إحياء علوم الدين/كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


وهو الكتاب العاشر من ربع العادات الثاني من كتب إحياء علوم الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه وترتيبه، وأدب نبيه محمداً فأحسن تأديبه، وزكى أوصافه وأخلاقه ثم اتخذه صفيه وحبيبه، ووفق للاقتداء به من أراد تهذيبه؛ وحرم عن التخلق بأخلاقه من أراد تخييبه وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم كثيراً.

أما بعد: فإن آداب الظواهر عنوان آداب البواطن، وحركات الجوارح ثمرات الخواطر، والأعمال نتيجة الأخلاق والآداب رشح المعارف، وسرائر القلوب هي مغارس الأفعال ومنابعها، وأنوار السرائر هي التي تشرق على الظواهر فتزينها وتجليها، وتبدل بالمحاسن مكارهها ومساويها. ومن لم يخشع قلبه لم تخشع جوارحه. ومن لم يكن صدره مشكاة الأنوار الإلهية لم يفض على ظاهر جمال الآداب النبوية، ولقد كنت عزمت على أن أختم ربع العادات من هذا الكتاب بكتاب جامع لآداب المعيشة لئلا يشق على طالبها استخراجها من جميع هذه الكتب، ثم رأيت كل كتاب من ربع العادات قد أتى على جملة من الآداب فاستثقلت تكريرها وإعادتها، فإن طلب الإعادة ثقيل والنفوس مجبولة على معاداة المعادات، فرأيت أن أقتصر في هذا الكتاب على ذكر آداب رسول الله وأخلاقه المأثورة عنه بالإسناد فأسردها مجموعة فصلاً فصلاً محذوفة الأسانيد ليجتمع فيه مع جميع الآداب تجديد الإيمان وتأكيده بمشاهدة أخلاقه الكريمة التي شهد آحادها على القطع بأنه أكرم خلق الله تعالى وأعلاهم رتبة وأجلهم قدراً فكيف مجموعها? ثم أضيف إلى ذكر أخلاقه ذكر خلقته ثم ذكر معجزاته التي صحت بها الأخبار ليكون ذلك معرباً عن مكارم الأخلاق والشيم، ومنتزعاً عن آذان الجاحدين لنبوته صمام الصمم. والله تعالى ولي التوفيق للاقتداء بسيد المرسلين في الأخلاق والأحوال وسائر معالم الدين فإنه دليل المتحيرين ومجيب دعوة المضطرين. ولنذكر فيه أولاً بيان تأديب الله تعالى إياه بالقرآن، ثم بيان جوامع من محاسن أخلاقه، ثم بيان جملة من آدابه وأخلاقه، ثم بيان كلامه وضحكه، ثم بيان أخلاقه وآدابه في الطعام، ثم بيان أخلاقه وآدابه في اللباس، ثم بيان عفوه مع القدرة ثم بيان إغضائه عما كان يكره، ثم بيان سخاوته وجوده، ثم بيان شجاعته وبأسه، ثم بيان تواضعه، ثم بيان صورته وخلقته، ثم بيان جوامع معجزاته وآياته .

بيان تأديب الله تعالى حبيبه وصفيه محمداً

بالقرآن

كان رسول الله كثير الضراعة والابتهال دائم السؤال من الله تعالى أن يزينه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق، فكان يقول في دعائه "اللهم حسن خلقي وخلقي" ويقول: "اللهم جنبني منكرات الأخلاق" فاستجاب الله تعالى دعاءه وفاء بقوله عز وجل: "ادعوني أستجب لكم" فأنزل عيه القرآن وأدبه به فكان خلقه القرآن.

قال سعد بن هشام: دخلت على عائشة رضي الله عنها وعن أبيها فسألتها عن أخلاق رسول الله فقالت: أما تقرأ القرآن? قلت: بلى، قالت: كان خلق رسول الله القرآن.

وإنما أدبه القرآن بمثل قوله تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" وقوله: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي" وقوله: "واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور" وقوله: "فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين" وقوله: "وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم" وقوله: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" وقوله: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" وقوله: "اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً" ولماكسرت رباعيته وشج يوم أحد فجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسح الدم ويقول: "كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم" فأنزل اله تعالى: "ليس لك من الأمر شيء" تأديباً له على ذلك.

وأمثال هذه التأديبات في القرآن لا تحصر وهو عليه السلام المقصود الأول بالتأديب والتهذيب، ثم منه يشرق النور على كافة الخلق فإنه أدب بالقرآن وأدب الخلق به ولذلك قال "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ثم رغب الخلق في محاسن الأخلاق بما أوردناه في كتاب رياضة النفس وتهذيب الأخلاق فلا نعيده، ثم لما أكمل الله تعالى خلقه أثنى عليه فقال تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم" فسبحانه ما أعظم شأنه وأتم امتنانه ثم انظر إلى عميم لطفه وعظيم فضله كيف أعطى ثم أثني? فهو الذي زينه بالخلق الكريم ثم أضاف إليه ذلك فقال: "وإنك لعلى خلق عظيم" ثم بين رسول الله للخلق أن الله يحب مكارم الأخلاق ويبغض سفافها قال علي رضي الله عنه يا عجباً لرجل مسلم يجتبيه أخوه المسلم في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلاً فلو كان لا يرجو ثواباً ولا يخشى عقاباً لقد كان ينبغي له أن يسارع إلى مكارم الأخلاق فإنها مما تدل على سبيل النجاة. فقال له رجل: أسمعته من رسول الله ? فقال نعم وما هو خير منه لما أتى بسبايا طيئ وقفت جارية في السبي فقالت: يا محمد إن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب فإني بنت سيد قومي وإن أبي كان يحمي الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط، أنا ابنة حاتم الطائي. فقال "يا جارية هذه صفة المؤمنين حقاً لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق وإن الله يحب مكارم الأخلاق" فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله؛ الله يحب مكارم الأخلاق? فقال: "والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة إلا حسن الأخلاق" وعن معاذ بن جبل عن النبي قال: "إن الله حف الإسلام بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال" ومن ذلك حسن المعاشرة وكرم الصنيعة ولين الجانب وبذل المعروف وإطعام الطعام وإنشاء السلام وعيادة المريض المسلم براً كان أو فاجراً وتشييع جنازة المسلم وحسن الجوار لمن جاورت - مسلماً كان أو كافراً - وتوقير ذي الشيبة المسلم وإجابة الطعام والدعاء عليه والعفو والإصلاح بين الناس والجود والكرم والسماحة والابتداء بالسلام وكظم الغيظ والعفو عن الناس واجتناب ما حرم الإسلام من اللهو والباطل والغناء والمعازف كلها وكل ذي وتر وكل ذي دخل والغلبة والكذب والبخل والشح والجفاء والمكر والخديعة والنميمة وسوء ذات البين وقطيعة الأرحام وسوء الخلق والتكبر والفخر والاختيال والاستطالة والبذخ والفحش والتفحش والحقد والحسد والطيرة والبغي والعدوان والظلم. قال أنس رضي الله عنه: فلم يدع نصيحة جميلة غلا وقد دعانا إليها وأمرنا بها ولم يدع غشاً - أو قال عيباً، أو قال شيناً - إلا حذرناه ونهانا عنه ويكفي من ذلك كله هذه الآية "إن الله يأمر العدل والإحسان" الآية وقال معاذ: أوصاني رسول الله فقال: "يا معاذ أوصيك باتقاء الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وترك الخيانة وحفظ الجار ورحمة اليتيم ولين الكلام وبذل السلام وحسن العمل وقصر الأمل ولزوم الإيمان والتفقه في القرآن وحب الآخرة والجزع من الحساب وخفض الجناح، وأنهاك أن تسب حكيماً أو تكذب صادقاً أو تطيع آثماً أو تعصي إماماً عادلاً أو تفسد أرضاً وأوصيك باتقاء الله عند كل حجر وشجر ومدر، وأن تحدث لكل ذنب توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية" فهكذا أدب عباد الله ودعاهم إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب.

بيان جملة من محاسن أخلاقه

التي جمعها بعض العلماء والتقطها من الأخبار

فقال: كان أحلم الناس وأشجع الناس وأعدل الناس وأعف الناس لم تمس يده قط يد امرأة لا يملك رقها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه وكان أسخى الناس لا يبيت عنده دينار ولا درهم وإن فضل شيء ولم يجد من يعطيه وفجأه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من أيسر مما يجد من الثمر والشعير ويضع سائر ذلك في سبيل الله لا يسأل شيئاً إلا أعطاه ثم يعود على قوت عامه فيؤثر منه حتى إنه ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء وكان يخصف النعل ويرفع الثوب ويخدم في مهنة أهله ويقطع اللحم معهن وكان أشد الناس حياء لا يثبت بصره في وجه أحد ويجيب دعوة العبد الحر ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن أو فخذ أرنب ويكافئ عيها ويأكلها ولا يأكل الصدقة ولا يستكبر عن إجابة الأمة والمسكين يغضب لربه ولا يغضب لنفسه وينفد الحق وإن عاد ذلك عليه بالضرر أو على أصحابه. وعرض عليه الانتصار بالمشركين على المشركين وهو في قلة وحاجة إلى إنسان واحد يزيده في عدد من معه فأبى وقال: أنا لا أنتصر بمشرك وجد ن فضلاء أصحابه وخيارهم قتيلاً بين اليهود فلم يحف عليهم ولا زاد على مر الحق بل وداه بمائة ناقة وإن بأصحابه لحاجة إلى بعير واحد يتقون به وكان يعصب الحجر على بطنه مرة من الجوع ومرة يأكل ما حضر ولا يرد ما وجد ولا يتورع عن مطعم حلال وإن وجد تمر أو دون خبز أكله وإن وجد شواء أكله وإن وجد خبز بر أو شعير أكله وإن وجد حلواً أو عسلاً أكله وإن وجد لبناً دون خبز اكتفى به وإن وجد بطيخاً أو رطباً أكله، لا يأكل متكئاً ولا على خوان منديله باطن قدميه لم يشبع من خبز بر ثلاثة أيام متوالية حتى لقي الله تعالى إيثاراً على نفسيه لا فقراً ولا بخلاً يجيب الوليمة ويعود المرضى ويشهد الجنائز ويمشي وحده بين أعدائه بلا حارس أشد الناس تواضعاً وأسكنهم في غير كبر وأبلغهم في غير تطويل وأحسنهم بشراً لا يهوله شيء من أمر الدنيا ويلبس ما وجد فمرة شملة ومرة برد حبرة يمانياً ومرة جبة صوف ما وجد من المباح لبس وخاتمه فضة يلبسه في خنصره الأيمن والأيسر يردف خلفه عبده أو غيره يركب ما أمكنه مرة فرساً ومرة بعيراً ومرة بغلة شهباء ومرة حماراً ومرة يمشي راجلاً حافياً بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة يعود المرضى في أقصى المدينة يحب الطيب ويكره الرائحة الرديئة ويجالس الفقراء ويؤاكل المساكين ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ويتألف أهل الشرف بالبر لهم يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم لا يجفو على أحد يقبل معذرة المعتذر إليه يمزح ولا يقول إلا حقاً يضحك من غير قهقهة يرى اللعب المباح فلا ينكره يسابق أهله وترفع الأصوات عليه فيصبر وكان له لقاح وغنم يتقوت هو وأهله من ألبانها وكان له عبيد وإماء لا يرتفع عليهم في مأكل ولا ملبس ولا يمضي له وقت في غير عمل لله تعالى أو فيما لا بد له منه من صلاح نفسه يخرج إلى بساتين أصحابه لا يحتقر مسكيناً لفقره وزمانته ولا يهاب ملكاً لملكه يدعو هذا وهذا إلى الله دعاء مستوياً قد جمع تعالى له السيرة الفاضلة والسياسة التامة وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، نشأ في بلاد الجهل والصحارى في فقره وفي رعاية الغنم لا أب له ولا أم فعلمه الله تعالى جميع محاسن الأخلاق والطرق الحميدة وأخبار الأولين والآخرين وما فيه النجاة والفوز في الآخرة والغبطة والخلاص في الدنيا ولزوم الواجب وترك الفضول. وفقنا الله لطاعته في أمره والتأسي به في فعله آمين يا رب العالمين.

بيان جملة أخرى من آدابه وأخلاقه

مما رواه أبو البحتري قال: ما شتم رسول الله أحداً من المؤمنين بشتيمة إلا جعل لها كفارة ورحمة وما لعن امرأة قط ولا خادماً بلعنة وقيل له وهو في القتال: لو لعنتم يا رسول اله فقال: "إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعاناً" وكان إذا سئل أن يدعو على أحد مسلم أو كافر عام أو خاص عدل عن الدعاء عليه إلى الدعاء له وما ضرب بيده أحداً قط إلا أن يضرب بها في سبيل الله تعالى، وما انتقم من شيء صنع إليه قط إلا أن تنتهك حرمة الله، وخير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم فيكون أبعد الناس من ذلك وما كن يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته وقال أنس رضي الله عنه: والذي بعثه بالحق ما قال لي في شيء قط كرهه "لم فعلته?" ولا لامني نساؤه إلا قال "دعوه إنما كان هذا بكتاب وقدر" قالوا: وما عاب رسول الله مضجعاً، إن فرشوا له اضطجع وإن لم يفرش له اضطجع على الأرض وقد وصفه الله تعالى في التوراة قبل أن يبعثه في السطر الأول فقال: محمد رسول الله عبدي المختار لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة ولكن يعفو ويصفح؛ مولده بمكة وهجرته بطابة وملكه بالشام ي-أتزر على وسطه هو ومن معه دعاة للقرآن والعلم يتوضأ على أطرافه. وكذلك نعته في الإنجيل: وكان من خلقه أن يبدأ من لقيه بالسلام ومن قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر وكان إذا لقي أحداً من أصحابه بدأه بالمصافحة ثم أخذ بيده فشابكه ثم شد قبضته عيه وكان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه فقال: "ألك حاجة?" فإذا فرغ من حاجته عاد إلى صلاته، وكان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعاً ويمسك بيديه عليهما شبه الحبوة ولم يكن يعرف مجلسه من مجلس أصحابه لأنه كان حيث انتهى به المجلس جلس وما رؤي قط ماداً رجليه بين أصحابه حتى لا يضيق بهما على أحد إلا أن يكون المكان واسعاً لا ضيق فيه، وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه لمن ليست بينه وبينه قرابة ولا رضاع يجلسه عليه وكان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته فإن أبى أن يقبلها عزم عليه حتى كان مجلسه وسمعه وحديثه ولطيف محاسنه وتوجهه للجالس إليه ومجلسه مع ذلك مجلس حياء وتواسع وأمانة قال الله تعالى: "فيما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك" ولقد كان يدعوا أصحابه بكناهم إكراماً لهم واستمالة لقلوبهم ويكنى من لم تكن له كنية فكان يدعى بما كناه به ويكنى أيضاً النساء اللاتي لهن الأولاد واللاتي لم يلدن يبتدئ لهن الكنى ويكني الصبيان فيستلين به قلوبهم وكان أبعد الناس غضباً وأسرعهم رضاً وكان أرأف الناس بالناس وخير الناس للناس وأنفع الناس للناس ولم تكن ترفع في مجلسه الأصوات، وكان إذا قام من مجلسه قال: "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إليه إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك" ثم يقول "علمنيهن جبريل عليه السلام".

بيان كلامه وضحكه

كان أفصح الناس منطقاً وأحلاهم كلاماً ويقول:

أنا أفصح العرب وإن أهل الجنة يتكلمون فيها بلغة محمد وكان نزر الكلام سمح المقالة إذا نطق ليس بمهذار وكان كلامه كحرزات نظمن قالت عائشة رضي الله عنها: كان لا يسرد الكلام كسردكم هذا كان كلامه نزراً وأنتم تنثرون الكلام نثراً. قالوا: وكان أوجز الناس كلاماً وبذاك جاءه جبريل وكان مع الإيجاز يجمع كل ما أراد وكان يتكلم بجوامع الكلم لا فضول ولا تقصير كأنه يتبع بعضه بعضاً بين كلامه توقف يحفظه سامعه ويعيه وكان جهير الصوت أحسن الناس نغمة وان طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة ولا يقول المنكر ولا يقول في الرضا والغضب إلا الحق ويعرض عمن تكلم بغير جميل ويكنى عما اضطره الكلام إليه مما يكره وكان إذا سكت تكلم جلساؤه ولا يتنازع عنده في الحديث ويعظ بالجد والنصيحة ويقول: "لا تضربوا القرآن بعضه ببعض فإنه أنزل على وجوه" وكان أكثر الناس تبسماً وضحكاً في وجوه أصحابه وتعجباً مما تحدثوا به وخلطاً لنفسه بهم ولربما ضحك حتى تبدو نواجذه، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم اقتداء به وتوقيراً له، قال: ولقد جاءه أعرابي يوماً وهو عيه السلام متغير اللون ينكره أصحابه فأراد أن يسأله فقالوا: لا تفعل يا أعرابي فإنا ننكر لونه فقال: دعوني فوالذي بعثه بالحق نبياً لا أدعه حتى يتبسم، فقال: يا رسول الله بلغنا أن المسيح يعني الدجال يأتي الناس بالثريد وقد هلكوا جوعاً أفترى لي بأبي أنت وأمي أن أكف عن ثريده تعففاً وتنزهاً حتى أهلك هرالا أم أضرب في ثرده حتى إذا تضلعت شبعاً آمنت بالله وكفرت به? قالوا: فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه ثم قال: "لا بل يغنيك الله بما يغني به المؤمنين" قالوا: وكان من أكثر الناس تبسماً وأطيبهم نفساً ما لم ينزل عليه قرآن أو يذكر الساعة أو يخطب بخطبة عظة وكان إذا سر ورضي فهو أحسن الناس رضاً فإن وعظ وعظ بجد وإن غضب - وليس يغضب إلا الله - لم يقم لغضبه شيء وكذلك كان في أموره كلها وكان إذا نزل به الأمر فوض الأمر إلى الله وتبرأ من الحول والقوة واستنزل الهدى فيقول "اللهم أرني الحق حقاً فأتبعه وأرين المنكر منكراً وأرزقني اجتنابه وأعذني من أن يشتبه علي فأتبع هواي بغير هدى منك واجعل هواي تبعاً لطاعتك وخذ رضا نفسك من نفسي في عافية واهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم".

بيان أخلاقه وآدابه في الطعام

كان يأكل ما وجد وكان أحب الطعام إليه ما كان على ضفف والضفف ما كثرت عليه الأيدي، وكان إذا وضعت المائدة قال "بسم الله اللهم اجعلها نعمة مشكورة تصل به نعمة الجنة" وكان كثيراً إذا جلس يأكل يجمع ركبتيه وبين قدميه كما يجلس المصلي إلا أن الركبة تكون فوق الركبة والقدم فوق القدم ويقول: "إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد" وكان لا يأكل الحار ويقول: "إنه غير ذي بركة وإن اله لم يطعمنا ناراً فأبردوه" وكان يأكل مما يليه ويأكل بأصابعه الثلاث وربما استعان بالرابعة ولم يأكل بأصبيعن ويقول: "إن ذلك أكلة الشيطان" وجاءه عثمان بن عفان رضي الله عنه بفالوذج فأكل منه وقال: "ما هذا ياعبد الله?" قال: بأبي أنت وأمي نجعل السمن والعسل في البرمة ونضعها على النار ثم نغليه ثم نأخذ مخ الحنطة إذا طحنت فنقليه على السمن والعسل في البرمة، ثم نسوطه حتى ينضج فيأتي كما ترى فقال رسول الله "إن هذا الطعام طيب" وكان يأكل خبر الشعير غير منخول وكان يأكل الغثاء بالرطب وبالملح وكان أحب الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب وكان يأكل البطيخ بالخبز وبالسكر وربما أكله بالرطب ويستعين باليدين جميعاً، وأكل يوماً الرطب في يمينه وكان يحفظ النوى في يساره فمرت شاة فأشار إليها بالنوى فجعلت تأكل من كفه اليسرى وهو يأكل بيمينه حتى فرغ وانصرفت الشاة، وكان رما أكل العنب خرطاً يرى زؤانه على لحيته كحرز اللؤلؤ وكان أكثر طعامه الماء والتمر وكان يجمع اللبن بالتمر ويسميهما الأطيبين وكان أحب الطعام إليه اللحم ويقول: "هو يزيد في السمع وهو سيد الطعام في الدنيا والآخرة ولو سألت ربي أن يطعمنيه كل يوم لفعل" وكان يأكل الثريد باللحم والقرع وكان يحب القرع ويقول: "إنها شجرة أخي يونس عليه السلام" قالت عائشة رضي الله عنها وكان يقول "يا عائشة إذ طبختم قدراً فأكثروا فيها من الدباء فإنه يشد قلب الحزين" وكان يأكل لحم الطير الذي يصاد وكان لا يتبعه ولا يصيده ويحب أن يصاد له ويؤتى به فيأكله وكان إذا أكل اللحم لم يطأطئ رأسه إليه ويرفعه إلى فيه وفعاثم ينتهشه انتهاشاً وكان يأكل الخبز والسمن وكان يحب من الشاة الذراع والكف، ومن القدر الدباء ومن الخل ومن التمر والعجوة ودعا في العجوة بالبركة وقال: طهي من الجنة وشفاء من السم والسحر" وكان يحب من البقول الهندباء والباذروج والبقلة الحمقاء التي يقال لها الرجلة: وكان يكره الكليتين لمكانهما من البول وكان لا يأكل من الشاة سبعاً: الذكر والأنثيين والمثانة المرارة والغدد والحياء و الدم، ويكره ذلك وكان لا يأكل الثوم ولا البصل ولا الكراث وما ذم طعاماً قط لكن إن أعجبه أكله وإن كرهه تركه وإن عافه لم يبغضه إلى غيره وكان يعاف الضب والطحال ولا يحرمها وكان يعلق بأصابعه الصفحة ويقول: آخر الطعام أكثر بركة. وكان يلعق أصابعه من الطعام حتى تحمر وكان لا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه واحدة واحدة ويقول: إنه لا يدري في أي الطعام البركة: وإذا فرغ قال: "الحمد لله اللهم لك الحمد أطعمت فأشبعت وسقيت فأروبت لك الحمد غير مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنه" وكان إذا أكل الخبز واللحم خاصة غسل يديه غسلاً جيداً ثم يمسح بفضل الماء على وجهه وكان يشرب في ثلاث دفعات وله فيها ثلاث تسميات وفي أواخرها ثلاث تحميدات وأن يمص الماء مصاً ولا يعب عبا وكان يدفع فضل سؤره إلى من على يمينه فإن كان من على يساره أجل رتبة قال للذي على يمينه "السنة أن تعطي فإن أجبت آثرتهم" وربما كان يشرب بنفس واحد حتى يفرغ وكان لا يتنفس في الإناء بل ينحرف عنه وأتى بإناء فيه عسل ولبن فأبى أن يشربه وقال: "شربتان في شربة وإدامان في إناء واحد?" ثم قال "لا أحرمه ولكن أكره الفخر والحساب بفضول الدنيا غداً وأحب التواضع فإن من تواضع لله رفعه الله" وكان في بيته أشد حياء من العاتق لا يسألهم طعاماً ولا يتشهاه عليهم إن أطعموه أكل وما أعطوه قبل وما سقوه شرب وكان ربما قام فأخذ ما يأكل بنفسه أو يشرب.

بيان آدابه وأخلاقه في اللباس

كان يلبس من الثياب ما وجد من إزار أو رداؤ أو قميص أو جبة أو غير ذلك وكان يعجبه الثياب الخضر وكان أكثر لباسه البياض ويقول: "ألبسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم" وكان يلبس القباء المحشق للحرب وغير الحرب وكان له قباء سندس فيلبسه فتحسن خضرته على بياض لونه وكانت ثيابه كلها مشمرة فوق الكعبين ويكون الأزار فوق ذلك إلى نصف الساق وكان قميصه مشدود الأزرار وربما حل الأزرار في الصلاة وغيرها وكانت له ملحفة مصبوغه بالزعفران وربما صلى بالناس فيها وحدها وربما ليس الكساء وحده ما عليه غيره وكان له كساء ملبد يلبسه ويقول "إنما أنا عبد ألبس كما يلبس العبد، وكان له ثوبان لجمعته خاصة سوى ثيابه في غير الجمعة، وربما لبس إزار الواحد ليس عليه غيره ويعقد طرفيه بين كتفيه وربما أم به الناس على الجنائز وربما صلى في بيته في الإزار الواحد ملتحفاً به مخالفاً بين طرفيه ويكون ذلك الإزار الذي جامع فيه يومئذ وكان ربما صلى بالليل في الإزار ويرتدي ببعض الثوب مما يلي هدبه ويلقى البقية على بعض نسائه فيصلي كذلك ولقد كان له كساء أسود فوهبه فقالت له أم سلمة: بأبي أنت وأمي ما فعل ذلك الكساء الأسود? فقال: "كسوته" فقالت ما رأيت شيئاً قط كان أحسن من بياضك على سواده وقال أنس: وربما رأيته يصلي بنا الظهر في شملة عاقداً بين طرفيه وكان يتختم وربما خرج وفي خاتمه الخيط المربوط يتذكر به الشيء وكان يتخم به على الكتب ويقول الخاتم على الكتاب خير من التهمة وكان يلبس القلانس تحت العمائم وبغير عمامة، وربما نزع قلنسوته من رأسه فجعلها سترة بين يديه ثم يصلى إليها وربما لم تكن العمامة فيشد العصابة على رأسه وعلى جبهته وكانت له عمامة تسمى: السحاب، فوهبها من علي فربما طلع على فيها فيقول "أتاكم علي في السحاب" وكان إذا لبس ثوباً لبسه من قبل ميامنه ويقول: "الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في الناس" وإذا نزع ثوبه أخرجه من مياسره وكان إذا لبس جديداً أعطى خلق ثيابه مسكيناً ثم يقول: "ما من مسلم يكسو مسلماً من سمل ثيابه لا يسكوه إلا لله إلا كان في ضمان الله وحرزه وخيره ما واراه حياً وميتاً" وكان له فراش من أدم حشوه ليف طوله ذراعان أو نحوه وعرضه ذراع وشبر أو نحوه وكانت له عباءة تفرش له حيثما تنقل تثنى طاقين تحته وكان ينام على الحصير ليس تحته شيء غيره وكان من خلقه تسمية دوابه وسلاحه ومتاعه، وكان اسم رايته: العقاب. واسم سيفه الذي يشهد به الحروب: ذو الفقار. وكان له سيف يقال له: المخذم. وآخر يقال له: الرسوب: وآخر يقال له القضيب. وكانت قبضة سيفه محلاة بالفضة. وكان يلبس المنطقة من الآدم فيها ثلاث حلق هن فضة وكان اسم قوسه: الكتوم. وجعبته الكافور وكان اسم ناقته: القصواء، وهي التي يقال لها: العضبا اسم بغلته: الدلدل: وكان سام حماره يعفور واسم شاته التي يشرب لبنها عينة وكان له مطهرة من فخار يتوضأ فيها ويشرب منها فيرسل الناس أولادهم الصغار الذين قد عقلوا فيدخلون على رسول الله فلا يدفعون عنه فإذا وجدوا في المطهرة ماء شربوا منه ومسحوا على وجوههم وأجسادهم ويبتغون بذلك البركة.

بيان عفوه مع قدرته

كان أحلم الناس وأرغبهم في العفو مع القدرة حتى أتى بقلائد من ذهب وفضة فقسمها بين أصحابه فقام رجل من أهل البادية فقال: يا محمد والله لئن أمرك الله أن تعدل فما أراك تعدل: فقال؛ ويحك فمن يعدل عليه بعدي، فلما ولي قال "ردوه علي رويداً" وروى جابر: أنه كان يقبض للناس يوم خيبر من فضة في ثوب بلال فقال له رجل: يا رسول الله أعدل فقال له رسول الله "ويحك فمن يعدل إذا لم أعدل فقد خبت إذن وخسرت إن كنت لا أعدل" فقام عمر فقال: ألا أضرب ععنقه فإنه منافق فقال: معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي: وكان رسول الله في حرب فرأوا من المسلمين غرة فجاء رجل حتى قام على رأس رسول الله بالسيف وقال: من يمنعك مني? فقال: "الله" فقال: فسقط السيف من يده فأخذ رسول الله السيف وقال: من يمنعك مني? فقال: كن خير أخذ قال: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله: فقال: لا، غير أني لا أقاتلك ولا أكون معك ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلي سبيله فجاء أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس وروى أنس: أن يهودية أتت النبي بشاة مسمومة ليأكل منها فجيء بها إلى النبي فسألها عن ذلك فقالت: أردت قتلك؛ فقال: ما كان الله ليسلطك على ذلك: قالوا: أفلا تقتلها? فقال: لا: وسحره رجل من اليهود فأخبره جبريل عيه أفضل الصلاة والسلام بذلك حتى استخرجه وحل العقد فوجد لذلك خفة ما ذكر ذلك لليهودي ولا أظهره عليه قط وقال علي رضي الله عنه: بعثني رسول الله أنا الزبير والمقداد فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها: فانطلقنا حتى أتينا روضة خاخ فقلنا أخرجي الكتاب فقالت: ما معي من كتاب فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لننزعن الثياب، فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم أمراً من أمر رسول الله فقال: يا حاطب ما هذا? قال: يا رسول الله لا تعجل علي أني كنت امرأ ملصقاً في قومي وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهلهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب منهم أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، ولم أفعل ذلك كفراً ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام ولا ارتداداً عن ديني، فقال رسول الله "إنه شهد بدراً وما يدريك لعل الله عز وجل قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وقسم رسول الله قسمة فقال رجل من الأنصار: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله? فذكر ذلك للنبي فاحمر وجهه وقال: "رحم الله أخي موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر" وكان يقول: "لا يبلغن أحد منكم من أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر".

بيان إغضائه عما كان يكرهه

كان رسول الله رقيق البشرة لطيف الظاهر والباطن يعرف في وجهه غضبه ورضاه وكان إذا اشتد وجده أكثر من مس لحيته الكريمة وكان لا يشافه أحد بما يكرهه دخل عليه رجل وعليه رجل وعليه صفرة فكرهها فلم يقل له شيئاً حتى خرج فقال لبعض القوم: لو قلتم لهذا أن يدع هذه: يعني الصفرة، وبال أعرابي في المسجد بحضرته فهم به الصحابة فقال "لا تزرموه" أي لا تقطعوا عليه البول ثم قال له: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من القذر والبول والخلاء" وفي رواية "قربوا ولا تنفروا" وجاءه أعرابي يوماً يطلب منه شيئاً فأعطاه ثم قال له "أحسنت إليك?" قال الأعرابي وزاده شيئاً ثم قال: "أحسنت إليك?" قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، فقال له النبي "إنك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي شيء من ذلك فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك قال: نعم، فلما كان الغد أو العشى جاء فقال النبي "إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه فزعم أنه رضي أكذلك?" فقال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، فقال "إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة شردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفوراً فناداهم صاحب الناقة خلوا بيني وبين ناقتي فإني أرفق بها وأعلم فتوجه لها صاحب الناقة بين يديها فأخذ لها من قمام الأرض فردها هوناً حتى جاءت واستناخت وشد عليها رحلها واستوى عليها وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار".

بيان سخاوته وجوده

كان أجود الناس وأسخاهم وكان في شهر رمضان كالريح المرسلة لا يمسك شيئاً وكان علي رضي الله عنه إذا وصف النبي قال: كان أجود الناس كفاً وأوسع الناس صدراً وأصدق الناس لهجة وأوفاهم ذمة وألينهم عريكة أكرمهم عشيرة، من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله وما سئل عن شيء قط على الإسلام إلا أعطاه وأن رجلاً أتاه فسأله فأعطاه غنماً سدت ما بين جبلين فرجع إلى قومه وقال: أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة. وما سئل شيئاً قط فقال لا. وحمل إليه تسعون ألف درهم فوضعها على حصير ثم قام إليها فقسمها فما رد سائلاً حتى فرغ منها وجاء رجل فسأله فقال: "ما عندي شيء ولكن ابتع علي فإذا جاءنا شيء قضيناه" فقال عمر: يا رسول الله ما كلفك الله ما لا تقدر عليه فكره النبي ذلك فقال الرجل: أنفق ولا تخشى من ذي العرش إقلالاً، فتبسم النبي وعرف السرور في وجهه ولما قفل م حنين جاءت الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى شجرة فخطفت رداءه فوقف رسول الله وقال: "أعطوني ردائي لو كان لي عدد هذه العضاه نعماً لقسمتها بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذاباً ولا جباناً".

بيان شجاعته

كان أنجد الناس وأشجعهم قال علي رضي الله عنه: لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأساً وقال أيضاً: كنا إذا احمر البأس ولقى القوم القوم اتقينا برسول الله فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه قيل: وكان قليل الكلام قليل الحديث فإذا أمر الناس بالقتال تشمر وكان من أشد الناس بأساً وكان الشجاع هو الذي يقرب منه في الحرب لقربه من العدو وقال عمران بن حصين: ما لقى رسول الله كتيبة إلا كان أول من يضرب. وقالوا: كان قوي البطش، ولما غشيه المشركون نزل عن بغلته فجعل يقول: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" فما رؤى يومئذ أحد من أشد منه.

بيان تواضعه

كان أشد الناس تواضعاً في علو منصبه قال ابن عامر: رأيته يرمي الجمرة على ناقة شهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك وكان يركب الحمار موكفاً عليه قطيفة وكان منع ذلك يستردف وكان يعود المريض ويتبع الجنازة ويجيب دعوة المملوك ويخصف النعل ويرقع الثوب وكان يصنع في بيته مع أهله في حاجتهم وكان أصحابه لا يقومون له لما عرفوا من كراهته لذلك، وكان يمر على الصبيان فيسلم عليهم وأتى برجل فأرعد من هيبته فقال له: هون عليك فلست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد وكان يجلس بين أصحابه مختلطاً بهم كأنه أحدهم فيأتي الغريب فلا يدري أيهم هو? حتى يسأل عنه حتى طلبوا إليه أن يجلس مجلساً يعرفه الغريب فبنوا له دكاناً من طين فكان يجلس عيه وقالت له عائشة رضي الله عنها كل - جعلني الله فداك - متكئاً فإنه أهون عليك قال: فأصغى رأسه حتى كاد أن تصيب جبهته الأرض ثم قال: بل آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد: وكان لا يأكل على خوان ولا سكرجة حتى لحق بالله تعالى. وكان لا يدعوه أحد من أصحابه وغيرهم إلا قال: لبيك: وكان إذا جلس مع الناس إن تكلموا في معنى الآخرة أخذ معهم وإن تحدثوا في طعام أو شراب تحدث معهم وإن تكلموا في الدنيا تحدث معهم رفقاً بهم وتواضعاً لهم وكانوا يتناشدون الشعر بين يديه أحياناً ويذكرون أشياً من أمر الجاهلية ويضحكون فيتبسم هو إذا ضحكوا ولا يزجرهم إلا عن حرام.

بيان صورته وخلقته

وكان من صفة رسول الله أنه لم يكن بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد بل كان ينسب إلى الربعة إذا مشى وحده، ومع ذلك فلم يكن يماشيه أحد من الناس ينسب إلى الطول إلا طاله رسول الله ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه نسباً إلى الطول ونسب هو عليه السلام إلى الربعة ويقول : جعل الخير كله في الربعة.

وأما لونه فقد كان أزهر اللون ولم يكن بالآدم ولا بالشديد البياض، والأزهر هو الأبيض الناصع الذي لا تشوبه صفرة ولا حمرة ولا شيء من الألوان، ونعته عمه أبو طالب فقال: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

ونعته بعضهم بأنه مشرب بحمرة فقالوا: إنما كان المشرب منه بالحمرة ما ظهر للشمس والرياح كالوجه والرقبة والأزهر الصافي عن الحمرة ما تحت الثياب منه. وكان عرقه في وجهه كاللؤلؤ أطيب من المسك الأذفر.

وأما شعره فقد كان رجل الشعر حسنه ليس بالسبط لا الجعد القطط وكان إذا مشطه بالمشط يأتى كأنه حبك. الرمل. وقيل: كان شعره يضرب منكبيه وأكثر الرواية أنه كان إلى شحمة أذنيه. ربما جعله غدائر أربعاً تخرج كل أذن من بين غديرتين. وربما جعل شعره على أذنيه فتبدو سوالفه تتلألأ. وكان شيبه في الرأس واللحية سبع عشرة شعرة، ما زاد على ذلك.

وكان أحسن الناس وجهاً وأنورهم لم يصفه واصف إلا شبه بالقمر ليلة البدر، وكان يرى رضاه وغضبه في وجهه لصفاء بشرته، وكانوا يقولون هو كما وصفه صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه حيث يقول: أمين مصطفى للخير يدعو كضوء البدر زايله الظلام

وكان واسع الجبهة أزج الحاجبين سابغهما وكان أبلج ما بين الحاجبين كأن ما بينهما الفضة الخلصة، وكانت عيناه نجلاوين أدعجهما وكان في عينيه تمزج من حمرة، وكان أهدب الأشفار حتى تكاد تلتبس من كثرتها، وكان أقنى العرنين - أي مستوى الأنف - وكان مفلج الأسنان - أي متفرقها - وكان إذا افتر ضاحكاً افتر بالطويل الوحه ولا المكلثم، كث اللحية، وكان يعفى لحيته ويأخذ من شاربه، وكان أحسن عباد الله عنقاً لا ينسب إلى الطول ولا إلى القصر، ما ظهر من عنقه للشمس والرياح فكأنه إبريق فضة مشرب ذهباً يتلألأ في بياض الفضة وفي حمرة الذهب، وكان عريض الصدر لا يعدو لحم بعض بدنه بعضاً كالمرآة في استوائها وكالقمر في بياضه موصول ما بين لبته وسرته بشعر منقاد كالقضيب لم يكن في صدره ولا بطنه شعر غيره، وكانت له عن ثلاث يغطي الإزار منها واحدة ويظهر اثنتان، وكان عظيم المنكبين أشعرهما ضخم الكراديس - أي رءوس العظام من المنكبين والمرفقين والوركين - وكان واسع الظهر ما بين كتفيه خاتم النبوة وهو مما يلي منكبه الأيمن فيه شامة سوداء تضرب إلى الصفرة حولها شعرات متواليات كأنها من عرف فرس، وكان عبل العضدين والذراعين طويل الزندين رحب الراحتين سائل الأطراف كأن أصابعه قضبان الفضة، كفه ألين من الخز، كأن كفه كف عطار طيباً - مسها بطيب أو لم يمسها - يصافحه المصافح فيظل يومه يجد ريحها ويضع يده على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان بريحها على رأسه، وكان عبل ما تحت الإزار ن الفخذين والساق، وكان معتدل الخلق في السمن بدن في آخر زمانه وكان لحمه متماسكاً يكاد يكون على الخلق الأول لم يضره السمن.

وأما مشيه فكان يمشي كأنما يتقلع من صخر وينحدر من صبب يخطو تكفياً ويمشي الهوينى بغير تبختر - والهوينى تقارب الخطا - وكان عليه الصلاة والسلام يقول: "أنا أشبه الناس بآدم وكان أبي إبراهيم أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً" وكان يقول: "إن لي عند ربي عشرة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد، وأنا الحاشر يحشر الله العباد على قدمى، وأنا رسول الرحمة ورسول التوبة ورسول الملاحم والمقفى قفيت الناس جميعاً وأنا قثم" قال البحتري والقثم الكامل الجامع، والله أعلم.

بيان معجزاته وآياته الدالة على صدقه

اعلم أن من شاهد أحواله وأصغى إلى سماع أخباره المشتملة على أخلاقه وأفعاله وأحواله وعادياته وسجاياه وسياسته لأصناف الخلق وهدايته إلى ضبطهم وتألفه أصناف الخلق وقوده إياهم إلى طاعته مع ما يحكى من عجائب أجوبته في مضايق الأسئلة وبدائع تدبيراته في مصالح الخلق ومحاسن إشاراته في تفصيل ظاهر الشرع الذي يعجز الفقهاء والعقلاء عن إدراك أوائل دقائقها في طول أعمارهم، لم يبق له ريب ولا شك في أن ذلك لم يكن مكتسباً بحيلة تقوم بها القوة البشرية، بل لا يتصور ذلك إلا بالاستمداد من تأييد سماوي وقوة إلهية، وأن ذلك كله لا يتصور لكذاب ولا ملبس، بل كانت شمائله وأحواله شواهد قاطعة بصدقه حتى أن العربي القح كان يراه فيقول: والله ما هذا وجه كذاب فكان يشهد له بالصدق بمجرد شمائله فكيف من شاهد أخلاقه ومارس أحواله في جميع مصادره وموارده? وإنما أوردنا بعض أخلاقه لتعرف محاسن الأخلاق وليتنبه لصدقه عليه الصلاة والسلام وعلوا منصبه ومكانته العظيمة عند الله؛ إذ آتاه الله جميع ذلك وهو رجل أمي لم يمارس العلم ولم يطالع الكتب ولم يسافر قط ي طلب علم ولم يزل بين أظهر الجهال من الأعراب يتيماً فضلاً عن معرفة الله تعالى وملائكته وكتبه وغير ذلك من خواص النبوة لولا صريح الوحي? ومن لقوة البشر الاستقلال بذلك? فلو لم يكن له إلا هذه الأمور الظاهرة لكان فيه كفاية. وقد ظهر من آياته ومعجزاته ما لا يستريب فيه محصل، فلنذكر من جملتها ما استفاضت به الأخبار واشتملت عليه الكتب الصحيحة إشارة إلى مجامعها من غير تطويل بحكاية التفصيل.

فقد خرق الله العادة على يده غير مرة؛ إذ شق له القمر بمكة لما سألته قريش آية وأطعم النفر الكثير في منزل جابر وفي منزل أبي طلحة ويوم الخندق ومرة أطعم ثمانين من أربعة أمداد شعير وعناق وهو من أولاد المعز فوق العتود، ومرة أكثر من ثمانين رجلاً من أقراص شعير حملها أنس في يده ومرة أهل الجيش من تمر يسير ساقته بنت بشير في يدها فأكلوا كلهم حتى شبعوا من ذلك وفضل لهم ونبع الماء من بين أصابعه عليه السلام فشرب أهل العسكر كلهم وهم عطاش، وتوضئوا من قدح صغير ضاق عن أن يبسط عليه السلام يده فيه وأهراق عليه السلام وضوءه في عين تبوك ولا ماء فيها، ومرة أخرى في بئر الحديبية فجاشتا بالماء؛ فشرب من عين تبوك أهل الجيش وهم ألوف حتى رووا وشرب من بئر الحديبية ألف وخمسمائة ولم يكن فيها قبل ذلك ماء وأمر عليه السلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يزود أربعمائة راكب من تمر كان في اجتماعه كربضة البعير - وهو موضع بروكه - فزودهم كلهم منه وبقي منه فحبسه ورمى الجيش بقبضته من تراب فعميت عيونهم ونزل بذلك القرآن في قوله تعالى: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" وأبطل الله تعالى الكهانة بمبعثه فعدمت وكان ظاهرة موجودة وحن الجذع الذي كان يخطب إليه لما عمل له المنبر حتى سمع منه جميع أصحابه مثل صوت الإبل فضمه إليه فسكن ودعا اليهود إلى تمني الموت وأخبرهم بأنهم لا يتمنونه فحيل بينهم وبين النطق بذلك وعجزوا عنه. وهذا مذكور في سورة يقرأ بها في جميع جوامع الإسلام من شرق الأرض إلى غربها يوم الجمعة - جهراً - تعظيماً للآية التي فيها.

وأخبر عليه السلام بالغيوب وأنذر عثمان بأن تصيبه بلوى بعدها الجنة وبأن عمار اتقتله الباغية وأن الحسن يصلح الله به فئتين من المسلمين عظيمتين وأخبر عليه السلام عن رجل قاتل في سبيل الله أنه من أهل النار فظهر ذلك بأن ذلك الرجل قتل نفسه وهذه كلها أشياء إلهية لا تعرف البتة بشيء من وجوه تقدمت المعفة بها لا بنجوم ولا بكشف ولا بخط ولا بزجر لكن بإعلام الله تعالى له ووحيه إليه. واتبعه سراقة بن مالك فساخت قدماً فرسه في الأرض وأتبعه دخان حتى استغاثه فدعا له فانطلق الفرس، وأنذره بأن سيوضع في ذراعيه سواراً كسرى فكان كذلك وأخبر بمقتل الأسود العنسي الكذاب ليلة قتله وهو بصنعاء اليمن وأخبر بمن قتله وخرج على مائة من قريش ينتظرونه فوضع التراب على رءوسهم ولم يروه وشكا إليه البعير بحضرة أصحابه وتذلل له وقال لنفر من أصحابه مجتمعين "أحدكم في النار ضرسه مثل أحد فماتوا كلهم على استقامة وارتد منهم واحد فقتل مرتداً" وقال لآخرين منهم: آخركم موتاً ي النار؛ فسقط آخرهم موتاً في النار فاحترق فيها فمات ودعا شجرتين فأتتاه واجتمعتا ثم أمرهما فافترقتا. وكان عيه السلام نحو الربعة فإذا مشى مع الطوال طالهم ودعا عليه السلام النصارى إلى المباهلة فامتنعوا فعرفهم أنهم إن فعلوا ذلك هلكوا فعلموا صحة قوله فمتنعوا وأتاه عامر بن الطفيل بن مالك وأربد بن قيس وهما فارسا العرب وفاتكاهم عازمين على قتله عليه السلام فحيل بينهما وبين ذلك ودعا عليهما فهلك عامر بغدة وهلك أربد بصاعقة أحرقته وأخبر عليه السلام أنه يقتل أبي بن خلف الجمحي فخدشه يوم أحد خدشاً لطيفاً فكانت منيته فيه.

وأعم عليه الصلاة والسام السم فمات الذي أكله معه وعاش هو بعده أربع سنين، وكلمه الذراع المسموم.

وأخبر عليه السلام يوم بدر بمصارع صناديد قريش ووقفهم على مصارعهم رجلاً رجلاً فلم يتعدوا واحد منهم ذلك الموضع وأنذر عليه السلام بأن طوائف من أمته يغزون في البحر فكان كذلك وزويت له الأرض فأرى مشارقها ومغاربها وأخبر بأن ملك أمته سيبلغ ما زوى له منها فكان كذلك فقد بلغ ملكهم من أول المشرق: من بلاد الترك إلى آخر المغرب من بحر الأندلس وبلاد البربر ولم يتسعوا في الجنوب ولا في الشمال - كما أخبر سواء بسواء. وأخبر فاطمة ابنته رضي الله عنها بأنها أول أهله لحاقاً به فكان كذلك ?. وأخبر نساءه بأن أطولهن يداً أسرعهن لحاقاً به فكانت زينب بنت جحش الأسدية أطولهن يداً بالصدقة أولهن لحوقاً به رضي الله عنها.

ومسح ضرع شاة حائل لا لبن لها فدرت وكان ذلك سبب إسلام ابن مسعود رضي الله عنه. وفعل ذلك مرة أخرى في خيمة أم معبد الخزاعية. وندرت عين بعض أصحابه فسقطت فردها عليه السلام بيده فكانت أصح عينيه وأحسنهما وتفل في عين على رضي الله عنه وهو أرمد يوم خيبر فصح من وقته وبعثه بالراية وكانوا يسمعون تسبيح الطعام بين يديه وأصيبت رجل بعض أصحابه فمسحها بيده فبرات من حيثها وقل زاد جيش كان معه عليه السلام فدعا بجميع ما بقي فاجتمع شيء يسير جداً فدعا فيه بالبركة، ثم أمرهم فأخذوا فلم يبق وعاء في العسكر إلا ملئ من ذلك وحكى الحكم بن العاص بن وائل: مشيته عليه السلام مستهزئاً فقال : كذلك فكن: فلم يزل يرتعس حتى مات وخطب عليه السلام امرأة فقال له أبوها: إن بها برصاً - امتناعاً من خطبته واعتذاراً - ولم يكن بها برص فقال عليه السلام: فلتكن كذلك: فبرصت وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر. إلى غير ذلك من آياته ومعجزاته ، وإنما اقتصرنا على المستفيض. ومن يستريب في انخراق العادة على يده ويزعم أن آحاد هذه الوقائع لم تنقل تواتراً بل المتواتر هو القرآن فقط كمن يستريب في شجاعة علي رضي الله عنه وسخاوة حاتم الطائي ومعلوم أن آحاد وقائعهم غير متواترة ولكن مجموع الوقائع يورث علماً ضرورياً ثم لا يتمارى في تواتر القرآن وهي المعجزة الكبرى الباقية بين الخلق: وليس لنبي معجزة باقية سواه إذ تحدى بها رسول الله بلغاء الخلق وفصحاء العرب وجزيرة العرب حينئذ مملوءة بآلاف منهم والفصاحة صنعتهم وبها منافستهم ومباهاتهم. وكان ينادي بين أظهرهم "أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً". وقال ذلك تعجيزاً لهم فعجزوا عن ذلك وصرفوا عنه حتى عرضوا أنفسهم للقتل ونساءهم وذراريهم للسبي؛ وما استطاعوا أن يعارضوا ولا أن يقدحوا في جزالته وحسنه ثم انتشر ذلك بعده في أقطار العالم شرقاً وغرباً قرناً بعد قرن وعصراً بعد عصر وقد انقرض اليوم قريب من خمسمائة سنة ولم يقدر أحد على معارضته.

فأعظم بغباوة من ينظر في أحواله، ثم في أقواله، ثم في أفعاله، ثم في أخلاقه، ثم في معجزاته، ثم في استمرار شرعه إلى الآن، ثم في انتشاره في أقطار العالم، ثم في إذعان ملوك الأرض له في عصره وبعد عصره مع ضعفه ويتمه ثم يتمارى بعد ذلك في صدقه.

وما أعظم توفيق من آمن به وصدقه واتبعه في كل ما ورد وصدر فنسأل الله تعالى أن يوفقنا للإقتداء به في الأخلاق والأفعال والأحوال والأقوال بمنه وسعة جوده انه سميع مجيب.