أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم/ذكر الخصائص في الأقاليم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

ذكر الخصائص في الأقاليم[عدل]

أظرف الأقاليم العراق وهو أخف على القلب وأحد للذهن، وبها تكون النفس أطيب والخاطر أدق إذا كانت كفاية. واجلها وأوسعها فواكه وأكثرها علماً وأجلة وأبرداً المشرق. وأكثرها صوفاً وقزاً ودخلاً على قدره الديلم. وأجودها ألباناً وأعسالاً وألذها إخبازاً وأمكنها زعفراناً الجبال. وأكثرها ثماراً وأرخصها أسعاراً ولحوماً وأثقلها قوماً الرحاب. وأسفلها قوماً وأشرهم أصلاً وفصلاً خوزستان. وأحلاها تموراً وأوطأها قوماً كرمان. وأكثرها فانيذاً وأرزازاً ومسكاً وكفاراً السند. وأكيسها قوماً وتجاراً وأكثرها فسقاً فارس. وأشدها حراً وقحطاً ونخيلاً جزيرة العرب. وأكثرها بركات وصالحين وزهاداً ومشاهد الشام. وأكثرها عباداً وقراء وأموالاً ومتجراً وخصائص وحبوباً مصر. وأخوفها سبلاً وأجودها خيلاً وأوسطها قوماً أقور. وأجفاها وأثقلها وأغشها قوماً وأكثرها مدناً وأوسعها أرضاً المغرب.

وقال عبد الرحمان بن أخي الأصمعي دخلت على الجاحظ، فقلت افدني في البلدان فائدة، قال نعم الأمصار عشرة: المروة ببغداد، والفصاحة بالكوفة، والصنعة بالبصرة، والتجارة بمصر، والغدر بالري، والجفاء بنيسابور، والبخل بمرو، والصلف ببلخ، والحرفة بسمرقند. وقد صدق لعمري.

آلا أن بنيسابور أيضاً صناعاً حذاقاً، وبالبصرة تجارات،، وبمكة فصاحة،وبمرو دهاة، وصنعاء طيبة الهواء، وبيت المقدس حسنة البناء، وصغر وجرجان موضع الوباء، ودمشق كثيرة الأنهار، وصغد ممتدة الاشجار، والرملة لذيذة الثمار، وطبرستان دائمة الامطار، وفرغانة رخيصة الاسعار، والمروة والجحفة معدن الدعار، والرقة موضع الاخطار، وهمذان وتنيس مركز الاحرار، والشام إقليم الاخيار، وسمرقند فرضة التجار، ونيسابور بلدة الكبار، والفسطاط آهل الأمصار، وطوب لأهل الغرج بعدل الشار، ولأصفهان الهواء والحلل والفخار، ورسوم شيراز على الإسلام عار، وعدن دهليز الصين مع صحار، وبالصغانيان الكلأ والثمار والاطيار، وبخارا جليلة لولا الماء وحريق النار، وبلخ خزانة الفقه مع الرحب واليسار، وأيليا تصلح لأهل الدين والدار، وأهل بغداد قليلو الإعمار، وصنعاء ونيسابور بالضد.

وليس أكثر ولا أرذل من مذكري نيسابور، ولا اطمع من أهل مكة، ولا أفقر من أهل يثرب، ولا أعف من أهل بيت المقدس، ولا آدب من أهل هراة وبيار، ولا أذهن من أهل الري، ولا أنقب من أهل سجستان، ولا أبخس من أهل عُمان، ولا أجهل من أهل عَمان، ولا أصح موازين من أهل الكوفة وعسكر مكرم، ولا أحسن من أهل حمص وبخارا، ولا أقبح من أهل خوارزم، ولا أحسن لحى من الديلم، ولا أشرب للخمور من أهل بعلبك ومصر، ولا أفسق من أهل سيراف، ولا أعمى من أهل سجستان ودمشق، ولا أشغب من أهل سمرقند والشاش، ولا أوطأ من أهل مصر، ولا أبله من أهل البحرين، ولا أحمق من أهل حمص، ولا ألبق من أهل فسا ونابلس ثم الري بعد بغداد، ولا أحسن لساناً من أهل بغداد، ولا أوحش من لسان صيدا وهراة، ولا أصح من السان خراسان، ولا أحسن عجميةً من أهل بلخ والشاش، ولا أعفط من أهل البطائح، ولا أسلم صدورا. من أهل هيطل، ولا أخير قوما من أهل غرج الشار.

فإن سأل سائل أي البلدان أطيب نظر? فإن كان ممن يطلب الدارين قيل له بيت المقدس، وإن كان مخلصاً آمنا من الطمع قيل مكة، وإن كان ممن يطلب النعمة والحيازة والرخص والفواكه قيل له كل بلد أجزاك، وإلا فعليك بخمسة أمصار: دمشق والبصرة والري وبخارا وبلخ. أو بخمس مدائن: قيسارية وباعيناثا وخجندة والدينور ونوقان. أو بخمس نواح: الصغد والصغانيان ونهاوند وجزيرة ابن عمر وسابور. فاختر ما شئت منها فإنها منازه الإسلام. وأما الاندلس فيقال أنها جنات. ومستفاض جنات الدنيا أربع: غوطة دمشق ونهر الابلة وروضة الصغد وشعب بوان. ومن أراد التجارة فعليه بعدن أو عمان أو مصر. وكلما نذكر من عيوب أهل البلدان فأهل العلم والادب عنه بمعزل، خاصة الفقهاء، لأني رأيت الفضل فيهم.

واعلم أن كل بلد فيه صاد فأهله حمق إلا البصرة. فإن اجتمعت صادان مثل المصيصة وصرصر فنعوذ بالله. وكل بلد نسبت صاحبه إليه فلقيت الزاي الياء فهو داه، مثل رازي مروزي سجزي. وكل بلد آخر أن فله خاصية أو طيبة، مثل جرجان موقان ارجان. وكل بلد شديد البرد فأهله أسمن وأضخم وأحسن وأكبر لحى، مثل فرغانة وخوارزم وارمينية. وكل بلد على بحر أو نهر فالزنا واللواطة فيه كثير، مثل سيراف وبخارا وعدن. وكل بلد يحيط به أنهار فأن في أهله شغباً وخروجاً، مثل دمشق وسمرقند والصليق. وكل بلد رحب رخى فإن المعايش به ضيقة إلا بلخ. واعلم أن بغداد كانت جليلة في القديم وقد تداعت الآن إلى الخراب، واختلت وذهب بهاؤها، ولم أستطبها ولا أعجبت بها، وإن مدحناها فللتعارف. وفسطاط مصر اليوم كبغداد في القديم ولا أعلم في الإسلام بلدا أجل منه. وأما إقليم المشرق فقد فشا فيه الجور وفسد، وهو خيرمن غيره. وأقاليم الأعاجم فلا تطيب لأهل أسفل. ولو كان للرملة ماء جار لما استثنينا أنها أطيب بلد في الإسلام، لأنها ظريفة خفيفة، بين قدس وثغور وغور وبحور، معتدلة الهواء لذيذة الثمار سرية الأهل، غيرأن فيهم جهلا خزانة مصر ومطرح البحرين رخية.