرِفُونَ مَوْضِعَهُ فِيهِ فَاقْبَلُوهُ، وَأَيُّمَا حَدِيثٍ بَلَغَكُمْ عَنِّي تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُكُمْ وَتَشْمَئِزُّ مِنْهُ قُلُوبُكُمْ وَتَجِدُونَ فِي القُرْآنِ خِلافَهُ فَرُدُّوهُ» .
  • قال أبو محمد : هذا حديث مرسل/ والأصبغ مجهول.

حدثنا أحمد بن عمر، ثنا ابن يعقوب، ثنا ابن محلون، ثنا المغامي ثنا عبد الملك بن حبيب عن مطرف بن عبد الله، عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن رسول الله قال في مرضه : «لا يُمْسِكُ النَّاسُ عَلَيَّ شَيْئاً لا أُحِلُّ إِلا مَا أَحَلَّ الله في كِتَابِهِ وَلا أُحَرِّمُ إِلاَّ ما حَرَّمَ الله في كِتَابِهِ»

وهذا مرسل إلا أن معناه صحيح، لأنه إنما أخبر في هذا الخبر بأنه لم يقل شيئاً من عند نفسه بغير وحي من الله تعالى به إليه، وأحال بذلك على قول الله تعالى في كتابه : {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } فنص كتاب الله تعالى يقضي بأن كل ما قاله فهو عن الله تعالى .

وأخبرني المهلب بالسند الأول إلى ابن وهب، حدثني سليمان بن بلال، عن عمرو ابن أبي عمرو، عمن لا يتهم، عن الحسن أن رسول الله قال: «وَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلَّكُمْ أَنْ تَقُولُوا عَنِّي بَعْدِي مَا لَمْ أَقُلْ، مَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي مِمَّا يُوَافِقُ القُرْآنَ فَصَدِّقُوا بِهِ، وَمَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي مِمَّا لا يُوَافِقُ القُرْآنَ فَلا تُصَدِّقُوا بِهِ» وما لرسول الله حتى يقول ما لا يوافق القرآن، وبالقرآن هداه الله.

  • قال أبو محمد : وهذا مرسل وفيه: عمرو بن أبي عمرو وهو ضعيف، وفيه أيضاً مجهول، حدثنا عبد الله بن ربيع، ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان، ثنا أحمد بن خالد، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا حجاج بن المنهال، ثنا عبد الوهاب هو الثقفي سمعت يحيى بن سعيد قال: أخبرني ابن أبي مليكة، أن ابن عمير حدثه أن رسول الله جلس في مرضه الذي مات فيه إلى جنب الحجر، فحذر الفتن، وقال  : «إِنِّي وَالله لا يُمْسِكُ النَّاسُ عَلَيَّ بِشَيْءٍ، إِنِّي لا أُحِلُّ إِلاَّ مَا أَحَلَّ الله في كِتَابِهِ، وَلا أُحَرِّمُ إِلاَّ ما حَرَّمَ الله في كِتَابِهِ» .
  • قال علي : وهذا مرسل لا يصح، وفيما أخذناه عن بعض أصحابنا عن القاضي عبد الله بن محمد بن يوسف، عن ابن الدخيل، عن محمد بن عمرو العقيلي، حدثنا محمد بن أيوب، ثنا أبو عون محمد بن عون الزيادي، ثنا أشعث بن بزار، عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُوَافِقُ الحَقَّ فَخُذُوا بِهِ حَدَّثْتُ بِهِ أَوْ لَمْ أُحَدِّثْ» .
  • قال علي : وأشعث بن بزار كذاب ساقط لا يؤخذ حديثه، وحدثنا المهلب بن أبي صفرة، ثنا ابن مناس، ثنا محمد بن مسرور، ثنا يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، أخبرني الحارث بن نبهان، عن محمد بن عبد الله العرزمي، عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «ما بَلَغَكُمْ عَنِّي مِنْ قَوْلٍ حَسَنٍ لَمْ أَقُلْهُ فَأَنَا قُلْتُهُ» .
  • قال علي : الحارث ضعيف، والعرزمي ضعيف، وعبد الله بن سعيد كذاب مشهور، وهذا هو نسبة الكذب إلى رسول الله ، لأنه حكي عنه أنه قال : «لَمْ أَقُلْهُ فَأَنَا قُلْتُهُ»

فكيف يقول ما لم يقله هل يستجيز هذا إلا كذاب زنديق كافر أحمق؟ إنا لله وإنا إليه راجعون على عظم المصيبة، بشدة مطالبة الكفار لهذه الملة الزهراء، وعلى ضعف بصائر كثير من أهل الفضل، يجوز عليهم مثل هذه البلايا لشدة غفلتهم، وحسن ظنهم لمن أظهر لهم الخير. قال علي: فإحدى الطائفتين أبطلت الشرائع، والأخرى أباحت الكذب على رسول الله ، ونحن نبرأ إلى الله تعالى من كلتا هاتين الطائفتين وهاتين المسألتين.

ونقول للأولى : أول ما نعرض على القرآن الحديث الذي ذكرتموه، فلما عرضناه وجدنا القرآن يخالفه، قال الله تعالى: {مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }

وقال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } وقال تعالى: {إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } .

ونسأل قائل هذا القول الفاسد: في أي قرآن وجد أن الظهر أربع ركعات، وأن المغرب ثلاث ركعات، وأن الركوع على صفة كذا، والسجود على صفة كذا، وصفة القراءة فيها والسلام، وبيان ما يجتنب في الصوم، وبيان كيفية زكاة الذهب والفضة، والغنم والإبل والبقر، ومقدار الأعداد المأخوذ منها الزكاة، ومقدار الزكاة المأخوذة، وبيان أعمال الحج من وقت الوقوف بعرفة، وصفة الصلاة بها وبمزدلفة ورمي الجمار، وصفة الإحرام، وما يجتنب فيه، وقطع يد السارق، وصفة الرضاع المحرم، وما يحرم من المآكل، وصفة الذبائح والضحايا وأحكام الحدود، وصفة وقوع الطلاق، وأحكام البيوع، وبيان الرّبا، والأقضية والتداعي والإيمان والأحباس، والعمرى، والصدقات، وسائر أنواع الفقه ؟

وإنما في القرآن جمل لو تركنا وإياها، لم ندرِ كيف نعمل فيها، وإنما المرجوع إليه في كل ذلك النقل عن النبي .

وكذلك الإجماع إنما هو على مسائل يسيرة قد جمعناها كلها في كتاب واحد وهو المرسوم «بكتاب المراتب» فمن أراد الوقوف عليها فليطلبها هنالك فلا بد من الرجوع إلى الحديث ضرورة ولو أن امرأ قال : لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر، لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك.

وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال، وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة ممن قد اجتمعت الأمة على كفرهم وبالله تعالى التوفيق. ولو أن امرأً لا يأخذ إلا بما اجتمعت عليه الأمة فقط، ويترك كل ما اختلفوا فيه مما قد جاءت فيه النصوص لكان فاسقاً بإجماع الأمة، فهاتان المقدمتان توجب بالضرورة الأخذ بالنقل.

وأما من تعلق بحديث التقسيم فقال: ما كان في القرآن أخذناه، وما لم يكن في القرآن لا ما يوافقه ولا ما يخالفه أخذناه، وما كان خلافاً للقرآن تركناه، فيقال لهم: ليس في الحديث الذي صحّ شيء يخالف القرآن، فإن عد الزيادة خلافاً لزمه أن يقطع في فلس من الذهب، لأن القرآن جاء بعموم القطع. ولزمه أن يحل العذرة، لأن في نص القرآن: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

والعذرة ليست شيئاً مما ذكر، فإن قال: هي رجس، قيل له: كل محرم فهو رجس، لا سيما إن كان مخاطبنا ممن يستحل أبوال الإبل وبعرها، فأي فرق بين أنواع المعذرات لولا التحكم، ولزمه أيضاً، أن يحل الجمع بين العمة وبنت أخيها، لأن القرآن نص على المحرمات، ثم قال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } فإن عدّ الزيادة خلافاً، لزمه كما ذكرناه.

وأما الطائفة الأخرى المبيحة للقول بما لم يأت نصّاً عن النبي وإباحة أن ينسب ذلك إليه، فحسبنا أنهم مقرون على أنفسهم بأنهم كاذبون، وقد صح عن رسول الله أنه قال: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذَبَ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبينَ» .

حدثنا أحمد بن محمد الجسوري قال: ثنا وهب بن مسرة، ثنا ابن وضاح، عن أبي بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع عن شعبة وسفيان، عن حبيب، عن ميمون بن أبي شبيب، عن المغيرة بن شعبة/ عن النبي وقال : «لاَ تَكْذِبُوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ يَكْذِبُ عَلَيَّ يَلِجُ النَّارَ» وروينا هذا المعنى مسنداً صحيحاً من طريق علي، وأبي هريرة، وسمرة وأنس عن رسول الله .

  • قال علي : وقال محمد بن عبد الله بن مسرة : الحديث ثلاثة أقسام: فحديث موافق لما في القرآن، فالأخذ به فرض، وحديث زائد على ما في القرآن، فهو مضاف إلى ما في القرآن، والأخذ به فرض، وحديث مخالف لما في القرآن فهو مطرّح.
  • قال علي بن أحمد : لا سبيل إلى وجود خبر صحيح مخالف لما في القرآن أصلاً، وكل خبر شريعة، فهو إما مضاف إلى ما في القرآن ومعطوف عليه ومفسر لجملته، وإما مستثنى منه لجملته، ولا سبيل إلى وجه ثالث.

فإن احتجوا بأحاديث محرّمة أشياء ليست في القرآن قلنا لهم: قد قال الله عز وجل: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }

فكل ما حرمه رسول الله مثل الحمار الأهلي وسباع الطير، وذوات الأنياب، وغير ذلك فهو من الخبائث؛ وهو مذكور في الجملة المتلوة في القرآن ومفسر لها، والمعترض بها يسأل: أيحرم أكل عذرته أم يحلها، فإن أحلها خرج عن إجماع الأمة وكفر، وإن حرمها فقد حرم ما لم ينص الله تعالى على اسمه في القرآن، فإن قال: هي من الخبائث قيل له: وكل ما حرم فهو كالخنزير، وكل ذلك من الخبائث.

  • قال علي : فإن قال: قد صح الإجماع على تحريمها، قيل له: قد أقررت بأن الأمة مجمعة على إضافة ما جاء عن النبي من السنن إلى القرآن، مع ما صح على النبي من النهي عن ذلك، كما حدثنا عبد الرحمن بن سلمة صاحب لنا قال: ثنا أحمد بن خليل قال: ثنا خالد بن سعيد، ثنا أحمد بن خالد، ثنا أحمد بن عمرو المكي وكان ثقة ثنا محمد بن أبي عمر العدني، ثنا سفيان هو ابن عيينة عن سالم أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه قال: قال رسول الله  : «لا أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئاً عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لا أَدْرِي ما وَجَدْنا في كِتَابِ الله تَعَالى اتَّبَعْنَاهُ»

فهذا حديث صحيح بالنهي عما تعلل به هؤلاء الجهال، وبالله تعالى التوفيق، مع ما قدمنا من أنه لا يختلف مسلمان في أن ما صح عن النبي فهو مضاف إلى ما في القرآن، وأنهم إنما اختلفوا في الطرق التي بها يصح ما جاء عنه فقط.

وقد سألت بعض من يذهب هذا المذهب عن قول الله تعالى وقد ذكر النساء المحرمات في القرآن، ثم قال تعالى : {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

ثم روى أبو هريرة وأبو سعيد أنه حرّم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وليس هذا إجماعاً، فعثمان البتي وغيره يرون الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها حلالاً.

فقال لي: ليس هذا الحديث خلافاً للآية لكنه مضاف إليها، فقلت له: فعلى هذا لا سبيل إلى وجود حديث مخالف لما في القرآن أصلاً، وكل حديث أتى فهو مضاف إلى ما في القرآن ولا فرق، وبالله تعالى التوفيق.

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الثاني

فصل في المرسل | فصل في أقسام السنن | فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل بذلك | فصل في حكم العدل | تتمة فصل في حكم العدل | فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقناً | فصل أجاز بعض أصحابنا أن يرد الحديث الصحيح | فصل ليس كل قول الصحابي إسناداً | فصل في قوم لا يتقون الله فيما ينسب إلى النبي | فصل ليس كل من أدرك النبي ورآه صحابياً | فصل في حكم الخبر عن النبي | فصل في زيادة العدل | فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملـهم أيضاً | فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة | فصل في فضل الإكثار من الرواية للسنن | فصل في صفة الرواية | فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالواهذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان